مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

الموجودين أيضا ؛ لأنّ عليه الإتمام عند عدم الكفاية ، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته) بمعنى أنّه حقّ مالي لا يسقط بالغيبة ، فيجب على من استولى على أمواله من باب التولية أو الحسبة الخروج عن عهدته مع الإمكان.

(و) هذا ، أي : القول بصرفه إلى الأصناف (هو الأشبه) بل المتعيّن وإن كان في خصوصيتهم بمعنى انحصار المصرف فيهم تأمّل.

وما ذكروه وجها له من وجوب الإتمام عليه قد عرفت ما فيه عند تعرّض المصنّف له في مسألة أنّ الإمام ـ عليه‌السلام ـ يقسّم نصف الخمس على الطوائف قدر الكفاية من أنّ وجوب الإتمام عليه إن سلّم ـ كما يدلّ عليه مرسلتا حمّاد (١) وأحمد (٢) ـ فهو في حال بسط يد الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، ونقل كلّ الخمس أو معظمه إليه بحيث يسعه القيام بمئونة فقراء الهاشميين من سهمهم ولو بتتميم النقص من نصيبه ، كسائر السلاطين القاهرين الذين ينقل إليهم الخراج ، ويصرفونه في مصارفه ، لا في مثل هذه الأعصار التي لا يصل بيد من يتولّى تقسيمه إماما كان أو غيره أم صاحب المال ، إلّا أقلّ قليل ، ففي مثل هذا الفرض لا يجب عليه الإتمام قطعا على تقدير حضوره ، فضلا عن غيبته.

وقد يستدلّ لجواز صرفه إلى الأصناف : بالعلم الحاصل من شهادة حال الإمام ـ عليه‌السلام ـ برضاه بصرف ماله المستغنى عنه المتعذّر إيصاله إليه إلى أقاربه وأرحامه المحتاجين ، خصوصا المتعفّفين منهم المستورين الذين لا حيلة لهم ولا يدرون أن يتوجّهون ، ولا سيّما مع عداوة أكثر

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٦ / ٣٦٤ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٢.

٢٨١

الناس لهم وإرادتهم إراقة دمائهم بغضا وحسدا لآبائهم ، بل قد يقطع من ذلك ونحوه بعدم رضاه في المنع ، فضلا عن رضاه بالصرف.

وفيه : أنّ دعوى القطع بالرضى وإن كانت في محلّها ، وكفاك شاهدا لذلك : التتبع في أحوال الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ ، وما صدر منهم من أخبار التحليل ؛ فإنّه يستفاد من ذلك استفادة قطعية أنّ أحبّ ما يكون لدى الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ ، التوسعة على شيعتهم ومواليهم والإرفاق بهم والإحسان إليهم في الدنيا والآخرة بأيّ نحو يكون ولو بالتضييق على أنفسهم ، فكيف في ما لو كانوا من أقاربهم وأرحامهم المنتسبين إليهم ، المعدودين من عيالهم ، إلّا أنّه بين ما يمكن ادّعاء القطع به وبين المدّعى عموم من وجه ، فهل ترى لك أن تدّعي القطع برضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، بصرف ماله إلى بعض أرحامه الذي ليس له شدّة احتياج ، بل قد يتكلّف في إدراج نفسه في زمرة المحتاجين بصلح أمواله إلى زوجته وأولاده ونحو ذلك ، خصوصا لو لم يكن من أهل الصلاح والتقوى مع وجود أرامل وأيتام وضعفاء في شيعته ومواليه في غاية الفقر والفاقة وكمال الديانة والتقى ، أو حصول بعض المصارف الذي يحصل به تشييد الدين وترويج شريعة خاتم النبيين ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والحاصل : أنّ ما يمكن دعوى القطع به إنّما هو رضاه بصرفه في ما هو الأهمّ فالأهمّ ولو بنظر المتصرّف ، لا في خصوص بني هاشم ولا فيهم مطلقا ، فيشكل حينئذ صرفه إلى هاشمي فقير مع وجود من هو أحوج وأولى منه في الهاشميين أو في غيرهم ، أو وجود مصرف أهمّ ممّا يتعلّق بحفظ الشرع وقوامه ، كما لا يخفى.

