مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

حكي (١) عنهم ، وهو في محلّه.

وعلى تقدير التسليم ، فهل يتوقّف على الأغسال النهاريّة خاصة ، أو هي مع الليلة السابقة خاصة ، أو مع اللاحقة خاصة ، أو مع الليلتين ، أو الفجر خاصة؟ وجوه ، أوجهها : الأول.

والمدار على إيجاد الأغسال في وقتها الذي وجب الإتيان بها فيه لو لا وجوب الصوم ، فلا يجب تقديم غسل الغداة على الفجر ، بل لا يجوز مع فصل يعتدّ به بينه وبين الصلاة.

نعم ، الأحوط عند حدوث سببه من اللّيل إيقاع غسل الغداة آخر الليل مقارنا لطلوع الفجر ، والإتيان بصلاة الغداة في أوّل وقتها بحيث لم يتحقّق بينهما فصل يعتدّ به بأكثر من نافلتها ، أو الجمع بين غسل في آخر الليل لاستباحة الصوم من باب الاحتياط وغسل آخر لصلاتها ، وقد تقدّم تفصيل ذلك كلّه في المبحث المشار إليه ، فراجع.

(ولو أجنب) في الليل (فنام غير ناو للغسل ، فطلع الفجر ، فسد الصوم) كما عن الفاضل وغيره (٢) ، بل عن ظاهر المنتهى : دعوى الإجماع عليه (٣).

وفي المدارك في شرح العبارة قال ما لفظه : الفرق بين هذه المسألة وبين تعمّد البقاء على الجنابة فرق ما بين العام والخاص ، فإنّ تعمّد البقاء عزم على عدم الغسل ، وعدم نيّة الغسل أعمّ من العزم على عدمه ؛ لتحقّقه مع الذهول عن الغسل ، وقد قطع المصنّف وغيره بأنّ

__________________

(١) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٢٥ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الصوم : ٥٩١.

(٢) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٢٤٧.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٤٧ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٦٦.

٤٢١

من نام حتى أصبح على هذا الوجه ، لزمه القضاء.

واستدلّ عليه : بأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويعود كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

وهو غير جيّد ؛ لأنّ عدم نيّة الغسل أعمّ من العزم على ترك الاغتسال (١). انتهى.

وقد تبع في ما ذكره فارقا بين المسألتين جدّه في المسالك (٢).

وهو ليس بجيّد ، بل الفرق بين المسألتين هو أنّ المقصود بذكر هذا الفرع التنبيه على أنّ النوم غير المسبوق بالعزم على الغسل بحكم البقاء مستيقظا كذلك إلى أن طلع الفجر ، فلا فرق حينئذ بين العزم على ترك الاغتسال ، أو ترك العزم على الاغتسال في اتّصاف الترك بكونه اختياريا ، وكونه مندرجا في موضوع البقاء على الجنابة عمدا حقيقة لو بقي مستيقظا كذلك ، فطلع الفجر ، وحكما لو نام إلى أن طلع الفجر ، فإنّ مع عدم العزم على الاغتسال يسقط اعتبار النوم ، بمعنى أنّه لا يؤثّر في اتّصاف ترك الغسل ، أي البقاء على الجنابة اضطراريّا ، كما نبّه عليه المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في عبارته المتقدّمة المحكيّة عن معتبره (٣).

وما اعترضه عليه غير واحد ممّن تأخّر عنه : بأنّ هذا الدليل أخصّ من مدّعاه ؛ غير متوجّه عليه ، فإنّ ما يسقط اعتبار النوم هو عدم العزم على الاغتسال ، لا العزم على عدمه ، فتعبير المصنّف ـ رحمه‌الله ـ : إمّا من باب التمثيل بملاحظة أنّ الحكم مع العزم على الترك أوضح ، أو أنّه من باب التوسّع بإرادة الترك الاختياري من قوله : مع العزم على ترك

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٥٩.

(٢) مسالك الأفهام ٢ : ١٧ و ١٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٢.

