مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

النافي ، مع أنّ عبارة النهاية ليست إلّا كما قدّمنا نقلها ، وهي ليست مخالفة لما في القاموس إلّا في مجرّد التعبير ، فلعلّ لابن الأثير نهاية أخرى غير ما رأيناها ، أو أنّ النهاية التي نقل عنها في المدارك كانت مشتملة على هذه الزيادة ، أو أنّه ذكر ابن الأثير هذه العبارة التي نسبوها إليه في مقام آخر لم نطّلع عليه.

وكيف كان فقد عرفت أنّه لا اختلاف بين اللغويّين في تفسير المعدن ، وأنّه اسم للمحلّ.

وأمّا الفقهاء فقد جعلوه بأسرهم اسما للحالّ ، فكأنّ منشأة أنّ غرضهم لم يتعلّق إلّا ببيان ما تعلّق به الحكم الشرعي ، وهو ما استخرج من المعدن لا نفسه ، فسمّوه معدنا تسمية للحالّ باسم المحلّ.

واختلافهم في مثل حجر الرحى وطين الغسل ونحوه نشأ من الخلاف في صدق اسم المعدن عرفا على مركز مثل هذه الأشياء ، كما يقتضيه إطلاق كلمات اللغويّين عند تفسيرهم لمعناه الأعمّ ، أم يشترط في صدق اسمه عرفا كون ما يستخرج منه من غير جنس الأرض عرفا ، كما ربّما يستشعر من تفسير صاحب القاموس ، حيث قال : مكان كلّ شي‌ء فيه أصله (١) ؛ فإنّه مشعر باشتراط المغايرة واعتبار الفرعية ، بل لا يبعد أن يدّعى أنّ هذا هو منصرف كلام من عداه أيضا ممّن قال : بأنّ مركز كلّ شي‌ء معدنه ، حيث إنّ المتبادر منه إرادة الأشياء الخارجة عن مسمّى الأرض.

وكيف كان فاستفادة ثبوت الخمس في مطلق المعادن بهذا المعنى من الأخبار مشكلة ؛ فإنّ المتبادر منها ممّا عدا صحيحة محمد بن مسلم ،

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٢٤٧.

٢١

خصوصا من قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة التي وقع فيها السؤال عمّا في المعادن : «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس ، وما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى ، الخمس» (١) انّما هو إرادتها بالمعنى الأخصّ الذي ادّعينا انصراف اسم المعدن اليه ، ولا أقلّ من إجمالها وعدم ظهورها في إرادة الأعمّ.

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، التي وقع فيها السؤال عن الملاحة وإن كانت صريحة في إرادة الأعمّ ، بناء على ما رواه الشيخ من قوله ـ عليه‌السلام ـ في الجواب : «هذا المعدن فيه الخمس» (٢).

ولكنّك عرفت أنّه ـ عليه‌السلام ـ على ما رواه الصدوق ـ قال : «هذا مثل المعدن» (٣) فلا تدلّ حينئذ على المدّعى ، بل على خلافه أدلّ ، ولذا استدلّ في الرياض (٤) بهذه الرواية لإثبات أنّ المتبادر منها المعنى الأخصّ.

نعم يفهم منها على هذا التقدير أيضا كون الملح والنفط والكبريت ونحوها من الأمور المتكوّنة في الأرض من غير جنسها ممّا يعدّ في العرف من أشباه المذكورات ملحقة بالمعادن في وجوب الخمس فيها دون مثل حجارة الرحى وطين الغسل والجصّ ممّا لم يعلم اندراجه في عمومه وأشباهه ، الوارد في الصحيحة وإن قلنا بصدق اسم المعدن عليه عرفا بمعناه الأعمّ.

اللهمّ إلّا أن يقال : بأنّ ثبوت الخمس في هذه الأشياء وإلحاقها

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٧ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٩ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٦.

(٤) رياض المسائل ١ : ٢٩٣.

٢٢

بالمعادن في هذه الصحيحة كاشف عن أنّ المراد بالمعادن في الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة معناها الأعمّ ، وإلّا لم يكن الحصر حاصرا ، بل يكشف عن أنّ المراد في نفس هذه الرواية التي فرّع الخمس عليه مطلقة ، فإنّ الأرض السبخة التي يجتمع فيها الماء فيصير ملحا لدى العرف أيضا لا تسمّى معدن الملح ، بل مثله ، فالمشبّه به على ما ينسبق الى الذهن معدنه لا معدن الذهب.

