مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

فعليّا لبني هاشم ، بل الحرام الممتزج به ملك لصاحبه ، ولكن الشارع جعل تخميس المال بمنزلة إيصال ما فيه من الحرام إلى أهله في الخروج عن عهدته ، وسببيّته لحلّ الباقي ، وقضية ذلك اشتغال ذمته لدى التصرّف فيه ، وإتلافه بما فيه من مال الغير لمالكه ، فيشكل الفرق حينئذ بينه وبين الحرام المتميّز الذي أتلفه ، وجهل مقداره ، مع أنّه في هذا الفرض يجب عليه التصدّق.

اللهم إلّا أن يراد بتعلّق الخمس بذمته كونه مبرئا لها وإن كان الحرام في الواقع أكثر من ذلك ، بدعوى : استفادته ممّا دلّ عليه مع وجود العين بتنقيح المناط ، فليتأمل.

(فروع)

(الأول : الخمس يجب في الكنز) مطلقا (سواء كان الواجد له حرّا أو عبدا ، صغيرا أو كبيرا ، وكذا المعادن والغوص) لإطلاق الأخبار (١) المتضمّنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع ، بل ظهورها في ثبوته فيها من حيث هي كما لا يخفى على من لاحظها ، فلا يختلف الحال حينئذ بين أنحاء الواجدين ، والمكلّف بإخراج الخمس على تقدير قصور الواجد لصغر أو جنون ونحوه هو الوليّ ، كما هو واضح.

وفي المدارك بعد شرح العبارة قال : وربّما لاح من العبارة اعتبار التكليف والحرية في غير هذه الأنواع الثلاثة.

وهو مشكل على إطلاقه ؛ فإنّ مال المملوك لمولاه ، فيتعلّق به خمسه.

نعم اعتبار التكليف في الجميع متّجه (٢). انتهى.

__________________

(١) تقدمت في صفحة : ١٥ ـ ١٦.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٣٩٠.

١٨١

أقول : لا يبعد ابتناء الكلام على أنّ العبد يملك ضرورة أنّ المراد بالواجد ليس ما يترائى من لفظه ، بل المستفيد ، فكأنّ مبنى قصر وجوب الخمس في ما عدا هذه الأنواع الثلاثة على غير المملوك ـ كما يلوح من العبارة ـ دعوى اعتبار الاستقلال بالتصرّف في تعلّق الخمس بماله كالزكاة.

وفيه : أنّه لا دليل على اعتبار هذا الشرط ، بل قضية إطلاقات الأدلّة خلافه ، فالمتّجه عدم الفرق بين العبد وغيره في هذا الباب.

وأمّا ما استوجهه من اعتبار التكليف في الجميع ، يعني في ما عدا الثلاثة المذكورة ، وهي : الغنيمة والأرباح والمال المختلط بالحرام والأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم فهو أيضا في غاية الإشكال ، خصوصا بالنسبة إلى المال المختلط بالحرام الذي شرّع الخمس فيه لتحليله.

فمن هنا قد يتّجه القول بتعلّق الخمس به في مال الطفل أيضا ولو لم نقل به في ما عداه من الأقسام ، بل وكذا غنائمه ؛ لظهور جلّ ما دلّ على الخمس في الغنيمة حتى الآية الشريفة التي هي الأصل في هذا الباب في تعلّقه بالمال المغتنم من حيث هو كما يفصح عن ذلك ، مضافا إلى وضوحه : ما ذكروه في كيفية تقسيم الغنيمة من أنّها تقسّم خمسة أخماس ، فيؤخذ خمسه للإمام وقبيله ، ثمّ يقسّم الباقي بين من حضر القتال ولو كان طفلا ، بل وكذلك الكلام في أرباح تجاراته ؛ فإنّ بعض ما دلّ على ثبوت الخمس في الأرباح ظاهره تعلّقه بها مطلقا ، وأنّها مندرجة في الغنائم التي دلّت الآية الشريفة على ثبوت الخمس فيها من حيث هي ، فالأظهر عدم الفرق في شي‌ء من هذه الأنواع بين أصناف الناس.

نعم ، ثبوته في الأرض المشتراة لطفل الذمّي لا يخلو عن تردّد ؛ لانحصار

١٨٢

مستنده في الرواية المشتملة على لفظة «على» الظاهرة في التكليف ، مع أنّ إطلاق الذمّي عليه مبنيّ على التوسّع ، ولكنه مع ذلك لعلّه أظهر (١) ؛ إذ الغالب في مثل هذه الموارد استعمال لفظة «على» في مجرّد الثبوت والاستقرار ، كما في قوله : عليه دين. وعلى اليد ما أخذت ؛ كما أنّ المنساق إلى الذهن من إطلاق الذمّي في مثل المقام إرادة ما يعمّ أطفالهم ، والله العالم.

