مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

استكرهوا عليه (١) والمراد رفع حكمها ، ومن جملته القضاء والكفّارة.

وفي المسالك بعد نقل القولين في المسألة ، قال : وأصحّهما وجوب القضاء وإن ساغ له الفعل ؛ لصدق تناول المفطر عليه باختياره ، وقد تقرّر في الأصول : أنّ المراد برفع الخطأ وقسيميه في الحديث : رفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع أحكامها ، ومثله الإفطار في يوم يجب صومه للتقية ، أو التناول قبل الغروب لها (٢). انتهى.

أقول : المراد بصدق تناول المفطر باختياره عليه حصوله عن قصد وإرادة في مقابل عمل المضطرّ والناسي ، لا أنّه يطلق عليه في العرف أنّه فعله باختياره ؛ إذ العبرة في انتفاء ماهيّة الصوم بترك الاجتناب عن المفطرات ، الحاصل بتناوله إيّاها عمدا ، إلّا بإطلاق أنّه فعله باختياره عرفا ؛ كي يمكن الخدشة فيه : بانصراف إطلاق اسم الاختيار عنه.

وبما أشرنا إليه من أنّ الصوم شرعا وعرفا هو الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات ، وأنّ المراد بصدق كونه اختياريا هو حصوله عن قصد ظهر ما في كلام صاحب المدارك ، حيث قال بعد أن نقل عن الشيخ في المبسوط الاستدلال لفساد صومه : بأنّه مع التوعّد يختار الفعل ، فيصدق عليه فعل المفطر اختيارا ، فوجب عليه القضاء : وهو احتجاج ضعيف.

نعم ، يمكن الاستدلال عليه : بعموم ما دلّ على كون الإتيان بتلك الأمور المخصوصة مفسدا للصيام ، لكنّ في إثبات العموم على وجه يتناول

__________________

(١) كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٦٩.

٤٦١

المكره نظر (١). انتهى.

فكأنّ من تمسّك بالأصل في هذا المقام لإثبات الصحة أيضا ـ كصاحب المدارك ـ زعم قصور ما دلّ على أنّ الإتيان بتلك الأمور مفسد للصوم عن شمولها لحال الإكراه ، فيرجع حينئذ إلى حكم الأصل.

وفيه : ما أشرنا إليه من أنّ مفهوم الصوم ـ الذي أوجبه الله تعالى على من شهد الشهر وأمر بإتمامه من طلوع الفجر إلى الليل شرعا وعرفا ـ هو الإمساك عن الأكل والشرب ومباشرة النساء وما جرى مجراها من المفطّرات ، فيمتنع تحقّق مفهومه مع تناول الأكل والشرب والمجامعة عمدا ، إلّا أن ينزّل الشارع فعله المقرون بالعزم على الترك لو خلّي ونفسه منزلة العدم بدليل تعبّدي ، كحديث الرفع ونحوه إن سلّمنا دلالته عليه ، فهو مخالف للأصل ، محتاج إلى الدليل ؛ فإنّ من أكل وشرب في اليوم ولو نسيانا فضلا عمّا لو صدر منه ذلك عمدا لا يصحّ أن يقال :إنّه صام عن الطعام والشراب ، إلّا أن يدلّ عليه دليل تعبّدي ، كما ورد في الناسي وغير العامد.

هذا ، مضافا إلى إطلاقات الأدلّة الدالّة على وجوب القضاء عند تناول شي‌ء من المفطرات ، غير القاصرة عن شمول المقام ، فعمدة ما يصح الاستدلال به للقول بعدم الفساد هي حديث الرفع.

وقد أجيب عنه : باختصاصه برفع المؤاخذة كما في عبارة المسالك المتقدّمة.

ويتوجّه عليه : منع الاختصاص ؛ فإنّ ظاهره المعتضد بجملة من

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٧٠.

