غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

ومقتضى ذلك تقديم الزوج على سيّد المملوكة كما صرّح به في المسالك (١).

وفيما لو كان الزوج عبداً إشكال ، وظاهرهم عدم الخلاف في عدم ولاية العبد ، كما أنّ ظاهرهم عدم الخلاف في تقديم الزوج على غيره ، والظاهر تقديم الأوّل لسبق حجره على زوجيته ، ولم يثبت زواله ، وعدم إرثه ، مع عدم العلم بالإجماع في مطلق الزوج.

ولا تلحق الزوجة بالزوج ، لعدم الدليل ، ونقل قول بمساواتهما ، لشمول اسم الزوج لهما لغة (٢) ، وهو ضعيف ، لعدم وجود نصّ تعلّقَ الحكم فيه بلفظ الزوج القابل لهما ، لأنّ الروايات كلّها صريحة في الزوج أو كالصريحة فيه (٣).

وقال في المسالك : فإن فقد جميع القرابات انتقلت الولاية إلى أهل الولاء على حسب ترتيبهم ، فإن تعذّر فوليّه الحاكم ، وإن تعذّر فعدول المسلمين (٤).

وقال في روض الجنان بعد ما ذكر ما نقلناه عن الشيخ وألحق به انتقال الولاية عند فقد القرابة إلى أهل الولاء على الترتيب المذكور : وهذا الترتيب بعضه مبنيّ على أولويّة الميراث ، وبعضه وهو أفراد الطبقة الواحدة على غيرها ، وهو إما كثرة الحنوّ والشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن ، أو التوليد كالجدّ بالنسبة إلى الأخ ، أو كثرة النصيب كالعمّ بالنسبة إلى الخال ، والعمل بهذا الوضع هو المشهور (٥).

قال المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله : وليس في الحاكم والعدول شي‌ء مما ذكر ، والشهرة ما نعرفها ، وهو أعرف (٦).

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٦٣.

(٢) حكاه في روض الجنان : ٣١١.

(٣) الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤.

(٤) المسالك ١ : ٢٦٢.

(٥) روض الجنان : ٣١١.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٨.

٤٦١

أقول : ويمكن القول بأنّه المفهوم عرفاً من الروايتين ، ويمكن الاستدلال في الولاء بقوله عليه‌السلام الولاء لحمة كلحمة النسب (١).

ثمّ إنّ ما ذكرنا في معنى الحديث من إرادة الأمسّ والأشدّ علاقة هو ما يحصل بسبب النسب أو السبب المعهود من المصاهرة والولاء ونحوه ، وإلّا فقد تحصل علاقة بين اثنين أجنبيّين لا يوجد مثلها أبداً بين ذوي الأنساب وأُولي الأسباب ، إذ ذلك هو الغالب المعهود بين الناس ، الحاضر في أذهان عامّة المكلّفين ، فلا يخدش بذلك في دلالة الخبر على ما ذكرنا.

قالوا : إذا كان الأولياء متعدّدين فالذكر أولى من الأُنثى ، والبالغ من الصبيّ ، والحرّ من العبد ، والظاهر أنّه إجماعيّ كما يظهر من المنتهي (٢).

نعم نقل في المدارك عن بعض مشايخه المعاصرين قولاً باشتراك الأُنثى ، وقال : ولا ريب في ضعفه ، مع أنه مجهول القائل (٣).

ويدلّ عليه في الأخيرين مضافاً إلى الإجماع ؛ عدم الإرث في العبد ، وكونه محجوراً عليه في التصرّف في نفسه ، فكيف في غيره ، ويظهر منه الكلام في الصبيّ سيّما إذا كان غير مميز.

واعلم : أنّ ظاهر كلام الأكثرين وصريح جماعة منهم الشهيدان (٤) وصاحب المدارك (٥) أنّ ذلك في الطبقة الواحدة.

وذهب المحقّق الأردبيلي (٦) رحمه‌الله إلى التعميم ، والحكم بثبوت الولاية للذكَر في الطبقة الثانية مع انتفائه في الطبقة الأُولى ، وكذا البالغ ، تمسّكاً بظاهر

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٧٨ ح ٢٨١ ، التهذيب ٨ : ٢٥٥ ح ٩٢٦ ، الاستبصار ٤ : ٢٤ ح ٧٨.

(٢) المنتهي ١ : ٤٥١.

(٣) المدارك ٤ : ١٦٠.

(٤) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٥٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣١١.

(٥) المدارك ١ : ١٥٩.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ٤٦٠.

٤٦٢

عبارة المنتهي فإنّه قال : الحرّ أولى من العبد وإن كان الحر بعيداً والعبد أقرب ؛ لأنّ العبد لا ولاية له في نفسه ففي غيره أولى ، ولا نعلم فيه خلافاً ، والبالغ أولى من الصبيّ لذلك ، والرجل أولى من المرأة ، كلّ ذلك لا خلاف فيه (١) ، انتهى.

قال : والظاهر منه أنّ الصبيّ والمرأة لا ولاية لهما على تقدير وجود البالغ والرجل وإن كانا بعيدين ، وهما قريبان ، وأن ذلك مما لا خلاف فيه. وأيّده بظاهر حسنة ابن أبي عمير المتقدّمة (٢) ، فإنّ ظاهرها كون الولي صاحب الرأي والاختيار (٣).