الفرع (الثاني : لا يعتبر الحول في شي‌ء من) أنواع (الخمس) بلا إشكال ولا خلاف في شي‌ء منها ممّا عدا الأرباح ؛ لإطلاقات أدلّتها كتابا وسنّة.

وأمّا خمس الأرباح فهو أيضا كذلك وإن لم يتضيّق التكليف به إلّا بعد مضيّ الحول على المشهور ، بل لم ينقل التصريح بخلافه عن أحد عدا الحلّي في السرائر ، فإنّه بعد أن حكم بوجوب إخراج الخمس من المعادن والكنوز على الفور ، قال ما لفظه : وأمّا ما عدا الكنوز والمعادن من سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها ، بل بعد مئونة المستفيد ومئونة من يجب عليه مئونته سنة هلالية على جهة الاقتصاد ، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شي‌ء أخرج منه الخمس قليلا كان الفاضل أو كثيرا ، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس بعد حصوله له وإخراج ما يكون بقدر نفقته ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة ، وإخراجه على الفور أو وجوبه ذلك الوقت يحتاج إلى دليل شرعي ، والشرع خال منه ، بل إجماعنا منعقد بغير خلاف : أنّه لا يجب إلّا بعد مئونة الرجل طول

__________________

(١) في الطبعة الحجرية : الأظهر.

١٨٣

سنته ، فإذا فضل بعد ذلك شي‌ء أخرج منه الخمس من قليله وكثيره.

وأيضا فالمئونة لا يعلمها ولا يعلم كميّتها إلّا بعد مضيّ سنته ، لأنّه ربّما ولد الأولاد أو تزوّج الزوجات ، أو انهدمت داره ومسكنه ، أو ماتت دابّته التي يحتاج إليها ، أو اشترى خادما يحتاج إليه ، أو دابّة يحتاج إليها إلى غير ذلك ممّا يطول تعداده وذكره ، والقديم تعالى ما كلّفه إلّا بعد هذا جميعه ، ولا أوجب عليه شيئا إلّا في ما يفضل عن هذا جميعه طول سنته (١) انتهى.

ويتوجّه على الوجه الذي ذكره أوّلا : أن ليس المراد بما بعد المئونة الواردة في النصوص والفتاوى التأخّر الزماني حتى يكون مفاده توقيت وجوب إخراج الخمس بما بعد زمان صرف المئونة ، وإلّا لم يكن فيه دلالة على متعلّقه ، بل التأخّر الرتبي ، وبيان عدم وجوب الخمس إلّا في الزائد عمّا يصرفه في المئونة ، فلا يفهم منه إلّا تخصيص عموم ما دلّ على ثبوت الخمس في الأرباح بما عدا المئونة ، لا تقييد إطلاقه بما بعد زمانها.

ولكن الذي يقتضيه الإنصاف أنّه لا يبعد أن يدّعى أنّ المتبادر من بعض أخبار المئونة ـ كقوله ـ عليه‌السلام ـ في خبر النيسابوري ، الوارد في ما بقي من أكرار الحنطة : «لي منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته» (٢) وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «بعد المئونة» الواقع جوابا عن السؤال في مكاتبة البزنطي عن أنّ الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ ـ إنّما هو إرادته في الباقي عنده بعد صرف المئونة (٣) ، إلّا أنّه لوروده في مقام بيان ما يجب فيه

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦ / ٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٤٨ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٥ / ١٣ ، الوسائل : الباب ١٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

١٨٤

الخمس ، وعدم وجوبه في جميع الربح ، بل في الزائد عن مئونته لا يفهم منه إلّا أنّه يجب إخراج خمسه بعد صرف المئونة ، وأنّه يجوز له التأخير إليه ، وأمّا أنّه مبدأ حدوث التكليف بحيث لو أخرجه قبله لم يجزئ فلا ، فلا ينهض مثل هذه الأخبار مقيّدا لإطلاقات الأدلّة من هذه الجهة ، كما أنّ الوجه الذي ذكره ثانيا لا يصلح وجها إلّا لجواز التأخير من باب الاحتياط.

فالأقوى ما هو المشهور من أنّه لا يعتبر الحول في شي‌ء من الخمس (ولكن يؤخّر) جوازا (ما يجب في الأرباح) كما صرّح به في المتن وغيره ، بل في الجواهر : لا أجد فيه خلافا ، بل الظاهر الإجماع عليه (١) إمّا (احتياطا للمكتسب) كما يقتضيه الوجه الذي ذكره الحلّي ثانيا ، أو لاستفادته من الأخبار المزبورة بالتقريب المتقدّم ، المعتضد بالسيرة ، فلا ينبغي الاستشكال فيه من هذه الجهة ، إلّا أنّه قد يشكل ذلك بأنّ قضية تعلّق الخمس بما يفضل عن المئونة من حين ظهور الربح ـ كما هو المشهور ـ عدم جواز التصرّف فيه والاكتساب به بناء على تعلّق الخمس بالعين ، كما هو الظاهر لدى العلم إجمالا بتحقّق الزيادة ، والحكم ببطلان المعاملات المتعلّقة به ولو مع الجهل بثبوته بعد انقضاء السنة واستكشاف الزيادة ، وهذا خصوصا الأخير منهما ممّا لا يمكن الالتزام به.

