مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

طرق العامة عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه قال : «إنّا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام «وشبّك بين

أصابعه وقال : «بنو هاشم وبنو المطلب شي‌ء واحد» (١) فهو مع شذوذه وموافقته للتقية لا ينهض دليلا لقطع الأصل ، فضلا عن صرف الأخبار الكثيرة عن ظاهرها.

مع قوّة احتمال أن يكون المراد بالمطلبي النسبة إلى عبد المطلب بحذف أوّل الجزءين ، كما هو الشأن في النسبة إلى المركّبات الإضافية ، وهذا وإن كان مقتضاه جعل العطف تفسيرا لا تأسيسا ، وهو خلاف الظاهر إلّا أنّه لا يبعد أن يقال : إنّ ارتكاب هذه المخالفة للظاهر جمعا بين الأخبار أهون من رفع اليد عن ظاهر الحصر المستفاد من سائر الروايات ، خصوصا بعد الالتفات إلى ما عرفت ، والله العالم.

المسألة (الثانية) : اختلف الأصحاب ـ بعد اتّفاقهم على اختصاص سهم الله تعالى ورسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وذي القربى بالإمام ـ عليه‌السلام ـ في أنّه (هل يجوز أن يخصّ بالخمس) الذي هو لغير الإمام (طائفة) من الطوائف الثلاث؟ (قيل) بل في الجواهر : هو المشهور نقلا وتحصيلا خصوصا بين المتأخّرين ، بل نسب إلى الفاضلين ومن تأخّر عنهما (٢) : (نعم.)

(وقيل) كما عن ظاهر الشيخ في المبسوط وأبي الصلاح (٣) : (لا.)

وعن جمع من المتأخّرين الميل إليه (٤).

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ١٤٥ / ٢٩٧٨ و ١٤٦ / ٢٩٨١.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ١٠٨.

(٣) كما في جواهر الكلام ١٦ : ١٠٨ ، وحكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤٠٥ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٦٢ ، والكافي في الفقه : ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٤) حكاه النراقي في المستند ٢ : ٨٥.

٢٢١

وعن صاحب الحدائق اختياره عملا بظاهر الآية وما ماثلها من السنّة ؛ فإنّ اللام للملك ، والعطف بالواو يقتضي التشريك (١).

وإرادة الجنس من اليتامى والمساكين وابن السبيل ـ بشهادة ما عرفت في ما سبق ـ لا يقتضي صرف الآية عن ظاهرها من هذه الجهة بحمل اللام على إرادة بيان محض المصرف ؛ إذ لا مانع عن إرادة الاختصاص من اللام ، والتشريك من العطف ، غاية الأمر أنّه لم يلاحظ في التمليك والاختصاص الذي أريد من اللام أشخاص كلّ صنف ، بل نوعه ، فهو بمنزلة ما لو صرّح بأنّه يقسّم الخمس ستة أسهم : سهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وهكذا ، فإرادة الجنس من اليتامى والمساكين لا ينافي إرادة الاختصاص الملحوظ فيه النوع.

ولو قيل : إنّه لا معنى للاختصاص وتمليك النوع إلّا كون هذا النوع مصرفا للمال ، فهذا هو مراد القائلين بأنّه لم يقصد باللام في الآية الشريفة إلّا بيان المصرف ، ومقتضاه جواز أن يخصّ بالخمس طائفة.

قلنا : بعد التسليم ، إنّ هذا أيضا لا يقتضي رفع اليد عن ظهور العطف في التشريك ، كما لو قال : اصرف هذا المال في أهل هذه البلدة وهذه ، أو هذه الطائفة وهذه ؛ فإنّ ظاهره إرادة الصرف فيهما ، لا كون المجموع مصرفا بحيث يجوز الصرف في خصوص إحدى الطائفتين أو أهل إحدى البلدتين ، كيف ولو كان المراد باللام في الآية مجرّد بيان المصرف بهذا المعنى ، لجاز صرف مجموع الخمس حتى سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ أيضا في من عداه من الطوائف الثلاث! مع أنّه لا كلام في اختصاص سهم الإمام به ، وعدم جواز صرفه في غيره.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٠٨ ، وراجع : الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٨٢.