هذا ، مع اعتضاده بفهم الأصحاب وظهور كلماتهم ، بل صراحة جملة منها في دوران الحكم مدار صدق اسم المعدن في العرف ، واختلافهم في بعض الموارد إنّما هو في تشخيص المصداق ، لا في عموم الحكم ، فالأظهر ثبوت الخمس في جميع ما يستخرج من الأرض ممّا يسمّى في العرف معدنا بمعناه الأعمّ ، ولكن قد يختفى الصدق العرفي على بعض الأشياء ، كأرض الجصّ والنورة وما يتّخذ منه حجارة الرحى ونحوه ، فإنّه ليس بنظر العرف غالبا إلّا كسائر قطع الأرض المشتملة على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها للبناء أو اتّخاذ الأواني الخزفيّة ونحوها ، بل قد لا يشكّ في عدم الصدق وصحّة سلب الاسم عنه ، كما لو كان ما يتّخذ منه حجر الرحى مثلا جبلا عظيما ، أو مكانا واسعا من الأرض قابلا حجارته لمثل هذه الأشياء ، كما أنّه قد يعكس الأمر ، كما لو كان نوع خاصّ من الحجر ممتاز عن سائر أنواعه بأوصاف خاصّة مخلوقا في موضع معيّن من الأرض ككنز مدفون فيها ، فإنّه لو سئل في العرف عن مأخذ هذه الحجارة ، يقال : إنّ لها معدنا خاصّا.

وكيف كان ، فالمدار على التسمية في العرف ، لا على نحو المسامحة والتجوّز ، ففي الموارد التي يصحّ إطلاق اسم المعدن عليها حقيقة ، ولا يصحّ سلبه عنها عرفا ، يجب الخمس فيما يستخرج منها (سواء كانت

٢٣

منطبعة ، كالذهب والفضّة والرصاص ، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والكحل ، أو مائعة كالقير والنفط والكبريت.)

وأمّا الموارد التي يشكّ في صحّة إطلاق الاسم عليه على سبيل الحقيقة فينفي وجوبه من هذه الجهة بالأصل ، ولكن ربّما يتعلّق به الوجوب من حيث اندراجه في أرباح المكاسب ، فيراعى فيه شرائطه من زيادته على مئونة السنة ، وقصد التكسب إن اعتبرناه ، وغير ذلك ممّا ستعرف.

(و) هل يعتبر النصاب فيما يجب الخمس فيه من المعادن؟ فيه وفي قدره خلاف.

ففي صريح السرائر (١) ومحكي الخلاف (٢) وظاهر غيرهما ممّن أطلق القول بالوجوب ، ولم يصرّح بالاشتراط : أنّه (يجب فيه الخمس) مطلقا ، قليلا كان أو كثيرا (بعد) وضع مقدار (المئونة) أي : مئونة الإخراج والتصفية ، بل في الدروس نسبته إلى الأكثر (٣).

وفي السرائر قال في ردّ الشيخ القائل باعتبار النصاب : إجماع الأصحاب منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها ، قليلا كان المعدن أو كثيرا ، ذهبا كان أو فضّة من غير اعتبار مقدار (٤). انتهى.

وأمّا مقدار المئونة فيظهر من كلماتهم تصريحا وتلويحا : أنّه لا خلاف بينهم في عدم وجوب خمسه ، كما سيأتي تحقيقه عند تعرّض المصنّف

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٨.

(٢) حكاه عنه ، صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٨ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١١٩ ، المسألة ١٤٢.

(٣) الدروس ١ : ٢٦٠.

(٤) السرائر ١ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩.

٢٤

ـ رحمه‌الله ـ له إن شاء الله.

وحكي عن أبي الصلاح الحلبي أنّه اعتبر بلوغ قيمته دينارا واحدا (١).

(وقيل : لا يجب حتّى يبلغ عشرين دينارا) كما عن الشيخ في النهاية والمبسوط (٢) ، وابن حمزة في وسيلته (٣) ، ووافقهما غير واحد من المتأخّرين ، بل في المدارك نسبته الى عامّتهم (٤).

(و) هذا (هو المرويّ) صحيحا ـ في التهذيب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : «لا شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (٥).

(و) لكن مع ذلك القول (الأوّل أكثر) قائلا من القدماء ، كما سمعت عن الدروس نسبته إلى الأكثر ، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه (٦) ، كما أنّه هو ظاهر عبارة السرائر المتقدّمة آنفا ، إلّا أنّ غرض الحلّي ـ على ما يعطيه سوق عبارته ـ دعوى الإجماع على أصل وجوب الخمس في المعادن من غير اشتراطه بشي‌ء ، كما في الغوص ، لا على نفي الاشتراط ، كما لا يخفى على من لا حظ مجموع كلامه.

وكيف كان ، فمستندهم بحسب الظاهر ليس إلّا إطلاقات الأدلّة.

ولا يخفى عليك أنّ اشتهار هذا القول بين القدماء أخذا بإطلاق

__________________

(١) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٣٦٥ ، وراجع : الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٣٦٥ ، وراجع : النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٧.

(٣) كما في جواهر الكلام ١٦ : ١٨ ، وراجع : الوسيلة : ١٣٨.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٥.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٩١ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

(٦) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٨ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٢٠ ، المسألة ١٤٢.

