غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

رواية معاوية بن شريح (١) ورواية معاوية بن ميسرة (٢).

والظاهر جواز استنابة غير المأمومين هنا أيضاً ، لظاهر صحيحة جميل بن درّاج عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أمّ قوماً على غير وضوء فانصرف وقدّم رجلاً ولم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ، قال : «يذكره من خلفه» (٣) ويقرب منها رواية زرارة (٤).

والمسبوق النائب يومي إلى المأمومين إذا تمّت صلاتهم يميناً وشمالاً ليسلّموا ، ثمّ يقوم فيأتي بما بقي عليه ، والظاهر أنّه أيضاً إجماعيّ ، وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار ، وصحيحة عبد الله بن سنان (٥).

وجعل الشيخ في التهذيب الأحوط العمل بمقتضى رواية طلحة بن زيد من أنّ النائب يقدّم من يسلّم عليهم (٦).

وجوّز في المنتهي بعد القول باستحباب ذلك انتظارهم حتى يفرغ ويسلّم بهم كما في صلاة الخوف (٧) ، والأظهر العمل بمقتضى الصحيحتين.

العشرون : إذا ظهر فسق الإمام أو كفره أو كونه على غير طهور فلا تجب الإعادة على المأموم على المشهور الأقوى ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

وللصحاح المستفيضة وغيرها ، منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٢ ح ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ ح ١٦٧٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤١ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٢ ح ١١٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤١ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٢ ح ١١٩٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٤ ح ١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ح ٧٨٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٢ ح ١١٩٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٤١ ح ١٤٥ ، وانظر الاستبصار ١ : ٤٣٣ ح ١٦٧٣ ، والوسائل ٥ : ٤٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٥.

(٧) المنتهي ١ : ٣٨١.

٢٢١

قال : سألته عن قومٍ صلّى بهم إمامهم وهو غير طاهر ، أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال : «لا إعادة عليهم ، تمّت صلاتهم ، وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع» (١).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم : «ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه كان على غير طهر» (٢).

وفي موثّقة ابن بكير قال : سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ أمّنا في السفر ، وهو جنب ، وقد علم ونحن لا نعلم ، قال لا بأس (٣).

والظاهر أنّ حكم من ظهر أنّه صلّى على غير القبلة أيضاً كذلك ، لصحيحة الحلبي (٤) وحسنته (٥).

ومن الوجوه المتصوّرة في ذلك أنّ المأمومين كانوا قد تحرّوا ولو باعتمادهم على إمامهم والإمام كان قد صلّى بدون التحرّي.

وأما رواية العرزمي الدالّة على أنّ عليّاً عليه‌السلام صلّى مع القوم بلا طهر ثمّ نادى مناديه بالأمر بالإعادة (٦) ، فهي مقدوحة سنداً (٧) ومضموناً ، لعصمته عليه‌السلام.

وفي مقابل المشهور قول السيّد (٨) وابن الجنيد (٩) بوجوب الإعادة استناداً إلى

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٩ ح ١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ح ١٦٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٩ ح ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ح ١٦٦٨ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ ح ١٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ح ١٦٦٧ ، الوسائل ٥ : ٤٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٠ ح ١٤٢ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ح ٧٧١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٤٠ ح ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ ح ١٦٧١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٩.

(٧) لعلّ وجه القدح هو أنّ الرواية في التهذيب والوسائل عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه ، وأبوه مجهول ، ويمكن أن يكون القدح في السند لأجل مخالفتها العصمة فيقطع بعدم صدورها. وقال الشيخ في كتابيه : هذا خبر شاذ مخالف للأخبار كلّها ، وما هذا حكمه لا يعمل عليه ، إلى آخره.

(٨) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٠ مسألة ٩٧.

(٩) نقله عنه في المختلف ٣ : ٧٣.

٢٢٢

وجه ضعيف.

وقول الصدوق بالتفصيل بالإعادة في الإخفاتية دون الجهرية (١). ويظهر من الفقيه أنّ به رواية ، وشذوذها وعدم وضوح سندها يمنع عن العمل بها.

ولو ظهرت الأُمور المذكورة في الأثناء ففيه وجهان مبنيان على القولين ، والوجه العدم ، لما مرّ ، ولصحيحة زرارة.

وإذا كان المأموم مخالفاً للإمام في بعض المسائل الفرعية فهو غير مضرّ في القدوة ، وإن كان يحلّل ما كان فِعله فسقاً عنده ، لأنّ المفروض عدالته.

وأما لو كان ذلك في مسائل الصلاة ، مثل أنّه ترك السورة وهو يوجبها ، أو أنّه يجوّز ترك الجهر في الجهريات ويتركه وهو يوجبه ، والوجه البطلان ، لوجوب الاقتداء بمن يفعل صلاة صحيحة في نفس الأمر ، وظنّ المجتهد قائم مقام الصحّة النفس الأمريّة ، وكذلك الظنّ الحاصل من تقليد المجتهد إذا كان مقلّداً.