٤٢٢

الاغتسال ، لا خصوص الترك المسبوق بالعزم عليه ، كما أنّه بهذا المعنى يصح أن يفسّر تعمّد البقاء على الجنابة بالعزم على عدم الغسل ، كما في عبارة المدارك ، وإلّا فمن الواضح أنّ المراد بتعمّد البقاء في هذا المبحث ، هو : ترك الغسل اختيارا ، ولا يتوقّف ذلك على العزم على ترك الغسل ، بل على عدم إرادة فعله ، ولا ملازمة بينهما ؛ لأنّ العزم على الترك لا بدّ أن يكون من سبب ، فربما لا يكون في نفسه ما يقتضيه ، ولكنه لا داعي له إلى فعله ، بمعنى أنّ غاياته التي يتصوّرها ـ كتوقّف الصوم عليه ونحوه ـ لا تبعثه على إرادة فعله ، فلا يحصل له العزم عليه ، ولكن يجوز أن يشتدّ شوقه إلى تحصيلها فيفعله ، فهو بالفعل ليس بعازم للفعل ولا للترك ، ولا يصدق عليه اسم المتردّد أيضا ؛ إذ التردّد إنّما يصدق في ما لو حصلت المعارضة بين دواعي الفعل ودواعي الترك ، فيتحيّر في الترجيح.

ويحتمل أن يكون عدوله عن التعبير بعدم العزم على الغسل إلى التعبير بالعزم على تركه ؛ للتنبيه على خروج الغافل والناسي عن موضوع الكلام في هذا المقام ؛ فإنّ عدم نيّة الغسل قد يجامع الغفلة والنسيان ، ومعه أيضا وإن كان يسقط اعتبار النوم ؛ إذ مع الغفلة والنسيان ، لا يتفاوت الحال بين أن ينام أو يبقى مستيقظا في خروج ترك الغسل الموجب لبقائه جنبا اختياريّا له ، ولكن هذا الفرض يندرج في موضوع المسألة الباحثة عن حكم الناسي أو الجاهل بالحكم أو الموضوع ، والمفروض في المقام ما كان الترك لا من حيث الغفلة والنسيان ، بل من حيث النوم بحيث لو لا النوم لكان داخلا في موضوع متعمّد البقاء حقيقة.

ومن هنا يظهر صحة الاستدلال عليه : بما ذكره المصنّف ـ رحمه‌الله ـ

٤٢٣

من أنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ، إلى آخره ، ولكن بإبدال قوله : مع العزم على ترك الاغتسال : بعدم العزم على الاغتسال ؛ فإنّه بحكم من بقي مستيقظا كذلك إلى أن فاجأه الصبح في صدق كونه باقيا على الجنابة عمدا ، فيدلّ حينئذ على فساد صومه كلّ ما دلّ عليه في العامد ، حتى مثل صحيحتي الحلبي وأحمد بن محمد (١) ، الواردتين في من أجنب ثم نام متعمّدا حتى أصبح ؛ فإنّ مناط الحكم تركه للغسل اختيارا ، الذي هو ملازم للنوم إلى الصبح متعمّدا ، فضلا عن مثل رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه ـ عليه‌السلام ـ ، قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه (٢).

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ، وإن أجنب في شهر رمضان ليلا فلا ينام ساعة حتى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح ، فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، ويتمّ صيامه ولن يدركه أبدا (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٢١٢ / ٦١٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٨ ، الوسائل :الباب ١٥ و ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١ و ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٢ و ٣٢٠ / ٦١٨ و ٩٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٤ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

٤٢٤

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ، قال : يتمّ صومه ، ويقضي ذلك اليوم ، إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضي (١).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر ، فقال : عليه أن يقضي يومه ويقضي يوما آخر (٢) الحديث.

بل ظاهر هذين الخبرين : وجوب القضاء عليه مطلقا ولو مع العزم على الاغتسال ، بل المنساق إلى الذهن من السؤال في الخبر الأخير إنّما هو إرادته في هذا الفرض ، ولكن يجب تقييده بما عدا النومة الأولى ؛ جمعا بينه وبين غيره ممّا ستعرف ، فاستفادة حكم العامد منه حينئذ إنّما هي بالفحوى ، حيث إنّ المتبادر منه أنّه نشأ تركه للغسل من أنّه لم يستيقظ حتى أدركه الفجر.

نعم ، الظاهر خروج صورة الجهل بالموضوع أو نسيانه الذي لا يتنجّز عليه التكليف بالغسل على تقدير استيقاظه عن مورد هذه الروايات ، فلا يستفاد حكمه منها.

(ولو كان) قد (نوى الغسل) فلم ينتبه إلى أن أصبح (صحّ صومه) على المشهور ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه (٣) ؛ لصحيحة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٣ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٧٠ ، الوسائل : الباب ١٤ و ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١ و ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١١ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٧ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٣) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٢٤٩ ، وراجع : الخلاف ٢ : ٢٢٢ ، المسألة ٨٨.