٢٢٢

هذا ، مضافا إلى صراحة المعتبرة المستفيضة الواردة في كيفية تقسيم الخمس ، المتقدّمة في ما سبق ، كمرسلة حمّاد وغيرها بأنّ لليتامى سهما ، وللمساكين سهما ، ولأبناء السبيل كذلك ، المعتضدة ببعض الروايات الحاكية لفعل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وهذا كلّه بظاهره مناف لحمل اللام في الآية الشريفة ونحوها على مجرّد بيان المصرف ، مع أنّ البسط على الأصناف موجب للقطع بالفراغ عمّا اشتغلت الذمّة به يقينا ، وهو إيصال الخمس إلى مستحقّيه دون تخصيصه بطائفة أو طائفتين ، فيجب تحصيلا للقطع بالفراغ.

هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به لهذا القول ، وكفى في وهنه ، مع وضوح مستنده : مخالفته للمشهور.

واستدلّ للمشهور : بما في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، المتقدّمة (١) في مسألة عدم وجوب الاستيعاب ، الواردة في تفسير الآية :

قال أحمد : قيل : أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع؟ فقال ـ يعني أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ : «ذلك إلى الإمام ، أرأيت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، كيف صنع؟ كان يعطي على ما يرى وكذلك الإمام» فإنّ فيها دلالة على عدم وجوب البسط.

وأجابوا عن استدلال الخصم بالآية الشريفة : بأنّها مسوقة لبيان المصرف ، كما في آية الزكاة.

ونوقش في هذا الجواب : بما تقدّم توضيحه حلّا ونقضا في تقريب دليل الخصم. وبأنّ الالتزام به في آية الزكاة لدليل لا يقتضي الالتزام به

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢١٥.

٢٢٣

في آية الخمس.

هذا ، ولكنك ستعرف شهادة النصوص والفتاوى بكون نصف الخمس المجعول لفقراء بني هاشم بمنزلة الزكاة المجعولة لغيرهم ، فلا وقع لهذا الاعتراض ، فليتأمّل.

وأورد على الاستدلال بالخبر المزبور لمذهبهم : بعدم صراحته ، بل ولا ظهوره في جواز التخصيص.

أقول : ولكنّها صريحة في عدم وجوب التسوية بين الأسهم ولا بين الأشخاص ، وهذا ينافي إرادة الاختصاص والتمليك من اللام على سبيل التشريك بين المتعاطفات ؛ إذ لو كان التشريك ملحوظا بين الأنواع ، لزمه التسوية بين الأسهم ، وصرف كلّ سهم إلى صنفه ، قليلا كان أو كثيرا ، والرواية صريحة في خلافه.

وإن كان الملحوظ فيه المصاديق ، لزمه الاستيعاب في الأشخاص ، وقد عرفت أنّ هذا ممّا لا يمكن الالتزام به بالنسبة إلى كلّ فرد فرد من أفراد الخمس.

مع أنّ الرواية أيضا إ في خلافه ؛ إذ لو كان كذلك ، لإجابة الإمام ـ عليه‌السلام ـ بالبسط على الرؤوس.

والحاصل : أنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ذلك إلى الإمام» إلى آخره ، صريح في أنّه ليس لكلّ شخص أو صنف بخصوصه مقدار معيّن من الخمس مجعول من الله تعالى بحيث لم يجز للمعطي تغييره بالزيادة والنقصان ، كما في سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، فهذا يكشف عن أنّه لم يقصد من الآية بالنسبة إلى اليتامى (١) والمساكين وابن السبيل إلّا ما قصد من آية الزكاة

__________________

(١) في النسخة والطبعة الحجرية : الفقراء ، والصواب ما أثبتناه.

٢٢٤

بالنسبة إليهم من إرادة صرف الحق فيهم على الإجمال ، كما يؤيّد ذلك أيضا ما سنشير إليه.

لا يقال : إنّ مفاد الآية والروايات الواردة في تقسيم الخمس ستّة أسهم ليس إلّا اعتبار قسمته كذلك ، ولا ينافي ذلك جواز التفاوت بين الأسهم بالقلّة والكثرة ، كما التزم به صريحا بعض المتأخّرين ممّن أوجب التعميم بين الأصناف.

لأنّا نقول : المتبادر من أدلّة الخصم بعد تسليم إرادة المشاركة بين الأصناف في الاختصاص والتمليك إنّما هو إرادته على حسب ما تقتضيه قاعدة الشركة من استحقاق كلّ شخص أو صنف مقدارا من الخمس لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فحمل الأدلّة على إرادة اختصاص كلّ صنف أو شخص بشي‌ء من الخمس بحيث يجوز للمعطي المكلّف بالخمس أن يجعل سهما درهما وآخر ألفا وبالعكس خلاف ظواهر الأدلّة ، بل ظاهرها إرادة القسمة المتساوية إمّا على الرؤوس أو الأصناف.

