غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

تبادرهما من الأخبار ، ومنع الأولوية فتعيّن الثالث.

فلنذكر من الأخبار روايتين إحداهما تدلّ على بطلان عملهم مطلقاً ، والثانية على أنّها تجديهم وتكتب لهم بعد الاستبصار.

فالأوّل هو ما رواه الكليني في الحسن لإبراهيم بن هاشم عن الباقر عليه‌السلام في ذيل حديث طويل أما لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان (١).

والثاني هو ما رواه الكليني في الحسن ، عن الفضلاء ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : «ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها» (٢) الحديث ، وفي حسنة أُخرى : «لأنّه وضعها في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية» (٣).

وإنّما اخترنا هذه الرواية لاشتمالها على حكم كفار المخالفين ، فإنّ الحرورية هم الخوارج.

وأما القولان الآخران في المسألة ، فأحدهما : ما هو ظاهر التذكرة أنّها لا تفيد لهم ولا تسقط القضاء مطلقاً (٤) ، وثانيهما : ما يظهر من المدارك أنّها تسقط القضاء ولكن لا يؤجر عليها (٥) ، وقد عرفت التحقيق.

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٥ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ح ١٤٣ ، علل الشرائع : ٣٧٣ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٩ ح ٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ٣٨٤.

(٥) المدارك ٤ : ٢٨٩.

٣٤١

وأما المرتد فيجب عليه قضاء أيام ردّته إجماعاً كما ادّعاه في المنتهي (١) ، وتدلّ عليه العمومات المتقدّمة ، خرج ما خرج بالدليل كالمستبصر عن الكفر الأصلي ، ويبقى الباقي.

ويشكل في المرتدّ الفطري لو لم نقل بقبول توبته باطناً أو قتل ، للزوم تكليف ما لا يطاق.

وقد يجاب بمنع استحالته ، لصيرورته باعثاً له بنفسه ، فيبقى في ذمته إلى أن يقضي عنه الولي.

والأظهر قبول توبته باطناً ، فيصحّ ما فعله لو منعه عن القتل مانع إن شاء الله تعالى ، ويلزمه الحكم بطهارته أيضاً.

الثاني : لا يجب قضاء الجمعة والعيدين إجماعاً وقد مرّ.

وأما صلاة الآيات ، فأما مع العلم بها وتركها حتى خرج الوقت فالمشهور وجوب القضاء ، عمداً كان أو سهواً.

وذهب الشيخ إلى عدم وجوب القضاء على الناسي في غير صورة استيعاب القرص (٢).

وعن السيد عدم وجوب القضاء في غير صورة الاستيعاب وإن كان عمداً (٣).

لنا : العمومات والإطلاقات ، وموثّقة عمّار ، ففي جملتها : «وإن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ثم علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف ، وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» (٤).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٢١.

(٢) النهاية : ١٣٤ ، المبسوط ١ : ١٧٢.

(٣) الجمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٤٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩١ ح ٨٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ ح ١٧٦٠ ، الوسائل ٥ : ١٥٦ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ١٠.

٣٤٢

وما رواه الكليني مرسلاً مقطوعاً ، قال : وفي رواية أُخرى : «إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلّي فعليه القضاء ، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه ، هذا إذا لم يحترق كلّه» (١)

وهذه الرواية صريحة في ردّ مذهب الشيخ.

ويؤيّده ما رواه حمّاد في الصحيح عن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد وليقضِ الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل (٢) ولا يضرّ اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب ، وكذلك إرسالها مع اعتضادها بالعمل.

ويدلّ على مذهب السيّد : الأصل ، وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء (٣).

ورواية عبيد الله الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الكسوف تقضى إذا فاتتنا؟ قال : «ليس فيها قضاء» وقد كان في أيدينا أنّها تقضى (٤).

وهما محمولتان على صورة الجهل كما يشعر به تغيير العبارة في قولهعليه‌السلام«إذا فاتتك».

وعلى عدم الاستيعاب جمعاً بين الأدلّة ، لعدم مقاومتهما لما تقدّم ، سيّما مع ضعف الثانية (٥) ، وكون ظاهرها متروكاً عندهم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٥ ذ. ح ٦ ، الوسائل ٥ : ١٥٥ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٧ ح ٣٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ح ١٧٥٨ ، الوسائل ٥ : ١٥٥ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ح ٨٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ح ١٧٥٦ ، الوسائل ٥ : ١٥٦ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٧ ح ٣٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ح ١٧٥٧ ، الوسائل ٥ : ١٥٦ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٩.