٤٢٥

معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : الرجل يجنب من أوّل الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : ليس عليه شي‌ء ، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؛ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة (١).

وهذه الصحيحة صريحة في أنّه ليس عليه شي‌ء لو لم يستيقظ إلى الصبح ، وأنّ القضاء إنّما يجب في ما لو استيقظ ثم نام ، فهي أخصّ مطلقا من صحيحة محمد بن مسلم وموثّقة سماعة ونحوهما ممّا دلّ بظاهره على وجوب القضاء عليه مطلقا.

وليست الموثّقة وكذا الصحيحة نصّا في إرادة استمرار نومته الاولى حتى يمتنع تقييدهما بهذه الصحيحة ؛ لإمكان أن يكون المقصود بقوله ـ عليه‌السلام ـ في الموثّقة : لم يستيقظ حتى أدركه الفجر : أنّه لم يستيقظ في الوقت الذي كان من شأنه الغسل فيه ، لا أنّه لم يستيقظ أصلا حتى في ابتداء نومه.

وكذا المراد بقوله في الصحيحة : أنّه نام قبل أن يغتسل : أنّه أخّر الغسل عن النوم ، فلا يأبى عن التقييد.

ولو سلّم صراحتهما في إرادة استمرار نومته الاولى ، لتعيّن حملهما على ما إذا لم يكن عازما على الغسل إن أمكن ، وإلّا فردّ علمهما إلى أهله ؛ لعدم صلاحيتهما ـ بعد شذوذ القول بذلك ـ لمعارضة هذه الصحيحة الصريحة في أنّه لا شي‌ء عليه في ما لو استمرّ نومته الاولى ، المعتضدة بالشهرة وغيرها ممّا ستعرف.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧١ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٤٢٦

هذا ، مع أنّ ظاهر الموثّقة : ورودها في المحتلم ، بل وكذا الصحيحة ؛ لإشعارها بل ظهورها في الجنابة غير العمدية ، فهي إن لم تكن ظاهرة في إرادة الاحتلام ، فلا أقلّ من عدم إبائها عن الحمل عليها ، وستعرف وجود القول بالتفصيل بين المحتلم وغيره ، فلا معارضة حينئذ بينهما وبين الصحيحة أصلا.

ثم إنّه قد يوهم ترك الاستفصال في الصحيحة : أنّه لا شي‌ء عليه في ما إذا لم يستيقظ مطلقا وإن لم يكن من عزمه الغسل ، ولكن يتعيّن صرفه لو لم نقل بانصرافه في حدّ ذاته إلى صورة العزم على الاغتسال ؛ جمعا بينه وبين الأخبار المتقدّمة الدالّة على القضاء بترك الغسل إلى الصبح اختيارا ، التي شمولها لمثل هذا الفرض أوضح من هذه الصحيحة ، بل يفهم ذلك ـ أي : اختصاصها بصورة كونه مريدا للغسل على تقدير الانتباه ـ من فحوى ذيله ؛ لأنّ الترك الناشئ من عدم اختيار الصوم أولى بالعقوبة من الترك الناشئ من التواني وتأخير الغسل عن النوم ثانيا ، فليتأمّل.

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : وإن أصابتك جنابة في أوّل الليل ، فلا بأس بأن تنام متعمّدا وفي نيّتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فإن غلبك حتى تصبح ، فليس عليك شي‌ء إلّا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت ولم تغتسل وكسلت ، فعليك صوم ذلك اليوم ، وإعادة يوم آخر مكانه ، وإن تعمّدت النوم إلى أن تصبح ، فعليك قضاء ذلك اليوم والكفّارة ، وهي : صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا (١).

__________________

(١) أورده البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٢٧ ، وراجع : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٠٧.

٤٢٧

وحيث لم يثبت حجية الرضوي لا يصلح ذكره إلّا من باب التأييد.

واستدلّ له أيضا : بصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : يتمّ صومه ويقضي يوما آخر ، وإن لم يستيقظ حتى أصبح أتمّ صومه ، وجاز له (١).

وفيه نظر ؛ إذ المنساق إلى الذهن من قوله : ثم يستيقظ : ورودها في المحتلم لا في الجنب الذي نام ثمّ استيقظ ، فمفاد هذه الرواية بظاهرها :أنّه لو احتلم واستمرّ نومه الذي وقع فيه الاحتلام إلى الصبح ، جاز صومه ، وإن استيقظ ثم نام فعليه قضاؤه ، فلا تدلّ على نفي القضاء في ما لو أجنب ونام اختيارا ولم ينتبه حتى أصبح ، بل ربما يشعر بثبوته كون المدار على النوم اختيارا بعد حصول العلم بالجنابة ، فتتحقّق المعارضة حينئذ بينه وبين الصحيحة المتقدّمة الصريحة في نفي القضاء باستمرار نومته الاولى الواقعة بعد حصول الجنابة.