أقول : وفيه نظر ، إذ تقييده العبد بقوله : «وإن كان بعيداً» لا يستلزم تقييد الآخرين ، والقرينة قائمة على عدم إرادة ما يتراءى ظاهراً من لفظه ، إذ هو رحمه‌الله (٤) وغيره من الأصحاب (٥) ذكروا أنّ الأولى بالصلاة هو أولاهم بالميراث ، والظاهر أنّه إجماعيّ بينهم ، ويظهر من المنتهي أيضاً ، حيث قال : وأحقّ الناس بالصلاة أولاهم بالميراث ، قاله علماؤنا (٦) ، فكيف يقال بتقديم غير الوارث على الوارث ، فلا بد أن يكون المراد في الطبقة الواحدة كما هو مصرّح به في كلام الآخرين (٧).

وأما مسألة العبد فلا إشكال فيها ، بل الإشكال في ذكرها في هذه المباحث لعدم الاحتياج ، لأنّه ممنوع من الإرث ، فليس داخلاً في جملة الأولياء ، فذكره استطراديّ ، مع أنّ كلامه رحمه‌الله ليس بصريح في إرادة البُعد بحسب الطبقة ، بل لعلّ مراده

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٥١.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ح ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

(٣) انتهى نصّ ومضمون ما نقله عن مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٦٠.

(٤) المنتهي ١ : ٤٥٠ ، التذكرة ٢ : ٤١.

(٥) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٩٥.

(٦) المنتهي ١ : ٤٥٠.

(٧) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣١١ ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٣٣٥.

٤٦٣

بُعد الانتساب في مرتبة واحدة من جهة الميّت بالأبوين معاً أو بأحدهما.

والرواية لا تستلزم ما ذكره ، بل غاية الأمر عزل الصغير عن الولاية ، ولكن قيام الغير مقامه من الطبقة الثانية يحتاج إلى الدليل. ولذلك قال في روض الجنان : لو كان الذكر ناقصاً لصغرٍ أو جنون ففي انتقال الولاية إلى الأُنثى من طبقته أم إلى وليّه نظر ، من أنّه في حكم المعدوم بالنسبة إلى الولاية ، ومن عموم الآية ، فلتكن الولاية له يتصرّف فيها وليّه ، ولو لم يكن في طبقته مكلّف ، ففي انتقال الولاية إلى الأبعد أو إلى وليّه الوجهان.

واستقرب في الذكرى الانتقال إلى الأُنثى في المسألة الاولى ، وتوقّف في الثانية.

ولو كان غائباً فالوجهان ، ويمكن سقوط اعتباره مطلقاً (١).

أقول : مقتضى ظاهر الإجماع على أنّ الأولى بالصلاة هو الأولى بالميراث أو من يأمره هو اعتبار الوارث لا غير ، فلا تدخل فيه الطبقة الثانية أصلاً.

ثمّ الظاهر منه ومن الرواية أنّ الأولى بالميراث لا بد أن يكون قابلاً للصلاة أو الإذن ، فالصغير والمجنون خارجان عن ذلك ، وولاية وليهما من قبلهما في ذلك لم يدلّ عليها دليل ، خصوصاً إذا كان الوليّ هو وصيّ الطفل ، فإنّ المشهور عدم جواز الصلاة للموصى إليه بها أيضاً فضلاً عن الوصي الذي لم يوصَ إليه بها ، سيّما وإنّما الولاية تثبت عليهما فيما ملكاه واستحقّاه ، فإذا لم يثبت استحقاقهما لذلك من جهة عدم الأهليّة فلا معنى لتصرّف الوليّ فيه ، فالأقوى سقوط الولاية عنهما حينئذٍ ، فإن وجدت الأُنثى البالغة العاقلة في الطبقة فهو ، وإلّا فيسقط الاعتبار.

__________________

(١) انتهى المنقول عن روض الجنان : ٣١١ ، وانظر الذكرى : ٥٧.

٤٦٤

ومن ذلك يظهر عدم الدليل على الانتقال إلى أرباب الولاء أيضاً بطريق الأولى وإن كان هو الحاكم.

ويظهر من ذلك الكلام في الغائب ، وأنّ التحقيق سقوط الولاية عليه أيضاً ، فحينئذٍ مقتضى العمومات أنّ المسلمين متساوون في الواجب الكفائي.

وفذلكة المقام : أنّ الرحم مقدّم على غيره في غير الزوج ، للاية والإجماع ، والوارث من الأرحام مقدّم على غير الوارث منهم ، لظاهر إجماعهم ودلالة الرواية في الجملة ، فمع وجود كلّ طبقة لا ولاية لمن لا يرث في تلك الطبقة.

وإن لم يكن في تلك الطبقة أهل للصلاة والإذن فتسقط الولاية ، والأمر إلى المسلمين يصلّون عليه جماعة أو فرادى ، والأمر في تعيين الإمام ليس موكولاً إلى رأي أحد ، والظاهر أنّ حكمه هو حكم الجماعة في اليوميّة كما مرّ ، إلّا أنّ يرجع إلى عموم الآية أو إلى ظاهر الرواية في إثبات الولاية للطبقة الثانية مع عدم وجود أهل للصلاة والإذن في الطبقة الأُولى ، وحينئذٍ فيلزم تخصيص ظاهر الإجماع على أنّ الأحقّ هو الوارث ، وهو مشكل.

وأما الكلام في نفس كلّ طبقة ؛ ففي الطبقة الأُولى يقدّم الأب على غيره بلا إشكال للإجماع إلّا في الزوج ، فإنّه يقدّم على الأب أيضاً ، للأخبار وظاهر الإجماع ، وقول ابن الجنيد (١) ضعيف.