وممّا يدلّ على جواز صرفه بل وجوبه إلى فقراء الهاشميين لدى الإمكان ، وضعفاء الشيعة عند تعذّره : الخبر المروي عن كتاب الطرائف

٢٨٢

لابن طاوس بإسناده عن عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه ـ عليهما‌السلام ـ : «أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال لأبي ذر وسلمان والمقداد : أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلّا الله ـ إلى أن قال ـ وأنّ علي بن أبي طالب وصي محمد وأمير المؤمنين ، وأنّ طاعته طاعة الله وطاعة رسوله والأئمّة من ولده ، وأنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كلّ مؤمن ومؤمنة مع إقام الصلاة لوقتها ، وإخراج الزكاة من حلّها ووضعها في أهلها ، وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمّة من ولده ، فمن عجز ولم يقدر إلّا على اليسير من المال ، فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة ، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممّن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم إلّا الله تعالى ـ إلى أن قال ـ فهذه شروط الإسلام وما بقي أكثر» (١).

ولكن يشكل الاعتماد على مثل هذا الخبر في إثبات الرخصة إلّا أن يقال : إنّ وروده في مثل هذا المورد الذي يمكن دعوى القطع به لولاه ، مع كون مضامينه ممّا يلوح منه أمارات الصدق ، يورث القطع برضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ بالأخذ به والاعتماد عليه من باب التسليم والانقياد كما في أخبار السنن.

وربما يقوى في النظر جواز التصدّق به وصرفه إلى الفقراء مطلقا ولو إلى غير بني هاشم ؛ لاندراجه عرفا في موضوع مال الغائب الذي تعذّر إيصاله إلى صاحبه.

والأقوى فيه بعد اليأس من التمكّن من إيصاله إلى صاحبه بوجه من

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢١.

٢٨٣

الوجوه : جواز التصدّق به أو وجوبه كالمال الذي لا يعرف صاحبه ؛ إذ المتدبّر في كلمات الأصحاب والنصوص الواردة في ذلك الباب لا يكاد يرتاب في أنّ حكم الشارع بالصدقة في ما لا يعرف صاحبه إنّما هو لتعذّر إيصاله إليه لا لعدم معرفته بشخصه ، بل بعض النصوص الواردة فيه التي تقدّم نقلها في مسألة الحلال المختلط بالحرام إنّما ورد في ما تعذّر إيصاله إلى صاحبه مع معرفته بشخصه.

مثل ما عن الشيخ بإسناده عن عليّ الصائغ قال : سألته عن تراب الصوّاغين وإنّا نبيعه ، قال : «أما تستطيع أن تستحلّه من صاحبه؟» قال ، قلت : لا ، إذا أخبرته اتّهمني. قال : «بعه» قلت : بأيّ شي‌ء؟ قال : «بطعام» قلت : فأيّ شي‌ء أصنع به؟ قال : «تصدّق به إمّا لك وإمّا لأهله» (١) والظاهر أنّ هذه الرواية واردة في ما لا يعلم السائل بكون المال لذلك الشخص حتى يتعيّن عليه إيصاله إليه ، ولكنه يحتمل ذلك ، ويريد تفريغ ذمته في الواقع على تقدير كونه كذلك من دون أن يترتّب عليه مفسدة الاتّهام ، أو يتضرّر بدفع ماله إليه على تقدير العدم ، فلا يتوجّه عليها الإشكال بأنّ خوف التهمة لا يسقط التكليف بإيصال مال الغير إليه ولو بدسّه في أمواله أو غير ذلك من أنحاء الإيصال ممّا يسلم معها من التهمة.

وكيف كان ، فالرواية كادت تكون صريحة في المدّعى ، بل وكذا صحيحة يونس بن عبد الرحمن ، الواردة في من وجد في رحله بعض متاع رفيقه الذي كان معه بمكة وفارقه في الطريق (٢) ؛ أيضا من هذا

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٣ / ١١٣١ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الصرف ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٥ / ١١٨٩ ، الوسائل : الباب ٧ من كتاب اللقطة ، الحديث ٢.

٢٨٤

القبيل ، لا من قبيل مجهول المالك ؛ لأنّه كان يعلم بأنّ هذا المال لذلك الشخص الخاص المعهود الذي كان معه بمكّة ، ولكنه لم يكن يعرف بلده ولا شخصه ببعض عناوينه المعروفة في ما بين الناس على وجه يمكنه الوصول إليه بالفحص والسؤال.

وكيف كان ، فلا ينبغي الاستشكال في جواز التصدّق بمال الغائب ، الذي امتنع إيصاله إلى صاحبه ، وما نحن فيه بمقتضى العادة مندرج في مصاديق هذا الحكم مع إمكان دعوى القطع برضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ بالتصدّق بماله الذي تعذّر إيصاله إليه ، كما يؤيّد ذلك أمره بذلك في جملة من الأخبار الواردة في ميراث من لا وارث له ، الذي هو من الأنفال ، وغيره من الموارد التي لا تخفى على المتتبّع.