ويمكن التفصّي عن ذلك بدعوى دلالة الأخبار التي اعترفنا بدلالتها على جواز التأخير بالملازمة العادية على جواز التصرّف فيه مطلقا ، وأنّ له الولاية عليه ما لم يتضيّق التكليف بأدائه ، كما يؤيّده السيرة ، وقاعدة نفي الحرج ، ضرورة أنّ منعه عن التصرّف في الربح والمعاملة معه معاملة

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٧٩.

١٨٥

المال المشترك ، خصوصا في ما كان تدريجيّ الحصول حرج شديد لا ينبغي الارتياب في كون الأمر في الخمس أوسع من ذلك ، ولذا لم ينقل القول به عن أحد.

ولكن الإشكال في تعيين مبدأ الحول ، وأنّه من حين حصول الربح ، أو ظهوره ، أو من حين الشروع في التكسّب ، وأنّه يلاحظ بالنسبة إلى كلّ ربح ربح ، أو بالنسبة إلى المجموع ، فقد اضطربت كلمات الأعلام في ذلك.

ففي الجواهر قال ما لفظه : ومبدأه ـ كما في المسالك والروضة ـ ظهور الربح ، بل فيهما أنّه لو حصل له ربح في أثناء الحول لوحظ له حول آخر بانفراده.

نعم كانت مئونة بقية الحول الأوّل معتبرة منهما ، ويختص هو بالباقي إلى زمان حصوله ، كما أنّه اختصّ الأوّل بالمدة السابقة عليه وهكذا.

ونحوهما في ذلك كشف الأستاذ حيث قال : ولكلّ ربح عام مستقلّ ، والقدر المشترك بينهما يوزّع عليهما ، وعليه يتّجه حينئذ (١) سقوط الخمس عمّن كان له ربح قام ببعض مئونة سنته نصفها مثلا ، ثم حلّ له ربح آخر عند انقضاء مئونة الأول قام بالنصف الآخر من سنته وزاد لكن لا يحملها إلى زمان أوّل حصوله ، وهكذا وإن كان قد حصل له تمام مئونة سنته من الربح وزاد ، بل وعمّن يحلّ له في كلّ يوم ربح ككثير من أرباح الصنائع والحرف ، لكن لا يقوم كلّ واحد منها بمئونته إلى أوّل حصوله ولو مع ملاحظة توزيع المشترك بينهما من المدّة عليهما ، سواء أريد بإخراج مئونة المشترك منهما التوزيع على حسب النسبة أو غيره.

__________________

(١) في النسخة الخطية : وعليه حينئذ يتّجه.

١٨٦

وهو وإن كان قد يوافقه ظاهر الفتاوى ، لكن كأنّه معلوم العدم من السيرة والعمل ، بل وإطلاق الأخبار ، بل خبر عبد الله بن سنان ، المتقدّم سابقا ، المشتمل على قوله : «حتى الخيّاط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق» (١) كالصريح بخلافه وإن كان هو مقيّدا بأخبار المئونة.

ولعلّه لذا قال في الدروس والحدائق : ولا يعتبر الحول في كلّ تكسّب ، بل يبتدأ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه ، فإذا تمّ خمّس ما فضل.

وهو جيّد لا يرد عليه ما سمعت ، موافق للاحتياط ، بل وللاقتصار على المتيقّن خروجه عن إطلاق الأدلّة ، بل قد يدّعى القطع به في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدّد يوما فيوما أو ساعة بعد اخرى ، تنزيلا لها باعتبار إحرازها قوّة منزلة الربح الواحد الحاصل في أول السنة ، ولذا كان يعدّ صاحبها بها غنيّا ، بل لعلّ بعض الحرف مثلها في ما ذكرنا أيضا فتأمّل.

لكن قد يناقش : بأنّه لا دليل على احتساب المئونة السابقة على حصول الربح مع فرض تأخّر حصوله عن أول زمان التكسّب ؛ إذ هو حينئذ كالزمان السابق على التكسّب ، بل المنساق من النصوص والفتاوى احتساب مئونة السنة من أول حصول الربح ؛ إذ ذلك وقت الخطاب بالخمس.

ومن هنا مال في المدارك والكفاية لما في الدروس ، ولكن جعل أوّل السنة ظهور الربح في أولهما ، فقال بعد أن نظر في استفادة ما سمعته عن

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨٠ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٨.

١٨٧

جدّه من الأخبار : ولو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شي‌ء من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مئونة ذلك الحول ، كان حسنا (١). انتهى ما في الجواهر.