ثمّ الابن مقدّم على الام والبنت ، والظاهر أنّه أيضاً إجماعيّ.

ثمّ إنّ الأُمّ والبنت لا دليل على ترجيح إحداهما على الأُخرى ، ولعلّ تقديم الأُم أولى بناءً على فهم العرف في كثرة العلاقة من الرواية.

ويقع الإشكال في الترجيح بينهما أو إحداهما وبين الزوجة إذا اجتمعت معهما ، ولا يبعد ترجيحهما عليها ، لعموم الآية.

__________________

(١) قال في المختلف ٢ : ٣٠٤ ، وابن الجنيد جعل الجد أولى ثمّ الأب ثمّ الولد.

٤٦٥

ولو سلّم كون الزوجة أمسّ بالزوج وأقرب إليه عرفاً فتشملها الرواية ، فنقول : إنّ النسبة بين الخبر والآية عموم من وجه ، ولا وجه لتخصيص الآية بالخبر. هذا الحال في الطبقة الاولى.

وأما الطبقة الثانية ، فقد عرفت ما نقلناه عن الشيخ بتقديم الجدّ للأب على الأخ وغير ذلك من تقديم من هو أقرب إلى الميّت بحسب الانتساب من جهة الأبوين معاً أو أحدهما (١).

وكذلك في الطبقة الثالثة ، والظاهر فيه الاتّكال على ظاهر الرواية والرجوع إلى الأقربيّة العرفيّة بحسب الانتساب إلى الميّت ، فيقدّم الأقرب على الأبعد ، ومع التساوي فالتخيير ، ومع التشاحّ فالعمل على ما سيجي‌ء.

وأما الطبقة الرابعة وما دونها من أصحاب الولاء فيظهر الحال فيها بملاحظة ما ذكر. إذ ظاهر إجماعهم المنقول على أولويّة الوارث بالصلاة يقتضي أولويّتهم إذا انحصر الوارث فيهم ، وكلمات الأصحاب في هذه المسألة غير محررة ، فعليك بالتأمّل والاجتهاد فيما يرد عليك.

ثمّ إنّ ههنا فوائد :

الأُولى : قال الشهيد الثاني رحمه‌الله في روض الجنان : لو لم يقدّم الوليّ أحداً ولم يتقدّم مع أهليّته سقط اعتباره لأنّ الجماعة أمر مهم مطلوب ، فلا تسقط بامتناعه من الإذن ، بل يصلّي الحاكم أو يأذن إن كان موجوداً ، وإلّا قَدّم عدول المسلمين من يختارونه (٢).

وقال المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله : وإذا ثبتت له الولاية فإسقاطها بأنّ الجماعة أمر مطلوب مشكل ، وعلى تقدير السقوط فالثبوت للحاكم غير ظاهر ، وأخفى منه

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٣.

(٢) روض الجنان : ٣١١.

٤٦٦

ثبوتها للعدول ، لأنّا ما نعرف له دليلاً أصلاً (١).

أقول : وقريباً مما ذكره ذكر في الذكرى (٢) ، والوجه ما ذكراه (٣) إذا لم يكن عدم إذن الولي منوطاً بعذر شرعيّ مسموع ، لأنّ الصلاة كما أنها واجب كفائي فإتيانها جماعة أيضاً مستحبّ كفائي ، والجماعة في صلاة الجنازة لأقوام لها إلّا بها ، وكما أنّه لا منافاة بين الوجوب الكفائي وإناطتها برأي بعض المكلّفين ؛ بمعنى أنّه إن قام بها سقط الفرض عن غيره ، وكذا إن أذن لغيره وقام بها ذلك الغير ، وإلّا سقط اعتباره ، فكذلك إتيانها على سبيل الجماعة مستحبّ كفائي كذلك. واعتبار الجماعة مع صلاة الجنازة مقدّم طبعاً على اعتبار الولاية ، فالموقوف على إذن الوليّ الصلاة التي من شأنها أن تؤتى بالجماعة ، وينتفع من فضلها وثوابها جماعة المسلمين ، فإذا أراد الوليّ حرمانهم من ذلك فلهم أن يقيموها كنفس الصلاة ، ولا مانع من توقيف المسلمين أصل الصلاة لاستيفاء الجماعة ، لعدم إمكان تحقّق الجماعة إلّا مع الصلاة ، والجماعة حقّ لهم لم يثبت توقيفها على شي‌ء إلّا على اختيار الوليّ بحيث لو أتى بها أو أذن فيها لأحدٍ أجزأت ، وإلّا فللمسلمين الإتيان بها.

الثانية : لو أوصى إلى أحد بالصلاة عليه فلا يتقدّم على الوليّ ، ولا بدون إذنه كما اختاره العلامة رحمه‌الله (٤) والشهيدان (٥) ، وأسنده في المختلف إلى الأصحاب (٦) ، وفي المسالك إلى المشهور (٧) ، لعموم الآية.

__________________

(١) مجمع الفائدة ٢ : ٤٦١.

(٢) يعني : وقريب ما ذكره الشهيد الثاني ، الذكرى : ٥٧ قال : ومهما امتنع الولي من الصلاة والإذن فالأقرب جواز صلاة الجماعة لإطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة.

(٣) يعني الشهيدين.

(٤) المختلف ٢ : ٣٠٤.

(٥) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٥٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٦٣.

(٦) المختلف ٢ : ٣٠٤.

(٧) الأنفال : ٧٥.

٤٦٧

وقال في المسالك : لو فقد الوارث فهو مقدّم على الحاكم (١).