٤٦٢

القرائن الداخلية والخارجية : رفع مطلق الآثار التي لولا الرفع لوقع المكلّف بسببها في كلفة ، كما تقرّر في محلّه ، ولكنها مخصوصة بحكم العقل بالآثار الشرعية القابلة للرفع ، دون آثارها العقلية التي هي من لوازم ذاتها.

وليست موافقة المأتي به للمأمور به التي ينتزع منها وصف الصحة أو مخالفته له التي ينتزع منها وصف الفساد أمرا جعليا قابلا للرفع.

فلو أكره على ترك ركعة من صلاة الصبح ، أو ترك الإمساك عن الأكل أو الشرب في شهر رمضان ، فهو كما لو أكره على ترك الصلاة والصوم رأسا في كونه مكرها على مخالفة الأمر المتعلّق بالصلاة أو الصوم الذي هو اسم لمجموع الأفعال أو التروك المعتبرة في الصلاة والصوم ، فكلّ ما هو أثر شرعي لهذه المخالفة قابل للرفع ، كالحرمة والكفّارة ونظائرهما ، يرفعه حديث الرفع ، دون وصف الفساد الذي هو من لوازمه العقلية المنتزعة من مخالفة المأتي به للمأمور به.

وأمّا القضاء وإن كان أثرا شرعيّا ، ولكن قد أشرنا في ما سبق إلى أنّه من آثار عدم تحقّق الخروج عن عهدة التكليف بهما في وقتهما ، وهو من اللوازم الحاصلة بالمخالفة الممتنع تخلّفها عنها.

وإن شئت قلت : إنّه من آثار بقاء التكليف بأصل الفعل المستكشف من الأمر بالقضاء : كونه من قبيل تعدّد المطلوب ، وهو لازم عقلي للمخالفة ، فليس الإكراه على ترك جزء أو شرط من العبادات إلّا كما لو أكره في باب المعاملات على ترك شي‌ء من الأجزاء أو الشرائط المعتبرة في صحتها ، مثل القبض في المجلس في ما يعتبر فيه القبض ، أو ترك الإيجاب أو القبول أو الإشهاد في الطلاق ، فكما لا يدلّ حديث الرفع على نفي اعتبار هذه الأمور في حال الإكراه في

٤٦٣

صحة المعاملات ، فكذلك في العبادات ، ولا ينافي ذلك كون المراد به رفع مطلق الأثر ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فالأولى في الجواب ، هو : أنّ الصحة والفساد ليستا من الأمور الجعلية القابلة للرفع حتى يعمّهما الحديث.

وكيف كان ، فالأقوى ما قوّاه في المسالك وغيره من القول بالفساد.

وربما يشهد له أيضا : ذكر القضاء في بعض الأخبار ، الوارد في جواز الإفطار تقيّة التي هي في الحقيقة نوع من الإكراه ، مع أنّ الأمر فيها أوسع.

مثل ما عن الكافي بسنده عن رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت : ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا ، فقال : يا غلام عليّ بالمائدة ؛ فأكلت معه وأنا أعلم والله إنّه يوم من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوما ، وقضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله (١).

ويؤيّده أيضا : وقوع التعبير بلفظ «الإفطار» في سائر الروايات الواردة في هذا الباب.

وقد يتّجه التفصيل في موارد التقيّة بين ما لو تناوله بعنوان الإفطار وترك الصوم ، كما في اليوم الذي يحكمون بكونه عيدا وبين ما لو تناول المفطر لا بعنوان المفطريّة ، كالإفطار عند استتار القرص أو تناول بعض الأشياء الذي لا يراه العامّة مفطرا ، فيحكم بالبطلان في الأول دون

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٢ / ٧ ، الوسائل : الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

٤٦٤

الثاني ، بناء على دلالة العمومات الواردة في التقية على صحّة الأعمال الصادرة تقية على وفق مذهب العامّة.

ولكن قد حقّقنا في مبحث الوضوء ضعف المبنى ، واختصاص الصحة بالموارد التي ورد فيها نصّ بالخصوص ، كالوضوء منكوسا ونحوه ، فراجع.