فالإنصاف : أنّ القول بجواز صرفه إلى الفقراء مطلقا ، بل وكذا إلى سائر المصارف التي يحصل بها تشييد الدين وإعلاء كلمة الحق ممّا يكون القيام به من وظائف الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، لا يخلو عن قوّة ، خصوصا مع ملاحظة الأهمّ فالأهمّ إلّا أنّ الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على فقراء الهاشميين مع الإمكان ، كما يظهر من خبر عيسى بن المستفاد ، المتقدّم (١).

بل قد يشكل التخطّي عن مضمون هذا الخبر ؛ لإمكان أن يقال : إنّه وإن لم يكن بنفسه جامعا لشرائط الحجيّة ، ولكنه يتعيّن الأخذ به في خصوص المقام ؛ لانسداد باب العلم فيه ، وعدم المناص عن التصرّف في ما يحصل بيد المكلّف من سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ ولو بحفظه وإمساكه ، ولا يمكن الاحتياط فيه ، فيتعيّن الأخذ بما روي فيه من

__________________

(١) تقدّم في صفحة ٢٨٣.

٢٨٥

الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ ، وإن لم يكن في حدّ ذاته جامعا لشرائط الحجية.

ولا يجوز العدول عنه إلى سائر الظنون المبتنية على الحدس والتخمين الناشئة من القياسات والاستحسانات ونظائرها وإن كانت أقوى من الظنّ الحاصل من تلك الرواية ، فإنّ للخبر من حيث هو نوع اعتبار لدى العرف والعقلاء عند تعذّر تحصيل العلم وعدم المناص عن العمل وتعذّر الاحتياط ليس ذلك الاعتبار لسائر الظنون المبتنية على الحدس والتخمين.

ولكن هذا بعد تسليمه إنّما يتم لو لم ندّع القطع برضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ بالصدقة أو صرفه إلى قسم خاص أو استفادة حكمه ممّا ورد في ما تعذّر إيصاله إلى صاحبه ، وإلّا فلا تتمّ مقدّمات هذا الدليل ، كما لا يخفى.

المسألة (الخامسة : يجب أن يتولّى صرف حصة الإمام) عليه‌السلام ـ (إلى الأصناف الموجودين من إليه الحكم) ممّن جمع شرائط الفتوى (بحقّ النيابة) بناء على كونه أداء عمّا يجب على الإمام ـ عليه‌السلام ـ من الإتمام ، كما صرّح به غير واحد ، بل ربما نسب (١) إلى أكثر المتأخّرين. بل في المسالك نسبته إلى كلّ من أوجب صرفه إلى الأصناف (٢).

(كما يتولّى أداء ما يجب على الغائب) غير الإمام.

ولا يتوقّف هذا على ادّعاء عموم نيابة الفقيه في زمان الغيبة عن الإمام ـ عليه‌السلام ـ في كلّ ما يرجع إليه حتى في جمع أمواله المختصّة به ،

__________________

(١) الناسب هو النراقي في مستند الشيعة ٢ : ٩١.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٤٧٦.

٢٨٦

وصرفها إلى مصارفها ؛ كي يتطرّق إليه الخدشة بقصور أدلّة النيابة عن إثبات هذا النحو من العموم ، ولا من باب الولاية على الغائب ؛ كي يدّعي فساده ؛ ضرورة أنّ الإمام ـ عليه‌السلام ـ لم يقصد بإرجاع العوام إليه ونصبه قاضيا أو حاكما إثبات الولاية له على نفسه ، بل من باب قيام الحاكم مقام كلّ من أمر بمعروف غير مقيّد معروفيته بقدرة ذلك الشخص ، فعجز عن إقامته لغيبته أو قصوره ، فعلى الحاكم القيام مقامه في أداء ما وجب عليه ؛ لأنّ هذا من أوضح مناصب الفقيه ، الذي نلتزم بثبوته لعدول المؤمنين على تقدير فقد الحاكم من باب الحسبة ، فهذا ممّا لا ينبغي الارتياب فيه بعد تسليم مقدّماته.