وعن ابن الجنيد أنه أولى من القرابة (٢) ، ونفى عنه البأس في المدارك ، لعموم النهي عن تبديل الوصية ، ولاشتهار ذلك بين السلف (٣).

وعدّ في الذكرى جماعة من الصحابة فعلوا ذلك ممن لا حجية في فعلهم (٤) ، مع أنّه يجوز أن يكون برضا الوارث.

والنهي عن تبديل الوصية معارض بالآية (٥) ، مع أنّ حسنة ابن أبي عمير وما في معناها أخصّ من دليل الوصية من حيث التصريح بالصلاة (٦).

الثالثة : لا يتقدّم الولي إلّا مع استكمال الشرائط وتجوز الاستنابة له مع الاستكمال أيضاً ، سيّما إذا كان النائب أكمل ، بل يستحبّ ذلك ، لأنّه أكثر مظنّة للإجابة. وربما يحتمل تقديم الولي حينئذٍ ؛ لاختصاصه بمزيد الرقّة التي هي مظنّة الإجابة.

الرابعة : إذا تساوى الأولياء فظاهر الأصحاب إلحاق ذلك بالصلاة اليوميّة في تقديم أيّهم في الجماعة فيقدّم الأقرأ ، فالأفقه ، فالأسن ، فالأصبح. وكذلك الكلام في الذي يأذن له الوليّ تعتبر فيه هذه المرجّحات.

ولكن المحقّق في الشرائع فرّق هنا ، وقدّم الأفقه على الأقرأ (٧). وقد يعتذر له بأنّ ذلك لأجل فقد القراءة فيها ، وهو مدفوع بأن ذلك يوجب سقوط اعتبارها رأساً ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٦٣.

(٢) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣٠٤.

(٣) المدارك ٤ : ١٦٢ ، والنهي في سورة البقرة : ١٨١ ، والوسائل ١٣ : ٤١١ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٢.

(٤) الذكرى : ٥٧ ، قال : لاشتهار ذلك من السلف ، كوصية الأوّل بصلاة الثاني ، ووصيّة الثاني بصلاة صهيب ، ووصيّة عائشة بصلاة أبي هريرة ، ووصيّة ابن مسعود بصلاة الزبير ، ووصيّة جبير بصلاة أنس..

(٥) آية أُولو الأرحام ، الأنفال : ٧٥.

(٦) الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣.

(٧) الشرائع ١ : ٩٥.

٤٦٨

لا تأخير الأقرأ عن الأفقه ، مع أنّ الدعاء أيضاً يعتبر فيه كثير من مرجّحات القراءة.

وقد مرّ الكلام في هذه المسألة في اليومية ، وترجيح الأفقه على الأقرأ ، وأنّ تلك الترجيحات على سبيل الاستحباب.

الخامسة : قالوا : إمام الأصل أولى من كلّ أحد والكلام في أنّه يقدّم بشرط إذن الوارث مع وجوب الإذن عليه أو بدونه ، والتكلّم في الروايات المناسبة لذلك والتكلّف في توجيهها وجمعها مستغنى عنه ، لأنّه إذا حضر فهو أعرف بما يفعله.

السادسة : ذكر جماعة من الأصحاب أنّ الهاشمي أولى من غيره إذا قدّمه الوليّ (١) والظاهر أنّ مرادهم استحباب تقديمه للوليّ مع استكماله للشرائط ، لقوله عليه‌السلام قدّموا قريشاً ولا تقدموها (٢) قال في الذكرى : ولم نستثبته في رواياتنا (٣) ، ولشرف النسب.

وبالغ المفيد حتّى أوجبه (٤).

وقال ابن الجنيد : ومن لا أحد له فالأقعد نسباً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الحاضرين أولى به (٥) ، وهو يقتضي تقديم الأقعد نسباً به صلى‌الله‌عليه‌وآله عند انتفاء الوليّ الأقرب فالأقرب.

السابعة : تقف النساء خلف الرجل إذا اقتدين به ، وخلف صف الرجال إن كان هناك رجال لرواية السكوني (٦) ، ورواية سيف بن عميرة (٧) المعلّل فيهما خيرية

__________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٢٣٢ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٩٥ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٢٩.

(٢) الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٥٣ ح ٦١٠٨ ، ٦١٠٩ ، ترتيب مسند الشافعي ٢ : ١٩٤ ح ٦٩١ ، الجامع الكبير ١ : ٦٠٥ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٢٥ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٨١٠.

(٣) الذكرى : ٥٧.

(٤) المقنعة : ٢٣٢.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٥٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٣١٩ ح ٩٩١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٩ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ١٧٦ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٩ ذ. ح ١. وفيه وفي سابقه : خير الصفوف

٤٦٩

الصفّ الأخير في صلاة الجنازة ، بصيرورة ذلك سترة للنساء ، يعني أنّ الله تعالى جعل الصفّ الأخير فيها خيراً لئلّا تجاوزه النساء ، فيكون سترة لهن.

قال الصدوق في الفقيه : إنّ النساء كنّ يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل المواضع في الصلاة على الميّت الصفّ الأخير فتأخّرن إلى الصفّ الأخير ، فبقي فضله على ما ذكره عليه‌السلام (١).

والحائض تنفرد عن الصفّ استحباباً ، لحسنة محمّد بن مسلم (٢) وغيرها من الأخبار (٣).

وتجوز الإمامة للنساء فيها ، ولكن يكره لها البروز ، بل تقف في وسط صفهن استحباباً ، لصحيحة زرارة (٤) ، ورواية الحسن بن زياد الصيقل (٥) وغيرهما (٦).

