غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

الولاية للنساء على الرجال والنساء أيضاً ، فإن الحديثين في مقام بيان مجرد الولاية لا المباشرة.

ويبقى الإشكال في تحقيق معنى «الأولى» : أنّه هل هو الأولى المستفاد من أية أُولي الأرحام ، أو الأولى العرفيّ وأنّ الآية لا تثبت إلّا تقديم جنس اولي الرحم على غيره ، لا تقديم بعضهم على بعضهم ، إلّا على سبيل التنبيه بالعلّة كما أشرنا ، والاعتماد عليه مشكل.

إلّا أن يقال : لما كان الرحم الأولى في الآية مبيّناً بالسنّة بمن يرث ، فتحمل الروايتان أيضاً على الآية مع ملاحظة البيان.

وفيه : أنّ البيان إنّما هو بالنسبة إلى الميراث ، وأما في مثل الغسل فلا بيان ، فلم يبق المناص للجماعة في تفسيرهم بالأولى بالميراث إلّا الرجوع إلى العلّة المشار إليها ، ولا يبعد الاعتماد عليها منضمّاً إلى فتوى الجماعة ، فإنّ مجموع ذلك يفيد ظنّاً بالمقصود ، ولا مناص لنا عن العمل بالظنّ.

وأما تعيين الرجال لو اختلفوا رجالاً ونساءً فمشكل ، إلّا أن يقال : الأولوية في هذا العمل إنّما هي للرجال ، لكونهم قوّامين بهذا الأمر وبمعرفة حال النساء وتمشية الأمر غالباً.

وذكر جماعة من الأصحاب : أنّه لو لم يكن وليّ فالإمام وليّه مع حضوره ، ومع غيبته فالحاكم ، ومع عدمه فالمسلمون (١).

والزوج أولى بالزوجة في كلّ أحكامها ، لرواية إسحاق بن عمّار (٢) ، وادّعى المحقّق في المعتبر الاتفاق على مضمونها (٣) ، وفي معناها رواية

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ح ٩٤٩ ، الوسائل ٢ : ٧١٥ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ٩ ، قال : الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها ، وفي طريقها سهل ومحمّد بن أورمة.

(٣) المعتبر ١ : ٢٦٤.

٣٨١

أبي بصير (١) وغيرها (٢).

فلا تعارض بها رواية حفص بن البختري (٣) وإن كانت صحيحة ، لشذوذها ، وربما حملت على التقية (٤).

وإطلاق الروايات (٥) يشمل الدائمة والمنقطعة ، والحرّة والأمة.

وفي مباشرة تغسيل كلّ من الزوجين للاخر أقوال ، فعن جماعة كالسيّد في شرح الرسالة (٦) وابن الجنيد (٧) والجعفي (٨) والشيخ في الخلاف والمبسوط (٩) وجماعة من المتأخّرين (١٠) جواز ذلك اختياراً مطلقاً ، لصحيحة عبد الله بن سنان (١١) ، وصحيحة منصور (١٢) ، وحسنة محمّد بن مسلم (١٣).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٩ ح ١٤٢٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٧٠١ ، الوسائل ٢ : ٧١٦ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ١٤ ، وفيها : يغسل الزوج امرأته في السفر ، والمرأة زوجها إذا لم يكن معهم رجال. وفي طريقها القاسم بن محمّد الجوهري ، وعلي بن أبي حمزة البطائني.

(٢) الوسائل ٢ : ٧١٣ أبواب غسل الميّت ب ٢٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ ح ١٨٨٥ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٤ ، وفيها : المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها ، أيّهما يصلّي عليها؟ فقال : أخوها أحقّ بالصلاة عليها.

(٤) كما في التهذيب ٣ : ٢٠٥.

(٥) الوسائل ٢ : ٧١٣ أبواب غسل الميّت ب ٢٤.

(٦) نقله عن السيّد في المعتبر ١ : ٣٢٠ ، والذكرى : ٣٨.

(٧) نقله عنه في الذكرى : ٣٨.

(٨) نقله عنه في الذكرى : ٣٨.

(٩) الخلاف ١ : ٦٩٨ مسألة ٤٨٦ ، المبسوط ١ : ١٧٥.

(١٠) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٣٢٠ ، والعلامة في نهاية الإحكام ٢ : ٢٢٩ ، والشهيد في الذكرى : ٣٨ ، وصاحب المدارك ٢ : ٦١.

(١١) الكافي ٣ : ١٥٧ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٨٦ ح ٤٠١ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ ح ١٤١٧ ، الاستبصار ١ : ١٩٨ ح ٦٩٨ ، الوسائل ٢ : ٧١٣ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ١.

(١٢) الكافي ٣ : ١٥٨ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ ح ١٤١٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٦٩٩ ، الوسائل ٢ : ٧٠٥ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ١.

(١٣) الكافي ٣ : ١٥٨ ح ١١ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ ح ١٤١٩ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٧٠٠ ، الوسائل ٢ : ٧١٤ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ٤.

٣٨٢

وعن اخرى كالشيخ في النهاية (١) وابن زهرة (٢) وجماعة من المتأخّرين (٣) اشتراط ذلك بكونه من وراء الثياب ، لتقييد ما تقدّم بأخبار أُخر ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم (٤) ، وصحيحة أبي الصباح (٥) ، وحسنة الحلبي (٦) وغيرها (٧) ، ونسبه في المسالك إلى المشهور (٨) ، ولعلّه أراد المشهور في الأخبار كما صرّح به في الذكرى (٩).

وذهب الشيخ في التهذيبين إلى عدم الجواز حال الاختيار (١٠) ، لرواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال لا يغسل الرجل المرأة إلّا أن لا يوجد امرأة (١١) وهي ضعيفة (١٢) ، ومع ذلك فنخصّصها بما تقدّم.