مع أنّ ما ذكر منقوض بسهم الإمام الذي لا يتحمّل الزيادة والنقصان ، فحمل الأدلّة على إرادة التعميم والبسط على الأصناف على وجه لا ينافيه جواز التفاوت ، مع مخالفته لقاعدة الشركة ؛ ليس بأولى من حملها على إرادة المصرف بالنسبة إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل ، بل هذا أولى.

فالإنصاف عدم قصور الرواية عن إثبات مدّعى المشهور لولا أنّ للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، الولاية على الخمس وأهله ، وكون أمره مطلقا راجعا إليه في حال حضوره ، كما ستعرفه في المسألة الآتية ، فلا يقاس عليه حال من لا ولاية له على الخمس ولا على أهله ، ولكنه كلّف في

٢٢٥

خصوص خمس ماله بدفعه إلى الإمام لدى التمكّن منه ، وإيصاله إلى مستحقّيه لدى العجز عن إيصاله إلى الإمام ـ عليه‌السلام.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الذي يظهر من الصحيحة هو : أنّه ليس لسهم كلّ صنف في حدّ ذاته حدّ معيّن واقعي غير قابل للزيادة والنقصان ، بل أمره من هذه الجهة راجع إلى الإمام لا من حيث إمامته ، وأنّ له التصرّف في كلّ سهم بحسب رأيه من باب الولاية.

وكيف كان ، فالذي يظهر من النصوص والفتاوى ، وتقتضيه حكمة شرعية الخمس ، المنصوص عليها في النصوص ، وينطبق عليه الآية بظاهرها هو : أنّ الله تعالى جعل الخمس ستّة أسهم متساوية : سهم الله تعالى ، وسهم لرسوله ، وسهم لذي القربى ، وهذه نصف الخمس كملا ، وهو بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، كما عرفته في ما سبق ، والثلاثة أسهم الباقية جعل سهما منها ليتامى بني هاشم ، وسهما لمساكينهم وسهما لأبناء سبيلهم ، ولكن لا لخصوص أشخاصهم من حيث هي ، كي يكون لخصوصية الأشخاص مدخلية في الاستحقاق ، كما في الأسهم الثلاثة التي هي للإمام ، ولا لاندراجهم تحت هذه العناوين من حيث هي بحيث يكون لصدق العنوان عليهم دخل في الاستحقاق ، بل ملاك الاستحقاق في الطوائف الثلاث قرابتهم من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وافتقارهم إلى الخمس في مؤونتهم ، كما نطق بذلك كلّه مرسلة حمّاد ـ الطويلة.

ففيها قال ـ عليه‌السلام ـ : «ويقسّم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم لله تعالى ، وسهم لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة ، وله ثلاثة أسهم

٢٢٦

سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله تعالى ، فله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ما يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي ، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم ، كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ له ما فضل عنهم ـ إلى أن قال ـ فهؤلاء الذين جعل لهم الخمس هم قرابة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، الذين ذكرهم الله ، فقال : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» إلى أن قال : «وليس في مال الخمس زكاة لأنّ فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم ، فلم يبق منهم أحد ، وجعل للفقراء قرابة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، نصف الخمس ، فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، ووليّ الأمر ، فلم يبق فقير من فقراء الناس ، ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلّا وقد استغنى فلا فقير» (١) الحديث ، إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ الله تعالى حرّم على بني هاشم الصدقة ، وجعل لهم مكانها الخمس ليغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذلّ والمسكنة.

وقضية ذلك : أنّه لو كان الخمس الواصل بيد من يتولّى صرفه إليهم وافيا بمئونة جميع فقرائهم وجب بسطه على جميعهم ، وإذا تعذّر ذلك ولم يف إلّا بمئونة البعض وجب صرفه في البعض منهم ، ولا يتفاوت الحال حينئذ بين أن يكون مجموع ذلك البعض من صنف واحد أو من مجموع الأصناف ؛ لاتّحاد ملاك الاستحقاق ، ووجوده في الجميع ، فيكون

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٨.