ويشكل فيما تخالفا في الوجه وفعلا ، مثل أن يقتدي من يعتقد وجوب الجمعة عيناً بمن يفعلها استحباباً أو بالعكس ، وكذلك الكلام لو اقتدى من يوجب قراءة السورة مع من يقول باستحبابها إذا قرأها في هذه الصلاة ، ولا تبعد الصحّة ، سيّما إذا لم ينو الوجه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٣ ذ. ح ١٢٠٠.

٢٢٣

المقصد الثاني

في منافيات الصلاة

وفيه مباحث :

الأول : لا يجوز قطع الصلاة اختياراً سواء كان بالذات كالإعراض عنها ، أو بالتبع كفعل ما يبطلها مما يجي‌ء.

وعنوان المسألة في كلامهم هنا القسم الأوّل ، والظاهر أنّه إجماعيّ.

ولكن القدر المسلّم الثابت منه هو ما إذا كان في الفرائض كما خصّص الحكم بها العلامة (١) والمتأخّرون عنه (٢) : وما كان لغواً أو لفعل حرام ؛ لا مطلقاً.

ولذلك حكم الشهيدان بجريان الأحكام الخمسة فيه (٣) ، كالقطع لحفظ النفس ونحوها ، ولتدارك الأذان والإقامة ، وقراءة الجمعة لمن نسيها ، ونحوهما ، ولحفظ ما لا مالية فيه كالحبة والحبتين من الحنطة ونحوه ، ولحفظ المال اليسير الذي لا يضرّ فوته

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٨١.

(٢) كالشهيد في الذكرى : ٢١٥ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٨ ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٠٩.

(٣) انظر الذكرى : ٢١٥ ، وروض الجنان : ٣٣٨.

٢٢٤

ونحوه ، ولا يبعد جعل حفظ الحبّة والحبّتين من باب اللغو.

وكيف كان فالقائلون بحرمة القطع قيّدوه بحال الاختيار ، وأما حال الاضطرار مثل أخذ الابق والغريم وقتل الحيّة التي يخافها على نفسه أو غيره فهو مستثنى عندهم كما دلّت عليه صحيحة حمّاد ، عن حريز ، عمّن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام (١) ، وموثّقة سماعة (٢) ، ويمكن (٣) الاستدلال بظاهرهما على حرمة القطع في الجملة.

وأما الاستدلال بقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٤) فهو ضعيف ، لأنّه من باب ضيّق فم الركيّة ، يعني لا تعملوا باطلاً ، ومنه قوله تعالى (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ) (٥) ، أو معناه لا تفعلوا ما يوجب حبطها من الكفر والنفاق والعصيان ، كما يستفاد ممّا رواه في ثواب الأعمال في تفسير الآية (٦) ، ولا مناسبة لهما بالمقام.

وأما إرادة «لا تخرّبوها بعد الشروع فيها بالإعراض عنها أو بفعل ما ينافيها» فهو أبعد المعاني ، إذ المتبادر من الأعمال هي الطاعات المعهودة ، ومن إبطالها هو مع اعتقاد بقائها على وصف العملية ، ومن يريد أن يبدل هذا الشخص منها بشخص

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٧ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ ح ١٠٧٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦١ ، الوسائل ٤ : ١٢٧١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤١ ح ١٠٧١ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ ح ١٣٦٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ٢.

(٣) في «م» : ولكن.

(٤) محمّد : ٣٣.

(٥) البقرة : ٢٦٤.

(٦) ثواب الأعمال المترجم : ٣٢ باب ثواب من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ح ٣. قال رسول الله (ص) : من قال «سبحان الله» غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال.. فقال رجل من قريش : يا رسول الله إنّ شجرنا في الجنّة لكثير ، قال : نعم ، ولكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها ، وذلك أنّ الله عزوجل يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).

٢٢٥

آخر فهو لا يبطل عمله ، بل يبدل هذا بآخر ، فتأمّل بالدقّة وتحقّق.

وأما صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه ، أيصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ قال ، فقال : «إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالاً عن الصلاة فليصلّ وليصبر» (١) فدلالتها أيضاً ممنوعة ، لكون الأمر فيها وارداً في محلّ الحظر.

وكذلك لا دلالة في موثّقة عمّار المانعة عن قتل الحيّة إذا كان بينه وبينها أكثر من خطوة (٢) ، لأنّ الظاهر منها بيان الجواز وعدمه مع البقاء على الصلاة ، وحاصله تحديد الفعل الكثير.

وكذلك الأخبار الدالّة على منع قطع المتيمّم صلاته إذا وجد الماء بين الصلاة (٣) ليست ظاهرة في حرمة القطع من حيث هو قطع.

الثاني : لو أحدث في أثناء الصلاة ، فإن كان ذاكراً للصلاة فيبطل ، سواء كان باختياره أو سَبَقَه بلا اختيار بإجماع أصحابنا ، بل العلماء كافة كما نقلوه (٤).

وقد مرّ الكلام في خصوص التشهّد الأخير ، وأنّ ظاهر الصدوق الإطلاق (٥) ، ولعلّ مراده أيضاً صورة السهو.