ثم إنّ المدار في حصول صدق اسم الإكراه المجوّز للإفطار : خوف التضرّر بمخالفة المكره بما لا يتحمّل في العادة من تلف نفس أو مال أو هتك عرض ونحوها.

فما عن الدروس من أنّ ذلك إنّما يسوغ عند خوف التلف (١) ؛ لعلّه أراد به التمثيل ، وإلّا فلا ينحصر صدق اسم الإكراه بذلك ، كما هو واضح.

ثم إنّه صرّح في المسالك بأنّه متى جاز الإفطار للإكراه أو التقيّة وجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة ، فلو زاد عليه كفّر. ومثله ما لو تأدّت بالأكل فشرب معه وبالعكس (٢).

واعترضه في المدارك : بأنّه يمكن المناقشة في وجوب الكفّارة بالزائد بناء على ما ذهب إليه من كون التناول على وجه الإكراه مفسدا للصوم ؛ لأنّ الكفّارة تختصّ بما يحصل به الفطر ، ويفسد به الصوم ، وما حصل به الفطر هنا كان مباحا ، فلا يتعلّق به الكفّارة ، وما زاد عليه لم يستند إليه الفساد ، فلا يتعلّق به الكفّارة وإن كان محرّما (٣). انتهى. وهو وجيه.

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٧٠ ، وراجع : الدروس ١ : ٢٨٦.

(٢) مسالك الأفهام ٢ : ٢٠ و ٢١.

(٣) مدارك الأحكام ٦ : ٧١.

٤٦٥

اللهم إلّا أن يلتزم بترتّب الكفّارة على مطلق الأكل أو الشرب غير السائغ وإن لم يستند الإفطار إليه ، كما سيأتي التكلّم فيه عند البحث عن تكرّر الكفّارة بتكرّر موجبها ، ويتّضح لك هناك وجه وجوب الإمساك بعد طروّ الفساد.

المسألة (الثانية : لا بأس بمصّ الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزقّ الطائر ، وذوق المرق) ونحوها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق ؛ للأصل ، وعموم قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيح محمد بن مسلم : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال .. ، الحديث (١).

وخصوص صحيح الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه ، قال : لا بأس والطير إن كان لها (٢).

وصحيح عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في الرجل يعطش في شهر رمضان ، قال : لا بأس أن يمصّ الخاتم (٣).

وصحيح حمّاد بن عثمان ، قال : سأل عبد الله بن أبي يعفور أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا أسمع ـ عن الصائم يصبّ الدواء في اذنه ، قال : نعم ، ويذوق المرق ويزقّ الفرخ (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ ، الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٢ ، الوسائل : الباب ٣٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٤ : ١١٥ / ١ ، الوسائل : الباب ٤٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٣١١ / ٩٤١ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٧ ، الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٤٦٦

وموثّقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : لا بأس أن يذوق الرجل الصائم القدر (١).

وخبر الحسين بن زياد عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : لا بأس بالطبّاخ والطبّاخة أن يذوق المرق (٢) إلى غير ذلك ممّا يدلّ عليه.

ولا يعارضها : صحيحة سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الصائم يذوق الشي‌ء ولا يبلعه ، فقال : لا (٣) ، للزوم حملها على الكراهة جمعا.

وعن الشيخ (٤) حملها على من لا يكون له حاجة إليه ، وخصّ الأخبار السابقة بصورة الحاجة كما في مواردها.

والأوّل أولى.

وربما يشهد له أيضا : خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه ، قال : لا يفعل ، قلت : فإن فعل فما عليه؟ قال : لا شي‌ء عليه ولا يعود (٥).