٢٢٧

المكلّف مخيّرا في التعيين عند عدم وفائه إلّا بحاجة البعض ، فتكون الآية والروايات الواردة في هذا الباب بمنزلة ما لو أوصى شخص بصرف نماء ثلثه في كلّ سنة نصفه في تعزية سيّد الشهداء ـ عليه‌السلام ـ مثلا ، ونصفه الآخر في فقراء ذريته ، وكان ذلك النصف بمقتضى العادة وافيا بمئونة فقراء ذريته إلى آخر الأبد ، وكانت ذرّيته محصورة في ولد زيد وعمرو وبكر ، فجعل لفقراء ذرّيته من نسل كلّ منهم من ذلك النصف ثلثه ، ثمّ صرّح بعد ذلك بأنّ غرضه من هذه الوصيّة أن لا يبقى أحد من ذرّيته محتاجا في مئونته إلى الصدقة ، وأن يصير أحد منهم في موضع الذلّ والمسكنة ، فإن زاد عن مؤونتهم شي‌ء صرف أيضا في التعزية ، كشف ذلك عن أنّ تثليث السهام لم يكن إلّا لزعمه كفاية كلّ سهم لكلّ صنف ، فلو فرض احتياج صنف منهم في زمان إلى أكثر من سهمه بعكس صنف آخر ، أو انحصر الفقراء من ذريته في هذا الصنف ، واحتاجوا في معيشتهم إلى صرف جميع الربح ، صرف الربح فيهم على حسب ما يحتاجون إليه ، ولو فرض نقصان الربح وعدم إمكان صرفه إلّا في مئونة عدّة آحاد منهم لا يختلف الحال حينئذ بين أن تكون تلك الآحاد مجموعها من صنف واحد أو من مجموع الأصناف ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وربّما يؤيّده أيضا قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في خبر عيسى بن المستفاد ، الآتي في مسألة مصرف سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ : «فمن عجز ـ أي عن إيصال الخمس إلى وليّ المؤمنين ـ ولم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد «الأئمّة» (١) الحديث ؛

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢١.

٢٢٨

فإنه كاد يكون صريحا في عدم وجوب البسط على الأصناف.

هذا كلّه ، مع اعتضاده بالسيرة والشهرة ، فلا ينبغي الاستشكال في عدم وجوب بسطه على الأصناف أيضا (و) إن كان (هو أحوط.)

المسألة (الثالثة) : يجب إيصال جميع الخمس إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ حال حضوره والتمكّن من إيصاله إليه ، كما يدلّ عليه كثير من النصوص المتقدّمة في طي المباحث السابقة ، فهو يتولّى أمره على حسب ما يقتضيه تكليفه ، وقد صرّح كثير من الأصحاب ، بل المشهور بأنّه (يقسّم الإمام) عليه‌السلام ـ ، نصف الخمس الذي هو سهم الطوائف الثلاث (على الطوائف) كلّها (قدر الكفاية مقتصدا ، فإن فضل) منه شي‌ء (كان له ، وإن أعوز أتمّ من نصيبه) كما وقع التصريح بذلك في مرسلة حماد ، المتقدّمة (١) آنفا ، ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، المضمرة.

وفيها قال : «فالنصف له خاصّة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فإن فضل شي‌ء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده ، كما صار له الفضل ، كذلك يلزمه النقصان» (٢).

وضعف سندهما غير قادح في التعويل بعد اعتضاده بما عرفت ، مع كون المرسل من أصحاب الإجماع.

ومنع ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ كون الفضل له والنقصان عليه ؛ لمخالفته

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٦ / ٣٦٤ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٢.

٢٢٩

للأصول والقواعد الشرعية (١).

وهو متّجه على أصله ؛ فإنّه لا يعمل بأخبار الآحاد ، فضلا عن مثل هذه المراسيل.

وربما استحسن رأيه أو توقّف فيه غير واحد من المتأخّرين ممّن لا يرى جواز العمل إلّا بالأخبار الصحيحة ، كصاحب المدارك (٢) وغيره.

وكيف كان ، فلا يترتّب على تحقيقه فائدة مهمّة.

وربما يفرّع عليه جواز صرف سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، في فقراء الهاشميين وكون ما فضل عن حاجتهم ملحقا بسهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وعدم جواز إعطاء هاشمي أكثر من مئونة سنته.