والأقوى الأوّل.

وتحمل الأخبار المفصّلة على الاستحباب ، لأنّ ما دلّ على الجواز كالصريح في الجواز بدون الثوب ، فليس من باب المطلق والمقيّد ، مع أنّها موافقة للأصل والعمومات ونفي الحرج ، سيّما وفي المقيدات اختلال واختلاف شديد يوجب

__________________

(١) النهاية : ٤٣.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٦٣.

(٣) كابن إدريس في السرائر ١ : ١٦٨ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٤٣٧ ، والمختلف ١ : ٤٠٨.

(٤) الكافي ٣ : ١٥٧ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٨ ح ١٤١١ ، الاستبصار ١ : ١٩٦ ح ٦٩٠ ، الوسائل ٢ : ٧١٤ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٤٣٨ ح ١٤١٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٧ ح ٦٩٣ ، الوسائل ٢ : ٧١٦ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ١٢.

(٦) الكافي ٣ : ١٥٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٧ ح ١٤١٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٦ ح ٦٨٩ ، الوسائل ٢ : ٧١٤ أبواب غسل الميّت ب ٢٤ ح ٣.

(٧) الوسائل ٢ : ٧١٣ أبواب غسل الميّت ب ٢٤.

(٨) المسالك ١ : ٨١.

(٩) الذكرى : ٣٨.

(١٠) التهذيب ١ : ٤٣٨ ذ. ح ١٤١٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٧ ذ. ح ٦٩٤.

(١١) التهذيب ١ : ٤٤٠ ح ١٤٢١ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٧٠٢ ، الوسائل ٢ : ٧٠٧ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ١٠.

(١٢) لأنّ في طريقها محمّد بن سنان وهو ضعيف ، وأبا خالد وهو مهمل (انظر معجم رجال الحديث رقم ١٠٩٠٩ ، ١٤١٩٠).

٣٨٣

وهنها ، ولا يستفاد منها أزيد من الاستحباب.

وإطلاق الأدلّة يشمل الدائمة والمنقطعة والحرّة والأمة.

قالوا : والمطلّقة رجعية زوجة ، بخلاف البائنة (١) والظاهر أنّه لا خلاف فيه.

وتدلّ عليه الروايات ، مثل ما ورد في أخبار الرجعية أنّها امرأته ما لم تنقض عدّتها (٢)

وما ورد في أخبار موت المطلّقة رجعية أنّها لم تحرم عليه ولا يحرم عليها لأنّها ترثه ويرثها (٣).

ولما ورد من الأخبار الدالّة على الإرث (٤) ، ولا وجه لها إلّا الزوجية.

قال في الذكرى : ولا عبرة بانقضاء عدّة المرأة عندنا ، بل لو نكحت جاز لها تغسيله وإن كان الفرض بعيداً عندنا (٥). وهو كذلك.

ويجوز للمولى تغسيل الأمة.

وأما العكس فقيل : لا ؛ لانتقالها إلى ملك غيره (٦).

وقيل : يجوز ؛ للاستصحاب (٧) ، وليس ببعيد.

وقيل : لا يجوز إلّا في أُمّ الولد (٨) ، لرواية إسحاق بن عمّار في إيصاء عليّ بن الحسين عليه‌السلام أن تغسله أُمّ ولده (٩).

__________________

(١) الذكرى : ٣٩.

(٢) الوسائل ١٥ : ٤٧٩ أبواب العدد ب ٤٧.

(٣) الوسائل ١٥ : ٤٦٣ أبواب العدد ب ٣٦.

(٤) الوسائل ١٥ : ٤٦٣.

(٥) الذكرى : ٤٠.

(٦) المدارك ٢ : ٦٣.

(٧) الذخيرة : ٨٢.

(٨) جامع المقاصد ١ : ٣٦٠.

(٩) التهذيب ١ : ٤٤٤ ح ١٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٠ ح ٧٠٤ ، الوسائل ٢ : ٧١٧ أبواب غسل الميّت ب ٢٥ ح ١.

٣٨٤

الثاني : يجب أن يكون المغسّل للمسلم مسلماً.

وإذا لم يوجد مسلم مماثل ولا ذو رحم ، فالمشهور أنّ الكافر والكافرة يباشران غسل المسلم والمسلمة بعد أن يغتسلا ، لموثّقة عمّار (١) ، ورواية عمرو بن خالد (٢).

قال في الذكرى : ولا أعلم مخالفاً لهذا من الأصحاب سوى المحقّق في المعتبر محتجّاً بتعذّر النيّة من الكافر مع ضعف السند (٣) ، وجوابه منع النيّة ههنا ، أو الاكتفاء بنية الكافر كالعتق منه ، والضعف العمل يجبره ، إلى أن قال : وللتوقّف فيه مجال ، لنجاسة الكافر في المشهور ، فكيف يفيد غيره الطهارة (٤).

أقول : رواية عمّار موثّقة منقولة في كتب المشايخ الثلاثة ، والأُخرى أيضاً قويّة ، فلا وجه لتضعيف السند ، سيّما مع اعتضادها بالعمل ، لكنهما لا تدلان إلّا على مباشرة النصراني أو أهل الكتاب لا مطلق الكافر ، ولكنهم عمّموا.

ولا بدّ للعامل بالخبرين التزام عدم لزوم النيّة والاكتفاء بصورة الغسل ، لا لأن غسل الميت لا يحتاج إليها كما قيل لما سيجي‌ء ، ولا للاكتفاء بنية الكافر كالعتق ، لعدم اعتقاده الأمر به لو فرض اعتقاده بالله أيضاً ، فلا يتحقّق الامتثال عرفاً.

وكذلك لا بدّ أن يلتزم عدم لزوم الطهارة حينئذٍ ؛ فتكون الروايتان مخصّصتين لتلك القواعد.