٢٥

النصوص المتضمّنة لوجوب الخمس في المعادن من غير تفصيل ، وإعراضهم عن النص المزبور مع صحّته ، وصراحته في نفي وجوب شي‌ء عليه ما لم يبلغ النصاب ، ووضوح عدم صلاحيّة مثل هذه المطلقات ـ التي يمكن الخدشة في إطلاق كثير منها من حيث هو بورودها في مقام بيان أصل التشريع ـ لمعارضة النصّ الخاصّ ممّا يوهن التعويل عليه ، ولذا لم يرجّحه المصنّف.

وممّا يزيدها وهنا : ما حكي عن الشافعي في أحد قوليه وعن غيره أيضا من العامّة القول بوجوب الزكاة في معدن الذهب والفضّة (١) ، وإشعار الرواية بإرادتها ، فيحتمل أن يكون غرض السائل بقوله : هل فيه شي‌ء؟ الزكاة ، فأجابه ـ عليه‌السلام ـ ، بأنّه «ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة» يعني ليس فيه زكاة حتى يبلغ نصابها ، فتكون الرواية على هذا التقدير جارية مجرى التقية.

كما يؤيّد هذا الاحتمال : أنّه لو كان المقصود أنّه بعد بلوغ النصاب يكون فيه الخمس ، لكان محتاجا الى بيان زائد ، بخلاف ما لو كان المراد به الزكاة ، فإنّه يفهم من سوق التعبير.

ويؤكّد وهنها أيضا بعد ارتكاب التقييد ببلوغ العشرين في صحيحة محمّد بن مسلم ، المصرّحة بوجوب الخمس في الملح المتّخذ من الأرض السبخة المالحة التي يجتمع فيها الماء فيصير ملحا (٢) ، فإنّ هذه الصحيحة وإن لم تكن مسوقة لبيان الإطلاق من هذه الجهة ، إلّا أنّ تنزيلها على إرادة ما لو كان الملح المتّخذ من مثل هذه الأرض بعد وضع المئونة بالغا

__________________

(١) حكاه في الخلاف ٢ : ١١٦ المسألة ١٣٨.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٩ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٤.

٢٦

هذا الحدّ لا يخلو عن بعد ؛ إذ قلّما يتّفق حصول مثل الفرض.

هذا ، ولكن ربّما يغلب على الظنّ أنّ أحمد بن محمّد بن أبي نصر كان عارفا بأنّه ليس في المعدن زكاة ، وأنّه لو كان فيه شي‌ء ، لكان هو الخمس إمّا بواسطة سماعة خبر الدينار الآتي (١) ، الذي رواه محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله ، أو غير ذلك من الروايات الواصلة اليه ، ولا أقلّ من أنّه كان يحتمل ذلك ؛ لأنّه على ما في التذكرة (٢) مذهب أبي حنيفة ، الذي هو بحسب الظاهر أشهر المذاهب في زمانه ، فمن المستبعد أن لا يحتمله أصلا ، ويقصد من إطلاق الشي‌ء خصوص الزكاة ، فالظاهر أنّ مراده بقوله : هل فيه شي‌ء؟ إمّا خصوص الخمس أو الأعمّ ، كما هو مقتضى إطلاق السؤال.

وممّا يؤيّد احتمال إرادة خصوص الخمس : قوّة احتمال وقوع هذه الصحيحة بعد صحيحته الأخرى الواردة في الكنز عن أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ، قال : «ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس» (٣) فالمراد بأبي الحسن في هذه الصحيحة أيضا على هذا ، الرضا ـ عليه‌السلام ـ فأريد بها بيان اتّحاد حكم المعدن مع الكنز ، وأنّه ليس في المعدن أيضا شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة كما في الكنز.

وكيف كان فالصحيحة كادت تكون صريحة في أنّه لا شي‌ء فيه ما لم يبلغ النصاب ، واحتمال إرادة خصوص الزكاة وجريها مجرى التقيّة مع

__________________

(١) يأتي في ص ٢٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ : ٤١٠ ، المسألة ٣٠٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٥ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

٢٧

مخالفته للأصل والظاهر ممّا لا ينبغي الاعتناء به.

وما أشرنا إليه من بعد التقييد في مثل معدن الملح فهو استبعاد لغير البعيد ، بل الغالب فيمن اتّخذ الملاحة مكسبا له بلوغ ما يتّخذه من معدنه حد النصاب في زمان قليل ، خصوصا في الأماكن التي يعزّ وجود الملح فيها ، ويختصّ معادنه بأشخاص خاصّة ، فعمدة ما يوهن الاعتماد على الرواية هو ما عرفت من إعراض أكثر القدماء عنها ، ولكن طرح الخبر الصحيح الذي اعتمد عليه بعض القدماء كالشيخ وابن حمزة وكثير من المتأخّرين ، بل عامّتهم كما ادّعاه في المدارك (١) من غير معارض مكافئ مشكل ، فالالتزام بمضمونه أشبه بالقواعد وإن كان القول الأوّل أحوط.

حجّة القول باعتبار الدينار المحكي عن أبي الصلاح الحلبي (٢) : ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة هل فيه زكاة؟ فقال : «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (٣).