اللهم إلّا أن يلتزم بالفرق بين الجنب والمحتلم بالالتزام بأنّ نوم المحتلم بعد أن انتبه موجب للقضاء مطلقا ولو كان انتباهه حين عروض الجنابة ، والفارق بينهما : النصّ.

أو يقال : بأنّ النومة الأولى التي دلّت الصحيحة على عدم كونها موجبة للقضاء أعمّ من أن تحصل قهرا أو اختيارا ، فالمحتلم لو بقي نائما بعد احتلامه ولو في الجملة ثم استيقظ ـ كما هو المنساق إلى الذهن من مورد الصحيحة الثانية ـ فقد حصلت نومته الاولى ، فلا منافاة حينئذ بين

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

٤٢٨

الصحيحتين.

وقد حكي عن بعض متأخّري المتأخّرين التفرقة بين المحتلم وغيره (١).

وربما يؤيّده أيضا صحيحة محمد بن مسلم وموثّقة سماعة ، المتقدّمتان (٢) الظاهرتان في وجوب القضاء باستمرار النوم الحاصل بعد العلم بالجنابة ، وظاهرهما إرادة الجنابة غير الاختيارية ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، فيتّحد مفادهما حينئذ مع هذه الصحيحة.

وحكي عن جملة من المتأخّرين : الالتزام بأنّ النومة التي حصلت الجنابة فيها هي النومة الاولى ولكن بشرط استمراره إلى ما بعد حصول الجنابة في الجملة ، وهذه الروايات غير آبية عن ذلك ، فلا بأس بالالتزام به ؛ جمعا بين الأخبار وكلمات الأصحاب المصرّحين بعدم كون استمرار النومة الأولى موجبا للقضاء ، إلّا أنّ ظاهر كلماتهم كصريح غير واحد منهم : إرادة النوم بعد حصول العلم بالجنابة.

ولكن يشكل رفع اليد عن ظواهر النصوص المزبورة بذلك ، فالقول باحتساب النوم الذي حصلت فيه الجنابة النومة الاولى ، مع أنّه أحوط لا يخلو عن قوة ، بل الأحوط القضاء باستمرار النوم الحاصل بعد العلم بالجنابة الواقعة في النوم مطلقا وإن حصل الانتباه حين حدوثها ، بل لا يخلو القول بوجوبه عن وجه.

(و) كيف كان فقد ظهر بما مرّ أنّه (لو انتبه) ثانيا (ثم نام ناويا) للغسل (فأصبح نائما ، فسد صومه) كما يدلّ عليه صحيحة

__________________

(١) راجع : كتاب الصوم للشيخ الأنصاري : ٥٧٣ ، وذخيرة المعاد : ٤٩٨.

(٢) تقدّمتا في ص ٤٢٥.

٤٢٩

معاوية (١) وغيرها (٢) من الروايات المزبورة.

وهل يحرم النوم ثانيا أم لا؟ فيه قولان : صرّح في المسالك بالأول ، فإنّه ذكر في النومة الأولى بعد الجنابة أنّها إنّما تصح مع نية الغسل ليلا ، وإلّا لم يصحّ النوم ، ولا بدّ مع ذلك من احتماله الانتباه وإلّا كان كمتعمّد البقاء.

وشرط بعض الأصحاب مع ذلك : اعتياده الانتباه ، وإلّا كان كمتعمّد البقاء على الجنابة. ولا بأس به.

ثم قال في شرح قول المصنّف : (ولو انتبه ثم نام) إلى آخره : قد تقدّم أنّ النومة الأولى إنّما تصح مع العزم على الغسل وإمكان الانتباه واعتياده ، فإذا نام بالشرط ثم انتبه ليلا ، حرم عليه النوم ثانيا ، وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه ، لكن لو خالف وأثم ، فأصبح نائما ، وجب عليه القضاء خاصة (٣). انتهى.

وفي المدارك بعد نقل عبارة المسالك ، قال : ويمكن المناقشة في تحريم النومة الثانية ؛ لعدم وضوح مأخذه.

وربما استدلّ عليه : بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «فليقض ذلك اليوم عقوبة» والعقوبة إنّما تثبت على فعل المحرّم.