ولكنك عرفت في ما سبق منع الصغرى ، وأنّه لم يثبت وجوب الإتمام على الإمام ـ عليه‌السلام ـ حال حضوره ، فضلا عن بقاء التكليف به بعد غيبته حتى يتولّى أداءه الحاكم بحق النيابة ، بل الصرف إلى الأصناف أو غيرهم منشأه إمّا دعوى القطع برضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ بذلك تفضّلا منه وإحسانا على أرحامه وشيعته ، أو دعوى اندراجه في ما تعذّر إيصاله إلى صاحبه الذي حكمه الصدقة ، أو لأجل الاعتماد على ما يستفاد من خبر عيسى بن المستفاد المتقدّم (١) ، فإن عوّلنا على هذا الخبر فمفاده كون من بيده شي‌ء من الخمس هو المكلّف بإيصاله إلى السادة أو الفقراء عند عجزه عن الإيصال إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ من غير فرق بين سهم الإمام وسهم سائر الأصناف ، فلا يجب عليه دفعه إلى الحاكم حينئذ ، بل لا يجوز إلّا من باب الاستنابة والتوكيل.

نعم لو قلنا باقتضاء عمومات النصب قيام الحاكم مقام الإمام

__________________

(١) تقدّم في صفحة ٢٨٣.

٢٨٧

ـ عليه‌السلام ـ في ما يرجع إليه ولو في ما يتعلّق به بالخصوص من جمع أمواله من الخمس والأنفال ونحوها ، لكانت العمومات على هذا التقدير حاكمة على مثل هذا الخبر ، فإنّها تجعل الإيصال إليه بمنزلة الإيصال إلى الإمام ـ عليه‌السلام.

وإن استندنا في جواز الصرف إلى ادّعاء القطع به ، فالحكم يدور مداره ، فإن حصل للعامي أيضا القطع برضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، بأن يصرف أمواله إلى جهة جاز له أن يعمل بقطعه كما لو قطع برضى غيره في التصرّف في أمواله بإذن الفحوى ، أو شهادة الحال ، وإلّا وجب عليه الرجوع إلى المجتهد ، فإن حصل لمجتهده القطع برضى الإمام بأن يتولّى صرفه كلّ من حصل بيده الخمس جاز له الإفتاء بذلك ، وإلّا اقتصر على ما هو المتيقّن عنده ، كما هو واضح.

وإن منعنا القطع بذلك وقلنا باندراجه في الموضوع الذي حكمه الصدقة ، فمقتضاه جواز التصدّق به لكلّ من حصل بيده إن لم نقل بنيابة الفقيه عن الإمام ـ عليه‌السلام ـ في استيفاء حقّه من الخمس والفي‌ء والأنفال ونحوها ، كنيابة نوّابه الأربعة الذين كانوا في الغيبة الصغرى ، وإلّا فعلى العامي إيصاله إلى الفقيه ؛ إذ بعد فرض النيابة يكون الإيصال إليه بمنزلة الإيصال إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، فلا يكون بالنسبة إليه مندرجا في الموضوع الذي حكمه الصدقة ، بل هو مكلّف بإيصاله إلى من أقامه المالك مقامه ، وعلى النائب أن يرى فيه رأيه ويعمل فيه على حسب ما يقتضيه تكليفه ، فهذا ممّا لا إشكال فيه إلّا أنّ استفادة هذا النحو من العموم لنيابة الفقيه من أدلّة النصب لا تخلو عن خفاء ؛ إذ المتبادر منها في بادئ الرأي إنّما هو النصب للحكومة بين الناس والترافع عنده ، لا الاستنابة.

٢٨٨

ولكن الذي يظهر بالتدبّر في التوقيع المروي عن إمام العصر ـ عجّل الله فرجه ـ ، الذي هو عمدة دليل النصب إنّما هو إقامة الفقيه المتمسّك برواياتهم مقامه بإرجاع عوام الشيعة إليه في كلّ ما يكون الإمام مرجعا فيه كي لا يبقى شيعته متحيّرين في أزمنة الغيبة.

وهو ما رواه في الوسائل عن كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب ، قال : سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ «أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله ، وأمّا محمد بن عثمان العمري فرضي‌الله‌عنه وعن أبيه من قبل ، فإنّه ثقتي وكتابه كتابي» (١).

ورواه في الوسائل عن الشيخ أيضا في كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما كلّهم عن محمد بن يعقوب (٢).

وعن الطبرسي في الاحتجاج نحوه (٣).

ومن تدبّر في هذا التوقيع الشريف يرى أنّه ـ عليه‌السلام ـ قد أراد بهذا التوقيع إتمام الحجّة على شيعته في زمان غيبته بجعل الرواة حجّة عليهم على وجه لا يسع لأحد أن يتخطّى عمّا فرضه الله معتذرا بغيبة الإمام ،

__________________

(١) الوسائل : الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩ ، وراجع : إكمال الدين وإتمام النعمة ٢ : ٤٨٤ / ٤.