وفي الجميع نظر ؛ إذ المفروض في مورد الخبرين صورة بسط يد الإمام ونقل كلّ الخمس أو معظمه إليه بحيث يسعه القيام بمئونة جميع فقراء الهاشميين من سهمهم ولو بتتميم النقص من نصيبه كسائر السلاطين القاهرين الذين ينقل إليهم الخراج ، ويصرفونه في مصارفه ، فلا يتناول مثل هذه الأعصار التي لا يصل بيد من يتولّى تقسيمه إماما كان أو غيره أم صاحب المال ، إلّا أقلّ قليل ، فهل ترى أنّه يفهم من الخبرين أنّه كان على الإمام ـ عليه‌السلام ـ في مثل هذا الفرض مئونة جميع فقراء الهاشميين من ماله المختص به ، وإلّا لكان الإمام ـ عليه‌السلام ـ عند قصور يده من أفقر الناس ؛ ضرورة عدم وفاء ما في يده من أمواله عادة بمئونة ما يحتاج إليه الهاشميّون بالفعل في عصره ، مع أنّه خلاف ما صرّح به في بعض الأخبار ، بل خلاف ما علم بالضرورة من عدم قيامهم في

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٤٠٩.

٢٣٠

الظاهر حال قصور يدهم بمئونة الجميع ، فلعلّه لذا وقع التعبير عنه في الخبر الأول بالوالي ، فكأنّه أريد بذلك التنبيه على ترتّب هذه الثمرة على الخمس على تقدير سلطنة الإمام وولايته في الظاهر لا مطلقا.

وأمّا مسألة عود الفاضل إليه فهي ثمرة صحيحة ، ولكنها مجرّد فرض لا يكاد يتحقّق عادة لها مورد في مثل هذه الأعصار ، كما هو واضح.

وأمّا عدم جواز إعطاء هاشمي أكثر من مئونته ؛ فلعلّه أيضا كان من آثار بسط يد الإمام وقدرته على استيفاء حقّهم في كلّ سنة ، وإيصاله إليهم ، فإنّ سهمهم الذي جعله الله لهم من الغنيمة في كلّ سنة يغنيهم في تلك السنة ، فإذا تمكّنوا من استيفائه بواسطة بسط يد الإمام ينتفي عنهم موضوع الفقر ، فلا يسوغ لهم تناول الزائد كغيرهم ممّن كان له مدخل في كلّ سنة بقدر ما يعيش به ، فلا يقاس عليه حال قصور اليد وعدم تمكّن السادة من استنقاذ حقّهم ، فإنّهم حينئذ كصاحب ضيعة وافية بمئونته ، ولكنها مغصوبة غير مجدية في غنائه ، فليتأمّل.

المسألة (الرابعة : ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر) وعدم كونه مالكا لما يفي بمئونته أصلا حتى في بلده أو سائر البلاد التي انقطعت يده عنها (بل) يكفي في استحقاقه الخمس (الحاجة إليه في بلد التسليم ولو كان غنيّا في بلده) بلا شبهة ، بل ولا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن المنتهى دعوى الإجماع عليه (١). بل في الجواهر : أنّه ربما استظهر من إطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه : عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضا فيعطى وإن كان غير محتاج ، بل لعله كاد يكون صريح السرائر (٢).

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١١٢ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٥٢.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ١١٢ ، وراجع : السرائر ١ : ٤٩٦.

٢٣١

انتهى.

أقول : ولكنه لا يظنّ بأحد الالتزام بهذا الظاهر ، فإنّه خلاف ما يتبادر من إطلاق ابن السبيل ، بل لا يطلق اسمه إلّا على المسافر المنقطع المحتاج ، فلا يقال لأرباب المكنة في سفرهم كحضرهم من التجّار ونظائرهم : ابن السبيل.

هذا ، مع أنّه يكفي في إثبات اعتبار الحاجة في بلد التسليم : مرسلة حمّاد ، المتقدّمة (١) المصرّحة بذلك ، المعتضدة بما دلّ على أنّ الخمس جعل للهاشميين عوض الصدقة التي جعلت (٢) لسائر الفقراء.

وتمام الكلام في موضوعه وبعض ما يتعلّق به كاشتراطه بعجزه عن الاستدانة ونحوها وغير ذلك في باب الزكاة.

(وهل يراعى ذلك) أي الفقر (في اليتيم) بمعنى الطفل الذي لا أب له؟ (قيل) بل في الجواهر : هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا (٣) : (نعم.

وقيل) كما عن السرائر والمبسوط (٤) : (لا) فيعطى اليتيم وإن كان غنيّا ؛ لإطلاق الأدلّة ، والمقابلة للفقير كتابا وسنّة ، وليس هو من الصدقات حتى يختصّ بالفقير ، بل هو من حقّ الرئاسة والإمارة ، ولذا يأخذه الإمام مع غنائه.

(والأول) مع أنّه (أحوط) أقوى ، كما يشهد له : مرسلة حمّاد ،

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٠١.