وعن الصدوق مرسلا عن الكاظم ـ عليه‌السلام ـ نحوه (٤).

وهذه الرواية قاصرة عن مكافأة الصحيحة المزبورة سندا ودلالة وعملا.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٥.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٣٦٦ ، وراجع : الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٦ و ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٢ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ذيل الحديث ٥.

٢٨

أمّا من حيث السند : فهو مطعون بجهالة الراوي كما في المدارك وغيره.

و [أمّا] من حيث العمل : فلم ينقل القول بمضمونه في المقام إلّا عن أبي الصلاح ، وهو لا يخرجها عن الشذوذ ، فالصحيحة بالإضافة إليها من قبيل الرواية المشهورة التي ورد في بعض الأخبار العلاجيّة الأمر بالأخذ بها في مقام المعارضة.

وأمّا من حيث الدلالة فمن وجوه :

أمّا أوّلا : فلأنّ الجواب ليس نصّا في إرادة حكم الذهب والفضّة ؛ فإنّه وإن وقع التصريح بهما في طيّ السؤال ، إلّا أنّ تعدّد الأمثلة التي وقع السؤال عن حكمها ـ خصوصا بعد فرض السائل مجموعها من واد واحد فيما هو مناط الحكم ـ يجعل الجواب بمنزلة العمومات القابلة للتخصيص ، فيحتمل أن يكون المقصود بالجواب ثبوت الحكم فيما وقع عنه السؤال على سبيل الإجمال ، ولذا أجاب عنه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب ـ على ما حكي عنه (١) ـ بأنّه إنّما يتناول حكم ما يخرج من البحر لا المعادن.

وفي المدارك بعد أن نقل هذا الجواب عن الشيخ ، قال : وهو بعيد (٢).

وفيه : أنّ كونه بعيدا لا ينفي احتماله حتّى يصلح معارضا للنصّ الخاصّ الوارد في المعدن.

وكون الصحيحة أيضا لها جهة عموم حيث إنّها تتناول سائر المعادن غير قادح ؛ فإنّه لا يمكن تخصيصها بما عدا معدن الذهب والفضّة إمّا

__________________

(١) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٦ ، وراجع : التهذيب ٤ : ١٣٩.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٦.

٢٩

لكون معدنهما بمنزلة القدر المتيقّن الذي ينسبق الى الذهن من إطلاق السؤال ، فترك التفصيل في الجواب يجعله كالنص في إرادته ، وإمّا لعدم القول بالفصل.

وثانيا : فلأنّه ليس نصّا في الجواب ؛ لأنّ ثبوت الخمس فيه عند بلوغ قيمته دينارا أعمّ من أن يكون على جهة الندب ، كثبوت الزكاة في مال التجارة عند تحقّق شرائطها ، غاية الأمر أنّ ظاهره ذلك ، فيرفع اليد عنه في بعض موارده ـ أي معادن الذهب والفضّة ـ بالنص ، ولا محذور فيه ، بل هو من أهون التصرّفات وأقرب المحتملات في مقام التوجيه.

وثالثا : فلما أشرنا إليه في صدر المبحث من أنّ الأخبار المثبتة للخمس في مورد من موارده لا تصلح معارضة للأخبار النافية له عن ذلك المورد ؛ لجواز أن يكون نفيه عنه من قبل وليّ الخمس إرفاقا برعاياه ، فلا ينافي ذلك ثبوته في أصل الشرع ، كما ستعرف له شواهد في هذا الباب ، فيمكن أن يكون الدينار في الواقع سببا لثبوت الخمس ، ولكنّ الإمام ـ عليه‌السلام ـ وسّع على الناس ، وجعلهم في حلّ من ذلك ، ولم يكلّفهم بشي‌ء ما لم يبلغ عشرين دينارا ، فليتأمّل.

وقد تلخص ممّا ذكر : أنّ القول باعتبار بلوغ قيمته عشرين دينارا ؛ تعويلا على الصحيحة (١) المزبورة ، لا يخلو عن قوّة ، ولكنّ العمل بإطلاق أدلّة الخمس أحوط.

ثمّ إنّ المدار على ما يتبادر من النصّ إنّما هو بقيمة النصاب أي العشرين دينارا وقت الإخراج ، كما صرّح به غير واحد.

__________________

(١) أي صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، التي تقدّمت في ص ٢٥.

٣٠

وعن الشهيد : الاجتزاء بقيمته القديمة (١). فكأنّ مراده القيمة القديمة التي كانت لعشرين دينارا في صدر الإسلام ، وهي ، مائتا درهم ، كما يظهر من تتّبع الآثار.

وأمّا الشي‌ء المستخرج من المعادن فلا طريق إلى معرفة قيمته القديمة ، مع أنّه لا وجه يعتدّ به للاجتزاء به.