(٢) الوسائل : الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ذيل الحديث ٩ ، وراجع : الغيبة : ١٧٧ ، والاحتجاج ٢ : ٤٧٠.

(٣) الوسائل : الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ذيل الحديث ٩ ، وراجع : الغيبة : ١٧٧ ، والاحتجاج ٢ : ٤٧٠.

٢٨٩

لا مجرّد حجّية قولهم في نقل الرواية أو الفتوى ؛ فإنّ هذا مع أنّه لا يناسبه التعبير بـ «حجتي عليكم» لا يتفرّع عليه مرجعيتهم في الحوادث الواقعة التي هي عبارة عن الجزئيات الخارجية التي من شأنها الإيكال إلى الإمام ، كفصل الخصومات وولاية الأوقاف والأيتام وقبالة الأراضي الخراجية التي قصرت عنها أيدي سلاطين الجور الذين يجوز التقبّل منهم ، وغير ذلك من موارد الحاجة إلى الرجوع إلى الإمام ، فلو رأى مثلا صلاح اليتيم أن يأخذ ماله من هذا الشخص الذي لا ولاية له عليه شرعا ، وينصب شخصا آخر قيّما عليه في ضبط أمواله ، وصرفها في حوائجه ، فليس لمن عنده مال اليتيم أن يمتنع من ذلك ويستعمل رأيه في التصرّف فيه على حسب ما يراه صلاحا لحال اليتيم ، وكذا في الأوقاف ونظائرها وإن أفتى له الفقيه عموما بجواز التصرّف فيها بالتي هي أحسن ، فإنّه لو امتنع من دفع المال إلى من نصبه الفقيه قيّما عليه بزعمه أنّ بقاءه عنده أصلح بحال اليتيم من دفعه إلى ذلك الشخص فسرق المال ، لم يعذر ذلك الشخص في ما رآه بعد أن نصب الإمام ـ عليه‌السلام ـ الفقيه حجّة عليه في الحوادث الواقعة التي منها هذا المورد.

والحاصل : أنّه يفهم من تفريع إرجاع العوام إلى الرواة على جعلهم حجّة عليهم أنّه أريد بجعلهم حجّة إقامتهم مقامه في ما يرجع فيه إليه ، لا مجرّد حجّية قولهم في نقل الرواية والفتوى ، فيتمّ المطلوب.

إن قلت : إنّ القدر المتيقّن الذي يقتضيه هذا التفريع إنّما هو إقامته مقامه من حيث الولاية ، بل لا معنى لجعله حجّة عليهم إلّا وجوب إطاعته ونفوذ تصرّفاته في ما يرجع إليه ، ومقتضاه ثبوت منصب الولاية له من قبل الإمام ـ عليه‌السلام ، ولكن في ما من شأنه الرجوع إلى الإمام ، كالأمثلة المزبورة ، كما هو المنساق إلى الذهن من الخبر ، لا في كلّ

٢٩٠

شي‌ء ، كي يقتضي ذلك الولاية المطلقة ، وكون الفقيه كالإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وملخّص الكلام : أنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو دلالة هذا التوقيع على ثبوت منصب الرئاسة والولاية للفقيه ، وكون الفقيه في زمان الغيبة بمنزلة الولاة المنصوبين من قبل السلاطين على رعاياهم في الرجوع إليه وإطاعته في ما شأنه الرجوع فيه إلى الرئيس ، وهذا غير مسألة النيابة والتوكيل في قبض أمواله كما هو المدّعى.

قلت : يفهم هذا عرفا من إعطاء هذا المنصب لشخص بالفحوى خصوصا في ضبط أمواله الراجعة إليه من حيث الرئاسة ، كجمع الفي‌ء والأنفال والأخماس ونحوها ممّا هو كجمع الخراج من مناصب الرئيس.

وكيف كان ، فلا ينبغي الاستشكال في نيابة الفقيه الجامع لشرائط الفتوى عن الإمام ـ عليه‌السلام ـ حال الغيبة في مثل هذه الأمور ، كما يؤيّده التتبّع في كلمات الأصحاب حيث يظهر منها كونها لديهم من الأمور المسلّمة في كلّ باب ، حتى أنّه جعل غير واحد عمدة المستند لعموم نيابة الفقيه لمثل هذه الأشياء الإجماع.

