غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

أن يصنع لأهل الميت طعاماً ثلاثة أيّام» (١).

ورواية أبي بصير عنه عليه‌السلام ، قال ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيّام (٢) وغيرها (٣).

ويكره الأكل عندهم ، لما رواه الصدوق عن الصادق عليه‌السلام ، قال الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية ، والسنة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في آل جعفر بن أبي طالب لما جاء نعيه (٤).

والظاهر أنّ المكروه هو الأكل عندهم إذا صار الأكل سبباً للمشقّة عليهم ، لأنّهم مشغولون بالمصيبة ، وقلوبهم منكسرة ، فلذلك جعلت السنة بعث الطعام إليهم ، وإلّا فلو دعوا أهل الطعام إلى الأكل معهم أو صار ذلك سبباً لُانسهم وتسليتهم ، أو كان ذلك إعانة في أكل أهل المصيبة أو نحو ذلك ، مثل أن يكون الطعام كثيراً ولا يمكن صرفه إلّا بأكل الغير عندهم ، فالظاهر عدم الكراهة.

وأما كراهة الإطعام لأهل المصيبة ، فلا دليل عليه ، مع أنّهم قد يضطرّون إلى ذلك لورود الناس عليهم من البعيد ، وانحصار الأمر في ذلك ، بل وتستحبّ وصيّة الإنسان ببعض ماله للمأتم كما رواه في الكافي من فعل أبي جعفر عليه‌السلام (٥).

قال في الذكرى : ولو أنّه فوّض إلى غير أهله كان أنسب ، لاشتغالهم بمصابهم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٧ ح ١ ، الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٩ ، المحاسن : ٤١٩ ح ١٩١ ، الوسائل ٢ : ٨٨٨ أبواب الدفن ب ٦٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٩ ، المحاسن : ٤١٩ ح ١٨٩ ، الوسائل ٢ : ٨٨٩ أبواب الدفن ب ٦٧ ح ٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٨٨٨ أبواب الدفن ب ٦٧.

(٤) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٨ ، الوسائل ٢ : ٨٨٩ أبواب الدفن ب ٦٧ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٧ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٦ ، الوسائل ٢ : ٨٩٠ أبواب الدفن ب ٦٨ ح ١.

٥٦١

عن ذلك كما دلّ عليه الخبر (١).

الرابع : في زيارة أهل القبور هي مستحبّة للرجال ، إجماعاً نقله في المنتهي (٢) ، وفي الذكرى (٣).

وكفى بها فضلاً أنّها مذكّرة للموت ، ومميلة إلى دار القرار ، ومنغّصة للذّات الفانية الموبقة للنفس.

والأخبار بها من الطرفين مستفيضة ، وفيها أنّهم يعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم (٤).

وتتأكد في السبت والاثنين والخميس.

وما ورد في الأخبار من فعل فاطمة عليها‌السلام (٥) يدلّ على جوازها للنساء أيضاً.

وكرهها لهنّ في المعتبر (٦) لمنافاتها الستر والصيانة ؛.

قال في الذكرى (٧) : وهو حسن إلّا مع الأمن والصون ، لفعل فاطمة عليها‌السلام قال : ولو كانت زيارتهن مؤدّية إلى الجزع والسخط بقضاء الله لضعفهن عن الصبر مُنعن عنها ، وعليه يحمل ما روي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعن الله زوارات القبور» (٨).

ويستحبّ أن يقول في التسليم على أهل القبور ما ورد في حسنة عبد الله

__________________

(١) الذكرى : ٧٠.

(٢) المنتهي ١ : ٤٦٧.

(٣) الذكرى : ٧٢.

(٤) الوسائل ٢ : ٨٧٧ أبواب الدفن ب ٥٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٨٧٧ أبواب الدفن ب ٥٤.

(٦) المعتبر ١ : ٣٣٩.

(٧) الذكرى : ٧٣.

(٨) سنن الترمذي ٢ : ٢٥٩ ح ١٠٦١.

٥٦٢

ابن سنان : «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا فرط ، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون» (١).