والقول «بأنّ الأمر بالغسل لا يستلزم المباشرة للماء والبدن فيجمع بينهما وبين

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ ح ٤٣٦ ـ ٤٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ح ٩٩٧ ، الوسائل ٢ : ٧٠٤ أبواب غسل الميّت ب ١٩ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٢ ح ١٤٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠٣ ح ٧١٨ ، الوسائل ٢ : ٧١٠ أبواب غسل الميّت ب ٢٢ ح ٤.

(٣) المعتبر ١ : ٣٢٦ ، وضعف سند الاولى باشتماله على بعض الفطحيّة على مبنى المحقّق ، والثانية باشتماله على بعض العامّة كالحسين بن علوان ، وبعض الزيدية كالراوي على مبناه ، وإلّا فالكلّ ثقات.

(٤) الذكرى : ٣٩.

٣٨٥

اشتراط الطهارة» بعيد ، لعدم الانفكاك غالباً ، فتدل عليه الرواية بالتبع.

وكذا القول بأنّ المسلم والمسلمة يأمران الكافر بذلك فيكون الكافر كالالة والنية عليهما ، لخلوّ الرواية (١) عنه ، إلّا أن يقال بأنّ المقام يدلّ عليه. ولكن يبقى إشكال ظهور المباشرة للماء والبدن.

والقول «بأنّه مبني على طهارة أهل الكتاب وحملها على التقيّة لذلك أيضاً» بعيد ، لضعف الأوّل ، ولمنافاته الشهرة بين الأصحاب ، سيّما بعنوان الكافر.

وبالجملة المسألة من المشكلات ، ولا يخلو المشهور عن قوّة ، فعليك بالأخذ بمجامع الاحتياط.

وهل تجب الإعادة لو وجد من يجوز له تغسيله من المسلمين؟ فيه قولان مبنيان على مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء ، وقد مرّ مراراً.

ولا يبعد السقوط ، لعدم دلالة الأدلّة إلّا على المطلقة ، وقد سقطت بالمطلقة الأُخرى ، ولم يثبت كون التكليف الأوّل مقيّداً بالدوام ما لم يمنع مانع.

الثالث : تشترط المماثلة في الذكورة والأُنوثة إلّا في مواضع :

الأوّل : المحارم عند الأكثر (٢) إذا تعذّر المماثل من وراء الثياب ، لموثّقة عمّار (٣) ، وموثّقة سماعة (٤) ، ورواية عمرو بن خالد (٥) ، إلّا أن في رواية عمرو بن خالد :

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ ح ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ح ٩٩٧.

(٢) منهم المحقّق في الشرائع ١ : ٢٩ ، والمعتبر ١ : ٣٢٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣٥٩ ، والمنتهى ١ : ٤٣٧ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٤٠٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٩ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ ح ٤٣٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ح ٩٩٧ ، الوسائل ٢ : ٧٠٦ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٩٤ ح ٤٣٤ ، التهذيب ١ : ٤٤٤ ح ١٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٠٤ ح ٧٢٠ ، الوسائل ٢ : ٧٠٧ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ٩.

(٥) التهذيب ١ : ٤٤١ ح ١٤٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٠١ ح ٧١١ ، الوسائل ٢ : ٧٠٧ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ٨.

٣٨٦

«يؤزّرنه ويصببن عليه الماء صبّاً ، ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه» وهو ظاهر في الاكتفاء بستر العورة.

وعند جماعة مع وجوده أيضاً (١) ، واستدلّ عليه بصحيحة منصور (٢) ، وحسنة الحلبي (٣) ، وحسنة عبد الله بن سنان.

وفي دلالتها تأمّل ، سيّما الأخيرة ، لقوله عليه‌السلام وإن لم تكن امرأته معه غسّلته أولاهن به ، وتلفّ على يديها خرقة (٤).

واختار صاحب المدارك جوازه مطلقاً (٥) ، يعني مجرّداً في حال الاختيار ، لصحيحة منصور ودلالتها على التجرد مع ستر العورة واضحة ، وعلى الاختيار خفيّة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسّلها؟ قال : «نعم ، وأُمّه وأُخته ونحو هذا ، يلقي على عورتها خرقة» (٦).

قال في الذخيرة : إنه لم يجد القول بجواز التجريد إلّا في المدارك (٧).

أقول : والقول به قويّ ، إلّا أنّ الأول أحوط.

والمراد بالمحارم هنا : من يحرم نكاحها مؤبّداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، فخرجت أُخت الزوجة وبنت غير المدخول بها.

__________________

(١) النهاية ونكتها ١ : ٢٥٥ ، السرائر ١ : ١٦٨ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٣١ ، رياض المسائل ٢ : ٢٥٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٨ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ ح ١٤١٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٦٩٩ ، الوسائل ٢ : ٧٠٥ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٧ ح ١٤١٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٦ ح ٦٨٩ ، الوسائل ٢ : ٧٠٥ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٤ ح ١٤٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٩٨ ح ٦٩٦ ، الوسائل ٢ : ٧٠٦ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ٦.

(٥) المدارك ٢ : ٦٥.

(٦) الكافي ٣ : ١٥٨ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ ح ١٤١٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٦٩٩ ، الوسائل ٢ : ٧٠٥ أبواب غسل الميّت ب ٢٠ ح ١.

(٧) الذخيرة : ٨٢.

٣٨٧

والظاهر أنّ المراد من الثوب هنا ما يستر البدن متعارفاً ، فلا يضرّ خروج الرأس والكفّين والقدمين كما يظهر من الأخبار (١).

فإن لم يوجد محرم أيضاً فالمشهور أنها لا تغسّل ، وادّعى عليه الإجماع في المعتبر ، وقطع بسقوط التيمّم أيضاً (٢) ، وكذا الشيخ في عدّة من كتبه (٣).