(٥) لوقوع محمّد بن سنان في طريقه وهو ضعيف ، انظر معجم رجال الحديث رقم ١٠٩٠٩.

٣٤٣

وأما غير الكسوفين ، فإن ثبت عدم القول بالفصل فهو ، وإلّا فتشمله الإطلاقات والعمومات ، مع أنّ إطلاق القضاء عليها مشكل ، فإنّ الظاهر أنّها من قبيل الأسباب الموجبة للفعل ، وقد تقدّم الكلام فيها في مباحث الأوقات ، وأنّ حكم صلاة الزلزلة أنّها أداء أبداً ، وأنّ الأظهر أنّ غيرها أيضاً كذلك.

وأما مع الجهل بالآية حتّى انقضت ، فأما الكسوفان فلا يجب القضاء إلّا مع احتراق القرص على المشهور الأقوى ، بل قال في التذكرة : إنّه مذهب الأصحاب عدا المفيد (١) ، ونقل في المختلف إطلاق القضاء عن ظواهر جماعة من الأصحاب (٢).

وقال المفيد : إذا احترق القرص وهو القمر كلّه ولم تكن علمت به حتّى أصبحت صلّيت صلاة الكسوف جماعة ، وإن احترق بعضه ولم تعلم به حتى أصبحت صلّيت القضاء فرادى (٣).

لنا : صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم (٤) وصحيحة محمّد بن مسلم والفضيل بن يسار على الأظهر (٥) ، وهما صريحتان في المطلوب ، ورواية حريز ، وهي أيضاً صريحة ، وقد مرّت مقطوعة الكليني.

وليس للقائل بوجوب القضاء إلّا الإطلاقات والعمومات ، وهي بعد تسليم شمولها لما نحن فيه مخصّصة بتلك الأخبار.

وآخر رواية حريز المتقدّمة سابقاً أيضاً مؤوّل بأنّ المراد نفي الغسل ، لا إيجاب

__________________

(١) التذكرة ٤ : ١٨١ مسألة ٤٨٦.

(٢) المختلف ٢ : ٢٨٣.

(٣) المقنعة : ٢١١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٥ ح ٦ ، الوسائل ٥ : ١٥٥ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ٢ وفيها : إذا انكسفت الشمس كلّها واحترقت ولم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء ، وإن لم تحترق كلّها فليس عليك القضاء.

(٥) الفقيه ١ : ٣٤٦ ح ١٥٣٢ ، الوسائل ٥ : ١٥٤ أبواب صلاة الكسوف ب ١٠ ح ١. وفيها : أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم ، وإذا أمسى فعلم؟ قال : إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت ، وإن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه.

٣٤٤

القضاء وإن كان مستحباً ، وليس بصريح فيما لو احترق البعض ، ولو ثبت العموم والوجوب فمخصّص بما ذكر.

وأما قول المفيد فصرّح جماعة بعدم الوقوف على دليله (١) ، واحتجّ له في المختلف (٢) برواية ابن أبي يعفور (٣) ، ودلالتها ممنوعة ، مع كونها ظاهرة في الأداء لا القضاء.

وأما الزلزلة وسائر الآيات ، فقال في التذكرة : فأما جاهل غير الكسوف مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة فالوجه سقوطها عنه عملاً بالأصل السالم عن المعارض (٤).

وقال بعض محقّقي المتأخّرين : وفيه نظر ، لأنّ المعارض موجود ، وهو عموم ما دلّ على وجوب الصلاة للزلزلة من غير توقيت ولا تقييد بالعلم المقارن لحصولها ، ولهذا قال في النهاية : ويحتمل في الزلزلة قويّاً الإتيان بها ، لأنّ وقتها العمر (٥) ، وقد مرّ الكلام في ذلك في مباحث الأوقات.

الثالث : يستحبّ قضاء النوافل المرتّبة مؤكّداً ويتخفّف التأكيد فيما لو كان الفوات بسبب غلبة الله عليه بمرض ونحوه.

وعلى المطلبين أخبار كثيرة ، كصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة ، فيعجب الربّ وملائكته منه ، ويقول : ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه (٦).

وقال في الفقيه : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآلهإنّ الله تبارك وتعالى

__________________

(١) كصاحب المدارك ٤ : ١٣٤.

(٢) المختلف ٢ : ٢٩١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٢ ح ٨٨١ ، الوسائل ٥ : ١٥٧ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ٢.

(٤) التذكرة ٤ : ١٨٢.

(٥) الذخيرة : ٣٢٥.

(٦) الكافي ٣ : ٤٨٨ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ١٦٤ ح ٦٤٦ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ١.