وأمّا [القيمة] القديمة للعشرين دينارا فيمكن أن يوجّه اعتبارها بظهور الخبر في كون المعيار بلوغ نصاب الزكاة ، فلا يبعد أن يكون ذكر العشرين دينارا من باب اتّحاده مع مائتي درهم في ذلك الزمان ؛ لأنّه هو الأصل في زكاة النقدين ، على ما ذكره شيخنا المرتضى (٢) ـ رحمه‌الله ـ مستظهرا من أخبارها ، فالعبرة على هذا التقدير إنّما هو ببلوغ مائتي درهم التي هي قيمة العشرين دينارا في ذلك الزمان من حيث هي.

وفيه : أنّ حمل العشرين دينارا على إرادة مقدار ماليته الخاصّة الثابتة له في ذلك الزمان باعتبار مساواته لمائتي درهم خلاف الظاهر ، بل الظاهر كونه بنفسه ملحوظا في الحكم ، وإلّا لعبّر بمائتي درهم ، مع أنّ ما قيل : من أنّ الأصل في نصاب النقدين مائتا درهم ـ إن سلّم ـ فهو من قبيل الحكم والمناسبات المقتضية لتعلّق الحكم به في أصل الشرع ، وإلّا فالعشرون دينارا أيضا كمائتي درهم في حدّ ذاته أصل مستقلّ في زكاة النقدين.

هذا ، مع أنّه لم يعلم مساواتهما في القيمة حين صدور الرواية ، وكيف كان فالقول بكفاية القيمة القديمة ضعيف.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٨ ، وراجع : البيان : ٢١٤.

(٢) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٤.

٣١

ثمّ إنّ المتبادر من سؤال السائل في الصحيحة المزبورة ، وكذا من جواب الإمام ـ عليه‌السلام ـ اعتبار النصاب فيما أخرج من المعدن دفعة أو دفعات في حكم الواحد ، بأن لا يتحقّق بينها (١) الإعراض ، كما صرّح به شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ وفاقا لما حكاه عن العلّامة في المنتهى والتحرير وحاشية الشرائع وشرح المفاتيح والرياض ـ خلافا للمحكي عن الشهيدين في الدروس والمسالك والأردبيلي وصاحبي المدارك والذخيرة (٢) ـ تمسّكا بالعمومات المتضمّنة لوجوب الخمس في هذا النوع.

وفيه : أنّ العبرة بظاهر النصّ الخاصّ الدالّ على اعتبار النصاب.

اللهمّ إلّا أن يمنع ظهور النصّ الخاصّ في ذلك ، أو يقال : بأنّ ظهوره في ذلك ليس على وجه يعتدّ به في رفع اليد عن إطلاق الأدلّة.

والأوجه : أن يقال : إنّ الإعراض المتخلّل في البين إن كان على وجه عدّ العود إليه في العرف عملا ابتدائيّا مستأنفا بحيث يكون فعله بعد الإعراض وقبله بمنزلة دفعات واقعة في أزمنة متباعدة من باب الاتّفاق من غير ارتباط بعضها ببعض ، لوحظ كلّ فعل من أفعاله بحياله موضوعا مستقلّا.

وأمّا إن لم يكن كذلك ، بل كان عوده اليه بمنزلة إعراضه عن إعراضه السابق ، والرجوع الى عمله ، فهو بحكم ما لو لم يتحقّق بينهما إعراض في استفادة وجوب الخمس فيه عند بلوغ مجموعه النصاب من الخبر الخاصّ ، فضلا عن العمومات الدالّة عليه.

__________________

(١) ورد في النسخة الخطية والطبعة الحجرية : بينهما ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٤ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٤٩ ، وتحرير الأحكام ١ : ٧٣ ، ورياض المسائل ١ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ، والدروس ١ : ٢٦٠ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٥٩ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٢٩٦ ، ومدارك الأحكام ٥ : ٣٦٧ ، وذخيرة المعاد : ٤٧٨.

٣٢

هذا ، مع إمكان أن يقال : إنّ انصرافه عن الدفعات المتباينة المستقلّة أيضا بدوي منشأه أنس الذهن ، وانسباقه إلى الشي‌ء المستخرج من المعدن المجتمع عنده حتّى بلغ النصاب ، فانصرافه عن الدفعات إنّما هو من حيث عدم اجتماع محصّلها لديه ، وإلّا فلو فرض اجتماعه لديه وانضمام بعضه الى بعض ، يشكل دعوى انصراف النصّ عنه ، كما أنّه يشكل دعوى انصرافه الى ما استخرجه بالدفعات المتوالية غير المتخلّلة بالإعراض عند عدم اجتماع ما حصّله بها لديه ، كما لو اتّخذ الملاحة مكسبا ، فاستخرج من معدن الملح يوما فيوما على التدريج بمقدار ما يكفيه في مئونته وصرفه كذلك ، فإنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس فيه شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (١) منصرف عن مثل ذلك في بادئ الرأي ، ولكن انصرافه عنه بحسب الظاهر بدويّ ، ولذلك لم يلتفت إليه أحد من الأصحاب ، ولم يعتبر الاجتماع شرطا في وجوب الخمس ، فالقول بكفاية بلوغ المجموع النصاب مطلقا إن لم يكن أقوى فهو أحوط.