وعن التذكرة : قال علماؤنا : تدفن بغير غسل ولا تيمّم (٤).

وعن المفيد وجوب الغسل من وراء الثياب (٥).

وعن أبي الصلاح وابن زهرة (٦) اشتراط تغميض العينين.

والأوّل أقوى ، للروايات الكثيرة ، منها صحيحة الحلبي (٧) ، وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور (٨) ، وصحيحة أبي الصباح الكناني (٩) ، وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١٠) وغيرها (١١).

وفي مقابلها روايات بعضها يدلّ على صبّ الماء عليها فوق الثياب (١٢) ، وبعضها

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٠٥ أبواب غسل الميّت ب ٢٠.

(٢) المعتبر ١ : ٣٢٣.

(٣) النهاية : ٤٢ ، المبسوط ١ : ١٧٥ ، الخلاف ١ : ٦٩٨.

(٤) التذكرة ١ : ٣٦٠.

(٥) المقنعة : ٨٧. ونقله عنه في الذكرى : ٣٩.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٣.

(٧) الفقيه ١ : ٩٤ ح ٤٣٠ ، التهذيب ١ : ٤٤٠ ح ١٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ح ٧٠٦ ، الوسائل ٢ : ٧٠٨ أبواب غسل الميّت ب ٢١ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ٩٤ ح ٤٢٩ ، التهذيب ١ : ٤٤١ ح ١٤٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠١ ح ٧٠٧ ، الوسائل ٢ : ٧٠٨ أبواب غسل الميّت ب ٢١ ح ٢.

(٩) التهذيب ١ : ٤٣٨ ح ١٤١٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠١ ح ٧٠٩ ، الوسائل ٢ : ٧٠٩ أبواب غسل الميّت ب ٢١ ح ٤.

(١٠) التهذيب ١ : ٤٤١ ح ١٤٢٥ ، الوسائل ٢ : ٧٠٩ أبواب غسل الميّت ب ٢١ ح ٣.

(١١) الوسائل ٢ : ٧٠٨ أبواب غسل الميّت ب ٢٠.

(١٢) التهذيب ١ : ٤٤٢ ح ١٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٢ ح ٧١٢ ، الوسائل ٢ : ٧١١ أبواب غسل الميّت ب ٢٢ ح ٥.

٣٨٨

على غسل وجهها وكفّيها (١) ، وبعضها على التيمّم (٢) ، وبعضها على غير ذلك ، وكلّها ضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرناه.

ويشكل حملها على الاستحباب (٣) ، لدوران الأمر بينه وبين الحرمة.

الثاني : الخنثى المشكل تغسّله محارمه ، لعدم إمكان الوقوف على المماثل ، وتجي‌ء فيه الأقوال المتقدّمة.

ويشكل الأمر مع فقد المحارم. وعلى قول المفيد يغسّل من وراء الثياب بطريق الأولى.

وعن ابن البراج لا يغسّله رجل ولا امرأة ، ويُيمّم (٤).

وعن ابن الجنيد تغسّله أمته (٥).

قال في الذكرى : ولو قيل بعدّ الأضلاع والقرعة ، فلا إشكال (٦).

الثالث : يجوز تغسيل ابن ثلاث سنين فما دون للمرأة مجرداً وبالعكس عند جماعة مطلقاً ، وقيّده الشيخ في النهاية (٧) بعدم المماثل.

وعن المفيد (٨) وسلّار (٩) أنّ النساء يغسّلن ابن خمس سنين مجرداً ، وفوقها من فوق الثياب.

وجوّز الصدوق تغسيل بنت أقلّ من خمس سنين مجردة (١٠).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٢ ح ١٤٢٩ ، الاستبصار ١ : ٢٠٢ ح ٧١٤ ، الوسائل ٢ : ٧٠٩ أبواب غسل الميّت ب ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٧٠٩ أبواب غسل الميّت ب ٢٢.

(٣) كما في التهذيب ١ : ٤٤٢.

(٤) المهذّب ١ : ٥٦.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٤٠.

(٦) الذكرى : ٤٠.

(٧) النهاية : ٤٢.

(٨) المقنعة : ٨٧.

(٩) المراسم : ٥٠.

(١٠) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٦.

٣٨٩

ومنع في المعتبر (١) تغسيل الرجل للصبية مطلقاً ، وجوز للمرأة تغسيل ابن ثلاث سنين مطلقاً ، نظراً إلى إذن الشارع في اطلاع النساء على الصبيّ ، لافتقاره إليهنّ للتربية ، بخلاف الصبيّة ، والأصل حرمة النظر.

وعن العلامة في النهاية والمنتهى والتذكرة إجماعنا على تغسيل الرجل الصبيّة (٢).

والأخبار في المسألة ثلاثة :

الأُولى : رواية أبي النمير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام حدّثني عن الصبيّ إلى كمّ تغسّله النساء؟ فقال : «إلى ثلاث سنين» (٣).

وظاهر الرواية أنّه يجوز مع إكمال الثلاث ، فلا وجه لتقييده بما دون الثلاث كما في الشرائع (٤) ، ولعلّه نظر إلى خروج الغاية عن المغيّا ، وهو بعيد. والظاهر أن منتهى الحدّ هو الموت ، لا الغسل كما توهّم.

والثانية : ما رواه الشيخ ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : روي في الجارية تموت مع الرجل ، فقال : «إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ستّ سنين دفنت ولم تغسل» (٥) وفي الذكرى : عن ابن طاوس أنّ لفظة أقلّ وهم (٦).