تنبيه : صرّح جمع من الأصحاب بأنّه لو مضغ الصائم شيئا فسبق منه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١١ / ٩٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٦ ، الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٤ : ١١٤ / ٢ ، الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

(٣) الكافي ٤ : ١١٥ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٩ ، الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٤) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٧٢ ، وراجع : التهذيب ٤ : ٣١٢ ذيل الحديث ٩٤٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٥ / ١٠٠٤ ، قرب الإسناد : ١٠٣ ، الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

٤٦٧

شي‌ء إلى الحلق بغير اختياره ، لا يفسد بذلك صومه ؛ للإذن فيه ، وعدم تعمّد الازدراد (١).

وعن العلّامة في المنتهى : أنّه قال : لو أدخل في فمه شيئا فابتلعه سهوا ، فإن كان لغرض صحيح ، فلا قضاء عليه ، وإلّا وجب القضاء (٢). انتهى. وفيه تأمّل بل منع.

(و) كذا لا بأس بـ (الاستنقاع في الماء للرجال) كما يدلّ عليه مضافا إلى الأصل وعموم الصحيح المتقدّم (٣) : خصوص خبر حسن بن راشد ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : الحائض تقضي الصلاة؟ قال : لا ، قلت : تقضي الصوم؟ قال : نعم ، قلت : من أين جاء هذا؟ قال : أوّل من قاس إبليس ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال :نعم ، قلت : فيبلّ ثوبا على جسده؟ قال : لا ، قلت : من أين جاء هذا؟قال : من ذاك (٤).

وخبر حنّان بن سدير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : لا بأس ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمله بقبلها (٥).

(ويستحب السواك للصائم بالرطب واليابس) لعموم استحبابه

__________________

(١) كما في الحدائق الناضرة ١٣ : ٧٧.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ٧٧ ، وراجع منتهى المطلب ٢ : ٥٦٨.

(٣) تقدم في صفحة ٤٦٦ ، وهو صحيح محمد بن مسلم.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٤ / ٢ و ٤ : ١١٣ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠١ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠٧ ، علل الشرائع : ٣٨٨ الباب ١٢٢ ، الكافي ٤ : ١٠٦ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٣ / ٧٨٩ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

٤٦٨

للصائم وغيره ، وعدم كونه منافيا للصوم.

كما يدلّ عليه ، مضافا إلى الأصل : أخبار مستفيضة :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : يستاك الصائم أيّ ساعة من النهار أحب (١).

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : لا بأس به (٢).

وخبر الحسين بن علوان ، المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه ـ عليهما‌السلام ـ قال : كان علي ـ عليه‌السلام ـ يستاك وهو صائم في أول النهار وفي آخره في شهر رمضان (٣).

وعنه أيضا بهذا الإسناد ، قال : قال علي ـ عليه‌السلام ـ : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره. فقيل لعلي ـ عليه‌السلام ـ في رطوبة السواك ، فقال : المضمضة بالماء أرطب منه ؛ فقال علي ـ عليه‌السلام ـ : فإن قال قائل : لا بدّ من المضمضة لسنّة الوضوء ؛ قيل له : فإنّه لا بدّ من السواك للسنّة التي جاء بها جبرائيل (٤).

وخبر موسى بن أبي الحسن الرازي عن أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٨٠ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٢ / ٧٨٢ و ٣٢٣ / ٩٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٩١ / ٢٩١ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٣) قرب الإسناد : ٤٣ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٤.

(٤) قرب الإسناد : ٤٣ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٥.

٤٦٩

قال : جائز ، فقال بعضهم : إنّ السواك تدخل رطوبته في الجوف ، فقال : ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق؟ فقال : الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب ، فإن قال قائل : لا بدّ من الماء للمضمضة من أجل السنّة ، فلا بدّ من السواك من أجل السنّة التي جاء بها جبرائيل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وحكي عن الشيخ وابن أبي عقيل : القول بكراهة السواك بالرطب (٢).

واستدلّ له : بحسنة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الصائم يستاك ، قال : لا بأس به ، وقال : لا يستاك بسواك رطب (٣).