٣٤٥

ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، فيقول : ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه ، أُشهدكم أنّي غفرت له (١).

وحسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل مرض فترك النافلة ، قال : «يا محمّد ، ليست بفريضة ، إن قضاها فهو خير يفعله ، وإن لم يفعل فلا شي‌ء عليه» (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها ، كيف يصنع؟ قال : «فليصلّ حتّى لا يدري كم صلّى من كثرتها ، فيكون قد قضى بقدر ما عليه من ذلك».

ثمّ قال ، قلت له : فإنّه لا يقدر على القضاء ، فقال : «إن كان شُغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخٍ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شُغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلّا لقي الله عزوجل وهو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قلت : فإنّه لا يقدر على القضاء ، فهل يجزي أن يتصدّق؟ فسكت مليّاً ثمّ قال : «فليتصدّق بصدقة» إلخ.

قلت : فما يتصدّق؟ قال : «بقدر طَوله ، وأدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة».

قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكلّ مسكين؟ قال : «لكلّ ركعتين من صلاة الليل مدّ ، ولكلّ ركعتين من صلاة النهار مدّ».

فقلت : لا يقدر ، فقال : «إذن مدّ لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار» قلت : لا يقدر ، قال : «فمدّ إذن لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل ، والصلاة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١٥ ح ١٤٣٢ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٢ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٣١٦ ح ١٤٣٥ ، التهذيب ٣ : ٣٠٦ ح ٩٤٧ ، الوسائل ٣ : ٥٨ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٠ ح ١.

٣٤٦

أفضل ، والصلاة أفضل» (١).

وحسنة مرازم ، وفيها : «إنّ المريض ليس كالصحيح ، كلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» (٢).

واختلف الأصحاب في أفضليّة وقت القضاء ، فالمشهور استحباب تعجيل قضاء النوافل الليلية ولو نهاراً ، والنهارية ولو ليلاً ، ولا ينتظر حصول الموافقة.

وذهب ابن الجنيد (٣) والمفيد في الأركان (٤) إلى أفضلية الموافقة.

وقد غفل بعض المتأخّرين ، ونسب إلى الأكثر استحباب التخالف مطلقاً (٥) ، وهو غلط ، لعدم مساعدة كلماتهم لذلك ، كما تنادي به عبارة الشرائع (٦) والذكرى (٧) وغيرهما (٨) ، وعدم موافقته لأدلتهم ، واستلزام ذلك تناقض أدلّتهم وتدافعها وتهافتها. وفي الحقيقة قولهم عدم ملاحظة الموافقة بل اعتبار التعجيل ، وهو يستلزم المخالفة في اليوم الأوّل والليلة الاولى ، ولكنها ليست بمقصودة من حيث إنها مخالفة ، وتدلّ عليه أية المسارعة (٩) وآية الخلفة (١٠) ، وما رواه الصدوق في تفسيرها عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «كلّما فاتك بالليل فاقضه بالنهار ، قال

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٣ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ ح ٢٥ ، وص ١٩٨ ح ٧٧٨ ، المحاسن : ٣١٥ ح ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ٢ بتفاوت.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥١ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٧ ح ١٠٤٤ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ ح ٧٧٩ ، وص ١٢ ح ٢٦ ، علل الشرائع : ٣٦٢ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٠ ح ٢.

(٣) المختلف ٣ : ٢٧.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٣٧.

(٥) المدارك ٣ : ١٠٩.

(٦) الشرائع ١ : ٥٤.

(٧) الذكرى : ١٣٧.

(٨) الوسائل ٣ : ١٩٩ أبواب المواقيت ب ٥٧.

(٩) آل عمران : ١٣٣.

(١٠) الفرقان : ٦٢.

٣٤٧

الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (١).

وروى الكليني والشيخ عن عنبسة العابد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) قال قضاء صلاة الليل بالنهار ، وصلاة النهار بالليل (٢).

والمراد بالليل والنهار في الروايتين ليس جنسهما ، بل المعهودين ، أي الليل المتّصل بذلك النهار ، والنهار المتّصل بذلك الليل كما هو ظاهر الأخبار الكثيرة ، وفهم الجنسية هو الذي دعا الغافل إلى نسبة استحباب مطلق المخالفة إلى الأكثر ، ومن تتبّع أخبار الباب يجزم بأنّ المراد منها نهار ذلك الليل وليل ذلك النهار.

وحجّة المفيد وابن الجنيد : صحيحة معاوية بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتك من صلاة الليل بالليل» قلت : أقضي وترين في ليلة؟ فقال : «نعم ، اقض وتراً أبداً» (٣).