قال الصدوق : ذكر شيخنا محمّد بن الحسن في جامعه في الجارية تموت مع الرجال في السفر قال : «إذا كانت أكثر من خمس سنين أو ستّ دفنت ولم تغسل ، وإن كانت بنت أقلّ من خمس سنين غسلت» قال : وذكر عن الحلبي حديثاً في معناه

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٤.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٢٣١ ، المنتهي ١ : ٤٣٦ ، التذكرة ١ : ٣٦٨.

(٣) الكافي : ١٦٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ ح ٤٣١ ، التهذيب ١ : ٣٤١ ح ٩٩٨ ، الوسائل ٢ : ٧١٢ أبواب غسل الميّت ب ٢٣ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ٢٩.

(٥) التهذيب ١ : ٣٤١ ح ٩٩٩ ، الوسائل ٢ : ٧١٣ أبواب غسل الميّت ب ٢٣ ح ٣.

(٦) الذكرى : ٣٩.

٣٩٠

عن الصادق عليه‌السلام (١).

وقال في الذكرى : وأسند الصدوق في كتاب المدينة ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وكيف كان فلا ريب في الجواز في الثلاث سنين وما دون مطلقاً.

ولا يبعد ترجيح الجواز فيما دون ستّ سنين أيضاً ، للأصل ، والعمومات ، وعدم ظهور عمومات المنع عن النظر واللمس فيه كما ذكره المحقّق (٣) ، وعدم حصول الشهوة فيه غالباً ، نعم لو فرضت الشهوة فيمنع.

الرابع : المشهور وجوب الغسل لكلّ مسلم ، عدا الخوارج ، والنواصب ، والغلاة ، وكلّ من أنكر ما ثبت من الدين ضرورة وبالجملة من يحكم بكفره ، وعدّ منهم المجسّمة.

وذهب المفيد إلى حرمة تغسيل المخالف على المؤمن إلّا لضرورة فيغسله غسل أهل الخلاف (٤) ، واستدلّ له الشيخ بأنّه كافر ولا يجوز غسل الكافر بالإجماع (٥).

وقال في الذكرى : وشرط سلّار في الغسل اعتقاد الميّت للحق (٦) ، قال : ويلزمه ذلك في الصلاة (٧).

وعن ابن البرّاج : لا يغسل المخالف إلّا لتقيّة (٨) ، وهو المنقول عن ظاهر

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٤ ح ٤٣٢ ، الوسائل ٢ : ٧١٣ أبواب غسل الميّت ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الذكرى : ٣٩.

(٣) المعتبر ١ : ٣٢٤.

(٤) المقنعة : ٨٥.

(٥) التهذيب ١ : ٣٣٥.

(٦) المراسم : ٤٥.

(٧) الذكرى : ٥٤.

(٨) المهذّب ١ : ٥٦.

٣٩١

ابن إدريس (١) ، والظاهر أنّ هذا هو مذهب أبي الصلاح أيضاً (٢) ، حيث لم يجوّز

الصلاة على منكر الإمامة كما سيجي‌ء ، ويلزم ابن إدريس ذلك أيضاً من جهة منعه عن الصلاة عليهم محتجّاً بكفرهم.

ثمّ حكم جمهور الأصحاب بكراهة غسل المخالف على المؤمن ، والظاهر أنّ مرادهم مع وجود المخالف.

ولم نقف على ما يدلّ على وجوب غسل مطلق المسلم ، إلّا ما ذكره في الذكرى من قول الصادق عليه‌السلام اغسل كلّ الموتى إلّا من قتل بين الصفّين (٣).

ولعلّ هذه الرواية هي رواية أبي خالد قال ، قال : «اغسل كلّ الموتى ، الغريق وأكيل السبع وكلّ شي‌ء إلّا ما قتل بين الصفّين» (٤) الحديث ، وهي مع ضعفها لا عموم فيها كما لا يخفى على المتدبّر.

نعم يظهر من المنتهي دعوى الإجماع على وجوب غسل كلّ مسلم عدا ما استثني (٥) وهو مشكل.

فإذا لم يثبت الدليل على الوجوب فلا دليل على الجواز ، فيقوى قول المفيد ، لعدم الدليل ، لا لما ذكره الشيخ ، لظهور المنع.

وتوجيه المحقّق الأردبيلي (٦) ـ رحمه‌الله ـ للإجماع «بأنّ مخالفة المفيد إنّما هي لأنّه لا يعتقد إسلامهم (٧)» لا ينفع في دفع خروجه عن المجمعين وفي إثبات الإجماع

__________________

(١) السرائر ١ : ١٥٨ ، ٣٥٦.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٧.

(٣) الذكرى : ٤٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ ح ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٣.

(٥) المنتهي ١ : ٤٣٥.

(٦) مجمع الفائدة ١ : ١٧٢.

(٧) المقنعة : ٨٥.

٣٩٢

على الوجوب لكلّ مسلم كما لا يخفى على المتأمّل.

وههنا إشكال آخر : وهو أنّ عموم تكليف المكلّفين بغسل كلّ المسلمين بعنوان الوجوب الكفائي لو ثبت برواية أو إجماع فهو يقتضي التكليف بالغسل الصحيح ، وهو يقتضي كون المؤمنين مكلّفين بالغسل الصحيح إن لم يمنعهم مانع من خوف أو تقيّة ، مع أنّهم قالوا إنّهم يغسّلونهم بطريقتهم مطلقاً مع الإمكان ، وأيضاً حكمهم بالكراهة للمؤمنين مع وجود المخالف مطلقاً ينافي ذلك.

فوجوب تغسيل المخالف على المؤمن إن كان من جهة ذلك العموم فهو لا يلائم هذا التفصيل ، ويقتضي وجوب الغسل الصحيح إن أمكن ، لأنّه هو المكلّف به ، وإن غسّله المخالف أيضاً ، لأن عبادتهم باطلة كما حقّق في محلّه (١).