وهو استدلال ضعيف ، فإنّ ترتّب هذه العقوبة على فعل لا يقتضي تحريمه.

والأصحّ إباحة النومة الثانية ، بل والثالثة أيضا وإن ترتّب عليهما

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧١ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) راجع : الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ١٨.

٤٣٠

القضاء ، كما اختاره العلّامة ـ رحمه‌الله ـ تمسّكا بمقتضى الأصل السليم عن المعارض (١). انتهى ، وهو جيّد.

وربما يؤيّد ما ذكره في تضعيف الاستدلال ورود نظيره في ما لا حرمة فيه جزما ، كما في موثّقة سماعة ، الواردة في ناسي النجاسة عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، قال : يعيد صلاته كي يهتمّ بالشي‌ء إذا كان في ثوبه ، عقوبة لنسيانه (٢).

وأضعف منه : الاستدلال له : بالأمر بالاستغفار في ذيل صحيحة الحلبي المتقدّمة (٣) ، الواردة في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمّدا في شهر رمضان حتى أصبح ؛ لوروده بمقتضى ظاهر السؤال في من نام عن قصد إلى الصبح بحيث لو كان يعرضه الانتباه في الأثناء ، كان يعود إلى نومه ، كما هو الغالب في من ينام بعد العشاء ، ولا داعي له إلى فعل شي‌ء في الليل من صلاة أو غسل ونحوه ، فهو ملازم لعدم كونه مريدا للغسل ، فمن هنا يحتمل أن يكون ذكره من باب الكناية والتمثيل ، بأن يكون المقصود بقوله : ثم نام متعمّدا حتى أصبح : التعبير عن أنّه ترك الغسل عمدا ، لا خصوص النوم من حيث هو الذي هو ملازم للترك.

وكيف كان ، فظاهر السؤال وروده في غير مريد الغسل ، وهذا ممّا لا كلام فيه ؛ فإنّه ملحق بالعامد ، كما عرفت.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٦١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٨ ، الإستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٨ ، الوسائل : الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، الحديث ٥.

(٣) تقدّمت في صفحة ٤٠٢.

٤٣١

ودعوى : أنّه لا بدّ من صرفه إلى صورة العزم على الغسل بحمل قوله :ثم نام متعمّدا ؛ إلى آخره ، على إرادة العمل إلى أصل النوم غير المنافي لإرادة الانتباه والغسل في الليل ، لا العمد إلى النوم حتى يصبح ؛ كي يمتنع اجتماعه مع إرادة الغسل ؛ إذ لو كان واردا في مريد النوم إلى الصبح ، لكان اللازم ـ لكونه في مقام البيان ـ ذكر الكفّارة أيضا ؛ لأنّه كمتعمّد البقاء على الجنابة ، فعدم ذكرها دليل عدم وجوبها ، وهو يكشف عن إرادة صورة العزم على الغسل ؛ مدفوعة : بأنّا لو سلّمنا هذا اللزوم ، لكان اللازم صرف ما دلّ على الكفّارة بالبقاء على الجنابة عمدا إلى الاستحباب ، فإنّه أولى من صرف الجواب في هذه الصحيحة إلى خصوص مريد الغسل الذي لو لم نقل بظهور السؤال أو صراحته في غيره ، فلا أقلّ من عدم ظهوره في إرادته بالخصوص ، فكيف يصحّ حمل الجواب مع ما فيه من ترك الاستفصال على إرادته بالخصوص؟! والحاصل : أنّه لا يمكن حمل هذه الصحيحة على خصوص مريد الغسل الذي لا يجب عليه الكفّارة.

وترك ذكر الكفّارة فيها ـ كتركه في صحيحة أحمد بن محمد (١) ، التي هي أصرح من هذه الصحيحة في ورودها في متعمّد النوم إلى الصبح ـ وإن كان مشعرا بعدم وجوبها ، أو ظاهرا في ذلك ، ولكن لا بالدلالة اللفظية ، بل من باب السكوت في مقام البيان ، فيجب رفع اليد عنه بالأخبار المبيّنة له ؛ لحكومتها عليه ، كما لا يخفى.

نعم ، يمكن الاستدلال لحرمة النوم مطلقا ما لم يغتسل : بقوله

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٨ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

٤٣٢

ـ عليه‌السلام ـ في مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان ، فليس له أن ينام حتى يغتسل ، وإن أجنب ليلا ، فلا ينام ساعة حتى يغتسل (١).