(٢) ورد في الطبعة الحجرية والنسخة الخطية : جعل. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ١١٣.

(٤) كما في جواهر الكلام ١٦ : ١١٣ ، وحكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤١٠ ، وراجع :السرائر ١ : ٤٩٦ ، والمبسوط ١ : ٢٦٢.

٢٣٢

المتقدّمة (١) وغيرها ممّا يدلّ على أنّه عوض الصدقة ؛ إذ المتبادر منه أنّ مستحقّيه ممّا عدا الإمام هم الذين يستحقّون الصدقة لولا سيادتهم ، ومقابلته بالمساكين لا تقتضي المبائنة ، كما في آية الزكاة ؛ فإنّه يكفي في حسن المقابلة كونهم كابن السبيل صنفا مستقلا من الفقير مقتضيا لجعل سهم لهم خصوصا ، مع إمكان دعوى انصراف الفقراء إلى البالغين ، فليتأمّل.

المسألة (الخامسة : لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحقّ) لدى المصنّف وجماعة على ما نسب (٢) إليهم ، لا لأحقّية مستحقّي بلده من غيرهم ؛ إذ لا دليل على ذلك ، بل الأدلّة قاضية بخلافه.

نعم ، ربما يستأنس لذلك بما روي في باب الزكاة من أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، كان يقسّم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر على أهل الحضر (٣).

وفي خبر آخر : «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ولا صدقة الأعراب للمهاجرين» (٤).

ولكنه محمول في خصوص مورده على الاستحباب ، فضلا عن أن يتعدّى منه إلى الخمس.

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٠١.

(٢) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ / ٢٩٢ ، الوسائل : الباب ٣٨ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣٠٩ ، الوسائل : الباب ٣٨ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.

٢٣٣

بل لمنافاته للفورية التي ربما يظهر من كلمات بعضهم الالتزام بوجوبها.

ولاستلزامه تأخير الحقّ مع عدم رضا المستحقّ ، بل منعه.

ولكونه تغريرا بالمال وتعريضا لتلفه.

ويرد على الجميع أولا : النقض بما لو حمل الخمس إلى مجلس آخر أو محلّة اخرى مع حضور المستحقّ لديه في مجلسه ، مع أنّه لا شبهة في جوازه خصوصا لطلب الاستيعاب والمساواة بين المستحقّين أو الأشدّ حاجة ، فإنّه يجوز مع هذا القصد بلا شبهة وإن استلزم تأخيره شهرا أو شهرين كما في الزكاة.

وحلّه : أنّه لا دليل يعتدّ به على فوريته عدا الوجه الذي تقدّمت الإشارة إليه ، مع أنّه منع للحقّ مع عدم رضى المستحقّ ، بل مطالبته.

وفيه : عدم انحصار المستحق في من يطلبه ولا يرضى بتأخيره ؛ فإنّ من يحمل إليه أيضا ممّن يستحقّه وهو لا يرضى إلّا بذلك ، فلا مدخلية لرضى أشخاص المستحقّين وعدمه ، بل الأمر في تعيين الأشخاص ، وإيصاله إليهم موكول إلى من يتولّى أمره ، والمدار في جواز التأخير وعدمه على ما يستفاد من أدلّته ، وغاية ما يمكن استفادته منها في المقام وكذا في باب الزكاة إنّما هو المنع عن تأخيره الناشئ عن الإهمال ، والمسامحة الموجبة لإضاعة الحقّ ، أو مع مطالبة ولي الأمر ـ عليه‌السلام ـ ، دون ما إذا كان ذلك لغرض راجح شرعا أو عرفا غير موجب للإهمال والإضاعة.

هذا ، مع أنّه قد لا يتوقّف حمله إلى بلد آخر إلى مدّة أزيد ممّا يتوقّف عليه بسطه في بلده ، خصوصا في مثل هذه الأعصار التي تهيّأ له أسباب لم تكن متعارفة في الأعصار السابقة على وجه قد يتمكّن معها المكلّف من حمله إلى أقصى البلاد في مدّة يسيرة.

٢٣٤

وأمّا كونه تغريرا بالمال وتعريضا لتلفه : مع أنّه غير مطّرد ، ففيه : أنّ هذا لا يقتضي الإثم ، بل الضمان ، فإنّه يجوز له تبديله اختيارا ، فلا يصلح حينئذ أن يكون خطر الطريق مانعا عن جواز حمله لدى تعهّده بدفع بدله على تقدير التلف ، ولذا قوّى الجواز في المسالك ، ووافقه غير واحد ممّن تأخر عنه.