وإن كان الدليل شيئاً آخر فلا بدّ من بيانه ، ولم نقف عليه.

وإن استدلّ بما اشتهر من قولهم عليهم‌السلام ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم (٢) فنقول : النسبة بينه وبين عموم الغسل عموم من وجه ، ولا وجه لترجيح الأخير.

مع أنّه لا معنى لتخصيص وجوب الغسل الصحيح بجواز الغسل الفاسد ، بل المناسب عدم وجوب الغسل الصحيح ، وليس معناه وجوب الغسل الغير الصحيح ، لعدم انفكاك الجنس عن الفصل عند التحقيق ، وليس معنى قولهم عليهم‌السلام : «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» غسّلوا موتاهم مطلقاً كما لا يخفى. والأمر بالصلاة عليهم كما سيجي‌ء لا يستلزم وجوب الغسل كما لا يخفى.

وبالجملة كلام الأصحاب في المسألة غير محرّر ، والأظهر عدم وجوب الغسل ، وإن كان الأحوط متابعة الأصحاب.

بقي الكلام في استثناء المذكورات ، والتحقيق أنّ من يُحكم بكفره منهم

__________________

(١) القوانين : ٤٨.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٢٢ ح ١١٥٦ ، الاستبصار ٤ : ١٤٨ ح ٥٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٨٥ أبواب ميراث الإخوة ب ٤ ح ٥ بتفاوت.

٣٩٣

لا إشكال في عدم جواز تغسيله وإن كان رحماً أو زوجاً ، لعدم الدليل ، بل الدليل على العدم ، للإجماع ، وخصوص الأخبار في بعض أقسام الكفّار ، مثل النصارى (١) ، وظواهر بعض الآيات.

ولكن الإشكال في حقيقة الكفر ، فإنّهم عدّوا من جملة ذلك المجسّمة ، وفي الحكم بكفرهم مطلقاً إشكال كما أشرنا إليه في مباحث النجاسات.

وبعد تسليم كفرهم ففي شمول الإجماع الذي نقلوه لهم منع ؛ كما منعنا ذلك في نجاستهم ، فإنّهم مع أنّهم قد ادّعوا الإجماع على نجاسة الكافر مطلقاً اختلفوا في نجاسة أهل الكتاب والمجسّمة ثانياً ، فظهر أنّ دعوى الإجماع إنّما هي في الجملة.

والكلام في تحقيق منكر الضروري أيضاً لا يخلو عن غموض وإشكال ، وكذا تعيين ما يفيد إنكاره الكفر ، وأنّ المعتبر في الضرورة هل هي الضرورة بالنسبة إلى المنكر أو بالنسبة إلى المجتهد ، وهل يكفي فيه ظنّ المجتهد بأنّه ضروري وظنّه بأنّ المنكر أنكره مع كونه ضرورياً عنده ، أو يجب العلم به ، والظاهر الأخير ، وقد حقّقنا المقام في القوانين المحكمة.

ثمّ إنّهم ألحقوا بالمسلم الطفل المتولّد منه ، والمجنون ، ولقيط دار الإسلام.

وقد يلحق به لقيط دار الكفر إذا أمكن تولّده من مسلم ، وفيه نظر.

والكلام في تبعيّة مسبيّ المسلم له يظهر مما قدّمناه في كتاب الطهارة.

وفي الطفل المتولّد من الزنا إشكال ، والأظهر العدم.

والظاهر أنّ البغاة لا يجوز غسلهم وكفنهم والصلاة عليهم لكفرهم ، وفي الاحتجاج عن صالح بن كيسان ما يدلّ عليه (٢) ، وعن سير الخلاف : يغسل ويصلّى عليه بناءً على إسلامه (٣) ، وهو مشكل.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٠٣ أبواب غسل الميّت ب ١٨.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٢٩٦ ، الوسائل ٢ : ٧٠٤ أبواب غسل الميّت ب ١٨ ح ٣.

(٣) الخلاف : كتاب البغاة مسألة ١٣ ، ونقله عنه في التذكرة ١ : ٣٧٨.

٣٩٤

الخامس : يسقط الغسل عن الشهيد المقتول في المعركة بإذن الإمام أو نائبه ، وكذلك الكفن إن لم يجرّد فيصلّى عليه ويدفن بثيابه بإجماع علمائنا ، بل إجماع أهل العلم إلّا شاذّ من العامة لا يُعبأ به (١).

وتدلّ عليه صحيحة أبان بن تغلب (٢) ، وحسنته (٣) ، وحسنة إسماعيل بن جابر وزرارة (٤) ، وصحيحة أبي مريم الأنصاري (٥) ، وغيرها (٦).

وما ورد في بعض الأخبار الضعيفة من أنّه «إذا مات من يومه أو غده فواروه في ثيابه ، وإن بقي أياماً حتى تتغيّر جراحته غسل» (٧) فهو موافق للعامّة كما ذكره الشيخ (٨).

وما في بعض الروايات من أنّ عليّاً عليه‌السلام لم يصلّ على عمّار وهاشم بن عتبة (٩) فقال الشيخ : إنّه وهم من الراوي (١٠). وفي قرب الإسناد رواية تدلّ على أنّه

__________________

(١) حكاه عن الحسن وسعيد بن المسيّب في المجموع ٥ : ٢٦٤ ، والمبسوط للسرخسي ٢ : ٤٩ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٢٧ ، والمغني ٢ : ٣٩٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٣٢٨ ، وسبل السلام ٢ : ٥٤٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٣٢ ح ٩٧٣ ، الوسائل ٢ : ٧٠٠ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٧ ح ٤٤٧ ، التهذيب ١ : ٣٣١ ح ٩٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ ح ٧٥٥ ، الوسائل ٢ : ٧٠٠ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٢١١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ ح ٩٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ ح ٧٥٦ ، الوسائل ٢ : ٧٠٠ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢١١ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٩٧ ح ٤٤٦ ، الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ١.