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط أنّ حكم الرجال العراة أيضاً ذلك ، فيقفون ويصلّون (٧) ، واختاره المحقّق رحمه‌الله في المعتبر والشرائع (٨).

واعتذر الشهيد في الذكرى للقيام هنا مع قولهم بالقعود في اليومية بالاحتياج إلى الركوع والسجود ثمّة (٩) ، وهو مشكل ، للاكتفاء بالإيماء ثمّة.

__________________

في الصلاة المقدّم ، وخير الصفوف في الجنائز المؤخّر ، قيل يا رسول الله ولمَ؟ قال : صار سترَةً للنساء.

(١) الفقيه ١ : ١٠٦ ح ٤٩٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٩ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٧ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٨٨ ، وص ٢٦٨ ح ٧٦٦ ، وص ٣٣١ ح ١٠٣٨ ، وص ٣٢٦ ح ١٠١٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٣ أبواب الجنازة ب ٢٥ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٣ ح ٤٧٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ٢.

(٦) الوسائل ٢ : ٨٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥.

(٧) النهاية : ١٤٧ ، والمبسوط : ١٨٦.

(٨) المعتبر ٢ : ٣٤٧ ، الشرائع ١ : ٩٥.

(٩) الذكرى : ٥٨.

٤٧٠

وعلى القول بإلحاق هذه باليومية فالأقرب القعود ، لعدم الأمن من المطّلع كما اخترناه هناك ، فإنّ المطّلع عند الجماعة غير مأمون عليه.

الثامنة : يستحبّ بروز الإمام وقيام المأموم خلفه ، بخلاف اليومية وإن كان واحداً لرواية اليسع بن عبد الله القمي ، رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم (١).

الثالث : في كيفية الصلاة عليه وهي خمس تكبيرات عند علمائنا ، وادّعى عليه الإجماع جماعة من الأصحاب (٢) ، والأخبار الصحيحة وغيرها بها مستفيضة (٣) ، وعلّل في بعضها بأخذ كلّ تكبيرة من كلّ من الصلوات الخمس (٤).

والقدح في دلالتها على الوجوب سيّما مع الإجماع على وجوب الصلاة على الميت ، وظهور بعضها فيه ، مثل ما ورد في حكاية صلاة هبة الله على أبيه آدم عليه‌السلام (٥) غير مسموع.

وما ورد في الشواذّ من الاكتفاء بأربع (٦) فمحمول على التقيّة ، لموافقته للعامة (٧) ، وإن رووا الخمس أيضاً عنه عليه‌السلام (٨) ، وعلّل بعضهم اختيارهم

__________________

(١) الكافي ١ : ١٧٦ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٠٣ ح ٤٧٧ ، التهذيب ٣ : ٣١٩ ح ٩٩٠ ، الوسائل ٢ : ٨٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٨ ح ١.

(٢) كالعلامة في التذكرة ٢ : ٦٨ ، وصاحب المدارك ٤ : ١٦٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٧٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٥.

(٤) علل الشرائع : ٣٠٢ ب ٢٤٤ ، وص ٣٠٣ ب ٢٤٥ ، الفقيه ١ : ١٠٠ ح ٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٧٧٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٤ ، ١٥.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٠ ح ٤٦٨ ، التهذيب ٣ : ٣٣٠ ح ١٠٣٣ ، الوسائل ٢ : ٧٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٣.

(٦) انظر الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٧ ، ١٨.

(٧) المجموع ٥ : ٢٣٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٦٣ ، اللباب ١ : ١٣٠ ، المغني ٢ : ٣٨٧ ، ٣٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٥٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٤ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٧ ، سبل السلام ٢ : ٥٥٨.

(٨) صحيح مسلم ٢ : ٣٥١ ح ٩٥٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ٧٣ ح ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٦.

٤٧١

الأربع لصيرورة الخمس علماً للشيعة (١).

هذا في الصلاة على المؤمن ، وأما المخالف فأربع ؛ إدانة له بمذهبه.

والظاهر أنّ الناصب وغيره في ذلك سواء ، بل المنافق الحقيقي أيضاً كذلك إن دعته الضرورة إلى الصلاة عليهما كما يستفاد كلّ ذلك من الأخبار (٢).

وفي صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميت ، فقال : «أما المؤمن فخمس تكبيرات ، وأما المنافق فأربع ، ولا سلام فيها» (٣).

وفي صحيحة هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبّر على قوم خمساً ، وعلى آخرين أربعاً ، فإذا كبّر على رجل أربعاً اتّهم ، يعني بالنفاق» (٤).

قال في الذكرى : وهذا جمع حسن بين ما روته العامة لو كانوا يعقلون (٥).

ثمّ المشهور وجوب الذكر بينها ، خلافاً للمحقّق في الشرائع فاستحبّه (٦) ، والأوّل أقرب ، لظاهر الروايات (٧).

بل الأقرب وجوب الأذكار الأربعة ، ويظهر الإجماع على الوجوب من جماعة ، منهم العلامة في المنتهي ، قال : وهي خمس تكبيرات بينها أربع أدعية ، وعليه علماؤنا أجمع (٨).

__________________

(١) هذا محكي عن محمد بن علي التميمي المالكي في كتابه فوائد مسلم (انظر الجواهر ١٢ : ٣١) وحكاه في الذكرى : ٥٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٧٧٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٢ ح ٤٣٩ ، الوسائل ٢ : ٧٧٢ ، أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٨١ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٧٧٢ ، أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١.