أو يقول ما رواه جرّاح المدائني : «السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين ، رحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (٢).

وفي الكافي عن محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم ، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه ، وعند قبر امّه بما يدعو لهما» (٣).

وروى ورّام بن أبي فراس في كتابه قال ، قال عليّ عليه‌السلام إذا قرأ المؤمن أية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور جعل الله له من كلّ حرف ملكاً يسبح له إلى يوم القيامة (٤)

وروى في الذكرى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفّف الله عنهم يومئذ ، وكان له بعدد ما فيها حسنات (٥).

وفيه : قال الفاضل : أمّا الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات التي تدخلها النيابة فإجماع (٦).

والأخبار الدالّة على أنّه يلحق بالميّت كلّ ما يفعل له من صدقة أو صلاة أو صوم أو حجّ أو دعاء أو برّ في غاية الكثرة ، وأنّها يكتب أجرها للذي فعل وللميت.

الخامس : قالوا يكره المشي على القبور والاستناد عليها وادّعى في التذكرة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٨٧٩ أبواب الدفن ب ٥٦ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١١٤ ح ٥٣٣ ، الوسائل ٢ : ٨٨٠ أبواب الدفن ب ٥٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ١٠ ، الوسائل ٢ : ٨٧٨ أبواب الدفن ب ٥٤ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٨٦٢ أبواب الدفن ب ٣٤ ح ٤ ، البحار ٨٢ : ٦٤ ح ٧.

(٥) الذكرى : ٧٣.

(٦) الذكرى : ٧٣.

٥٦٣

الإجماع عليه (١) ، وقال في المعتبر : وبه قال العلماء (٢).

وروي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه وتصل النار إلى بدنه أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر (٣) والمراد به المبالغة في الزجر.

وقد مرّت رواية عليّ بن جعفر عن الكاظم عليه‌السلام من أنّه لا يصلح الجلوس على القبر (٤).

إلّا أنّ الصدوق روى في الفقيه عن الكاظم عليه‌السلام : «إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن كان مؤمناً استروح ، ومن كان منافقاً وجد ألمه» (٥).

وربّما حمل على من يدخلها لأجل الزيارة ، فيكون كناية عن طلب كثرة التردّد إليها لأجل الزيارة ، وعدم الاقتصار على زيارتها إجمالاً.

وربّما حمل الإجماع الّذي ادّعاه العلامة على المشي استخفافاً ، مع أنّ الخبرين أيضاً لم يدلا إلّا على الجلوس.

السادس : لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين كافر وادّعى عليه في الذكرى إجماع العلماء ، وعلّله بأن لا يتأذّى المسلمون بعذابهم (٦) ، وقد سبق استثناء الحامل من مسلم.

وأما دفنه مطلقاً ، فظاهر الأصحاب عدم جوازه كالغسل والتكفين ، وإن كان ذا

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٧.

(٢) المعتبر ١ : ٣٠٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٩ ح ١٥٦٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٧٩ كتاب الجنائز ، بتفاوت.

(٤) التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٧ ، الوسائل ٢ : ٨٦٩ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١١٥ ح ٥٣٩ ، الوسائل ٢ : ٨٨٥ أبواب الدفن ب ٦٢ ح ١.

(٦) الذكرى : ٧٠.

٥٦٤

قرابة منه حتّى أباه ، كما في رواية عمّار (١) ، لقوله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (٢) وقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٣).

وعن السيد رحمه‌الله في شرح الرسالة جواز مواراته إذا لم يكن له من يواريه (٤) ، ودليله غير واضح.

السابع : قال في المنتهي : روى الشيخ أنّه يستحبّ أن يوضع عند الجريدة مع الميت كتاب يقول قبل أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ الجنة حقّ ، وأنّ النار حقّ ، (وَأَنَّ السّاعَةَ) حقّ (آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)».