وهل يعتبر اتّحاد المعدن؟ قولان ، أظهرهما : الأوّل ، كما صرّح به شيخنا المرتضى (٢) ـ رحمه‌الله ـ وقوّاه في الجواهر (٣) ؛ لظهور الصحيحة المتقدّمة (٤) في المعدن الواحد.

وعن ظاهر غير واحد التوقّف في المسألة (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٩١ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يجب فيه الزكاة ، الحديث ١.

(٢) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٤.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ٢٠.

(٤) أي : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، التي تقدمت في ص ٢٥.

(٥) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٤.

٣٣

وعن صريح كاشف الغطاء وظاهر الدروس : عدم اعتبار هذا الشرط ، وانضمام ما أخرجه من معدن الى الآخر في اعتبار النصاب (١).

نعم لا يعتبر اتّحاد ما أخرجه من معدن واحد بالنوع ، فلو كان ما استخرج منه مشتملا على الذهب والفضّة والنحاس والرصاص مثلا ، لوحظ قيمة المجموع بلا خلاف فيه على الظاهر عند القائلين باعتبار النصاب ، بل في الجواهر احتمل رجوع قول من لم يعتبر اتّحاد المعدن الى هذا عدا كاشف الغطاء المصرّح بخلافه (٢) ، كما يحتمل أن يكون مرادهم فيما إذا كانت المعادن متقاربة في أرض واحدة على وجه عدّ المجموع بمنزلة الواحد ، والله العالم.

ولو اشترك جماعة في الاستخراج بحيث صار المحصّل مشتركا بينهم إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب ، فلا شبهة في وجوب الخمس عليهم.

وأمّا إذا لم يبلغ ، ففي الجواهر حكى عن غير واحد التصريح بعدم الوجوب ، وقال : بل لا أعرف من صرّح بخلافه ، لكن قد يقال بظهور صحيح ابن أبي نصر السابق ، بل وغيره من الأخبار بخلافه ، كما اعترف به الشهيد في بيانه ؛ وهو أحوط إن لم يكن أولى ، بل قد يدّعى ظهور الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعدّدين غير الشركاء أيضا وإن كان بعيدا جدّا إن لم يكن ممتنعا (٣). انتهى.

وقال شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : ولو اشترك جماعة في الاستخراج بحيث صار المخرج مشتركا بينهم ، فصرّح بعض باعتبار بلوغ نصيب كلّ

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٠ وراجع : كشف الغطاء : ٣٦٠ والدروس ١ : ٢٦٠.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٢٠.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ٢٠ وراجع : البيان : ٢١٤.

٣٤

منهم النصاب ، وظاهر الصحيحة : عدم اعتبار ذلك (١). انتهى.

أقول : دعوى ظهور الصحيحة في عدم اعتبار ذلك متّجهة لو لم نعتبر خصوصية الفاعل ، وقلنا : بأنّ الاعتبار ببلوغ ما اخرج من المعدن من حيث هو عشرين دينارا من أيّ شخص حصل ، وبأيّ كيفية تحقّق ، فلا يتفاوت الحال حينئذ بين أن يكون المتعدّدون شركاء أم غير شركاء ، بل ولا بين كون فعلهم في زمان واحد أو في أزمنة مختلفة ، فإنّه يصدق على كلّ تقدير على ما أخرج من المعدن أنّه بلغ حدّ النصاب ، وقد سمعت عن الجواهر أنّ إرادة هذا المعنى من الصحيحة بعيدة جدّا ، بل ممتنعة ، أي مقطوع العدم.

وكون العمل المجموع في صورة الشركة يعدّ عملا واحدا في العرف ، بخلاف صورة استقلال كلّ منهم بعمله لا يصلح فارقا بين المقامين ، فإنّ وحدة العمل لو سلّمنا انسباقها الى الذهن من النصّ فمنشأه انصراف الذهن إلى قيامه بفاعل واحد ، وإلّا فلا انصراف جزما عند إرادة الأعمّ ، كما لو وقع السؤال عمّا أخرجه آل فلان من المعدن ، فأجيب :بأنّه إذا كان ما أخرجوه بالغا حدّ النصاب ، فالأظهر اعتبار بلوغ نصيب كلّ منهم النصاب ، فإنّ المتبادر من الصحيحة ـ سؤالا وجوابا ـ بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ليس إلّا إرادة حكم ما يستفيده الشخص من المعدن مباشرة أو تسبيبا ، فهي بمنزلة ما لو قال : سألته عمّا يستفيده الشخص من المعدن ، ولو لا انسباق هذا المعنى الى الذهن من النصّ لا يكاد يسلم شي‌ء من الفروع المذكورة في المقام من النقوض الواردة عليه طردا أو عكسا ممّا لا يلتزم به أحد ، كما لا يخفى على المتأمّل ،

__________________

(١) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٤.