وحسنة ابن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب ، وقال : لا يضرّ أن يبلّ سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي‌ء (٤).

وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في الصائم ينزع ضرسه ، قال : لا ولا يدمي فاه ، ولا يستاك بعود رطب (٥).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : لا يستاك

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٣ / ٧٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٩٢ / ٢٩٥ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) الحاكي عنهما الشهيد في الدروس ١ : ٢٧٩ ، وراجع : الاستبصار ٢ : ٩٢ ذيل الحديث ٢٩٣.

(٣) الكافي ٤ : ١١٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٢ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٠.

(٤) الكافي ٤ : ١١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٣ / ٧٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٢ / ٢٩٤ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١١.

(٥) الكافي ٤ : ١١٢ / ٤ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٢.

٤٧٠

الصائم بعود رطب (١).

وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : يستاك الصائم أيّ النهار شاء ، ولا يستاك بعود رطب (٢).

والأولى حمل هذه الأخبار على المرجوحية بالإضافة ؛ لصراحة الأخبار السابقة في تأدية السنّة به ، والله العالم.

(المقصد الثاني : في ما يترتب على ذلك) أي في تناول المفطرات عمدا.

(وفيه مسائل :)

(الأولى : تجب مع القضاء الكفّارة بسبعة أشياء : الأكل والشرب المعتاد وغيره) أمّا وجوب القضاء والكفّارة بأكل المعتاد وشربه فموضع وفاق بين المسلمين ، كما صرّح به صاحب المدارك ، ثم قال : إنّما الخلاف في غير المعتاد ، فذهب الأكثر إلى أنّه كذلك. وقيل : إنّه لا يفسد الصوم.

وقيل : إنّه موجب للقضاء خاصة (٣).

أقول : قد عرفت في ما سبق ضعف القول بأنّه لا يفسد الصوم.

وأمّا القول بأنّه موجب للقضاء خاصة : فلعلّه لدعوى انصراف ما دلّ على الكفّارة عنه.

وهي غير مسموعة ؛ إذ المدار على حصول مسمّى الإفطار ، لا على

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٢ / ٧٨٦ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٢ / ٧٨٥ ، الإستبصار ٢ : ٩١ / ٢٩٢ ، الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٨.

(٣) مدارك الأحكام ٦ : ٧٥.

٤٧١

إطلاق عنوان الأكل والشرب ؛ كي يدّعى انصرافهما إلى المتعارف ، كما يدلّ عليه النصوص المستفيضة الواردة في من أفطر متعمّدا في شهر رمضان ، التي سيأتي نقل جملة منها في المسألة الثالثة.

(والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة) وإن لم ينزل بلا خلاف فيه فتوى ونصّا (أو دبرها) على الأصحّ ؛ لما عرفت في ما سبق أنّه أحد المأتيّين اللذين يتحقّق بهما صدق اسم الجماع وإتيان الأهل الذي أنيط به الكفّارة في النصوص المستفيضة التي تقدّم نقل جملة منها عند البحث عن مفسدية الجماع.

وأمّا وطء الغلام وكذا البهيمة ، فإن قلنا بمفسديّته للصوم ، فهو موجب للكفّارة أيضا ، فإنّ ما ذكر وجها للإفساد لو تمّ يدلّ على الكفّارة أيضا ، كما لا يخفى على من تدبّر في ما أسلفناه في محلّه.

(وتعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر ، وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر ، والاستمناء) كما عرفت ذلك كلّه في ما سبق.

(و) كذا (إيصال الغبار) الغليظ الذي التزمنا بمفسديته للصوم (إلى الحلق) كما يظهر وجهه ممّا مرّ.

المسألة (الثانية : لا تجب الكفّارة إلّا في صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعيّن ، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب.)

أمّا في هذه المواضع فيدلّ على وجوبها نصوص مستفيضة واردة في كلّ منها ، سليمة عمّا يصلح لمعارضتها ، كما ستعرف تفصيل حالها في محالّها.