(٥) الذكرى : ٥٨.

(٦) الشرائع ١ : ٩٦.

(٧) الوسائل ٢ : ٧٧٢ ، أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٧.

(٨) المنتهي ١ : ٤٥١.

٤٧٢

ونقله في روض الجنان عن الشيخ أيضاً (١).

وهو ظاهر الذكرى حيث قال : إنّ الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب.

وقال أيضاً : ولأنّ الغاية من الصلاة الدعاء للميّت ، فيجب تحصيلاً لها ، فيجب الباقي ، إذ لا قائل بالفرق (٢).

ولعلّ المحقّق في الاستحباب اعتمد على الروايات المبيّنة لصلاة الميت أنّها خمس تكبيرات من دون ذكر الدعاء ، والاختلاف الشديد بين ما دلّ على الأذكار.

ثمّ المشهور بين المتأخّرين (٣) وجوب توزيع الأذكار الأربعة على التكبيرات بذكر الشهادتين بعد الاولى ، والصلاة على النبيّ وآله بعد الثانية ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة ، والدعاء للميت بعد الرابعة ، وهو ظاهر إجماع المنتهي (٤) ، والإجماع المنقول عن الشيخ (٥) في الذكرى وروض الجنان (٦).

وتدلّ على ذلك من الروايات رواية محمّد بن مهاجر ، عن امّه أُمّ سلمة سيّما على ما في الفقيه ، وما رواه الصدوق مرسلاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) ، ورواية أبي بصير (٨).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٠٨ ، وانظر الخلاف ١ : ٧٢٤ مسألة ٥٤٣.

(٢) الذكرى : ٥٩.

(٣) التذكرة ٢ : ٧٢ مسألة ٢١٧ ، التحرير ١ : ١٩ ، القواعد ١ : ٢٣١.

(٤) المنتهي ١ : ٤٥١.

(٥) الخلاف ١ : ٧٢٤ مسألة ٥٤٣.

(٦) الذكرى : ٥٩ ، روض الجنان : ٣٠٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٨١ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٠ ح ٤٦٩ ، التهذيب ٣ : ١٨٩ ح ٤٣١ ، علل الشرائع : ٣٠٣ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٧٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

(٨) التهذيب ٣ : ٣١٨ ح ٩٨٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٦ ح ١٨٤٢ ، الوسائل ٢ : ٧٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٢ ، وفيها : إنّها خمس تكبيرات بينها أربع صلوات.

٤٧٣

ولا يضرّ الضعف (١) مع الشهرة مع كون الراوي عن محمّد بن مهاجر هو ابن أبي عمير ، وورود الرواية في كتب الثلاثة وفي العلل.

قال في الذكرى بعد نقل الإجماع عن الشيخ : ولا ريب أنه كلام الجماعة إلّا ابن أبي عقيل والجعفي فإنّهما أوردا الأذكار الأربعة عقيب كلّ تكبيرة وإن تخالفا في الألفاظ ، قال الفاضل رحمه‌الله كلاهما جائز.

قلت : لاشتمال ذلك على الواجب ، والزيادة غير منافية مع ورود الروايات بها ، وإن كان العمل بالمشهور أولى ، انتهى كلام الذكرى (٢).

ووجه أولوية المشهور اشتمال روايتهم على أنّ ذلك كان فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستمراً ، وأقلّه الرجحان.

والأخبار المشتملة على الأذكار الأربعة وغيرها بعد كلّ تكبيرة كثيرة (٣) ، وهي مستند ابن أبي عقيل والجعفي.

ثمّ إنّ ظاهر بعض الأخبار مثل صحيحة صفوان بن مهران (٤) وحسنة محمّد بن مسلم (٥) وغيرهما (٦) وجوب الدعاء على المخالف بأقسامه ، وإذا ضممنا ذلك إلى ما أثبتناه من توزيع الأذكار على التكبيرات فيصير الغرض من تلك الأخبار تبديل الدعاء للميّت بالدعاء عليه.

وقال في الذكرى : والظاهر أنّ الدعاء على هذا القسم غير واجب ، لأنّ التكبير عليه أربع ، وبها يخرج من الصلاة (٧).

__________________

(١) لجهالة امّ سلمة الراوية وابنها محمّد بن مهاجر (انظر معجم رجال الحديث رقم ١٥٥٧٢ ، ١١٨٦٥).

(٢) الذكرى : ٥٩ ، وانظر التذكرة ٢ : ٧٢ ، والمختلف ٢ : ٢٩٥.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٧٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٧٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٩ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٧٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

(٦) الوسائل ٢ : ٧٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤.

(٧) الذكرى : ٦٠.

٤٧٤

وفيه : أنّ انحصار التكبير في الأربع لا يقتضي الخروج عن الصلاة بالرابعة ، بل المراد عدم وجوب الخامسة.

وأما القائلون بعدم توزيع الأذكار على التكبيرات مع قولهم بوجوب الدعاء فلا بحث معهم ، فيقدّمونه على الرابعة.

ووجوب الدعاء عليه لا ينافي عدم وجوب الصلاة عليه كالمخالف الغير الناصب على قول ، أو عدم جوازه كما في الناصب ، فإنّه قد يجب تقيّة.

وعلى عدم الوجوب مع الجواز فلا ينافي وجوب الدعاء عليه بعد ما فعل ، مع إمكان إرادة الوجوب الشرطيّ المستفاد من الإيجاب الشرعيّ في الجملة من الأخبار أو من الخارج. وكذا الكلام في الدعاء للطفل مع استحباب الصلاة عليه.