واختار شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ القول المحكي عن الدروس من كون مبدأ الحول من حين الشروع في التكسّب ، فقال ما لفظه : ثم إنّ الأظهر في الروايات والفتاوى أنّ المراد بالعام هو العام الذي يضاف إليه الربح عرفا ، ويلاحظ المئونة بالنسبة إليه ، وأمّا مبدأ حول المئونة في ما يحصل بالاكتساب هو زمان الشروع في التكسّب ، وفي ما لا يحصل بقصد واختيار لو قلنا به : زمان حصوله (٢).

أمّا الأول : فلأنّ المتعارف وضع مئونة زمان الشروع في الاكتساب من الربح المكتسب ، فالزارع عام زراعته الشتوية من أول الشتاء ، وهو زمان الشروع في الزرع ، ويلاحظ المئونة ويأخذ من فائدة الزرع مئونة أول أزمنة الاشتغال به إلى آخر الحول.

وأمّا الثاني ، يعني ما لا يحصل بقصد : فلأنّ نسبة الأزمنة السابقة إليه على حدّ سواء (٣) ، فلا وجه لعدّ بعضها من سنته ، بل السنة من حين ظهوره ـ إلى أن قال ـ وبالجملة فالمراد بالحول حول الربح وهو مختلف ، فقد يكون زمان ظهور الربح أوّل الحول ، وقد يكون وسطه ، وقد يكون آخره.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٨٠ ـ ٨٢ ، وراجع : المسالك ١ : ٤٦٨ ، والروضة البهية ٢ : ٧٧ ، وكشف الغطاء : ٣٦٢ ، والدروس ١ : ٢٥٩ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ٣٥٤ ، ومدارك الأحكام ٥ : ٣٩١ ، والكفاية : ٤٤.

(٢) في الطبعة الحجرية والمصدر زيادة : خلافا للأول فجعلوه زمان ظهور الربح ، بل جعله بعضهم زمان حصوله.

(٣) في الطبعة الحجرية والمصدر : على السواء.

١٨٨

نعم لو لم يكن تعارف ، فمدّة الحول من حين وجود الفائدة ؛ لأنّ نسبة الأزمنة السابقة إليه على السواء ، فلا وجه لعدّ بعضها من حوله ، كما لا يخفى ، فإطلاق عبارة الدروس أنّ مبدأ الحول الشروع في التكسّب ؛ مختص بالمكاسب المتعارفة مثل الأمثلة المتقدمة (١). انتهى.

وحاصله : دعوى أنّ المتبادر من أدلّة استثناء المئونة إنّما هو مئونة العام الذي يضاف إليه الربح لا مئونة سنته بعد حصول الربح ، والمرجع في تشخيص عام الربح العرف ، وهو يختلف في الموارد ، فربّ ربح حاصل في آخر السنة يكون مبدأ حوله أولها ، وهو جيّد ؛ إلّا أن يمنع التبادر المزبور ، وهو خلاف الإنصاف ، أو يناقش في كون مبدأ عام الربح عرفا من حين الشروع في التكسّب ، بل من حين حصول شي‌ء من الربح ، وكأنّ من عبّر بظهور الربح لم يقصد به إلّا حصوله ، والاختلاف في التعبير.

وكيف كان ، فالذي ينبغي أن يقال هو : أنّ المتبادر عرفا من إيجاب الخمس على المغتنم في ما يفضل من غنيمته عن مئونته إنّما هو إرادة مئونته التي من شأنها استيفاؤها من الغنيمة ، أي المئونة المتأخّرة عن حصولها ، التي جرت العادة بصرف الربح فيها ، فالمئونة السابقة عليه من حين الأخذ في التكسّب أو الاشتغال بالزراعة إن عدّت عرفا من مقدّمات التحصيل استثنيت من الربح ، لا لخصوص المقام ، بل لعموم استثنائها من مطلق الغنائم ، وإن كان من قبيل الدّين الذي يؤدّيه من الربح بعد حصوله ، فهو من مئونته اللاحقة.

ودعوى : أنّ المتبادر عرفا من إطلاق المئونة الواردة في النصوص

__________________

(١) كتاب الخمس : ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

١٨٩

والفتاوى إرادة مئونة سنته التي اشتغل فيها بالكسب أو الزرع ، ممنوعة ، بل قد منعنا في محلّه انصراف إطلاق المئونة الواردة في النصوص إلى مئونة السنة ، فضلا عن تعيين مبدأه.

ولو سلّم الانصراف فإنّما هو من حين حصول الربح لا غير.

ولا يصح استظهاره من معاقد الإجماعات المحكية التي هي عمدة مستند تقييد المئونة بالسنة بعد تصريح كثير من الأعلام بخلافه.