هذا ، مع أنّه يكفي في المقام الشك ، فإنّ جواز التصدّق به للعامي موقوف على إحراز كون سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ بالنسبة إلى العامي من قبيل المال الذي يتعذّر إيصاله إلى صاحبه أو نائبه ، وإلّا فمقتضى الأصل حرمة التصرّف الذي لم يعلم برضى صاحبه به ، فعليه الاحتياط إمّا بدفعه إلى الحاكم واستنابته في الصرف إلى الفقراء ، أو الرخصة منه بتوكيله في المباشرة ، بل هذا هو الأحوط في مطلق الخمس ، بل ربما نسب (١) إلى

__________________

(١) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٦٨ ، وكما في الجواهر ١٦ : ١٧٨ نقلا عن المجلسي ـ رحمه‌الله ـ في زاد المعاد.

٢٩١

بعض : القول بوجوب دفع الجميع إلى الحاكم في زمان الغيبة كما كان يجب دفعه في زمان الحضور إلى الإمام ؛ نظرا إلى عموم نيابته لمثل هذه الأمور.

ولكن الأقوى خلافه ، وأنّ له أن يتولّى بنفسه صرف حصّة الأصناف إليهم ، فإنّ مقتضى الأصل حصول فراغ الذمة بإيصال الحقّ إلى مستحقّيه ، ووجوب دفعه إلى الإمام أو نائبه لأن يتولّى القسمة تكليف زائد يحتاج إلى الدليل ، وهو منفي في الفرض ؛ إذ غاية ما يمكن إثباته ببعض الأدلّة التي تقدّمت الإشارة إليها في محلّه إنّما هو وجوب إيصاله إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ على تقدير ظهوره والتمكّن من إيصاله إليه إمّا مطلقا أو بشرط مطالبته ، كما في الزكاة.

وأمّا مع العجز عن الإيصال إلى الإمام ، أي : في حال غيبته ، فلم يثبت التكليف بأزيد ممّا يقتضيه تعلّق حقّ الغير بماله من وجوب الخروج عن عهدته بإيصاله إلى مستحقّيه ، والله العالم.

قد فرغ من كتابة كتاب الخمس مؤلّفه العبد الجاني محمد رضا بن المرحوم الآقا محمد هادي الهمداني ، في ليلة الأربعاء من العشر الثاني من شهر ربيع الثاني من السنة العاشرة بعد الثلاثمائة والألف (١٣١٠).

٢٩٢

كتاب الصّوم

٢٩٣
٢٩٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

(كتاب الصوم)

(والنظر في أركانه ، وأقسامه ، ولواحقه ، و) أمّا (أركانه) فـ (أربعة :)

(الأوّل : الصوم) في اللغة : الإمساك.

فعن أبي عبيدة أنه قال : كلّ ممسك عن طعام ، أو كلام ، أو سير ، فهو صائم (١).

وفي القاموس : صام صوما وصياما ، واصطام : أمسك عن الطعام

__________________

(١) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٥ ، وابن منظور في لسان العرب ١٢ : ٣٥١.

٢٩٥

والشراب والكلام والنكاح (١).

وعن ابن دريد : كلّ شي‌ء سكنت حركته فقد صام صوما (٢).

(وهو) في عرف المتشرّعة وإطلاقات الشارع : (الكفّ) حقيقة أو حكما (عن المفطرات) أي : الأشياء التي أمر الشارع بالكفّ عنها من الأكل والشرب ، وغير ذلك ممّا ستعرفه (مع النيّة) أي قصد القربة.

وعدم تقييده باليوم : إمّا باعتبار ملاحظة الزمان ظرفا للصوم كما في قوله تعالى «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» (٣) أو بلحاظ وضوح اعتباره ، فلا حاجة إلى التصريح.

ويكفي في حصول النيّة المعتبرة في صحة الصوم : العزم إجمالا على ترك المفطرات وإن لم يعرف جميعها تفصيلا ، كما لو عزم على الاجتناب عن عدّة أشياء يعلم بعدم خروج المفطرات عنها ، أو على الاجتناب عن كلّ شي‌ء عدا ما يعلم أنّه ليس منافيا للصوم ، بل يكفي عزمه على الصوم الصحيح المشروع الذي تصوّره إجمالا وإن لم يعرف أنّ القي‌ء أو الاحتقان أو الجنابة ممّا ينافيه ، فلم يعزم على ترك مثل هذه الأشياء ، ولكنّه ناو إجمالا الخروج عن عهدة التكليف بالصوم ، كأن زعم ـ مثلا ـ أنّ الصوم الواجب عليه في شهر رمضان عبارة عن الإمساك عن الأكل والشرب لا غير ، فنوى الخروج عن عهدة هذا التكليف بترك الأكل والشرب ، فتركهما بهذا العزم ، وترك سائر المنافيات أيضا من باب الاتّفاق ، صحّ صومه ؛ لأنّ عزمه على الصوم

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٤١.