ثمّ إنّ نقص الخمس والأربع في المقامين يوجب بطلان الصلاة ، ويجب تداركه قبل فوات وقت الإمكان إذا نسي أو شكّ في العدد ، فإنّه يبني على الأقلّ ويأتي به.

أما الزيادة ؛ فإن زادها في نيّته في أوّل الأمر بمعنى اعتقاده لزوم الزائد في الصلاة فهو باطل ، لأنّه نوى عبادة غير مشروعة ، فإنّ الظاهر أنّ هذه مهيّة مركّبة مرتبطة بعض أجزائها ببعض مرتّبة على ترتيب ، لا أنّها محض أربع تكبيرات لا ارتباط بينها حتّى لا يكون قصد جزئية شي‌ء آخر لها غير مضرّ.

وأما لو زادها بعد الفراغ وقصد بها الوجوب حينئذٍ فهو اثم ولا تبطل صلاته ، وإن قصد بها المستحبّ فسيجي‌ء الكلام فيه.

وإن زادها في البين ، فإن قصد بها التكبير للصلاة على الميت ، يعني ذَكَرَ للتكبير الذي تذكّر بعده الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلاً تكبيرين ، فهو مبطل ، فإنّ مقتضى كونها مهيّة مركّبة اعتبار كون كلّ تكبير منها في مرتبته ملحوظاً في تلك المرتبة ، والتكبيرات أركان لهذه الصلاة ، مضافاً إلى القيام في حالها والنيّة على وجه ، وزيادة الركن مبطلة للصلاة.

٤٧٥

والحاصل أنّ التكبيرات الخمسة أركان ، وزيادتها ونقيصتها مع عدم تداركها حيث يمكن التدارك مبطل ، فما يظهر من الشهيد في الذكرى من أنّ الزيادة في الأثناء غير مبطلة ، وكذلك قوله بعدم إبطاله في الاخر مطلقاً مع تسليم ركنيته (١) ، وكذا الشهيد الثاني (٢) وصاحب المدارك في الثاني مطلقاً (٣) محلّ نظر.

ويشكل فيما لو كبّر بنيّة الثالثة ودعا للمؤمنين والمؤمنات ثمّ تذكّر أنّه لم يكبّر الثانية ولم يصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو قلنا بأنّ ملاحظة مرتبة التكبير وقصدها لها مدخلية في مهيّة الصلاة خصوصاً مع تميّزه بالذكر الذي بعده على المشهور فتدارك الفائت حينئذٍ مستلزم لتكرار الركن ، ولو لم نقل بذلك فيمكن جعل التكبير الثالث ثانياً ، وتجديد التكبير للثالث ، وحينئذٍ فإما يسقط الدعاء الفائت أو يأتي به بعد التكبير الثالث ، وعلى القول بعدم وجوب التوزيع فلا إشكال ، والأحوط إعادة الصلاة.

ويجي‌ء الإشكال لو كبّر للثالثة مثلاً مع نسيان الثانية وإن لم يشرع بعد في دعاء الثالثة ، ولم أقف على من تعرّض لما ذكرناه ، ويحتاج إلى التأمّل.

وأما التكبير بعنوان أنّه ذكر وحَسَن على كلّ حال ، فالظاهر أنّه لا تضرّ زيادته في الأثناء أيضاً ، كما إذا زاده بين الدعاء ، وذلك كما لو زاد تكبيرة بعد تكبيرة الإحرام لا بنيّة الإحرام في اليومية.

ويظهر مما ذكرنا حكم ما لو تذكّر فعله سابقاً بعد التدارك بسبب الشك ، واستقرب في الذكرى هنا أيضاً الصحة بناءً على أنّ التكبير ذكر حسن في نفسه ، واحتمل البطلان لأنه ركن زيد (٤).

__________________

(١) الذكرى : ٦٤.

(٢) روض الجنان : ٣٠٨.

(٣) المدارك ٤ : ١٦٥.

(٤) الذكرى : ٦١.

٤٧٦

أما الدعوات فلم تثبت ركنيتها ، قال في الذكرى : أما زيادة الدعوات فلا تضرّ قطعاً (١).

تنبيه :

قد ذكر في الأخبار (٢) وكلام أصحابنا الأخيار ثبوت الدعاء للمؤمن والمخالف والطفل والمستضعف والمجهول الحال ، ويظهر لك الكلام في الكل مما نبّهناك عليه في وجوب الدعاء على المخالف بعد التكبيرة الرابعة ، إما بالوجوب الشرعي أو الشرطي.

وورد في الأخبار كيفية أدعيتهم (٣) ، وأنت قد عرفت أنّ مسمّى الأذكار الأربعة كافٍ.

فعلى المشهور الأقوى يكفي أن يقال بعد التكبيرة الأُولى : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وبعد الثانية : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد. وبعد الثالثة : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

وبعد الرابعة : اللهم اغفر لهذا الميت ، ثمّ يكبّر الخامسة وينصرف.

ويستحبّ أن يقول فيها بما ورد في الأخبار وكلام الأصحاب ، ولا يبعد ترجيح القول باستحباب جميع الأذكار بعد كلّ التكبيرات كما ورد في صحيحة أبي ولّاد (٤) ، ورواية سماعة (٥) وغيرهما (٦).

وأجمعها ما ورد في رواية سماعة ، فيقول بعد التكبير : «أشهد أن لا إله إلّا الله ،

__________________

(١) الذكرى : ٦١.