والحاصل : أنّ المتبادر من المئونة التي دلّت النصوص على استثنائها إنّما هي المئونة التي تصرف فيها الربح ولو شأنا ، لا ما يوضع الربح في مقابله ممّا مضى ، وحيث إنّ المئونة فسّرت إجماعا بمئونة السنة اقتضى ذلك اعتبار الحول في كلّ ربح ربح ، فإنّه هو الذي يقتضيه الجمع بين عموم الآية المفسّرة في خبر حكيم بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «هي والله الإفادة يوما بيوم» (١) وغيرها من الروايات الدالّة على تعلّق الخمس بجميع ما يستفيده من قليل أو كثير ، وأنّه لو خاط الخيّاط ثوبا بخمسة دوانيق يكون لأرباب الخمس فيها دانق ، وبين ما دلّ على اشتراط زيادته عن المئونة ، ولا يصح التفكيك في المئونة بحملها بالنسبة إلى الربح الأول على مئونة السنة ، وبالنسبة إلى ما عداه ممّا يحصل شيئا فشيئا على تتمّتها إلّا بالتوجيه الآتي.

ولكن قد يشكل الالتزام بذلك ؛ لتعذّر ضبطه ، وعدم إمكان معرفة مقدار ما يفضل من كل منهما عند انقضاء سنته غالبا فيمتنع تعلّق التكليف بتخميس كلّ منهما على سبيل التدريج.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢١ / ٣٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٥٤ / ١٧٩ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٤.

١٩٠

وفرض كون المجموع ربحا واحدا مع مخالفته للواقع وعدم مساعدة العرف عليه غالبا ، خصوصا في الأرباح المستقلّة المبائنة بالنوع ؛ غير مجد بعد سببية الخمسة دوانيق التي اكتسبها في اليوم الأول ؛ لوجوب الخمس مشروطا بزيادتها عن المئونة ، كما أنّه يصدق عليه في اليوم الثاني أيضا أنّه خاط في هذا اليوم ثوبا بخمسة دوانيق ، فيجب أيضا كذلك بنصّ الرواية (١) اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المقصود بالآية والروايات الدالّة على تعلّق الخمس بالغنائم والأرباح إنّما هو تعلّقه بها من حيث هي ، لا بلحاظ أشخاصها ، فالمراد بلفظة «ما» في الآية الشريفة : الجنس ، لا العموم ؛ فإنّه مشعر بإرادتها على الإطلاق ، أي : مطلق الإفادة ، لا كلّ إفادة إفادة على سبيل العموم ، فالجمع بينها وبين ما دلّ على اختصاصه بما زاد عن مئونة السنة بتقييد طبيعة الغنيمة بزيادتها عن المئونة لا أشخاصها ، وقضية ذلك اعتبار الحول من حين حصول الطبيعة من غير التفات إلى أشخاصها ، وهو أوّل ظهور الربح.

إن قلت : تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الأول من الربح كالخمسة دوانيق التي اكتسبها الخياط في اليوم الأول في المثال المفروض سبب تام لوجوب خمسه مشروطا بذلك الشرط ، وهكذا ، فحدوث كلّ فرد من الربح سبب مستقلّ لوجوب خمسه بشرط زيادته عن مئونة السنة ، فكيف يجعل مبدأ السنة التي اعتبرت زيادة مئونتها شرطا في الوجوب بالنسبة إلى الأسباب اللاحقة من حين حصول الفرد الأول!

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢١ / ٣٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٥٤ / ١٧٩ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٨.

١٩١

نعم تعلّق الحكم بالطبيعة دون الأفراد إنّما يجدي في الأفراد المجتمعة دون المتعاقبة ، حيث إنّ مجموعها على تقدير الاجتماع سبب واحد لتنجّز التكليف بخمس المجموع مشروطا بكذا لا الأفراد المتعاقبة التي يكون كلّ واحد منها بمقتضى تعلّق الحكم بالطبيعة من حيث هي سببا لحدوث تكليف كذلك ، فلا يتفاوت الحال حينئذ بين جعل متعلّق الحكم الطبيعة أو الأفراد.

قلت : الطبيعة من حيث هي لا تتكرّر ، وإنّما المتكرّر أشخاصها ، والقيد اعتبر قيدا للطبيعة لا لأشخاصها ، فالعبرة بزيادة مطلق الربح عن مئونة السنة ، لا كلّ ربح ربح ، فسببية الفرد الأول لتنجّز التكليف بخمسه بخصوصه مشروطا بزيادته عن المئونة ، لا لمدخلية خصوصية فيه ، بل لانحصار الطبيعة فيه في ذلك الوقت ، فإذا وجد ربح آخر فقد ازداد متعلّق ذلك الحكم ، لا أنّه تنجّز في حقّه حكم آخر وراء ذلك الحكم ؛ إذ المفروض أنّه لا مدخلية لخصوصيات الأشخاص في الموضوعية ، كي يكون لكلّ فرد فرد حكم مقيّد بما بعد المئونة ، بل الحكم ثابت لمطلق ربحه الذي يفضل عن مئونة سنته.