وإن كان ساهياً لها ، فالظاهر أنّ بطلان الصلاة به في الجملة أيضاً إجماعيّ ، كما هو ظاهر التذكرة (٦). ولكن يظهر مما نقل عن العلامة في النهاية أنّ الخلاف في صورة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٤ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ ح ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ح ١٣٢٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤١ ح ١٠٧٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٩ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٩٩١ أبواب التيمّم ب ٢١.

(٤) المدارك ٣ : ٤٥٥.

(٥) ص ٤٩ ، وانظر الفقيه ١ : ٢٣٣.

(٦) التذكرة ٣ : ٢٧١.

٢٢٦

سبق الحدث بدون اختيار (١) ، والباقون أطلقوا محلّ النزاع في صورة السهو.

والمخالف هو السيّد والشيخ في بعض أقواله ، فإنّهما قالا : يتطهّر ويبني على ما مضى (٢).

وعن ابن أبي عقيل (٣) والمفيد (٤) وجماعة (٥) التفصيل في المتيمّم وغيره ، فأوجبوا البناء في المتيمّم إذا سبقه الحدث ووجد الماء ، والاستئناف في غيره. والأقوى الأوّل.

لنا : عدم ثبوت التوظيف بمثله من الشارع ، لضعف متمسّك المثبت كما سيجي‌ء ، وأنّ الصلاة مشروطة بالطهارة ، ويجب تلبّسها بها ، فبانتفائها تنتفي الصحّة.

وما قيل : إنّ المفروض وقوع جميع أجزائها بالطهارة فلا تنافي فاصلة انتفائها (٦) ؛ كلام ظاهري ، إذ المستفاد من الشرع انسلاك الأفعال والأذكار في سمط واحد ، فالصلاة هي مجموع الأفعال والأذكار المنسلكة في حبل متّصل هو الزمان الممتد بين التكبير والتسليم ، وقطع ذلك السلك يوجب تفرّق هذا الدرج ، وليست الصلاة محض الأفعال والأذكار فقط حتّى يصحّ ما ذكر.

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار (٧) ، وموثّقة أبي بكر الحضرمي (٨) ، ورواية

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٥١٣.

(٢) نقله عنهما في التذكرة ٣ : ٢٧٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٥١٤ ، والموجود في كتب الشيخ جعله أحد الروايتين مع ترجيح رواية المشهور ، انظر الخلاف ١ : ٤٠٩ مسألة ١٥٧ ، والمبسوط ١ : ١١٧ ، والمعتبر ٢ : ٢٥٠ ، ومفتاح الكرامة ٣ : ٤.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٤١.

(٤) المقنعة : ٦١.

(٥) كالشيخ في النهاية : ٤٨ ، ٩٤ ، والمبسوط ١ : ١١٧ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٥٠ ، والسيّد في المدارك ٣ : ٤٥٩.

(٦) الذخيرة : ٣٥١ ، المدارك ٣ : ٤٥٦.

(٧) التهذيب ١ : ١١ ح ٢٠ ، وص ٢٠٦ ح ٥٩٧ ، الاستبصار ١ : ٨٢ ح ٢٥٨ ، الوسائل ١ : ١٨٤ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ٣٦٤ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ ح ١٠٣٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٠ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٢.

٢٢٧

أبي الصباح الكناني (١) ، ورواية الحسن بن الجهم (٢) المتقدّمات في مبحث التشهّد.

وتؤيّده صحيحة الفضلاء عن الصادق عليه‌السلام ، قال إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء ، إنّما هو بمنزلة النخامة (٣) الحديث.

حجّة القول الثاني : صحيحة الفضيل بن يسار (٤) ، وصحيحة زرارة (٥). وربما يؤيّد برواية أبي سعيد القماط (٦) وبعض الأخبار المتقدّمة في مبحث التشهّد (٧).

والدلالة في الصحيحين كما هو في غاية الوضوح ، لأنّ مفادهما أنه إن اذته بطنه فينصرف ويقضي حاجته ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته ، وهو خلاف المدّعى.

مع أنّ صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في البحث الأوّل تدفعهما ، وكذلك رواية أبي سعيد.

وأما الأخبار المتقدّمة في التشهّد فقد مرّ الكلام فيها.

حجّة التفصيل في المتيمّم وغيره : صحيحتا زرارة ، وفي إحداهما قال ، قلت : في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمّ أصاب الماء ، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي؟ قال : «لا ، ولكنه يمضي في

__________________

(١) التهذيب ١ : ٧ ح ٨ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ح ٢٥٠ ، الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٤ ح ١٤٦٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ ح ١٥٣١ ، الوسائل ٤ : ١٢٤١ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢١ ح ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ح ٣٠٥ ، الوسائل ١ : ١٩٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٠ ح ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ح ١٣٧٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٢ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ح ١٢٩١ ، الوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥٥ ح ١٤٦٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١١.

(٧) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٢ ح ١٥٣٥ ، المحاسن : ٣٢٥ ح ٦٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٢ أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١ ، ٣.