ثمّ يكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم : شهد الشهود المسمّون في هذا الكتاب أنّ أخاهم في الله عزوجل فلان بن فلان ويذكر اسم الرجل واسم أبيه أشهدهم واستودعهم وأقرّ عندهم أنّه يشهد أنّ لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّه مقرّ بجميع الأنبياء والرُّسل عليهم‌السلام ، وأنّ عليّاً وليّ الله وإمامه ، وأنّ الأئمّة من ولده أئمّته ، وأنّ أوّلهم الحسن ، والحسين ، وعليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن عليّ ، والحجّة القائم عليهم‌السلام ، وأنّ الجنّة حقّ ، وأنّ النار حقّ ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ ح ٤٣٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ ح ٩٨٢ ، الوسائل ٢ : ٧٠٣ أبواب غسل الميّت ب ١٨ ح ١.

(٢) التوبة : ٨٤.

(٣) المائدة : ٥١.

(٤) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٢٨.

٥٦٥

يبعث من في القبور ، وأنّ محمّداً رسوله جاء بالحقّ ، وأنّ عليّاً وليّ الله والخليفة من بعد رسول الله ، ومستخلَفه في أُمّته ، مؤدّياً لأمر ربّه تبارك وتعالى ، وأنّ فاطمة بنت رسول الله ، وابنيها الحسن والحسين ابنا رسول الله وسبطاه ، وإماما الهدى ، وقائدا الرحمة ، وأنّ عليّاً ومحمّداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً وعلياً وحسناً والحجة عليهم‌السلام أئمّة وقادة ودعاة إلى الله عزوجل ، وحجّة على عباده.

ثمّ يقول للشهود : «يا فلان بن فلان ويا فلان ويا فلان المسمّين في هذا الكتاب اثبتوا لي هذه الشهادة عندكم حتّى تلقوني بها عند الحوض».

ثمّ يقول الشهود : «يا فلان نستودعك الله ؛ الشهادة والإقرار والإخاء موعودة عند الله ، وعند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته».

ثمّ تطوى الصحيفة ، وتطبع وتختم بخاتم الشهود وخاتم الميّت ، وتوضع عن يمين الميّت مع الجريدة ، وتثبت الصحيفة بكافورٍ وعود على جبهته غير مطيب» (١).

ولم يكن عندي نسخة صحيحة ، وإنّما نقلتها عن كتاب نقل فيه عن المنتهي مغلوط جدّاً مع ملاحظة نسخة من مصباح الشيخ لا تخلو من غلط أيضاً ، ولعلّ الاستحباب يحصل بدون الطبع والختم بخاتم الميّت والشهود والكتابة بالعود والكافور أيضاً ، وأنّ الكتابة بالتربة المقدسة تكون أحسن.

ويمكن أن يستشعر حسن أصل الاستشهاد من صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة في المبحث الخامس من مباحث صلاة الميّت ؛ (٢) ، ويستفاد ما ذكرنا من المحقّق لأردبيلي رحمه‌الله أيضاً (٣).

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ١٥ ، ١٦.

(٢) ص ٤٩٣.

(٣) مجمع الفائدة ١ : ١٩٧.

٥٦٦

فمع ملاحظة تلك الصحيحة ينبغي أن يكتب الشهود : «اللهم إنا لا نعلم منه إلّا خيراً وأنت أعلم به منّا» ثمّ يكتبون اسمهم ويختمون بخاتمهم ، ختم الله أُمورنا بالحسنى ، وجعل آخرتنا خيراً من الأُولى ، وجعلنا خيراً ممّا يظن العالمون ، وغفر لنا ما لا يعلمون.

صورة خطّ المصنف رحمه‌الله ، وقد فرغ من ذلك مؤلّفه الفقير إلى الله الدائم ابن الحسن الجيلاني أبو القاسم ، عفا عنهما الخطايا والجرائم ، في بلد المؤمنين قم ، عصر يوم الأربعاء السابع وعشرين من شهر ذي قعدة الحرام من شهور عام ألف ومائتين وست عشرة هجرة خير الأنام عليه أكمل التحية والإكرام ، والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

٥٦٧