(٦) الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤.

(٧) التهذيب ١ : ٣٣٢ ح ٩٧٤ ، وج ٦ : ١٦٨ ح ٣٢١ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٥٨ ، الوسائل ٢ : ٦٩٩ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٥.

(٨) التهذيب ١ : ٣٣٢ ذ. ح ٩٧٤.

(٩) الفقيه ١ : ٩٦ ح ٤٤٥ ، التهذيب ١ : ٣٣١ ح ٩٦٨ ، وج ٣ : ٣٣٢ ح ١٠٤١ ، وج ٦ : ١٦٨ ح ٣٢٢ ، الوسائل ٢ : ٦٩٩ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٤.

(١٠) التهذيب ١ : ٣٣١ ذ. ح ٩٦٨.

٣٩٥

صلّى عليهما (١).

ثمّ إنّ الظاهر أنّ كلّ من يقتل في جهادٍ سائغ وإن لم يكن بحضور الإمام أو إذنه ، كما لو دهم على المسلمين من يخاف منه على بيضة الإسلام واضطرّ إلى الجهاد معهم فهو كذلك ، لإطلاق الأخبار (٢) ، وفاقاً للمحقّق في المعتبر (٣) والشهيد في الذكرى (٤) وبعض المتأخّرين بعده (٥) ، وخلافاً للأكثرين (٦) ، حيث اشترطوا الإذن الخاصّ.

ثمّ إنّهم اشترطوا الموت في المعركة في سقوط الغسل والكفن ، وقد يقال : إنّ الروايات لا تدلّ إلّا على اشتراط ترك الغسل بإدراك المسلمين إيّاه وليس له رمق ، وهو أعمّ من أن يموت في المعركة أو غيرها (٧).

ولا يبعد أن يقال : إنّ الظاهر من الروايات هو الموت في المعركة ، لأنّه الغالب ، فلا يجوز الخروج عما دلّ على وجوب الغسل والكفن مع احتمال عدم الموت في المعركة فضلاً عما علم به.

ومقتضى إطلاق النصّ والفتوى عدم الفرق بين الذكر والأُنثى ، والصغير والكبير ، والمقتول بالحديد وغيره ، حتّى بالصدم وبعَود سلاحه إليه.

وفي من وجد ميتاً في المعركة وليس فيه أثر القتل قولان مبنيّان على ترجيح

__________________

(١) قرب الإسناد : ٦٥ ، الوسائل ٢ : ٧٠١ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤.

(٣) المعتبر ١ : ٣١١.

(٤) الذكرى : ٤١.

(٥) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٥١ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٤١١ ، وصاحب المدارك ٢ : ٧١.

(٦) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ٨٤ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٨١ ، وسلّار في المراسم : ٤٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٣ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٥٤ ، والحلّي في السرائر ١ : ١٦٦ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٩ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٣٧ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٤٣٣.

(٧) الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤.

٣٩٦

الأصل والظاهر ، ولو علم الموت حتف أنفه فلا إشكال.

والمشهور عدم الفرق بين الطاهر والجنب والحائض والنفساء للإطلاق ، وعن ابن الجنيد (١) والسيّد في شرح الرسالة (٢) تغسيل الجنب لإخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بغسل الملائكة حنظلة بن الراهب لخروجه جنباً (٣) ، وهو غير ناهض على المطلوب.

واختلفوا فيما ينزع منه على أقوال شتّى ، والمشهور بين المتأخّرين أنّه ينزع عنه الفرو والجلود كالخفين (٤) ، لعدم صدق اسم الثياب عليه ، سواء أصابها الدم أم لا.

ولا يحضرني الان من الروايات في ذلك إلّا رواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ينزع عن الشهيد الفرو والخفّ والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلّا أن يكون أصابه دم ، فإن أصابه دم ترك ، ولا يترك شي‌ء عليه معقود إلّا حل» (٥).

ثمّ إنّ الشهيد قال : قد يطلق في الأخبار على المطعون والمبطون والمهدوم والنفساء والغريق والمقتول عند أهله وماله (٦) ، وليس حكمهم ما ذكرنا ، والمراد مشاركتهم له في الفضل.

السادس : من وجب عليه القتل من رجمٍ أو قصاص أو غير ذلك يغتسل غسل الأموات ثلاثاً بالخليطين ويتحنط ويلبس الكفن ثمّ يقتل لرواية مسمع (٧) المعمول

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٠٤ ، والذكرى : ٤١.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٤١.

(٣) الفقيه ١ : ٩٧ ح ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٢.

(٤) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٤٣ ، والمعتبر ١ : ٣١٣ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٥٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢١١ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٧٠١ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ١٠.

(٦) الذكرى : ٤١.

(٧) الكافي ٣ : ٢١٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ ح ٤٤٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٤ ح ٩٧٨ ، الوسائل ٢ : ٧٠٣ أبواب غسل الميّت ب ١٧ ح ١.

٣٩٧

بها عند الأصحاب بحيث لا يظهر مخالف فيها.

ويصلّى عليه بعد القتل.

ويدفن ، ويسقط عنه الغسل بعد القتل ، والأظهر عدم وجوب الغسل بمسّه بعد الموت.

السابع : صدر الميّت حكمه حكم الميّت في الغسل والكفن والصلاة والدفن لرواية الفضيل بن عثمان الأعور الصحيحة على الأظهر (١) ، المعتضدة بالعمل.

وما نقله في المعتبر عن جامع البزنطي عن أحمد بن محمّد بن عيسى مرسلاً (٢) ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٣).