٢٢٨

صلاته ، فيتمّها ولا ينقضها ، لمكان أنّه دخلها وهو على طهور بتيمّم» قال : زرارة ، فقلت له : دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة فأحدث فأصاب ماء ، قال : «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (١).

وقد يناقش فيهما بعدم الدلالة على اختصاص ذلك بالتيمّم ، لأنّ السؤال إنّما وقع عن التيمّم ، مع أنّ الحكم في غيره أولى ، لكون التيمّم أضعف من غيره.

وفيه : أنّهم اعتمدوا في التفصيل بالجمع بين الصحيحين وبين الإطلاقات التي دلّت على البطلان ، لا بنفس الصحيحين.

وربما يوجّه الحديث بأنّ كلمة «أحدث» مبني للمفعول ، أي أُحدِث حدث ووجد سبب وسنح أمر من أمطار السماء ونحوها من أسباب وجود الماء (٢) ؛ ليلائم تفريع إصابة الماء ، وحينئذٍ فلا دلالة فيهما إلّا على التفصيل في مسألة وجدان الماء للمتيمّم بين الصلاة.

وهو بعيد ، لأنّ كلمة الفاء لا تختص بالتفريع. مع أنّ قوله عليه‌السلام «لمكان أنّه دخلها» إلى أخره ينافيه ، مع أنّ الفارق بين الركعة والركعتين في مسألة التيمم لم يعهد منه القول بالبناء.

وربما حملتا على التقيّة (٣) ، وليس ببعيد ، وطريقة الاحتياط واضحة.

الثالث : من تكلّم في صلاته عمداً بغير القرآن والذكر والدعاء فتبطل صلاته إجماعاً ، على ما نقله غير واحد من الأصحاب (٤) ، والأخبار المعتبرة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٨ ح ٢١٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ ح ٥٩٤ ، ٥٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ ح ٥٨٠ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٤ ، وج ٤ : ١٢٤٢ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٢) انظر الوافي ٦ : ٥٦٣.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ١٢٤٣.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٢ مسألة ١٥٤ ، والعلامة في التذكرة ٣ : ٢٧٤ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٥٢ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٦٣.

٢٢٩

بها مستفيضة.

ولكن مورد الإجماع هو ما كان بحرفين فصاعداً ، فإنّ التكلّم بحرف واحد لا يبطل إجماعاً على ما نقله غير واحد (١).

والإجماعان إنّما ثبتا في الجملة ، لحصول الإشكال في المهمل في الأوّل ، والحقّ كونه مبطلاً ، لصدق الكلام عليه ، فيشمله ظاهر الأخبار والإجماعات ؛ وفي مثل التأوّه ، وسيجي‌ء الكلام فيه. ولوجود الإشكال والتردّد في الحرف الواحد المفهم مثل «قِ» و «عِ» ، والحقّ عدم الإشكال ، لصدق الكلام عليه عرفاً واصطلاحاً ، بل لا يبعد إلحاق الحرف المفهم بالقرينة أيضاً ، وإن لم يكن من هذا القبيل.

وأما التكلّم نسياناً فلا يبطل بالإجماع والصحاح المستفيضة ، ولكن تجب عليه سجدتا السهو ، ادّعى عليه في المنتهي اتّفاق الأصحاب (٢) ، ولكنه نسب في المختلف خلافه إلى الصدوقين (٣) ، وكذا الشهيد في الذكرى (٤).

ويدلّ على الأوّل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (٥) ، وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور الاتية في الشكّ بين الاثنين والأربع (٦).

وعلى الثاني صحيحة زرارة (٧) وصحيحة محمّد بن مسلم (٨) ففيهما :

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهي ١ : ٣٠٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٢ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٦٣.

(٢) المنتهي ١ : ٣٠٩.

(٣) المختلف ٢ : ٤٢١ ، وانظر المقنع (الجوامع الفقهية) : ٩.

(٤) الذكرى : ٢١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٦ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ ح ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ح ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١٣ أبواب الخلل ب ٤ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ح ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ح ١٣١٥ ، الوسائل ٥ : ٣٢٣ أبواب الخلل ب ١١ ح ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ١٩١ ح ٧٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ح ١٤٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب الخلل ب ٣ ح ٥.

(٨) التهذيب ٢ : ١٩١ ح ٧٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ ح ١٤٣٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٩ أبواب الخلل ب ٣ ح ٩.

٢٣٠

«لا شي‌ء عليه».

والجمع يقتضي حملهما على نفي الإعادة والإثم.

ولا فرق في ذلك بين من يسهو ويظنّ إتمام الصلاة ويتكلّم وغيره ، وتدلّ عليه صحيحة الأعرج الاتية أيضاً (١).

وأما المكره ففيه وجهان ، لعدم انصراف العمد إليه ، ولا يبعد القول بعدم البطلان ، والاحتياط في الإعادة.

وأما التنحنح فلا يُبطل ، للأصل ، وموثّقة عمّار : إنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسمع صوتاً بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته وأهله لتأتيه ، ويشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لينظر من هو ، قال : «لا بأس به».