إن قلت : مقتضى ذلك : عدم اعتبار حول آخر بعد انقضاء سنته الاولى لما يكسبه في السنة الثانية ؛ فإنّ طبيعة الربح كما لا تتكرّر بتكرّر أشخاصها ، كذلك لا تتكرّر بتكرّر السنين ، والمفروض أنّها لم تتقيّد إلّا بزيادتها عن مئونة السنة ، فمقتضاه تعلّق الخمس بمطلق الربح الزائد عن مئونة سنته التي مبدأها من حين حصول شي‌ء من الربح وإن كان الربح الزائد حاصلا بعد انقضاء هذه السنة.

قلت : المتبادر من النصوص والفتاوى الدالّة على استثناء مئونة السنة إنّما هو إرادتها من ربحه الحاصل في تلك السنة.

١٩٢

هذا ، ولكن الإنصاف أنّ المتبادر من قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ» (١) إنّما هو إرادة العموم ، ولذا لو فرض وجود دليل على اعتبار النصاب في الغنيمة لم يكن يتوهّم أحد اعتباره في جنسها ، فليس استثناء المئونة من الربح إلّا كاستثناء ما دون النصاب من الغوص والكنز ونحوه ممّا اعترفنا بعدم انضمام بعض أفراده المستقلّة إلى بعض في اعتبار النصاب.

ولكن لقائل أن يقول : إنّه ليس للأدلّة الدالّة على استثناء المئونة إطلاق أو عموم يقتضي اعتبارها على نسق واحد في كلّ فرد فرد من أفراد الربح ، بل هي أدلّة مجملة من هذه الجهة ، والقدر المتيقّن الذي يمكن دعوى الإجماع عليه إنّما هو استثناء مئونته في كلّ سنة من ربحه الذي يكتسبه في تلك السنة ، بل هو ظاهر قوله ـ عليه‌السلام ـ في بعض تلك الأخبار : «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (٢) وقضيّة ذلك تقييد موضوع ما يجب فيه الخمس بما يفضل من ربحه في كلّ سنة عمّا يصرفه في تلك السنة.

فتلخّص من مجموع ما ذكر : أنّ المتبادر من النصوص والفتاوى إنّما هو استثناء مئونته التي من شأنها صرف الربح فيها ، أي المتأخّرة من حين حصول الربح لا المتقدّمة عليه ، وأنّ الربح المستثنى منه مئونة السنة هي طبيعة الربح الذي اكتسبه فيها لا أفراده ؛ كي يعتبر لكلّ ربح ربح حول مستقلّ.

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٣ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨٢ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

١٩٣

ولكن نقول : ليس في شي‌ء من الأدلّة ما يوجب عليه الالتزام بسنة خاصة معيّنة بحيث يتعيّن عليه استثناء مئونتها بالخصوص من الربح الذي اكتسبه فيها ، بل الذي تقتضيه إطلاقات الأدلّة وفتاوى المعظم الذين لم يحدّدوا لسنته حدّا معيّنا ويساعد عليه عمل العرف وسيرة المتشرّعة أنّ له الخيار في أن يجعل مئونته في أيّ سنة تفرض من ربحه الذي اكتسبه في تلك السنّة ؛ فإنّ السنّة مفهوم كلّي صادق على أيّ وقت يفرض من الزمان إلى أن يحلّ السنة مفهوم كلّي صادق على أيّ وقت يفرض من الزمان إلى أن يحلّ مثل ذلك الزمان من عامه المقبل ، فمن أوّل محرّم إلى أوّل محرّم سنة ، ومن نصفه إلى نصفه كذلك ، ومن أوّل صفر إلى أوّل صفر كذلك ، وهكذا ، وقد دلّ الدليل على أنّ عليه في كلّ سنة في ما يفضل من ربحه عن مئونتها الخمس ، فإذا حصل له الربح في أيّ سنة تفرض من هذه السنين اندرج في موضوع هذا الحكم ، فلو كان الربح الحاصل له في زمان تصح إضافته إلى عدّة منها ، فلزوم التزامه بإضافته إلى خصوص شي‌ء منها يحتاج إلى دليل.

مثلا : لو اشتغل بالكسب فحصل له الربح من أوّل محرّم شيئا فشيئا على سبيل التدريج أو دفعات ، ثمّ بدا له في شهر رجب أن يجعل هذا الشهر مبدأ لسنة الربح الذي ظهر له في هذا الشهر ، ويستثني مئونة عامه المقبل من ربحه جاز له ذلك ، فإنّ من أوّل رجب إلى أوّل رجب سنة حقيقة ، ويصدق على الربح الذي اكتسبه فيها أنّه ربح هذه السنة ، فله استثناء مئونتها منه ، وتخميس الفاضل بمقتضى إطلاق قوله : «الخمس بعد المئونة» (١).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٣ / ٣٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨١ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