(٢) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٥ ، وراجع : جمهرة اللغة ٢ : ٨٩٩.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٨٧.

٢٩٦

المشروع يجعل مثل هذه التروك ملحقا بالترك مع العزم.

وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار أزيد من مثل هذا القصد في صحّة الصوم ، بل الدليل على عدمه ، إذ لولا كفايته للزم بطلان صوم أغلب العوام الذين لا يعلمون بمفطريّة بعض المفطرات ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به ، كما لا يخفى على من تدبّر في النصوص والفتاوى المتكفّلة لبيان حكمها.

نعم ، لو رجع قصده إلى العزم على الإمساك عن خصوص ما يعرفه ، كما لو جعل معرفته طريقا لتشخيص الأمر الشرعي ، فنوى امتثال الأمر الشرعي المتعلّق بالإمساك عن خصوص هذا الشي‌ء لا غير ، لم يصحّ.

(وهي) أي : النيّة في الصوم ، كالصلاة وغيرها من العبادات التي اعتبر فيها قصد القربة (إمّا ركن وإمّا شرط لصحّته.)

ولا يترتّب على تحقيق كونها جزءا أو شرطا ثمرة مهمّة (و) إن كانت (هي بالشرط أشبه) كما حقّقناه في كتاب الصلاة.

وبيّنا هناك ، وكذا في نيّة الوضوء : أنّ العبرة في صحّة العبادات المشروطة بالنيّة إنّما هي بحصولها بعنوان الإطاعة والتقرّب ، بأن يكون الباعث على إيجادها العزم على الخروج عن عهدة التكليف المتعلّق بها لا غير ، ولا يتوقّف ذلك على حصول إرادة تفصيلية مقارنة لأوّل آنات الأخذ في الإطاعة ، بل على كونها مسبوقة بإرادة تفصيليّة مؤثّرة في حصولها بهذا العنوان ، كغيرها من الأفعال الاختياريّة الصادرة من العقلاء لسائر أغراضهم المتّصفة لديهم بكونها صادرة عن عزم وإرادة ، فليس جواز تقديم النيّة في الصوم مخالفا للأصل ثابتا بإجماع ونحوه ؛ كي يقتصر فيه على مقدار دلالة الدليل كما قد يتوهّم.

٢٩٧

ولا يعتبر في الصوم أن يكون التروك المعتبرة فيه صادرة عن عزمه ـ كما يعتبر ذلك في الأفعال الاختيارية الوجودية ـ لأنّ للتروك أسبابا لا تتناهى ، فربما يجتمع مع العزم على الترك عدم المقتضي للفعل ، فيكون الترك حينئذ مستندا في العرف إلى عدم المقتضى ، لا العزم على الترك الذي هو من قبيل الموانع.

فالذي يجب على من أمر بترك فعل في مقام إطاعة هذا الأمر أن يعزم على ترك ذلك الشي‌ء ولا يفعله ، بأن يجعل قصد الإطاعة مانعا عن ارتكابه ، بحيث لو حصل سائر أجزاء علّة وجوده لأثر ذلك العزم في تركه ، لا أن يجعل سبب الترك منحصرا في هذا العزم بأن يكون الترك دائما ناشئا منه ، فإنّ هذا قد لا يكون مقدورا للمكلّف ؛ إذ الذي يقدر عليه المكلّف أن يختار ترك الفعل الذي يقدر على إيجاده ، لا أن يجعل سبب الترك منحصرا في عزمه عليه ، كما لا يخفى.

فالذي يعتبر في الصوم هو الكفّ عن المفطرات ، أي تركها مع النيّة ، كما عبّر به في المتن ، لا الترك الناشئ من النيّة ، كما قد يتوهّم قياسا على العبادات التي تعلّق التكليف فيها بالفعل ، بل لا يعتبر فيه بقاء داعيه في النفس حقيقة حال التلبّس به ، كما اعتبرنا ذلك في الأفعال الوجودية التي اعتبر وقوعها بعنوان الإطاعة ، فإنّ عزمه في الليل على أن لا يأكل في الغد كاف في حصول مقتضاه ، وهو ترك الأكل في الغد ما لم ينقضه بنيّة خلافه ، فلو نام عقيب هذه النيّة ، أو غفل عن الأكل إلى أن ينقضي اليوم ، يكون نومه وغفلته مؤكّدا لتحقّق ما تقتضيه هذه النيّة ، لا منافيا له ، وهذا بخلاف ما لو عزم على فعل الأكل في اليوم ، فإنّه لا أثر لإرادته السابقة في تحقّق الفعل الذي نواه ما لم يرسخ منها في النفس شي‌ء يبعثها على إيجاده في ما يستقبل ،

٢٩٨

ولا حاجة إلى ذلك عند إرادة تركه ؛ لأنّ الترك لا يحتاج إلى سبب محقّق حاله ، بل أسبابه إعدام مضافة منتزعة عن فقد كلّ جزء أو شرط من أجزاء علّة الوجود وشرائطها ، فمتى عزم على ترك فعل في ما يستقبل ، يكون عزمه مقتضيا لحصول ذلك الترك في وقته ، واختيارا له من هذا الحين.