وعن الرجل والمرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئاً ، أيجوز لهما أن يقولا سبحان الله؟ قال : «نعم ، ويوميان إلى ما يريدان ، والمرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها وهي في الصلاة» (٢).

ويظهر من هذا الحديث جواز التنبيه بالذكر والدعاء والقران بطريق الأولى ، فيقول للمستأذن (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) والمأموم للإمام الناسي للإخفات (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) ويدلّ على ذلك صحيحة عليّ بن جعفر (٣) وغيرها (٤) أيضاً.

ولعلّه يظهر من تتبّع الأخبار عدم اختصاص الحكم بالأذكار المنصوصة ، ولا الحاجات المنصوصة.

وأما التأوّه ، فيبطل إذا كان تكلّماً بحرفين. وفيما كان من خوف الله وجهان ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ح ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١١ أبواب الخلل ب ٣ ح ١٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٢ ح ١٠٧٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦٣ ، قرب الإسناد : ٩٢ ، مسائل عليّ بن جعفر : ١٨٢ ح ٣٥٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٠ ح ١٤٥٢ ، قرب الإسناد : ٩٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٧.

٢٣١

اختار جوازه المحقّق ، لوصف الخليل بكونه أوّاهاً ، وأنّه منقول عن كثير من الصلحاء (١).

والأولى أن يقال : إنّه من جملة الدعاء ، لأنّه من باب الشكوى عند الله وإظهار الوجع والألم من الخوف ، ويؤيّده وروده في الأدعية ، واندراج ذلك الدعاء في عموم ما جوّز ، فالأظهر الجواز.

وأما الأنين ، فهو مبطل إذا صار تكلّماً بحرفين ، بل الأحوط الاجتناب فيه عن الواحد أيضاً ، لما في رواية طلحة بن زيد (٢) ، وما رواه الصدوق من قوله عليه‌السلام : «من أنّ في صلاته فقد تكلّم» (٣).

والأولى حملهما مع ضعفهما بما تولّد منه حرفان ، وإن جعلنا الحرف المفهم مطلقاً مبطلاً ، فيشكل هذا الحمل أيضاً ، سيّما مع سهولة تركه.

الرابع : لو سلّم عليه مسلّم في الصلاة يجب عليه الردّ نطقاً والظاهر أنّه إجماع أصحابنا ، وعن الشافعي وأحمد ومالك أنّه يردّ بالإشارة برأسه أو بيده ، وعن أبي حنيفة المنع مطلقاً (٤).

لنا : الآية (٥) والأخبار (٦).

فلنقدّم الكلام في معنى الآية وبعض ما يترتّب عليه ، ثمّ نتكلّم في أصل المسألة لما فيها من الفوائد ، فهاهنا مسائل :

الأُولى : فسّر جمهور المفسّرين التحيّة بالسلام ، وذكره أكثر اللغويين أيضاً (٧) ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٥٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٠ ح ١٣٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٢ ح ١٠٢٩ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) المجموع ٤ : ١٠٤ ، والمغني لابن قدامة ١ : ٧١١.

(٥) النساء : ٨٦.

(٦) الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦.

(٧) القاموس المحيط ٤ : ٣٢٣ ، مجمع البحرين ١ : ١١٣ ، لسان العرب ١٢ : ٢٨٩.

٢٣٢

وهو منهم خلط ، لأنّ السلام من مخترعات الشرع ، والتحيّة في الأصل مصدر حيّي يحيي بمعنى الإخبار عن الحياة ، ثمّ استعمل في الدعاء وطلب الحياة ، ثمّ قيل لكلّ دعاء ، وغلب في السلام (١).

وقيل : إنّه العطية ، وفرّع عليه وجوب العوض على المتّهب ، وهو منقول عن الشافعي (٢) ، وهو ضعيف.

وكيف كان فالظاهر من الآية هو السلام ، لأنّه نسخ تحيّة الجاهليّة ، والأصل براءة الذمّة عن وجوب كلّ تحيّة حتى تثبت بدليل ، والاحتياط في غير الصلاة عدم الترك مطلقاً.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عن الصادقين عليهما‌السلام أنّه السلام وغيره من البرّ (٣) وهو يستلزم وجوب ردّ مثل كلّ عطيّة وإحسان بعد حمل ردّها على أقرب مجازاته ، وهو ردّ مثله ليصحّ ردّ نفس الإحسان ، فضلاً عن وجوبه ، وهو باطل.

نعم وردّ في الروايات ما يدلّ على أنّ تسميت العاطس وردّه من التحيّة المذكورة في الآية (٤) ، وكذا الإكرام بمثل طاقة نرجس كما فعلتها جارية للحسن بن عليّ عليه‌السلام وأعتقها في مقابلها (٥).

ولكن ضعف الروايتين وكونهما من تفسيرات البطون يوجب حملهما على الاستحباب.

وربّما يوجّه ما في تفسير عليّ بن إبراهيم بزيادة البرّ والإحسان على السلام (٦)

__________________

(١) المصباح المنير : ١٦٠.