٣٥

فليتأمّل.

وهل الاستخراج من المعدن شرط في تعلّق الخمس بما اخرج منه ، فلو أخرجه حيوان ، وطرحه في مكان آخر ، أو كان ذلك بجري السيل ونحوه ، فاغتنمه أحد من ذلك المكان ، فلا خمس عليه ، أم لا يعتبر ذلك ، بل العبرة بخروجه من المعدن ولو بفعل الحيوان ونحوه؟ وجهان ، ربّما يؤيّد الأخير : تصريحهم بأنّه لو وجد شخص ، المعدن في ملك غيره فأخرجه فهو للمالك ، وعليه الخمس ؛ فإنّ مقتضاه أن لا يكون لخصوصيّة المخرج مدخليّة في ذلك ، وأنّ الاعتبار بكون الشي‌ء مأخوذا من المعدن ولو بسبب غير اختياري حاصل من غير المغتنم المكلّف بإعطاء الخمس.

ويؤيّده أيضا : ما عن الأكثر من أنّ العنبر المأخوذ من وجه الماء أو من الساحل معدن (١) ، مع أنّ وجه الماء أو السّاحل بحسب الظاهر ليس معدنا للعنبر.

ولكن عن المحقّق الأردبيلي : المناقشة في هذا الحكم : بأنّ المتبادر من الأدلّة ما استخرج من معدنه لا مثل ذلك ، إلّا أن يكون معدن العنبر وجه الماء (٢).

وعن كاشف الغطاء التصريح بأنّه لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء فأخذه فلا خمس (٣) ، وهذا أوفق بما يقتضيه الجمود على ما ينسبق الى الذهن من ظواهر أدلّته.

ويمكن التفصيل بين ما لو كان بفعل غير المالك أو بهبوب الرياح

__________________

(١) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٧ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٤٦ ، وكما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٤.

(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٢٤ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٠٨.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٢ ، وراجع : كشف الغطاء : ٣٦٠.

٣٦

وجري السيل ونحوه بدعوى أنّ المتبادر من أدلّته إنّما هو وجوب الخمس فيما يستخرج من المعادن سواء ملكه المخرج أم لا ، بأن كان أجيرا أو وكيلا أو فضوليّا أو غاصبا ، غاية الأمر أنّ قراره على من دخل في ملكه بمقتضى المناسبة ، فخصوصيّة الفاعل ملغاة لدى العرف فيما يفهمون من أدلّته ، ولكن لا على وجه يتعدّى الى مثل السيل وهبوب الريح ونحوه.

ألا ترى أنّك لو راجعت وجدانك تجد الفرق بين ما استخرجه غير المالك إمّا فضوليّا أو غصبا أو بزعم أنّه ملكه ، فانكشف خلافه ، فدفع الحاصل الى المالك في استفادة حكمه من الأدلّة بشهادة العرف ، وقضائهم بعدم مدخليّة خصوصيّة المالك في ذلك ، وكون وجوب الخمس في مثل الفرض أولى ، وبين ما لو أخذ السيل من المعدن شيئا فطرحه في مكان آخر ، فإنّه موضوع آخر لدى العرف ، أجنبيّ عمّا ينسبق الى الذهن من أدلّته.

ودعوى : أنّه لا فرق بين الصورتين لدى التأمّل ؛ يمكن دفعها : بأنّ العبرة في مثل هذه الموارد بما يتفاهم عرفا من أدلّته ، لا على التحقيق الناشئ من التأمّل في إلغاء الخصوصيّات التي يحتمل مدخليّتها في الحكم ، ونحن نرى بالوجدان الفرق بين الصورتين في كون استفادة حكم إحداهما من الأدلّة أقرب من الأخرى ، فالتفصيل بين الصورتين غير بعيد ، بل يمكن الفرق بين مثل العنبر الذي جرت العادة باتّخاذه من وجه الماء أو من الساحل ، وبين غيره ممّا يوجد على وجه الأرض من باب الاتّفاق بواسطة سيل ونحوه بدعوى : أنّ الأوّل بحكم المعدن في كون الأخذ منه لدى العرف مصداقا للأخذ من معدنه ، بخلاف الثاني.

ولكنّك ستسمع الكلام في أنّ العنبر في حدّ ذاته هل هو من المعادن أم لا؟

٣٧

ثمّ إنّه صرّح في المدارك وغيره أنّه لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزئه ، لجواز اختلافه في الجوهر ، ولو علم التساوي جاز (١). انتهى.

وأشكله في الجواهر : بظهور ذيل صحيحة زرارة السابقة في أوّل البحث في تعلّق الخمس بعد التصفية وظهور الجوهر (٢). انتهى.

وفي الكتاب المنسوب الى شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : والظاهر أنّ أوّل وقته بعد التصفية فيما يحتاج إليها ؛ لظاهر صحيحة زرارة «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى ، الخمس» (٣).