١٩٤

ولا يجب علينا الالتزام بأنّ لكلّ ربح حولا ، مع أنّه يصحّ أن يفرض لكلّ منه سنة تخصّه وهي من حين حصوله إلى حين حصوله من عامه المقبل ؛ إذ فرق بين ما لو قيل بأنّه يجب الخمس في كلّ ربح يفضل عن مئونة السنة ، وبين ما لو قيل بأنّه يجب عليه في كلّ سنة في ما يفضل من ربحها عن مئونته الخمس ، كما استظهرناه من أدلّته ، ففي الأول العموم بالنسبة إلى أفراد الربح ، ومقتضاه أن يكون لكلّ ربح حول ، وفي الثاني بالنسبة إلى أفراد السنة ، وقد نبّهنا على أنّ السنة مفهوم كلّي يصدق على أفراد لا تتناهى ، فإذا حصل له ربح في زمان صحّت إضافته إلى عدّة آحادها التي بينها العموم من وجه ، ـ كما في الفرض ـ يكون مخيّرا في تعيين أيّها شاء بحكم العقل.

وكونه مسبوقا بربح موجب لتعلّق التكليف بخمس ما يفضل عن مئونة سنته من ربحها لا يعيّن عليه احتساب هذا الربح من ربح السنة التي أضيف إليها الربح السابق بعد أن لا يكون ذلك مانعا عن صحة إضافته إلى عامة المقبل ؛ كي يخرجه عن موضوع الأدلّة وهو ربح هذه السنة ، ولا منافيا لحكمها وهو جواز استيفاء مئونتها من ربحه ، وتخميس الفاضل ؛ كي يكون شموله للفرد الأوّل مانعا عن شموله لهذا الفرد ؛ كي يلزمه ارتكاب التخصيص بالنسبة إليه ؛ إذ لا مانع عقلا من أن يرخّصه الشارع في أن يستوفي مئونته في كلّ سنة من ربحه في تلك السنة من غير تقييده بقيد ، ومقتضاه أن يكون له في السنين المتداخلة التي حصل فيها هذا الربح ، الخيار في تعيين سنته ، فإن اختار لنفسه سنة مستأنفة ، وجعل مئونته من ربح هذه السنة المستأنفة ، لم يبق له بعد مئونة بالنسبة إلى الأزمنة المكمّلة لحول أرباحه السابقة ؛ إذ المئونة لا تعدّد ، فيقع ما فضل في يده من تلك الأرباح متعلّقا للخمس.

١٩٥

والحاصل : أنّ له في أيّ وقت شاء وعند حصول أيّ ربح أراد ، أن يجعله مبدأ لحوله ، ويستوفي مئونته من ربحه الجديد ، وعليه أن يراعي حينئذ تكليفه بالنسبة إلى ما مضى ، فإن فضل عنده شي‌ء من أرباحه السابقة ولم يعرضه الحاجة إلى صرفها في المئونة قبل انقضاء حولها ولو لأجل استغنائه عنها بالربح الجديد ، أدّى خمسها ، وإلّا فلا شي‌ء عليه ، والله العالم.

الفرع (الثالث : إذا اختلف المالك) للدار مثلا (والمستأجر) لها (في الكنز ، فإن اختلفا في ملكه ، فالقول قول المؤجر مع يمينه) لأصالة يده وفرعيّة يد المستأجر عنها.

واختار في المسالك خلافه ، فإنّه بعد أن ذكر عبارة المتن ، قال : بل الأصح تقديم قول المستأجر ؛ لأنّه صاحب اليد حقيقة ، ولدعوى المؤجر خلاف الظاهر وهو إيجار دار فيها كنز.

ولا يقدح في ذلك كون يده فرعيّة على يد المؤجر كما في اختلاف البائع والمشتري ، وكذا يقدّم قول كلّ ذي يد ، كالمعير والمستعير مع الاختلاف.

نعم ، لو شهدت الحال بتقدّمه على زمان ذي اليد كالبناء المتقادم عليه وقرب عهد ذي اليد ، ونحو ذلك ، عمل بها مع اليمين ، كما اختاره في البيان ، ولو شهدت الحال لذي اليد ، زال الإشكال (١). انتهى.

وهو لا يخلو عن جودة ، ولكن قد أشرنا في محلّه إلى أنّ المتبادر من إطلاق الكنز المبحوث عنه في هذا المبحث الذي تلحقه الأحكام المذكورة له ما شهدت الحال بقدمه ، ولا أقلّ من كونه بحسب الظاهر كتوابع الدار

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، وراجع : البيان : ٢١٥.

١٩٦

لا كسائر أثاث البيت ونحوها ممّا يكون يد المستأجر عليها لفعليتها أقوى من يد المالك.

وقياسه على المشتري مع الفارق ؛ إذ لا يد للبائع على المبيع بالفعل.

ومعنى فرعيتها هناك تلقّيها منه ، وفي المقام فرعية حقيقية ، كيد الموكّل والوكيل ، بل هي هي بالنسبة إلى رقبة العين المستأجرة وتوابعها التي من جملتها الكنوز المذخورة تحت الأرض ، فما قوّاه في المتن بحسب الظاهر هو الأقوى.