(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي ١٠ : ٢١٥. ولكن الوجوب منقول عن أبي حنيفة ، وانظر تفسير الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٩٨.

(٣) تفسير القمّي ١ : ١٤٥ ، النساء : ٨٦.

(٤) الوسائل ٨ : ٤٦٠ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ، النساء : ٨٦.

(٥) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ١٨ ، تفسير كنز الدقائق ٢ : ٥٥٤.

(٦) في «ح» : المسلم ، بدل السلام.

٢٣٣

، وتدفعه الروايتان المذكورتان : الأُولى في الخصال (١) ، والثانية في المناقب (٢).

قيل : والمراد (بِأَحْسَنَ مِنْها) إذا كان المسلّم مسلماً ، ويردّها إذا كان من أهل الكتاب (٣). والأقوى أنّ المراد بالكلّ المسلمين.

ولا يجب الأحسن في المسلمين ، لظاهر الآية.

وجواب أهل الكتاب هو عليك أو عليكم كما روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وروى : أنّ رجلاً دخل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وعليك السلام ورحمة الله» فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وعليك» فقيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زدت للأوّل والثاني في التحيّة ولم تزد في الثالث ، فقال إنّه لم يبق لي من التحيّة شيئاً ، فرددت عليه مثله (٥).

والظاهر أنّ السلام يصحّ بمثل سلام مرفوعاً وسلاماً منصوباً ، والسلام بحذف الخبر ، وسلامي عليك ، وسلام الله عليك ، ويجب ردّها ، خلافاً لابن إدريس (٦).

وفي قولك «عليك» أو «عليكم السلام» أيضاً خلاف ، والأظهر عدم وجوب الردّ ، وقد روى العامّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله المنع لمن قال عليك السلام ، معلّلاً بأنّه

__________________

(١) الخصال : ٦٣٣ ، الوسائل ٨ : ٤٦٠ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ح ٣.

(٢) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ١٨.

(٣) مجمع البيان ٢ : ١٣٠.

(٤) الكافي ٢ : ٤٧٤ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٤.

(٥) مجمع البيان ٢ : ١٣١.

(٦) السرائر ١ : ٢٣٦.

٢٣٤

تحيّة الموتى ، والأمر بقوله : السلام عليك ، والرد بعليك السلام (١).

الثانية : الأقوى أنّه لا يجب الردّ في غير الصلاة بقوله «عليكم السلام» أو «عليك السلام» للعموم ، وخصوص حسنة إبراهيم بن هاشم (٢).

وقال العلامة : وصيغة الجواب «وعليكم السلام ، وعليك السلام» مع العاطف وبدونه (٣).

الثالثة : وجوب الردّ فوريّ ، للتبادر ، وللفاء ؛ وإن تأمّل بعضهم في دلالتها إذا كانت جزائية.

وتاركه اثم.

وهل يجب أداؤه في ثاني الحال؟ الأظهر لا ، لأنّه كالموقّت يحتاج وجوبه ثانياً إلى دليل كما حقّق في الأُصول ، وقيل : يبقى في ذمّته إلى أن يؤدّيه إليه (٤) ، وهو ضعيف.

الرابعة : يجب إسماع الردّ تحقيقاً أو تقديراً ، ولم ينقلوا فيه خلافاً في غير حال الصلاة ، لأنّه المتبادر من الآية والعرف في التحيّة ، وفي بعض الروايات عليه دلالة أيضاً (٥) ؛ وما دلّ من الروايات على خلافه (٦) فهو محمول على التقيّة.

الخامسة : لو تلاقى اثنان فسلّم كلّ واحدٍ منهما على الأخر يجب على كلّ منهما جواب الأخر ، وهو ظاهر.

والظاهر أنه لو سلّم جماعة على واحد يجوز أن يجيب بجواب واحد على صيغة

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٧٧٤ ح ٥٢٠٩.

(٢) الكافي ٢ : ٤٧٤ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٤.

(٣) المختلف ٢ : ٢٠٣.

(٤) مجمع الفائدة ٣ : ١٢٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ح ١٣٤٩ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤١ ح ١٠٦٤ ، ١٠٦٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ح ١٣٦٥ ، ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٣ ، ٤.

٢٣٥

الجمع ، وكذلك يجوز السلام بصيغة الجمع على الواحد قاصداً معه الملائكة الكاتبين كما ورد في بعض الأخبار (١) ، أو المؤمنين أيضاً.

وعلى هذا فيجوز التسليم على المرأة بصيغة الجمع المذكّر أيضاً ، تغليباً ، وكذلك الجواب.

السادسة : وجوب الردّ كفائي إذا كان المسلّم عليهم جماعة ، للإجماع ، والأخبار (٢) ، وبهما تخصّص العمومات الظاهرة في العينية ، ولا يسقط إلّا برد من كان داخلاً فيهم.