(٢) الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ، وص ٧٦٨ ب ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩١ ح ٤٣٦ ، الوسائل ٢ : ٧٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٩١ ح ٤٣٥ ، الوسائل ٢ : ٧٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٦.

(٦) الوسائل ٢ : ٧٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢.

٤٧٧

وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعلى أئمّة الهدى ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للّذين أمنوا ، ربّنا إنك رؤف رحيم ، اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا من المؤمنين والمؤمنات ، وألّف بين قلوبنا على قلوب أخيارنا ، واهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، اللهم هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، وأنت أعلم به منّا ، افتقر إلى رحمتك واستغنيت عنه ، اللهم فتجاوز عن سيئاته ، وزد في حسناته ، واغفر له وارحمه ، ونوّر له في قبره ، ولقّنه حجته ، وألحقه بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تحرمنا أجره ، ولا تفتنّا بعده».

وإن أردت التوزيع كما هو المشهور فاقرأ ما ذكره الصدوق (١) والمفيد (٢) وغيرهما (٣) فتقول (بعد الشهادتين ما ذكره الصدوق يقول) (٤) : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، وتقول بعد الشهادة الأُولى ما ذكره المفيد في المقنعة : إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً حيّاً قيّوماً لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً ، لا إله إلّا الله الواحد القهّار ، ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين.

ثمّ تكبّر الثانية وتقول ما ذكره الصدوق : اللهم صلّ على محمّدٍ وآل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، وبارك على محمّدٍ وآل محمّد ، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وتكبّر الثالثة ، وتقول ما ذكره الصدوق : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠١ ح ٤٦٩.

(٢) المقنعة : ٢٢٧.

(٣) كسلّار في المراسم : ٧٩ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٣٠.

(٤) ما بين القوسين ليس في «م» ، أقول : ليس المراد ذكر كلّ ذلك بعد الشهادتين ، بل المراد من قوله : أرسله بالحقّ..

٤٧٨

والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، وزاد المفيد : وأدخل على موتاهم رأفتك ورحمتك ، وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك ، إنّك على كلّ شي‌ء قدير.

ثم تكبّر الرابعة ، وتقول ما ذكره الصدوق : اللهم هذا عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً وأنت أعلم به منّا ، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه ، واغفر له ، اللهم اجعله عندك في أعلى عليين ، واخلف على أهله في الغابرين ، وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثمّ تكبّر الخامسة وتفرغ ، وزاد المفيد بعد الخامسة بقول : اللهم عفوك عفوك.

ومقتضى رواية أمّ سلمة الصلاة على الأنبياء (١) ، والأحوط الإتيان بها ، ولكنها ليست بواجبة ، للأصل ، وخلوّ أكثر الأخبار عنها.

نعم تجب الصلاة على آل محمّد إذا صلّى عليه كما تضمّنته الأخبار (٢) وصرّح به في الذكرى (٣).

ثمّ إن كان الميت أُنثى فتؤنّث الضمائر ، ويغيّر الابن بالبنت وهكذا. وإن كان خنثى فيختار ، وله أن يذكّر بقصد الميت ، أو يؤنّث بقصد الجنازة ، ويتصرّف في لفظ العبد والابن والبنت بما يناسبها ، فيقول : اللهم إنّ هذا رقّك وولد عبدك وولد أمتك ، وإن شاء قال : هذه رقّك وولد عبدك وولد أمتك ، إلى آخر الدعاء.

وإن كان الميت مخالفاً فأقلّ الواجب هو الدعاء عليه ، والمنقول فيه روايات منها حسنة الحلبي في جاحد الحقّ : «اللهم املأ جوفه ناراً ، وقبره ناراً ، وسلّط عليه

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨١ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٠ ح ٤٦٩ ، التهذيب ٣ : ١٨٩ ح ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٧٦٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٧٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٦ ، وب ٣ ح ٦.

(٣) الذكرى : ٦٤.

٤٧٩

الحيّات والعقارب» (١).

ومنها صحيحة صفوان بن مهران للناصب : «اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك ، اللهم أصله أشدّ نارك ، اللهم أذقه حرّ عذابك ، فإنّه كان يوالي أعداءك ، ويعادي أولياءك ، ويبغض أهل بيت نبيك» (٢).

وإن كان الميّت مستضعفاً فقل ما روي بطرق كثيرة ، منها حسنة الحلبي : «اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهم عذاب الجحيم» (٣).

قال في الذكرى : المستضعف هو الذي لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه (٤).

وقال في العزيّة من يعرف بالولاية ويتوقّف عن البراءة (٥).

وقال ابن إدريس : من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقادهم (٦).

قال في روض الجنان : والكلّ متقارب (٧).

وفي رواية الفضيل بن يسار : «إن كان منافقاً مستضعفاً» على ما نقله في روض الجنان تبعاً للشهيد في الذكرى وقال : إنّه يدلّ على أنّ المنافق هو المخالف مطلقاً ، لا الناصب ، وعلى أنّ المستضعف لا بدّ أن يكون من المخالفين حتّى يدعا له

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ ح ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٧٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٤ بلفظ آخر ، وهذا اللفظ وارد في حسنة محمّد بن مسلم وهي في الكافي ٣ : ١٨٩ ح ٥ ، والوسائل ٢ : ٧٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٩ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٧٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٧٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٤.

(٤) الذكرى : ٥٩.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٥٩ ، وروض الجنان : ٣٠٧.

(٦) السرائر ١ : ٨٤.

(٧) روض الجنان : ٣٠٧.

٤٨٠