٤٧٢

وحكي (١) عن ابن أبي عقيل أنّه لم يوجب الكفّارة في قضاء شهر رمضان ؛ بل عن الدروس أنّه نسب إليه القول بأنه لا كفارة في غير رمضان ثم قال : وهو شاذ (٢).

(وما عداه لا تجب فيه الكفّارة ، مثل : صوم الكفّارات والنذر غير المعيّن والمندوب وإن فسد الصوم) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن المنتهى أنّه قول العلماء كافة (٣) ، للأصل ؛ كما أنّ مقتضى الأصل جواز الإفطار قبل الزوال وبعده ؛ بل في المدارك نقل عن العلّامة وغيره التصريح بذلك ، ثم قال : وربّما قيل بتحريم قطع كلّ واجب ؛ لعموم النهي عن إبطال العمل ؛ وهو ضعيف (٤). انتهى.

وهو جيّد ؛ لتطرّق الخدشة إلى هذا الدليل من وجوه تقدّمت الإشارة إليها في كتاب الصلاة.

(تفريع : من أكل ناسيا فظنّ فساد صومه فأفطر عامدا ، فسد صومه ، وعليه القضاء) بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر (٥).

(وفي وجوب الكفّارة تردّد) كما في كلّ جاهل بالحكم وإن كان الأظهر ـ على ما حقّقناه في ما مرّ ـ عدم وجوب الكفّارة مع جزمه بالفساد واعتقاد إباحة أكله.

وأمّا لو احتمل عدم سببية ما صدر منه نسيانا للفساد ، ولكن بمحض ظنّه أقدم على تناول المفطر عمدا من غير مبالاة باحتمال حرمته

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٧٨ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٢٢٨.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٦٤ ، وراجع : الدروس ١ : ٢٧٦.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٨٠ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٧٦.

(٤) مدارك الأحكام ٦ : ٨٠.

(٥) جواهر الكلام ١٦ : ٢٦٦.

٤٧٣

وطروّ الفساد بسببه فـ (الأشبه : الوجوب.

و) قد عرفت أيضا في ما سبق أنّه (لو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار ، لم يفسد صومه.

و) أمّا (لو خوّف فأفطر ، وجب القضاء على تردّد) ينشأ من احتمال إرادة ما يعمّه من حديث رفع السهو والنسيان وما استكرهوا عليه (١) ؛ وإن كان اللفظ قاصرا عن إفادته كما عرفت (ولا كفّارة) جزما كما تقدّمت الإشارة إليه.

المسألة (الثالثة : الكفّارة في) صوم (شهر رمضان : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيّرا في ذلك) لدى الأكثر كما في المسالك (٢) ، بل المشهور كما في الجواهر (٣) ، بل عن الخلاف والغنية : دعوى الإجماع عليه (٤).

(وقيل : بل هي على الترتيب) والقائل بذلك ابن أبي عقيل والسيد في أحد قوليه على ما حكي عنهما (٥).

(وقيل : يجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث كفّارات) أي الجمع بين الكفّارات الثلاث.

وقد حكي هذا القول عن الصدوق في الفقيه ، والشيخ في كتابي

__________________

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) مسالك الأفهام ٢ : ٢٣.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ٢٦٧.

(٤) في الجواهر ١٦ : ٢٦٧ وكتاب الصوم للشيخ الأنصاري : ٥٨٠ : عن الانتصار والغنية ، ولم نعثر على مصدر فيه نسبة دعوى الإجماع إلى الخلاف ، راجع : الانتصار : ٦٩ ـ ٧٠ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩.

(٥) الحاكي هو صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٩.

٤٧٤

الأخبار ، وابن حمزة ، والعلّامة في القواعد والإرشاد ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ، والشهيدين في اللمعتين ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين منهم : صاحب الحدائق (١).

وقال شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : إنّه قوي جدّا (٢).