وهما وإن لم تدلّا إلّا على وجوب الصلاة ، ولكن الأولوية تقتضي إثبات غيرها كما نبّه عليه في الذكرى (٤). كما يلاحظ في الطفل. وتركه في الشهيد إسقاط للفضل ، لا لعدم الأهلية.

ويمكن أن يستدلّ عليه بعموم رواية أبي خالد المتقدّمة في المبحث الرابع (٥) ، وما ورد في علل الغسل من أنّه لكونه جنباً ، ولملاقاة الملائكة (٦).

بل يمكن الاستدلال عليه بصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأكله السبع والطير فتبقى عظامه بغير لحم ، كيف يصنع به؟ قال : «يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن ، فإذا كان الميت

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٤ ح ٤٨٤ ، التهذيب ٣ : ٣٢٩ ح ١٠٣٠ ، الوسائل ٢ : ٨١٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٤.

(٢) المعتبر ١ : ٣١٧ ، الوسائل ٢ : ٨١٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ١٢.

(٣) رجال الكشي : ٥٥٦.

(٤) الذكرى : ٤١.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ ح ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٢ : ٦٩٨ أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢ : ٦٧٨ أبواب غسل الميّت ب ١ ح ٣ ، ٤.

٣٩٨

نصفين صلّي على النصف الذي فيه القلب» (١) ومثلها صحيحة خالد بن مادّ القلانسي (٢). فإنّ الظاهر منها ثبوت كلّ الأحكام للنصف الذي فيه الصدر ، وإنّما فصّل في آخر الحديث لبيان عدم وجوب الصلاة على غير ما فيه الصدر ، فلا بدّ أن تحمل العظام إما على الجميع كما هو ظاهر اللفظ ، أو يخص بما فيه الصدر.

وكذلك حسنة محمّد بن مسلم (٣) الدالّة على الصلاة على مطلق العظم تقيّد بذلك ، أو تحمل على الاستحباب.

قال في الذكرى : القلب وحده كالصدر ، لفحوى الرواية (٤) ، وكأنّه أراد بها مرسلة البزنطي (٥) ، وتبعه في المسالك (٦) ، وليس ببعيد.

وعن النهاية والمبسوط تحنيط ما فيه عظم (٧) ، ولم أقف على مستنده.

وغير الصدر منه إن كان شي‌ء فيه عظم فالمشهور المدّعى عليه الإجماع في الخلاف (٨) أنّه يغسّل غسل الأموات ويلفّ في خرقة ويدفن.

وربّما يؤيّد ذلك بصحيحة عليّ بن جعفر (٩) ، بتقريب أنّ المراد بالعظام ليس الجميع ، بل المراد هو ما يقابل اللحم كما يظهر منها ، وليس ببعيد بملاحظة السياق ، ولا يضرّ ذكر الصلاة فيها بعد ملاحظة آخرها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ ح ٩٨٣ ، الوسائل ٢ : ٨١٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٩ ح ١٠٢٧ ، الوسائل ٢ : ٨١٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ ح ٩٨٤ ، الوسائل ٢ : ٨١٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٨.

(٤) الذكرى : ٤١.

(٥) المتقدّمة عن المعتبر.

(٦) المسالك ١ : ٨٣.

(٧) النهاية : ٤٠ ، المبسوط ١ : ١٨٢.

(٨) الخلاف ١ : ٧١٥ مسألة ٥٢٧.

(٩) الكافي ٣ : ٢١٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٦ ح ٩٨٣ ، الوسائل ٢ : ٨١٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٦.

٣٩٩

وفي لحوق المبانة من الحيّ قولان ، جعل أشهرهما في المسالك اللحوق (١) ، ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة أيوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام قال إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة (٢) الحديث.

وقال في الذكرى : الظاهر الملازمة بين وجوب الغسل عن مسّ شي‌ء ووجوبه له (٣) ، وتدلّ الصحيحة المذكورة على وجوب الغسل عن مسّ ما فيه عظم ، وفيه إشكال ، وذهب المحقّق إلى العدم (٤) ، وهو مقتضى الأصل.

والظاهر أنّ المراد بالكفن هي القِطع الثلاثة كما صرّح به جماعة ، وربما يحتمل اعتبار حال اتصال العضو ؛ فإن كانت تناله القطعات الثلاثة فالثلاث ، وإن اثنان فاثنان ، ويلزمه في مثل الرأس وحده والقدمين كفاية الواحدة.

وإن لم يكن فيه عظم ، فيلفّ في خرقة ويدفن على المشهور ، ولم نقف على ما يدلّ على اللفّ ، ولا بأس بأتباعهم (٥).

وفي حكم الصدر السقط إذا كان له أربعة أشهر على المشهور ، إلّا في الصلاة ، فيغسل ويكفّن على المعهود فيهما ويحنّط ويدفن.

وظاهر المحقّق في الشرائع أنّه يغسّل ويلفّ في خرقة ويدفن (٦) ، والأوّل أظهر ، لموثّقة سماعة الدالّة على وجوب الغسل واللحد والكفن إذا استوت خلقته (٧) ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ ح ١٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ ح ٣٢٥ ، الوسائل ٢ : ٩٣١ أبواب غسل المسّ ب ٢ ح ١.

(٣) الذكرى : ٧٨.

(٤) المعتبر ١ : ٣٥٢.

(٥) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ١٦٤ مسألة ٢٦ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٢٧٩ ، والشرائع ١ : ٣١ ، والشهيد في الذكرى : ٤٦ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٨١.

(٦) الشرائع ١ : ٣٠.

(٧) الكافي ٣ : ٢٠٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٩ ح ٩٦٢ ، الوسائل ٢ : ٦٩٥ أبواب غسل الميّت ب ١٢ ح ١.

٤٠٠