(وان اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر) المنكر للزيادة ؛ لأصالة براءة ذمته عن الزيادة.

الفرع (الرابع : الخمس يجب بعد) إخراج (المئونة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن) والغوص وغير ذلك من الاستفادات (من حفر وسبك وغير ذلك) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في المدارك : إنّه المقطوع به في كلام الأصحاب (١) ، بل عن الخلاف : دعوى الإجماع عليه (٢).

ويشهد له ـ مضافا إلى ذلك ـ أنّ الذي يظهر بالتدبّر في النصوص الدالّة على تعلّق الخمس بسائر أنواع الاستفادات ، أنّ مناط تعلّق الخمس بها إنّما هو اندراجها في الغنائم والفوائد ، ولا يعدّ ذلك كذلك في العرف إلّا بعد استثناء ما يصرف في تحصيلها ، وقد أشرنا في صدر الكتاب إلى أنّ مئونة التحصيل في غنائم دار الحرب أيضا بحسب الظاهر خارجة عمّا يتعلّق به الخمس ، فهذا ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٩٢.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٨٢ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١١٩ ، المسألة ١٤٠.

١٩٧

وإنّما الإشكال في أنّه هل يعتبر النصاب في ما اعتبر فيه من أنواع ما يتعلّق به الخمس من الكنز والمعادن والغوص قبلها أو بعدها؟ فإنّه موقع تردّد.

وفي المدارك بعد أن ذكر أنّ فيه وجهين قال : أظهرهما الثاني (١).

وفي الجواهر بعد أن نقل اختيار المدارك ، علّله بما لفظه : للأصل ، وظاهر المنساق إلى الذهن من مجموع الأدلّة ، وفاقا للمنتهى والتذكرة والبيان والدروس ، بل ظاهر الأوّلين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي وأحمد ، بل في المسالك نسبته إلى تصريح الأصحاب أيضا ، بل قال : إنّهم لم يتعرّضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مئونة زكاة الغلات (٢). انتهى ما في الجواهر.

أقول : إن تمّ إجماعهم عليه فهو ، وإلّا فاستظهاره من الأدلّة الدالّة على اعتبار النصاب ـ وهي صحيحتا البزنطي (٣) ، الواردتان في الكنز

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٩٢ ، والمراد من الثاني في كلام صاحب المدارك هو الأول هنا ، فلاحظ ، حيث قال : ثم إن قلنا بالاستثناء فهل يعتبر النصاب بعد المئونة أم قبلها ، فيخرج منه ما بقي بعد المئونة؟ وجهان ، أظهرهما الثاني.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٨٣ وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٤٩ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٤٢٧ ، المسألة ٣١٧ ، والبيان : ٢١٥ ، والدروس ١ : ٢٦٠ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٦٩.

وصدر عبارة الجواهر هكذا : هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من أنواع الخمس قبلها أو بعدها؟ وجهان في المدارك. أقواهما في النظر : الثاني ؛ للأصل ، الى آخره. وظاهر العبارة ـ كما ترى ـ عدم نقل اختيار المدارك. وقوله : أقواهما في النظر : الثاني ؛ رأي صاحب الجواهر ، والمراد بالثاني هنا اعتبار النصاب بعد المئونة ، لا قبل المئونة حيث وقع هو الثاني في كلام صاحب المدارك.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٩١ ، الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٥ ، الوسائل : الباب ٤ و ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١ و ٢.

١٩٨

والمعادن ، ورواية محمد بن علي (١) ، المتضمّنة لنصاب الغوص ـ لا يخلو عن تأمّل ، فيشكل ارتكاب التخصيص في عمومات الخمس في الزائد عن المتيقّن ، فليتأمّل.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٧ / ٢١ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٦ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

١٩٩

(الفصل الثاني)

من فصلي كتاب الخمس

(في قسمته)

والمشهور بين أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ شهرة كادت تكون إجماعا ، كما في الجواهر (١) ، بل عن صريح الانتصار وظاهر الغنية وكشف الرموز أو صريحهما : دعوى الإجماع عليه. وعن مجمع البيان وكنز العرفان : أنّه مذهب أصحابنا. وعن الأمالي : أنّه من دين الإمامية (٢) ـ أنّه (يقسّم ستّة أقسام) لظاهر قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ» (٣) الآية.

ويدلّ عليه أيضا أخبار مستفيضة ، كموثّقة ابن بكير عن بعض

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٨٤.

(٢) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٤٤ وحكاه أيضا صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٨٤ ، وراجع : الانتصار : ٨٧ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٧ ، وكشف الرموز ١ : ٢٦٩ ، ومجمع البيان ٤ : ٨٣٥ ، وكنز العرفان ١ : ٢٥٠ ، وأمالي الصدوق : ٥١٦.

(٣) الأنفال ٨ : ٤١.

٢٠٠