حجّة المشهور : أخبار مستفيضة : منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر ، قال : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق (٣).

وخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن رجل وضع يده على جسد امرأته فأدفق ، فقال : كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة (٤).

وروايته الأخرى عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح ، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا ، وحقيق أن لا أراه يدركه أبدا (٥).

__________________

(١) الحاكي هو النراقي في مستند الشيعة ٢ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، وراجع : الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٧ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٩ ذيل الحديث ٦٠٤ ، والاستبصار ٢ : ٩٧ ، ذيل الحديث ٣١٥ ، والوسيلة : ١٤٦ ، وقواعد الأحكام ١ : ٦٦ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٩٨ ، وإيضاح الفوائد ١ : ٢٣٣ ، واللمعة الدمشقية : ٥٨ ، والروضة البهية ٢ : ١٢٠ ، والحدائق الناضرة ١٣ : ٢٢٢.

(٢) كتاب الصوم : ٥٨١.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

٤٧٥

وموثّقة سماعة المروية عن النوادر ، قال : سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّدا ، قال : عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين (١).

ولكن هذه الرواية رواها في الوسائل عن الشيخ بإسناده عن سماعة نحوها ، ولكن بالواو بدل لفظة «أو» ثم قال (٢) : المراد بالواو التخيير دون الجمع ، كقوله تعالى «مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» (٣).

وقال : أيضا يحتمل أن يكون مخصوصا بمن أتى أهله في حال يحرم فيها الوطء ، كالحيض والظهار قبل الكفّارة (٤).

وعنه أيضا ـ في الصحيح ـ عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا (٥).

وذيل صحيحة جميل ؛ المشتملة لنقل قصة الأعرابي الذي وقع على أهله في شهر رمضان ، وأمره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالتصدق ، قال جميل : فلمّا خرجنا من عنده ـ أي من عند أبي عبد الله عليه‌السلام ـ

__________________

(١) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٨ / ١٤٠ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٣.

(٢) أي قال الشيخ الطوسي.

(٣) النساء ٤ : ٣.

(٤) الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢ وذيله ، وراجع التهذيب ٤ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٦٠٤ وذيله ، والاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب الاعتكاف ، الحديث ٥.

٤٧٦

قال أصحابنا : إنّه بدأ بالعتق ، فقال : أعتق أو صم أو تصدّق (١).

ومرسلة إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتى يغتسل ـ إلى أن قال ـ فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح ، فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتمّ صيامه ، ولن يدركه أبدا (٢).

وهذه المرسلة تدلّ على التخيير بين الخصال من وجهين :

أحدهما : عطف الإطعام على العتق بـ «أو» الظاهرة في التخيير.

وثانيهما : ترك التعرض للصيام مع كون الإطعام متأخّرا عنه في الرتبة على تقدير اعتبار الترتيب ، فيكشف ذلك عن عدم اعتبار الترتيب بين الخصال ، وكون الإطعام أيضا كالعتق مجزئا مطلقا ، سواء كان متمكّنا من غيره أم لا ، كما أنّه يستكشف ذلك أيضا من الروايات التي اقتصر فيها على الإطعام أو الصيام :كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا ، قال : عليه خمسة عشر صاعا ، لكلّ مسكين مدّ بمدّ النبي أفضل (٣).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ، قال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٥ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٨ و ٣٢٠ ـ ٣٢١ / ٩٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٤ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٠.

٤٧٧

عليه إطعام ستين مسكينا ، مدّ لكلّ مسكين (١).

وخبر محمد بن نعمان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان ، فقال : كفّارته جريبان من طعام ، وهو عشرون صاعا (٢).

وخبر إدريس بن هلال عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، قال : عليه عشرون صاعا من تمر ، فبذلك أمر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك (٣).

وفي رواية المروزي عن الفقيه ، المتقدّمة (٤) في مسألة البقاء على الجنابة الاقتصار على الصيام ؛ فإنّ مقتضى إطلاق الأمر بالإطعام أو الصيام الاجتزاء به مطلقا.