وصحيحة بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل ، ولا بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس (٤) ويقرب منها رواية إسماعيل الجعفي (٥).

وهذه الأخبار معتبرة ، ظاهرة الدلالة ، فإنّ أقرب محامل الأمر في الأُولى الاستحباب لا مطلق الرخصة ، والثانيتان صريحتان ، ولكنهما لا تقاومان أدلّة المشهور ، إذ منها ظاهر الكتاب والأخبار المعتبرة الكثيرة الظاهرة في رجحان قضاء

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١٥ ح ١٤٢٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٥ ح ١٠٩٣ ، الوسائل ٣ : ١٩٩ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥١ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ح ٦٣٧ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٦ ح ١٤٣٣ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ح ٦٣٨ ، ٦٤٣ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٧.

٣٤٨

صلاة الليل في نهار ذلك الليل ، ولا قائل بالفرق ، فإذا اعتضدت المذكورات بعمل الجمهور تعيّن استحباب المسارعة تخالفتا أو توافقتا.

ومن جميع ذلك ظهر أنّ قول المشهور المسارعة كيف ما كان ، وقول المفيد وابن الجنيد اعتبار الموافقة فلا تغفل.

الرابع : اتّفق الأصحاب على وجوب مراعاة الترتيب فيما فات من الصلاة مع العلم بالترتيب على ما يظهر من المعتبر (١) والمنتهى (٢) ، ونقل الشهيد عن بعض الأصحاب قولاً بالاستحباب (٣) ، وهو ضعيف.

لنا : قوله عليه‌السلاممن فاتته فريضة فليقضها كما فاتته (٤) على إشكال فيه.

وصحيحة زرارة (٥) ، وصحيحة محمّد بن مسلم (٦) ، وصحيحة عبد الله بن سنان (٧) ، وصحيحة أبي بصير (٨) ، ورواية جميل (٩) ، الآتيات في البحث الاتي.

وهل ذلك مخصوص بما لم يفصل بين الصلوات فاصل ، أو يشمل ما لو فات من كلّ يوم نوع صلاة؟ فيه إشكال ، الأظهر الأوّل ، للأصل ، ولظهور الأخبار فيه.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٢) المنتهي ١ : ٤٢٣.

(٣) الذكرى : ١٣٦.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ح ١٤٣ ، وج ٣ : ١٠٧ ح ١٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٩ ح ٣٤٢ ، الوسائل ٥ : ٣٤٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٣ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ح ١٤٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٥١ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٥.

٣٤٩

ويؤيّده عدم اعتبارهم الترتيب في قضاء الصوم ، ولكن ظاهر إطلاقهم وصريح بعضهم وجوب الترتيب في الثاني أيضاً.

وهل ذلك يعتبر في الأيام أيضاً ، أو يختص بالصلوات؟ فيه أيضاً إشكال ، ولازم إطلاقهم فيه أيضاً الترتيب ، وكذلك الشهور والأعوام.

والأمر في صلاة الاستئجار أشكل ، وإدراجه تحت إطلاق كلماتهم أخفى ، فعدم الوجوب فيه أظهر مما تقدّم.

والحاصل أنّ مدلول الأخبار هو ما ذكرنا أوّلاً ، ودعواهم الإجماع أيضاً لم تعلم إلّا في ذلك ، وإن كان فيه إطلاق بالنسبة إلى غير صلاة الاستئجار فالأظهر فيه عدم الوجوب للأصل.

وأما لو جهل الترتيب فذهب العلامة في التحرير (١) وولده (٢) وجماعة من المتأخّرين منهم الشهيدان (٣) إلى عدم الوجوب.

وقيل بالوجوب ، وهو مختار العلامة في الإرشاد (٤).

والأوّل أقرب ، للأصل والإطلاقات ، وعدم انصراف الأخبار المذكورة إلى الجاهل ، والأوامر المطلقة في أنّ من فاتته صلاة فليقضها إذا ذكر.

واحتجّ الخصم بقوله عليه‌السلام : «فليقضها كما فاتته».

وعمومه لما نحن فيه ممنوع ، فإن الظاهر أنّ المراد من الكيفيّات المعتبرة في العبادة المأمور بالإتيان بها على وجهها كما فاتته : الكيفيّات المقصودة للشارع المعتبرة عنده ، لأكل ما يستلزمه تحقيقها في الخارج تبعاً أيضاً ، فإنّ غاية ما استفيد من الشرع هو توقيت كلّ صلاة بوقتها ، وأما تقدّم كلّ وقت على الأخر فهو من الأُمور الخارجية

__________________

(١) التحرير ١ : ٥١.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٤٧.