أقول : فعلى هذا لو نقله الى آخر ببيع أو صلح ونحوه قبل التصفية لا يجب الخمس على أحدهما.

أمّا على الأوّل : فلإخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به.

وأمّا على الثاني : فلانتقاله إليه بسائر الأسباب غير الموجبة للخمس ، كما ربّما يشهد لعدم وجوبه على الثاني ـ مضافا الى ظهور الأدلّة في تعلّق الوجوب بالمستفيد من المعدن دون غيره ـ خصوص ما رواه في الوسائل عن الكليني عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عمّن حدّثه عن عمرو بن أبي المقدام عن الحارث بن حصيرة الأزدي ، قال :وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع فلامته أمّي وقالت : أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة ، وأنفسها مائة وما في بطونها مائة ، قال : فندم أبي فانطلق ليستقيله ، فأبى عليه الرجل ، فقال : خذ منّي عشر شياه ، خذ

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٨ ، وجواهر الكلام ١٦ : ٢١.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٢١.

(٣) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥٩.

٣٨

منّي عشرين شاة ، فأعياه ، فأخذ أبي الركاز ، وأخرج منه قيمة ألف شاة ، فأتاه الآخر فقال : خذ غنمك وائتني ما شئت ، فأبى ، فعالجه فأعياه ، فقال : لأضرّنّ بك ؛ فاستعدى أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ على أبي ، فلمّا قصّ أبي على أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أمره ، قال لصاحب الركاز : «أدّ خمس ما أخذت ، فإنّ الخمس عليك ، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز ، وليس على الآخر شي‌ء لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه» (١).

وعن الشيخ أنّه رواه بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله (٢).

والمراد بالركاز الذي باعه الرجل ـ بحسب الظاهر ـ هو تراب المعدن قبل التصفية ، وإلّا لم يكن يشتبه أمره ، كما يشهد لذلك ـ مضافا الى ذلك ـ ما عن العلّامة في التذكرة والمنتهى (٣) من نقل هذه القصّة عن الجمهور أنّهم رووا عن أبي الحارث المزني أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع ، فاستخرج منه ثمن ألف شاة ، فقال له البائع : ردّ عليّ البيع ، فقال : لا أفعل ، فقال : لآتينّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ فلأسعينّ بك ، فأتى عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ ، فقال : إنّ أبا الحارث أصاب معدنا ؛ فأتاه عليّ ـ عليه‌السلام ـ فقال : «أين الركاز الذي أصبت» قال :ما أصبت ركازا ، إنّما أصابه هذا ، فاشتريت منه بمائة شاة متبع ، فقال له علي ـ عليه‌السلام ـ : «ما أرى الخمس إلّا عليك».

أقول : الضمير راجع الى البائع بشهادة ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١ ، وراجع : الكافي ٥ : ٣١٥ / ٤٨.

(٢) الوسائل : الباب ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ذيل الحديث ١.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢١ ، قال فيها : مستشهدا له في الأخير ـ يعني منتهى المطلب ـ بما رواه الجمهور ؛ الى آخره ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٤٦.

٣٩

وكيف كان ، فالخبر المزبور كما يدلّ على عدم وجوب الخمس على المشتري ، كذلك يدلّ على وجوبه على البائع وإن أخرجه عن ملكه قبل التصفية ، كما يدلّ على ذلك أيضا جميع ما دلّ على تعلّق الخمس بالمعادن ؛ فإنّ مفادها ثبوت الخمس في كلّ ما يغتنمه من المعادن سواء صفّاه المغتنم أم أخرجه عن ملكه قبل أن يصفّيه.

وأمّا قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة زرارة : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» (١) فهو مسوق لبيان أنّ فيه خمس ما يخرج من حجارته مصفّى ، لا أنّ أوّل وقته بعد التصفية ، فكأنّه أريد بـ (المصفّى) ما يصفو له بعد وضع مقدار ما صرفه فيه من ماله.

وكيف كان ، فلا ظهور له في إرادة أوّل وقت تعلّق الخمس ؛ كي يكون مفاده اشتراط وجوب الخمس بالتصفية ، وعلى تقدير تسليم ظهوره في ذلك فليس على وجه يصلح لتقييد سائر الأخبار ؛ كما لا يخفى.

فظهر بما ذكرناه أنّ ما ذكره في المدارك وغيره من أنّه لو علم بتساويه في الجوهر ، جاز له إخراج خمس التراب ؛ ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه.

وقال أيضا في المدارك : قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : يمنع الذمّي من العمل في المعدن لنفسه ، فإن خالف وأخرج شيئا ، ملكه وأخرج خمسه ؛ ولم يدلّ دليل على منع الذمّي من ذلك (٢). انتهى.

وفي الجواهر بعد نقل كلام صاحب المدارك قال : وهو كذلك

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٧ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٣٦٨ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٢٠ ، المسألة ١٤٤.

٤٠