ولكن يتوجّه عليه : أنّ هذه الرواية مع ما فيها من الإرسال والإضمار ، ومخالفة ظاهرها لظواهر غيرها من النصّ وفتاوى الأصحاب ، بل صريحها ، لا تصلح دليلا إلّا للكراهة من باب المسامحة.

وقد يتخيّل اقتضاء قاعدة المقدّمية : حرمة النوم ما لم يثق من نفسه الانتباه في الليل.

ويدفعه : أنّ قاعدة المقدّمية لا تقتضي إلّا إيجاب ما يتوقّف عليه فعل الصوم ، وهو إيجاد غسل في الليل ، فله اختيار فعله في آخر الوقت ، كما هو الشأن في كلّ واجب موسّع.

وإلزام العقل بترك النوم مقدّمة له موقوف على إحراز توقّفه عليه ، وإلّا فمقتضى الأصل براءة الذمة عن التكليف به.

واحتمال صيرورته سببا لفوت الواجب الذي تنجّز التكليف به غير موجب لإلزام العقل بالتحرّز عنه بعد استقلاله بقبح العقاب على تركه غير المستند إلى اختياره.

وكونه قادرا على الخروج عن عهدة الواجب : إمّا بتقديم الغسل أو ترك النوم ، لا يجعل الترك الناشئ من اختيار النوم الذي يحتمل معه الانتباه والقدرة على الخروج عن عهدة الواجب بمنزلة الترك الاختياري الذي يصحّ العقاب عليه بعد أن ليس له طريق شرعي أو عقلي يلزمه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٨ و ٣٢٠ / ٩٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٤ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

٤٣٣

بالاحتياط ؛ إذ المفروض عدم دليل شرعي يدلّ عليه ، والعقل لا يوجب الاحتياط إلّا من باب دفع الضرر المحتمل ، ولا احتمال بعد استقلال العقل بقبح العقاب من غير بيان ، وعدم صحة المؤاخذة على الترك غير الاختياري.

وتوهّم : أنّ قضية إيجاب شي‌ء موسّعا ـ كالصلاة من الزوال إلى الغروب ـ وجوب اختياره في أوّل زمان التمكّن منه ، إلّا أن يثق من نفسه ـ ولو بواسطة ظنّ السلامة ونحوه ـ التمكّن من فعله على تقدير التأخير ؛ لأنّ التوسعة إنّما هو في حقّ من قدر على فعله في أيّ وقت شاء ، فجواز التأخير له موقوف على إحراز كونه ممّن يقدر عليه في آخر الوقت ؛ مدفوع : بأنّ قضية التوسعة عدم تعيّنه عليه في شي‌ء من أجزاء الوقت بخصوصه بحسب أصل الشرع ، فتعيّنه عليه في جزء موقوف على انحصار قدرته فيه ، وعجزه عن الإتيان به في وقت آخر ، فما لم يحرز ذلك ينفي تعيّنه عليه بالأصل ، فوجوبه في خصوص الجزء الأول من الوقت مشروط بعدم القدرة عليه في الزمان المتأخّر ، لا أنّ جواز تركه فيه مشترط بالقدرة على الغير ؛ كي يحتاج في الجواز إلى إحراز شرطه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فتلخّص ممّا ذكر : أنّ المدار في جواز النوم على احتمال الانتباه احتمالا يعتدّ به بحيث يخرجه عن كونه ملحقا بالترك الاختياري ، كما نبّه عليه صاحب المسالك في عبارته المتقدّمة (١).

تنبيه : قال شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بعد أن فرغ من الكلام في وجوب القضاء بالنوم الثاني ما لفظه : ثم إنّ النوم الثالث والرابع في

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٤٣٠.

٤٣٤

حكم الثاني في وجوب القضاء ، ولا يهدم العدد بتجديد الجنابة بعد النومة الأولى ، كما هو واضح ، وإنّما الكلام في ثبوت الكفّارة بالنوم الثالث ، فإنّ ظاهر المشهور : ثبوتها ، بل عن الغنية والوسيلة والخلاف : دعوى الإجماع عليه ، إلّا أنّه لا دليل عليه ، كما اعترف به في الروضة وغيرها ، عدا ما استدلّ الشيخ من رواية المروزي ومرسلة عبد الحميد ورواية أبي بصير ، المتقدّمة في مسألة تعمّد البقاء على الجنابة.