(٣) الذكرى : ١٣٦ ، البيان : ١٥٢ ، روض الجنان : ٣٦٠.

(٤) إرشاد الأذهان : ٢٧١.

٣٥٠

الاتّفاقية اللازمة لما أمر به ، فالذي أمر به الشارع هو أن يصلّي في المغرب صلاة وفي الفجر صلاة وفي الظهر صلاة ، وتقدّم المغرب على الفجر والفجر على الظهر ليس بجعل الشارع.

نعم قد يستفاد منه تقدّم الظهر على العصر والمغرب على العشاء ، وذلك لا يفيد اطراد الحكم. مع أنّه عليه‌السلام قال «فريضة» ولم يقل فرائض ، ومع إفراد الفريضة يبعد هذا الاحتمال أيضاً.

مع أنّ القائل بوجوب الترتيب يلزمه تكرار الصلاة حينئذٍ ليحصل الترتيب ، وهو يستلزم المخالفة لما فاتته إذا لم يكن فيها تكرار ولا تعدد ولا فاصلة بصلاة زائدة ، مع أنّ ذلك يستلزم العسر والحرج المنفيين.

وعلى القول بالوجوب فيجب على من فاته الظهر والعصر من يومين وجهل السابق أن يصلّي ظهراً بين عصرين أو بالعكس.

ولو جاء معهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها.

ولو جاء معها عشاء من رابع فعل السبع قبلها وبعدها وهكذا.

وفي وجوب الترتيب بين الفوائت الغير اليومية وبينها وبين اليومية مع العلم وجهان ، أوجههما العدم لما مرّ.

الخامس : اختلف الأصحاب في تضيّق الفوائت وتوسعتها فالشيخان (١) والمرتضى (٢) وابن الجنيد (٣) وسلّار (٤) وأبو الصلاح (٥) وابن إدريس (٦) على فوريّتها.

__________________

(١) الشيخ المفيد في المقنعة : ٢١١ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٢٦.

(٢) الجمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٣٨.

(٣) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤.

(٤) المراسم : ٩٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١٥٠.

(٦) السرائر ١ : ٢٧٤.

٣٥١

وصرّح في المبسوط ببطلان الحاضرة مع التقديم عليها (١). وأوجب المرتضى أيضاً الإعادة حينئذٍ في المسائل الرسيّة (٢). وهو ظاهر ابن البرّاج (٣). وبالغ السيد (٤) وابن إدريس (٥) حتّى منعا الاشتغال بغير الصلاة والتكسّب بالمباح والأكل والنوم الزائدين على قدر سدّ الرمق.

والصدوقان (٦) ووالد العلامة (٧) على التوسعة ، ونقله العلامة عن أكثر معاصريه من المشايخ ، وهو مذهب أكثر المتأخّرين (٨).

وظاهر الصدوقين استحباب تقديم الحاضرة ، وغيرهما على استحباب تقديم الفائتة ، بل ظاهر قدماء الأصحاب أيضاً التوسعة على ما يستفاد مما نقل عن بعض الأصحاب (٩) ، فقد نقل بعض الأصحاب عن رسالة لابن طاوس أنّه نقل فيه عن بعض كتب بعض أصحابنا المذكور في خطبته أنّه لم يرو فيه إلّا ما أُجمع عليه وصحّ من قول الأئمّة ما هذا لفظه : «والصلوات الفائتات يقضين ما لم يدخل عليه وقت صلاة ، فإذا دخل عليه وقت بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة متى أحبّ» (١٠).

وذهب المحقّق إلى وجوب تقديم الفائتة إن اتّحدت (١١) ، والعلامة في المختلف إلى

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٧.

(٢) المسائل الرسّية (رسائل الشريف المرتضى ٢) : ٣٦٤.

(٣) المهذّب ١ : ١٢٦.

(٤) الجمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٣٨.

(٥) السرائر ١ : ٢٧٤.

(٦) نقله عن علي بن بابويه في المختلف ٣ : ٥ ، واختاره الصدوق في الفقيه ١ : ٢٣٣ ذ. ح ١٠٢٩ ، ١٠٣٠ ، والمقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٩.

(٧) المختلف ٣ : ٦.

(٨) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٤٠٨ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٤٩٤.

(٩) انظر الخلاف ١ : ٣٨٢ ، والغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٢ ، والسرائر ١ : ٢٠٣.

(١٠) نقله عنه في البحار ٨٥ : ٣٢٨.

(١١) المعتبر ٢ : ٤٠٨.