وقد ورد في بعض الأخبار أيضا الاقتصار على العتق ، كقوله ـ عليه‌السلام ـ في رواية المشرقي : من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوما بدل يوم (٥).

وظاهر كلّ من هذه الأخبار : الوجوب العيني ، ولكن يجب رفع اليد عنها بالحمل على الوجوب التخييري بشهادة غيره ممّا عرفت ، مع

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨٠ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٨٧ ، والفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٢ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣١١ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٨.

(٤) تقدّمت في صفحة ٤٠٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١١.

٤٧٨

أنّه في حدّ ذاته من الجمع المقبول الذي لا يحتاج إلى شاهد خارجي.

واستدلّ للقول بالترتيب : بإطلاق خبر المشرقي (١) المتقدّم ، الذي قد عرفت أنّ مقتضى الجمع بينه وبين إطلاق الأمر بالصوم أو الإطعام في سائر الأخبار : الحمل على الوجوب التخييري.

وبما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام : أنّ رجلا أتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فقال : هلكت وأهلكت ، قال : وما أهلكك؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ؛ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أعتق رقبة ؛ قال : لا أجد ؛ قال : فصم شهرين متتابعين ؛ فقال : لا أطيق ؛ قال : تصدّق على ستين مسكينا ، قال : لا أجد ، فاتي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بعذق من مكتل (٢) فيه خمسة عشر صاعا من تمر ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : خذها فتصدّق بها ، فقال : والذي بعثك بالحق نبيّا ما بين لابتيها (٣) أهل بيت أحوج إليه منّا ، فقال : خذه فكله أنت وأهلك فإنّه كفّارة لك (٤).

وأجاب عنه في المدارك أوّلا : بالطعن في السند : بجهالة الراوي ، فلا يعارض الأخبار السليمة.

وثانيا : بأنّ أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالشي‌ء بعد الشي‌ء ليس صريحا في الترتيب ، ولو كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب ، فنكون جامعين بين العمل بالروايتين ، وليس كذلك لو

__________________

(١) راجع الهامش (٥) من الصفحة السابقة.

(٢) المكتل : الزنبيل الكبير. النهاية لابن الأثير ٤ : ١٥٠.

(٣) اللابة : الحرّة. وهي : الأرض ذات الحجارة السود. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٧٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

٤٧٩

أوجبنا الترتيب ، بل يلزم منه سقوط خبر التخيير (١).

أقول : وحكي عن العلّامة في المنتهى أنّه أجاب بنحو هذا الجواب عن استدلال العامة للترتيب : بما رووه عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال في محكي المنتهى بعد أن ذكر أنّ الترتيب مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي ، وبه قال ابن أبي عقيل من علمائنا ما لفظه : احتجّ الجمهور : بما رواه أبو هريرة أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، قال للواقع على أهله : هل تجد رقبة تعتقها؟ قال : لا ؛ قال :هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال : لا ؛ قال : هل تجد إطعام ستين مسكينا؟ فدلّ على أنّها للترتيب.

ثم أجاب عنها : بأنّ أمره بشي‌ء بعد آخر لا يدلّ على الترتيب ؛ إذ ليس تصريح فيه (٢) ، إلى آخر ما نقلناه عن المدارك.

أقول : الأخبار السابقة أيضا ليست بصريحة في نفيه حتى يستلزم الالتزام بالترتيب طرحها ، إلّا أنّ ارتكاب التأويل فيها بالحمل على ما لا ينافي الترتيب أبعد من حمل هذه الرواية على الاستحباب ، كما لا يخفى.

وخبر علي بن جعفر ـ المروي عن كتابه ـ عن أخيه موسى ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال : عليه عتق رقبة ، فإن لم بجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٨٣.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٧٤.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١١٦ / ٤٧ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٩.

٤٨٠