ولا يخفى اختصاص الثالثة بمن تركه متعمّدا ، والأوليين وإن كانتا مطلقتين في النوم إلّا أنّ التمسّك بإطلاقها ، وارتكاب خروج الاولى والثانية ليس بأولى من تقييدهما بالنوم معرضا عن الغسل وإن كان في النومة الاولى. مع أنّ المرسلة آبية عن الحمل على ما عدا الاولى ، كما لا يخفى.

فالقول بعدم الكفّارة ـ كما عن المعتبر والمنتهى وجماعة ـ لا يخلو عن قوّة (١). انتهى كلامه ، رفع مقامه.

وهو جيّد ، بل لا يبعد دعوى انصراف خبر المروزي (٢) بنفسه إلى إرادة ترك الاغتسال اختيارا ، لا لدعوى ظهور النسبة في الاختيار ؛ كي تكون قابلة للمنع ، بل لمناسبته للكفّارة ، ولما في ذيل الخبر من قوله : «ولا يدرك فضل يومه» إذ الظاهر أنّ ذكره من باب اللطف والتحريض على التجنّب عن ترك الاغتسال ، لا محض الإخبار عن أمر واقعي ؛ كي لا ينافيه الاضطرار ، فليتأمّل.

(ولو استمنى) فحصل الإمناء (أو لمس امرأة فأمنى ، فسد

__________________

(١) كتاب الصوم : ٥٧٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٤٣٥

صومه) بلا خلاف فيهما على الظاهر في الجملة ، بل في المدارك وغيره : دعوى الإجماع صريحا على أنّ الاستمناء مفسد للصوم (١).

وعن المصنّف في المعتبر أنّه قال : ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتّفاقا (٢).

وعن التذكرة والمنتهى نحوه (٣).

ويدلّ عليه ، مضافا إلى الإجماع : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع (٤).

ومرسلة حفص بن سوقة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان ، فيسبقه الماء ، فينزل ، قال : عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان (٥).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ، قال :عليه إطعام ستين مسكينا ، مدّ لكل مسكين (٦).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٦١ ، والانتصار : ٦٤ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩ ، وكتاب الصوم للشيخ الأنصاري : ٥٧٤.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٢٩ ، وصاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٥٢ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٦٥٤.

(٣) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٢٩ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٥٧ ، ومنتهى المطلب ٢ : ٥٦٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨٠ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

٤٣٦

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق ، قال : كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة (١).

وعن الصدوق مرسلا ، قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : أما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما إلى الليل؟ إنّه كان يقال : إنّ بدو القتال اللطام (٢) ، ولو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق ، كان عليه عتق رقبة (٣).

ومقتضى إطلاق هذه الأخبار : فساد الصوم ووجوب الكفّارة بخروج المني بواسطة الملاعبة والتقبيل ونحوهما وإن لم يكن ذلك مقصودا له ولا من عادته ذلك ، كما هو ظاهر عبارة المتن وغيره.

ويؤيّده أيضا ، بل يدلّ عليه : المستفيضة الدالّة على كراهة القبلة والملامسة ونحوهما معلّلا ذلك : بمخافة أن يسبقه المني ؛ إذ لولا خروج المني من غير إرادة عقيب الفعل الذي يكون معرضا له مفسد للصوم ، لما يناسبه التعليل.

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه سئل عن الرجل يمسّ من المرأة شيئا ، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال : إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني (٤).

وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم جميعا عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ قال : إنّي أخاف

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٢) اللطم : ضربك الخدّ وصفحة الوجه ببسط الكف. لسان العرب ١٢ : ٥٤٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٠ / ٢٩٨ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٤ / ١ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٤٣٧

عليه ، فليتنزّه من ذلك إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه (١).

وصحيحة منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :ما تقول في الصائم يقبّل الجارية والمرأة؟ فقال : أمّا الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس ، وأمّا الشاب الشبق (٢) فلا ، لأنّه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين ، قلت : فما ترى فـ مثلي يكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي : إنّك لشبق يا أبا حازم؟ (٣) الحديث.

وموثّقة سماعة أنّه سأل أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان ، فقال : ما لم يخف على نفسه فلا بأس (٤).