٣٥٢

وجوب تقديم فائتة يوم الفوات وإن تعدّدت (١).

والأقوى التوسعة واستحباب تقديم الفائتة.

لنا : الأصل ، ونفي العسر والحرج ، وعمومات الآيات والأخبار ، مثل (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٢) و (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٣) وغيرهما من الآيات والأخبار.

وصحيحة سعد بن سعد ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال يا فلان ، إذا دخل الوقت عليك فصلّها ، فإنّك لا تدري ما يكون (٤).

وما دلّ على فضيلة تقديم الصلاة أوّل الوقت (٥).

وفحوى ما دلّ على جواز تقديم النافلة على الفريضة ، كأخبار رقود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ، فقدّم النافلة على الفريضة (٦).

وموثّقة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس ، فقال يصلّي ركعتين ثمّ يصلّي الغداة (٧).

والروايات المستفيضة في خصوص المسألة ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة إلى أن قال وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس (٨).

ومثلها صحيحة أبي بصير عنه عليه‌السلام ، وفي آخرها : «فإن خاف أن تطلع

__________________

(١) المختلف ٣ : ٦.

(٢) البقرة : ٤٣.

(٣) الإسراء : ٧٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ح ١٠٨٢ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٣.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ، ٢.

(٦) الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ، ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ح ١٠٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ذ. ح ٤.

٣٥٣

الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها» (١).

ورواية جميل عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : تفوت الرجل الأُولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة ، قال : «يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الفوت ، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل ، ثمّ يقضي ما فاته ؛ الأُولى فالأُولى» (٢).

وحسنة الحلبي عنه عليه‌السلام (٣) وصحيحة محمّد بن مسلم (٤) الدالّتين على أنّ من فاتته صلاة النهار يقضها متى شاء ، إن شاء بعد المغرب ، وإن شاء بعد العشاء.

وصحيحة الحسين بن أبي العلاء تقرب منها ودلالتها آكد (٥).

وكذلك رواية ابن أبي يعفور (٦).

وصحيحة زرارة الطويلة ، وفي آخرها : «أيتهما ذكرت يعني المغرب والعشاء فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس» قال ، قلت : ولِمَ ذلك؟ قال : «لأنّك لست تخاف فوتهما» (٧).

وما رواه ابن طاوس ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصلّ صلاة ليلته تلك ، قال : «يؤخّر القضاء ويصلّي صلاة ليلته تلك» (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٠٧ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٦ بتفاوت.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ح ٦٣٩ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٢ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ح ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٣ ح ٦٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ح ١٠٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٣.

(٦) التهذيب ٢ : ١٧٤ ح ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ح ١٠٦٣ ، الوسائل ٣ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٢.

(٧) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٨) الوسائل ٣ : ٢٠٨ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٩.

٣٥٤

ونقل أيضاً عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد (١) وعن أصل عبيد الله الحلبي الذي عرض على الصادق عليه‌السلام (٢) ما يدلّ على ذلك.

وفي قرب الإسناد أيضاً ما يدلّ عليه (٣).

وتؤيّده أيضاً أخبار كثيرة ، منها موثّقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل تفوته المغرب حتّى تحضر العتمة ، فقال : «إن حضرت العتمة وذكر أنّ عليه صلاة المغرب ، فإن أحبّ أنّ يبدأ بالمغرب بدأ ، وأن أحبّ بدأ بالعتمة ثمّ صلّى المغرب بعده» (٤) فإن الإجماع نافٍ للتخيير في الحاضرة ، فهي محمولة على إرادة مغرب الأمس.

احتجّ المضيّقون بالإجماع ، نقله الشيخ (٥) وابن زهرة (٦).

وفيما ذكرناه من المخالفات ـ سيّما ما نقلناه عن بعض الأصحاب على ما نقله ابن طاوس دلالة على أنّ هذا النقل يشبه أن يكون توهّماً من ناقله.

وبالأخبار الدالّة على أنّ الفائتة من جملة الصلوات التي تقضى متى ما ذكرت ، وقد مرّ بعضها.

وفيه : أنّ ظاهر تلك الأخبار رفع توهّم الحظر ، سيّما في الأوقات المكروهة ، وأنّه لا وقت معيّناً لها ، لا أنّه يجب الإتيان بها حين التذكّر فوراً ، وهذا مما لا يخفى على من لاحظ هذه الأخبار وتأمّلها أدنى ملاحظة وتأمّل.

__________________

(١) البحار ٨٥ : ٣٢٩ كتاب الصلاة ب ٩٠ ، فيمن نام أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء قال : وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء.