وفي سقوطه بردّ الصبي المميّز إذا كان من جملتهم إشكال ، ولا يبعد السقوط خصوصاً مع القول بكون عبادته شرعيّة كما هو الأظهر ، لعموم موثّقة غياث بن إبراهيم (٣) ، ورواية ابن بكير (٤) ، وفيهما دلالة على إجزاء سلام الواحد أيضاً عن الجماعة كالردّ. وفي ثبوت ردّ سلام الصبي المميّز أيضاً إشكال ، الأظهر الوجوب للعموم.

السابعة : في وجوب ردّ السلام الوارد عليك من وراء الجدار ، أو بواسطة الرسول أو الكتاب ، أو عند المفارقة ؛ إشكال.

الأظهر في الأوّل والآخر الوجوب ، للعموم ، وفي قرب الإسناد رواية تدلّ على استحباب السلام عند المفارقة (٥) ، فلا بأس بمتابعتها.

وفي الكافي رواية صحيحة تدلّ على وجوب ردّ الكتاب ، كوجوب ردّ السلام (٦).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٤٥ أبواب أحكام العشرة ب ٤١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦.

(٣) الكافي ٢ : ٤٧٣ ح ٣ ، الوسائل ٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٢ : ٤٧٣ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٣.

(٥) قرب الإسناد : ٢٢ ، الوسائل : ٤٥٦ أبواب أحكام العشرة ب ٥٢ ح ١.

(٦) الكافي ٢ : ٤٩٢ ح ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٣٧ أبواب أحكام العشرة ب ٣٣ ح ١.

٢٣٦

الثامنة : قيل : يحرم سلام المرأة على الأجنبيّ بناءً على أنّ صوتها عورة (١) ، والأظهر عدمه ، إلّا إذا كان مظنّة الريبة كما أشرنا سابقاً.

ويظهر من ذلك وجوب الردّ عليها لو سلّم عليها أحد.

نعم يكره السلام على الشابّة منهنّ حذراً من الريبة والشهوة كما رواه الكليني في الحسن كالصحيح (٢).

ولو قلنا بحرمة سلام الأجنبي والأجنبية أيضاً فالأظهر وجوب الردّ ، للعموم ، وقال في التذكرة : فلو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس ، فإن كان بينهما زوجية أو محرميّة أو كانت عجوزة خارجة عن مظنّة الفتنة ثبت استحقاق الجواب ، وإلّا فلا (٣).

التاسعة : لا يجوز الابتداء بالسلام على أهل الذمّة إلّا في حال الاضطرار ، ومنه الاحتياج إلى أطبائهم.

ولو سلّم عليه ذمّي ففي وجوب الردّ إشكال ، نعم هو أحوط.

وأمّا الردّ ؛ فقال العلامة رحمه‌الله تقول : هداك الله ، أو أنعم الله صباحك ، أو أطال بقاءك ، ولو ردّ السلام لم يزد في الجواب على قوله : وعليك (٤).

أقول : والمستفاد من الأخبار عدم الاختصاص بأهل الذمّة ، وأنّه لا يجوز ابتداء السلام على الكافر مطلقاً ، إلّا في حال الاضطرار ، وأنّ جوابهم «عليك أو عليكم» مع العطف أو بدونه.

العاشرة : يجب ردّ السلام ولو كان مكروهاً ، كالسلام على من كان في حال الخطبة والحمّام والخلاء وفي حال الصلاة وأمثال ذلك على القول بكراهتها ، وإن قلنا

__________________

(١) انظر الحدائق ٩ : ٨٣.

(٢) الكافي ٢ : ٤٧٣ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٤٥١ أبواب أحكام العشرة ب ٤٨ ح ١.

(٣) نقله عنه في الذخيرة : ٣٦٥.

(٤) نقله عنه في الذخيرة : ٣٦٥.

٢٣٧

بأنّ الكراهة بمعنى المرجوحيّة كما هو الأظهر لا الأقل ثواباً كما ذكره بعض الأصحاب في توجيه مكروه العبادات ؛ للعموم.

الحادي عشر : لو سلّم عليه مسلم في الصلاة فيجب ردّه قطعاً بإجماع أصحابنا كما يظهر من العلامة (١) وغيره (٢) ، ولفظ الجواز المذكور في كلمات علمائنا (٣) إنّما أُريد به المعنى الأعمّ ردّاً على العامّة.

قال في الذكرى : وظاهر الأصحاب مجرّد الجواز للخبرين ، والظاهر أنّهم أرادوا به شرعيته ، ويبقى الوجوب معلوماً من القواعد الشرعيّة (٤).

ولعلّه أراد من القواعد الآية والإجماع والأخبار المطلقة ، وفي بعض الأخبار الخاصّة أيضاً دلالة عليه.

وكيف كان فلا إشكال في وجوب الردّ في الجملة ، إنّما الكلام في مقامات أُخر :

الأوّل : إنّه لا يعتبر في الردّ قصد القرآن ، لظاهر الآية والأخبار (٥) ، ونقل عن ظاهر الشيخ اعتباره (٦) ، وليس بشي‌ء.