فقال في المسالك في شرح العبارة : والأصحّ جواز الحمل مطلقا ، كما مرّ في الزكاة ، خصوصا مع طلب المساواة بين المستحقّين (١).

وفي المدارك قال : والأصحّ ما اختاره الشارح ـ يعني صاحب المسالك رحمه‌الله ـ من جواز النقل مع الضمان ، خصوصا لطلب المساواة بين المستحقين أو الأشدّ حاجة كما في الزكاة (٢). انتهى.

وربما يؤيّده : المعتبرة الواردة في الزكاة ، الدالّة عليه ؛ إذ الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك ، بل ربما يظهر من الجواهر (٣) عدم القول بالفصل بين المسألتين ، فالقول بجواز الحمل فيهما لا يخلو عن قوة وإن كان الترك أحوط.

وكيف كان (فلو حمل) الخمس (والحال هذه ضمن) وإن لم نقل بترتّب الإثم عليه ، كما في الزكاة على حسب ما تقرّر هناك.

(ويجوز) الحمل من غير إثم ولا ضمان (مع عدمه) أي : عدم المستحقّ بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال كالزكاة ، ولكن ينبغي تقييد إطلاق كلماتهم بما إذا لم يكن الطريق مخوفا ، كما صرّح به بعض

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٤٧٢.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٤١٠.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ١١٤.

٢٣٥

في باب الزكاة ، فلاحظ.

المسألة (السادسة : الإيمان معتبر في المستحق على تردّد) ينشأ من إطلاق الكتاب والسنّة بل عمومهما الذي لا يتطرّق فيه الخدشة بما في الجواهر (١) من عدم كونه مسوقا لبيان سائر الشرائط المعتبرة في الاستحقاق ، بل في مقام بيان شرع أصل الحكم أو مستحقّيه على سبيل الإجمال ؛ إذ لا يقدح مثل هذه الخدشة في العموم ؛ لأنّ اعتبار شرط للاستحقاق في من شمله العموم مخالف للأصل.

ومن تصريح جماعة باشتراط الإيمان ، بل في الجواهر : لا أجد فيه خلافا محقّقا (٢) ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٣).

ويؤيّده : كون الخمس إكراما من الله تعالى لبني هاشم عوّضهم الله تعالى عن الزكاة التي لا يستحقّها غير المؤمن إجماعا ، كما ادّعاه غير واحد ، وحيث إنّ غير المؤمن لا يستحقّ الإكرام ، فلا يناسبه شرع الخمس له ، فلا يبعد دعوى انصراف آية الخمس ـ كآية المودّة (٤) ـ عنه ، وكون الخمس إكراما لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فلا يراعى فيه المناسبة بينه وبين خصوص أشخاص مستحقّيه ، كما لا يراعى ذلك في تحريم الصدقة عليهم لا يرفع استبعاد إرادة غير المؤمن المحادّ لله ورسوله من عمومات الأدلّة ، فيشكل استفادة حكمه منها وإن شمله اللفظ بظاهره ، فالقول باعتبار الإيمان ـ كما هو مظنّة الإجماع ـ إن لم يكن أقوى ، فلا ريب

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ١١٥.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ١١٥.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١١٥ ، وراجع : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٧.

(٤) الشورى ٤٢ : ٢٣.

٢٣٦

في أنّه أحوط.

(و) أمّا (العدالة فلا تعتبر فيه على الأظهر) الأشهر ، بل المشهور ، بل في المدارك نسبه إلى مذهب الأصحاب وقال : لا أعلم فيه مخالفا (١) ، وقد اعترف بهذا غيره (٢) أيضا.

ولكن ربّما يستشعر من عبارة المتن حيث جعله الأظهر ولم يرسله إرسال المسلمات : وجود الخلاف فيه.

ولعلّه لم يقصد بهذا التعبير الإشارة إلى الخلاف ، بل نبّه بذلك على استناد الحكم إلى ظواهر الأدلّة الاجتهادية المبتنية على إعمال الأصول والقواعد الغير المنافية لاحتمال الخلاف ، كأصالة العموم والإطلاق الجاريتين في ألفاظ الكتاب والسنّة ، السليمتين عن ورود مخصّص أو مقيّد عليهما.

وكيف كان فكفى بما ذكرناه مستندا للحكم ، ويؤيّده السيرة والشهرة ، بل عدم معروفية القائل بالاشتراط ، فالقول به على تقدير تحقّقه ضعيف محجوج بما ذكر.