(٢) البحار ٨٥ : ٣٢٨ كتاب الصلاة ب ٩٠ مثل سابقتها.

(٣) قرب الإسناد : ٩١ ، وعنه في البحار ٨٥ : ٣٢٢ كتاب الصلاة ب ٩٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧١ ح ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٥.

(٥) الخلاف ١ : ٣٨٣ مسألة ١٣٩.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٢.

٣٥٥

وبالأخبار المتضمّنة لحكم من فاتته ودخل وقت أُخرى ، أقواها سنداً (١) ودلالة صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها ، أو نام عنها ، فقال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليلٍ أو نهارٍ ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقضِ ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته مما قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (٢).

ويؤدّي مؤدّاها روايته الأُخرى (٣) ، ورواية عبد الرحمن بن الحجّاج (٤) ، ورواية أبي بصير (٥) ، وصحيحة زرارة الطويلة (٦).

وصحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، فقال كان أبو جعفر أو كان أبي يقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلّا صلّى المغرب ثمّ صلّاها (٧).

والجواب عن الروايات بضعف أكثرها ، وعدم مقاومة الباقيات لما ذكرنا ، مع أنّ أوّل صحيحة زرارة أيضاً ظاهر في بيان الجواز ورفع الحظر.

__________________

(١) في «م» : أقربها مستنداً.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٥ ، وص ٢٦٦ ح ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٦ ، وص ٢٦٨ ح ١٠٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧١ ، الوسائل ٣ : ٢١٢ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ح ١٠٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

٣٥٦

ولا يبعد حمل تلك الأخبار على خوف ذهاب وقت الفضيلة ، لا خروج الوقت كما يظهر من صحيحة صفوان وصحيحة زرارة الطويلة على من تأمّلها.

وعلى هذا فلو كان التقديم في الفائتة واجباً لزم هنا ترك الواجب لأجل المستحبّ ، وهو كما ترى.

سلّمنا ، لكن نحمل الأوامر على الاستحباب ، لعدم مقاومتها لما ذكرنا صحّة ودلالة وكثرة واعتضاداً.

وهذه هي أدلّتنا على استحباب تقديم الفائتة ، إذ الذي دلّ على استحباب تقديم الحاضرة روايات ، منها رواية جميل ، وهي أوضحها دلالة ، لكنها ضعيفة (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة أبي بصير ، وهي لا تقاوم هذه من جهة الدلالة وإنّ غلبتها من جهة أصل التوسعة ولا منافاة.

مع أنّ في صحيحة زرارة ما يضعفها من جهة أُخرى ، وهو ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ الظاهر منها خوف ذهاب الفضيلة ، سيّما مع التعليل بقوله عليه‌السلام : «لأنّك لست تخافها».

وقد يقال : إنّ المضايقة موافقة لمذهب العامّة ، فيكون ذلك أيضاً من مرجّحات المختار.

وقد يستدلّ للمضايقة بالاحتياط وأنّه المبرئ للذمة يقيناً ، وبقوله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٢). والكلّ ضعيف ، إذ لا دليل على وجوب الاحتياط ، والأصل براءة الذمّة. وقد بيّنا المبرئ للذمّة الموجب للظنّ القويّ المعمول به ، ولا دليل على وجوب تحصيل اليقين.

وأما الآية فوجه الاستدلال أنّ معناها : أقم الصلاة لذكر صلاتي أيّ وقت ذكرها أو تذكّرها ، أو أقم الصلاة وقت تذكيري لها إيّاك.

__________________

(١) بالإرسال.

(٢) طه : ١٤.

٣٥٧

وفيه : أنّه خلاف الظاهر ، بل أقرب معانيها : أقم الصلاة لتذكري (١) ، أو ليكون ذاكراً لي ، أو نحو ذلك.

نعم وردت روايتان رواهما زرارة إحداهما عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أُخرى ، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله تعالى يقول (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٢)» (٣) الحديث.

والأُخرى رواها في الذكرى ، وهي صحيحة ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في جملتها : «ثم قال يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها ، فإنّ الله عزوجل يقول (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤)» (٥).

وهما غير صريحتين ، سيّما الصحيحة ، فإنّه يمكن إرادة أنّ عموم الآية والأمر بالصلاة يشمل ذلك ، مع أنّ التوقيت معنى مجازي للام ، مع إمكان إرادة أوّل وقت الموسع ، كقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٦).

سلّمنا ، لكن هذا ليس استدلالاً بالآية ، بل هو استدلال بالخبر المفسّر لبطن الكتاب وتأويله ، وهو لا يقاوم أدلّتنا.