ولا ينتقض أثر هذا العزم إلّا بنيّة الخلاف ، دون النوم والغفلة ، بل النوم أو الغفلة عن الأكل أيضا قد يكون من آثار هذه النيّة بحيث لولاها لم يكن ينام أو يغفل ، فصحّة صوم النائم ووقوعه عبادة ليست مخالفة للقواعد.

وكيف كان ، فالذي يعتبر في صحة الصوم ، وغيره من العبادات ، إنّما هو فعله بقصد الإطاعة ، والتقرّب إلى الله تعالى ، ولا يتوقّف ذلك إلّا على تشخيص ماهيّة المأمور به وتمييزها عمّا يشاركها في الجنس ، حتى يتأتّى القصد إلى إيجادها بداعي الإطاعة والتقرّب. فلا تحب معرفة وجه الفعل الذي تعلّق به الطلب من كونه واجبا أو مندوبا ، أداء أو قضاء ، أو غير ذلك من التفاصيل التي التزم كثير من الأصحاب بوجوب معرفتها والقصد إليها في سائر العبادات ، إلّا إذا تعذّر تعيين ما تعلّق به الطلب إلّا بشي‌ء من هذه الوجوه ، فيجب حينئذ لذلك ، كما تقدّم تحقيق ذلك كلّه في نيّة الوضوء والصلاة ، فلا نطيل بالإعادة.

فلو انحصر جنس الفعل الذي تعلّق به التكليف في نوع ، بأن لم يعتبر في ذلك الفعل عنوان زائد على ما يتحقّق به مسمّاه ، كما لو أمره بضرب زيد من حيث هو ، لم يجب عليه في مقام الإطاعة إلّا القصد إلى ماهيّة الضرب من حيث هي وإيجادها بداعي أمرها.

وأمّا لو قيّده بقيد ، كأن أوجب عليه الضرب بالعصا ، أو الضرب

٢٩٩

بعنوان التأديب ، أو غير ذلك من القيود والعناوين المقيّدة له ، وجب القصد إلى خصوص ذلك القسم الذي تعلّق به التكليف.

ولا يكفي حينئذ القصد إلى إيجاد فرد من جنسه ؛ ضرورة أنّ إطاعة الأمر بإحضار عالم أو طبيب لا يحصل إلّا بالقصد إلى إحضار رجل معنون بهذا العنوان لا مطلقه ، ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن كان هناك أمر آخر متعلّق بإحضار شخص آخر من مطلق الرجل ، أو من نوع آخر منه.

فما يوهمه بعض كلماتهم في باب الصوم والصلاة وسائر العبادات من نفي الحاجة إلى التعيين في ما لو كان المكلّف به متعيّنا في الواقع ، بأن لم يكن مكلّفا في الواقع إلّا بقسم خاص منه ، كالصوم في رمضان حيث لا يشرع فيه إلّا صومه ، فكونه كذلك يغنيه عن قصد التعيين ليس على ما ينبغي ، إذ الحاجة إلى التعيين ليست لأجل تمييز الطلب الذي يقصد إطاعته عمّا عداه حتى تكون وحدته موجبة لتعيّنه ، بل لأجل تمييز الماهيّة التي تعلّق بها الطلب عمّا عداها ، واستحضارها في الذهن حتّى يتأتّى القصد إليها بدعوة أمره ، فلا يتفاوت الحال حينئذ بين وحدة الطلب وتعدّده.

نعم ، مع وحدة الطلب قد يقال : إنّ القصد إلى إيقاع الفعل الذي تعلّق التكليف بنوع خاص منه ـ كالصلاة والصوم ونحوه ـ خروجا عن عهدة طلبه ، مرجعه لدى التحليل إلى العزم على إيقاع ذلك الفعل على الوجه الذي يتحقّق به امتثال أمره ، فهو تعيين له بمنزلة ما لو وصفه بالصلاة أو الصوم المأمور به بالفعل.

(و) قد يوجّه بذلك ما ذكره المصنّف وغيره ، بل المشهور ، بل

٣٠٠