ولكن ينبغي صرف إطلاق الروايات المزبورة لو لم نقل بانصرافها في حدّ ذاتها ، بل وكذا إطلاق عبارة المتن ونحوه إلى ما لو كان فعله معرّضا لخروج المني ، بأن يكون على وجه يمكن خروجه منه بمقتضى عادته ، وأمّا لو كان حال اللمس والتقبيل مطمئنّا بعدم كونه مورثا لتهييج الشهوة الموجبة لخروج المني ، فسبقه الماء من باب الاتّفاق ، فلا ، فإنّ من المستبعد ثبوت الكفّارة في الاضطراري المحض ، فيشكل استفادته من مثل هذه الإطلاقات ، مع أنّه لو كان خروجه [مفسدا] (٥) مطلقا ولو لم يكن ذلك من عادته ولا كان يحتمله احتمالا يعتدّ به بحيث يخاف منه ، لكان الأنسب إطلاق النهي عنه في هذه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧١ / ٨٢١ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٣.

(٢) الشبق : شدّة الغلمة وطلب النكاح. لسان العرب ١٠ : ١٧١.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٤ / ٣ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠٠ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٤٣٨

الأخبار من غير استثناء صورة الأمن وعدم الخوف على نفسه.

ويؤيّده أيضا : ما عن الصدوق في المقنع مرسلا عن علي عليه‌السلام ، قال : لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي‌ء (١) ، بحمله على ما إذا لم يكن ذلك من عادته ولا من قصده ، ولكنه حصل من باب الاتّفاق ؛ جمعا بينه وبين غيره ممّا عرفت ، فليتأمّل.

وكيف كان ، فما في المدارك من تخصيص الحكم بصورة القصد حيث قال : والأصح أنّ ذلك ـ يعني اللمس ونحوه ـ يفسد الصوم إذا تعمّد الإنزال بذلك (٢) ؛ ضعيف مخالف لظواهر النصوص والفتاوى ، والله العالم.

(ولو احتلم بعد نيّة الصوم نهارا ، لم يفسد صومه) إجماعا ، كما ادّعاه غير واحد ، ولا يجب عليه البدار إلى الغسل بلا نقل خلاف فيه عن أحد ، بل في المدارك نقل عن المنتهى أنّه قال : لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد ، لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ، ولا نعلم فيه خلافا (٣). انتهى ما في المدارك.

والظاهر أنّ قوله : ولا نعلم فيه خلافا ؛ من تتمّة ما حكاه عن المنتهى ، ويحتمل كونه من كلامه.

وكيف كان ، فيدلّ عليه الأصل بعد انتفاء ما يدلّ على حرمته.

نعم ، ربّما يستشعر وجوب المبادرة إلى الغسل من قوله ـ عليه‌السلام ـ ،

__________________

(١) المقنع (الجوامع الفقهية) : ١٦ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٢) مدارك الأحكام ٦ : ٦٢.

(٣) مدارك الأحكام ٦ : ٦٢ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٧٦.

٤٣٩

في مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد المتقدّمة (١) : إذا احتلم في شهر رمضان نهارا ، فليس له أن ينام حتى يغتسل. فإنّه مشعر بوجوب المبادرة إلى الغسل ، وظاهر في حرمة النوم قبل الاغتسال ، ولكن لقصوره عن الحجّية لما فيه من الإرسال والإضمار ، ومخالفة ظاهره لفتاوى الأصحاب لا يصلح دليلا إلّا للكراهة من باب المسامحة.

(وكذا) لا يفسد صومه (لو نظر إلى امرأة) حلال أو حرام (فأمنى على الأظهر ، أو استمع فأمنى) أو تخيّل فأمنى ؛ للأصل.

وحكي (٢) عن الشيخ القول بوجوب القضاء عليه إذا كانت المنظورة لا تحلّ له بشهوة.

وعن أبي الصلاح أنّه قال : لو أصغى إلى حديث أو ضمّ أو قبّل فأمنى ، فعليه القضاء (٣).

والأصل حجّة عليهما ، إلّا أن يريداه مع الاعتياد ، فيمكن حينئذ استفادته من الأخبار المتقدّمة بتنقيح المناط ، ولكن لا يتّجه حينئذ تفصيل الشيخ بين كون النظر حلالا أو حراما.

هذا كلّه في ما لو لم يكن قصده خروج المني ، وإلّا فهو من الاستمناء الذي لا خلاف في حرمته وكونه موجبا للقضاء والكفّارة ، كما لا يخفى.

تنبيه : لو انتقل المني عن موضعه الأصلي بسبب غير اختياري ،كالاحتلام ونحوه ، وتمكّن من إمساكه وحفظه عن الخروج إلى

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٤٣٣.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٥٤ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٢.

(٣) كما في الجواهر ١٦ : ٢٥٤ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٣ ، وراجع :الكافي في الفقه : ١٨٣.

٤٤٠