واحتجّ المحقّق بصحيحة صفوان المتقدّمة (٧) ، والعلامة بها وبصحيحة زرارة

__________________

(١) في «م» : لتذكيري.

(٢) طه : ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٦ ، وص ٢٦٨ ح ١٠٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٢.

(٤) طه : ١٤.

(٥) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٧ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٦) الإسراء : ٧٨.

(٧) نقله في الذخيرة : ٢١٣ ، والموجود في المعتبر ٢ : ٤٠٦ الاستدلال برواية زرارة ، وأبي بصير ومحمّد بن مسلم ، وأمّا صحيحة صفوان فهي في الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٦ ، والتهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧٣ ، والوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

٣٥٨

الطويلة (١) ، ففي جملتها : «وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة» (٢) الحديث.

والجواب عنهما يظهر مما تقدّم من عدم المقاومة ؛ وحملهما على وقت الفضيلة وعلى الاستحباب.

ومما يؤيّد المختار مضافاً إلى ما مرّ قرب حمل هذه الأخبار وبعد ما استدللنا بها.

وبالجملة الأقوى المواسعة ، والأحوط الإتيان فوراً دائراً مدار لزوم العسر والحرج.

ثمّ إنّ القائلين بالضيق بين قائل بالفساد لو صلّى الحاضرة مضافاً إلى الإثم ، وبين مقتصر على الإثم.

ولعلّ مستند الأولين كون الأمر بالشي‌ء مقتضياً للنهي عن ضده مع دلالة النهي على الفساد.

وهو ضعيف ، لأنّ غاية ما يدل عليه الأمر من حرمة الضد إنّما هو من باب المقدّمة ، وهو حكم تبعي من باب دلالة الإشارة ، وما نسلّمه من باب دلالة النهي على الفساد هو المناهي الأصلية لا التبعيّة كما حقّقناه في محلّه.

ثمّ إنّ ما ذكرناه حكم الذاكر ، وأما الناسي للفائتة إذا فعل الحاضرة وأتمّها ثم تذكّر فتصحّ صلاته قولاً واحداً ، ولا إثم عليه.

ولو تذكر في الأثناء فيعدل إن أمكن وجوباً أو استحباباً على اختلاف القولين.

وهل العدول مختصّ بالواحدة أو يشمل ما لو كانت الفائتة متعدّدة أيضاً؟ فيه إشكال ، والذي ظهر من الأخبار هو حكم الواحدة.

ولو قلنا به في المتعدّدة ؛ ففيما علم الترتيب يعدل إلى الأُولى ، وفيما لم يعلم فإلى ما يبدأ به أوّلاً.

__________________

(١) المختلف ٣ : ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٣٥٩

السادس : العبرة في القضاء بحال الفائتة فمن فاتته الصلاة في السفر يقضيها قصراً ولو في الحضر ، وبالعكس بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب ، بل العلماء إلّا من شذّ كما يظهر من المدارك (١) ، لقوله عليه‌السلام فليقضها كما فاتته (٢).

ونحوه حسنة زرارة قال ، قلت : رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر ، فقال : «يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقضِ في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (٣) وموثّقة عمّار (٤) ، وقوية زرارة الاتية (٥).

ولو نسي في مواضع التخيير ففي التخيير وتعيّن القصر وجهان ، والأحوط القصر.

ولو وجبت الصلاة في السفر ثمّ حضر وفاتت منه يجب عليه قضاء التمام ، وكذا العكس ، لأنّ الشارع كان رخصة في التأخير من أجل التوسيع في الوقت ، ومقتضى ذلك اختلاف التكليف باختلاف الأحوال.

فأفراد صلاة الظهر وإن كان مخيّراً فيها من جهة اختيار أجزاء الوقت ، لكن كلّ واحدة منها متعيّنة على مقتضى وقتها على المكلّف ، فمن خيّره الشارع في صلاة الظهر في أوّل الوقت وكان صحيحاً ثمّ مرض أو فقد الماء في آخر الوقت فإن اختار حال الصحّة والوجدان تتعيّن عليه المائية والقيام ، وإن اختار آخر الوقت وحصل فيه المرض والفقدان فتتعيّن عليه الترابية والقعود.

وهكذا السفر والحضر ، فيتعين على الحاضر الذي دخل عليه الوقت في السفر ثمّ

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٠٤.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ح ١٤٣ ، وج ٣ : ١٠٧ ح ١٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ ح ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٧٣ ح ١٠٨٦ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٢.

(٥) ص ٣٦١.

٣٦٠