الثاني : المشهور أنّه يجب إسماعه ، للتبادر ، وحكم العرف والعادة ، وخصوص رواية ابن القداح (٧).

وظاهر المحقّق في المعتبر (٨) ، والمحقّق الأردبيلي (٩) رحمه‌الله عدم الوجوب ،

__________________

(١) التذكرة ٣ : ٢٨١.

(٢) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٥.

(٣) كما في الشرائع ١ : ٨٢ ، والمنتهى ١ : ٣١٣ ، والرياض ٣ : ٥٢٦.

(٤) الذكرى : ٢١٨.

(٥) الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦.

(٦) المبسوط ١ : ١١٩ ، النهاية : ٩٥ ، ونقله في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٧.

(٧) الكافي ٢ : ٤٧١ ح ٧ ، الوسائل ٨ : ٤٤٣ أبواب أحكام العشرة ب ٣٨ ح ١.

(٨) المعتبر ٢ : ٢٦٤.

(٩) مجمع الفائدة ٣ : ١١٩.

٢٣٨

نظراً إلى صحيحة منصور عن الصادق عليه‌السلام (١) ، وموثّقة عمّار (٢) الدالّتين على إخفاء الردّ ، وهما محمولتان على التقيّة ، وكذلك رواية محمّد بن مسلم (٣).

الثالث : ظاهر الأصحاب وجوب الردّ بالمثل في الصلاة ، وفسّره بعضهم بأنّه إذا قال : «سلام عليكم» لا يجوز الجواب بعليكم السلام ، ونسبه المرتضى إلى الشيعة (٤) ، والمحقّق إلى مذهب الأصحاب (٥).

وذلك لا يستلزم عدم جواز ردّ مثل قوله : «سلام عليك» ب «سلام عليكم» ولا بالعكس إلّا من جهة الأخسّية ، ولا يبعد القول بالجواز في الأوّل ، حملاً للمثل على المثليّة في الأُسلوب.

ويؤيّده أنّ الجواب عن سلام المرأة إذا اعتبر فيه المثلية مطلقاً فكيف يحصل ذلك في إعراب أخره ، والوقف لا يكفي في ذلك ، ولكن ظاهر أخبار كثيرة اعتبار المثليّة في اللفظ (٦) ، وهو أقرب مجازات قوله تعالى (أَوْ رُدُّوها) (٧).

وأما موثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، قال : «يردّ بقول سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام» (٨) الحديث ، فيمكن أنّ يكون الحصر فيها إضافيّاً ، فيوافق ما ذكرنا من القول بالجواز في الأوّل ، وإن احتمل حملها على الغالب من كون السلام بصيغة سلام عليكم.

ومن ذلك يظهر أنّ تعيّن «سلام عليكم» في الجواب كما نقل عن بعض

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤١ ح ١٠٦٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ح ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٠ ح ١٠٦٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦٥ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ ح ١٠٦٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٥.

(٤) الانتصار : ٤٧.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٦٣.

(٦) الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦.

(٧) النساء : ٨٦.

(٨) الكافي ٣ : ٣٦٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٨ ح ١٣٤٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.

٢٣٩

الأصحاب (١) لا وجه له ، ويمكن حمل سائر الأخبار أيضاً على الحصر الإضافي بالنظر إلى تقديم الظرف.

وكيف كان فالظاهر عدم جواز تقديم الظرف في الجواب ، ولم يظهر مخالف في ذلك إلّا ظاهر كلام ابن إدريس حيث قال : إذا كان المسلّم عليه قال له : سلام عليكم أو سلام عليك أو السلام عليك أو عليكم السلام فله أن يردّ بأيّ هذه الألفاظ ، لأنّه ردّ سلام مأمور به ، قال : فإن سلّم بغير ما بيّناه فلا يجوز للمصلّي الردّ عليه (٢) ، انتهى.

بل الأحوط الاقتصار بنفس لفظ المسلّم من دون تغيير ، حتّى بالجمع والإفراد ، والتعريف والتنكير. ويشكل الأمر في جواب المرأة في الإعراب ، فيستثنى ذلك للضرورة.

ومما ذكرنا يظهر الإشكال في جواز الردّ بالأحسن وإن وافق سوق السلام ، مثل أن يزيد في جواب سلام عليكم قوله «ورحمة الله وبركاته» والأحوط الاجتناب ، وإن كان لا يبعد القول بالجواز ، كما نقل عن بعض محقّقي الأصحاب (٣) ، لعموم الآية.

ولو قال المسلم : عليكم السلام ، فالأظهر عدم وجوب الردّ ، بل وعدم جوازه أيضاً كما هو مذهب المحقّق ، إلّا إذا قصد الدعاء وكان مستحقّاً له (٤) ، وتردّد العلامة في الجواز (٥).

وعلى القول بالجواز فهل يجب أم لا؟ وعلى القول بالوجوب فهل يجوز بالمثل

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٣٥٥.

(٢) السرائر ١ : ٢٣٦.

(٣) المدارك ٣ : ٤٧٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٦٤.

(٥) المنتهي ١ : ٣١٤.

٢٤٠