(ويلحق بذلك) أي : بكتاب الخمس (مقصدان الأول : في الأنفال) جمع نفل ساكنا ومحرّكا ، بمعنى الغنيمة كما عن المصباح (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٤١١.

(٢) كصاحب الجواهر فيها ١٦ : ١١٥.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١١٥ ، وراجع : المصباح المنير : ٣٢٨.

٢٣٧

وفي القاموس : النفل محرّكة : الغنيمة والهبة ، جمع : أنفال (١).

وعن الأزهري (٢) : النفل ما كان زيادة عن الأصل ، سمّيت الغنائم بذلك ؛ لأنّ المسلمين فضّلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحلّ لهم الغنائم.

وسمّيت صلاة التطوّع نافلة ؛ لأنّها زائدة عن الفرض ، وقال الله تعالى : «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً» (٣) أي : زيادة على ما سأل.

(و) المراد بها هنا (ما يستحقّه الإمام) عليه‌السلام ـ (على جهة الخصوص كما كان للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ) زيادة على غيره تفضّلا من الله تعالى.

(وهي) على ما صرّح به في المتن : (خمسة الأرض التي تملك) من الكفّار (من غير قتال ، سواء انجلى) عنها (أهلها أو سلّموها) للمسلمين (طوعا) بلا خلاف فيه على الظاهر ، ويدلّ عليه أخبار كثيرة :

منها : رواية ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا ما بأيديهم ، وكلّ أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وهو للإمام من بعده يضعه حيث شاء» (٤) وخبر زرارة ، المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ،

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٥٩.

(٢) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٤١٢ ، وراجع : تهذيب اللغة ١٥ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(٣) الأنبياء ٢١ : ٧٢.

(٤) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٣ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ١.

٢٣٨

قال : «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب» (١).

وعنه أيضا عن أبي أسامة بن زيد عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن الأنفال ، فقال : «هو كلّ أرض خربة ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب» (٢).

ومرسلة حمّاد بن عيسى ، المروية عن الكافي والتهذيب عن العبد الصالح ـ عليه‌السلام ـ ، قال في حديث طويل : «وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها : الجارية الفارهة (٣) ، والدابة الفارهة ، والثوب ، والمتاع ممّا يحبّ أو يشتهي ، فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس ـ إلى أن قال ـ وله بعد الخمس الأنفال ، والأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ولكن صالحوا صلحا ، وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وكل أرض ميتة لا ربّ لها ، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأنّ الغصب كلّه مردود ، وهو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له» (٤) الحديث.

وموثّقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سمعته يقول : «إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية ، فهذا كلّه من الفي‌ء والأنفال لله وللرسول ، فما كان لله فهو للرسول يضعه

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٤٧ / ٥ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٣.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٤٧ / ١٠ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٧.

(٣) الجارية الفارهة : إذا كانت حسناء مليحة. لسان العرب ١٣ : ٥٢١.

(٤) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ / ٣٦٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٤.

٢٣٩

حيث يجب» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه ، التي سيمرّ بعضها في طيّ المباحث الآتية إن شاء الله.

وربما يستظهر من بعضها ، كمصحّحة حفص ، المتقدّمة (٢) : أنّ كلّ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أرضا كان أو غيرها من الأنفال ، وربما نسبه (٣) بعض المتأخّرين إلى الأصحاب.

وربما يشهد له : صحيحة معاوية بن وهب ، قال ، قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال :«إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام أخرج منها الخمس لله وللرسول ، وقسّم بينهم أربعة (٤) أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» (٥).

تنبيه : وقع التصريح في موثّقة سماعة ، المضمرة : بأنّ البحرين من هذا القسم من الأنفال :

قال : سألته عن الأنفال ، فقال : «كلّ أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام وليس للناس فيها سهم» قال : «ومنها : البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب» (٦).

وربما ينافي ذلك ما ذكر في كتاب الإحياء ، كما نبّه عليه شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ ، قال : وفي رواية سماعة : «إنّ منها البحرين لم يوجف

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٣ / ٣٧٠ و ١٤٩ / ٤١٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٠.

(٢) تقدّمت في صفحة ٢٣٨.

(٣) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١١٧.

(٤) في النسخة والوسائل : ثلاثة.

(٥) الكافي ٥ : ٤٣ / ١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣.

(٦) التهذيب ٤ : ١٣٣ / ٣٧٣ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٨.

٢٤٠