غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

عبد الله (١).

واحتجّ الأوّلون بصحيحة عليّ بن مهزيار عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي‌ء يناجي ربّه؟ قال : «نعم» (٢).

وما نقل الصدوق عنه عليه‌السلام مرسلاً : «كلّما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام» (٣) ويشعر به ما تقدّم.

وعموم مثل تينك الخبرين بحيث يشمل الفارسيّة ممنوع ، إذ الكيفيّة التوقيفيّة المتلقّاة من الشارع هي العربيّة ، وهي المعهودة منه ، وليس معنى «كلّ شي‌ء يناجي به» كلّ لسان يناجي به. وبالجملة براءة الذمّة لا تحصل إلا بالاجتناب عن ذلك.

والصدوق رحمه‌الله بعد اختياره ذلك واستدلاله بالخبر الأوّل قال : إنّه لو لم يكن هذا الخبر أيضاً لكنت أُجيزه بقول الصادق عليه‌السلام : «كلّ شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٤).

وهو مبني على جريان أصل البراءة في مهيّة العبادة ، سيّما في مثل هذا المقام الذي ظهر أنّه خلاف المعهود والمقصود من الشارع.

__________________

(١) نقله عنه في الفقيه ١ : ٢٠٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٦ ح ١٣٣٧ ، الوسائل ٤ : ٩١٧ أبواب القنوت ب ١٩ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ ح ٩٣٨ ، الوسائل ٤ : ٩١٧ أبواب القنوت ب ١٩ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٨.

٤١

المقصد الثامن

في التشهّد

وفيه مباحث :

الأوّل : يجب التشهّد في الثانية مطلقاً ، والثالثة من الثلاثيّة ، والرابعة من الرباعيّة بالإجماع على ما نقله غير واحدٍ من الأصحاب (١).

ويجب فيه الجلوس مطمئناً بمقداره بالإجماع والأخبار (٢) ، ويدلّ على وجوبه أيضاً مضافاً إلى وجوب تحصيل البراءة الأخبار المستفيضة ، وسيأتي جملة منها.

وليس بركن ، فلو تركه عمداً بطلت الصلاة.

وأما لو تركه سهواً ؛ فإن كان المنسي هو التشهد الأوّل وذكر قبل تجاوز محلّه وهو ما لم يدخل في ركن فيأتي به ، والظاهر أنّه إجماعيّ على ما يظهر من جماعة (٣) ، وتدلّ عليه النصوص المستفيضة ، فروى سليمان بن خالد في الصحيح قال : سألت

__________________

(١) كالشيخ في الخلاف ١ : ٣٦٥ ، ٣٦٧ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٢١ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٢٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٨٧ أبواب التشهّد ب ١.

(٣) كالشيخ في الخلاف ١ : ٣٦٦ مسألة ١٢٤ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٦ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٣٦.

٤٢

أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين فقال : «إن ذكر قبل أن يركع يجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة ، حتّى إذا فرغ فليسلّم وليسجد سجدتي السهو» (١).

وروى ابن أبي يعفور في الصحيح أيضاً عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما ، فقال : «إن كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلّم» (٢).

والحلبي أيضاً في الصحيح عنه عليه‌السلام : عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد ، قال : «يرجع فيتشهّد» قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : «لا ، ليس في هذا سجدتا السهو» (٣) والظاهر من هذا الخبر نفي سجدة السهو في صورة التذكّر قبل الركوع ، إلى غير ذلك من الأخبار (٤).

وإن جاوز محلّه فيجب عليه المضيّ في الصلاة وسجدتا السهو بعدها ، والظاهر أنّ هذا أيضاً إجماعيّ كما يظهر من جماعة (٥) ، وتدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها ، منها ما تقدّم ، ومنها ما سيجي‌ء.

والمشهور وجوب القضاء عليه أيضاً بعد الفراغ والتسليم ، وكأنّ كونه بعد التسليم إجماعيّ ، بخلاف السجدة ، لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ ح ١٣٧٤ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٣ بتفاوت.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣١ ح ١٠٢٦ ، التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦٢٠ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ ح ١٣٧٦ ، الوسائل ٤ : ٩٩٨ أبواب التشهّد ب ٩ ح ٤.

(٤) الوسائل ٤ : ٩٩٧ أبواب التشهّد ب ٩.

(٥) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٥٣ مسألة ١٩٧ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٦.

٤٣

«إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه» وقال : «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» (١).

ورواية عليّ بن أبي حمزة قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا قمت في الركعتين الأُوليين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهّد ، وإن لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (٢).

ونقل عن المفيد وابني بابويه القول بعدم وجوب القضاء ، وأنّ التشهّد الذي في السجدة يجزئ عنه (٣).

ويدلّ عليه مضافاً إلى الأصل ظواهر الأخبار الكثيرة في مقام البيان ، منها ما تقدّم.

ومنها صحيحة الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتّى يركع في الثالثة ، قال : «فليتمّ صلاته ثمّ يسلّم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم» (٤). ومثلها صحيحة ابن أبي يعفور (٥).

ومنها : حسنة فضيل بن يسار لإبراهيم بن هاشم عن الباقر عليه‌السلام : في الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما ، قال : «فليجلس ما لم يركع وقد تمّت صلاته ، فإن لم يذكر حتى ركع فليمضِ في صلاته ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٧ ح ٦١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٧ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٣٠ ، الوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل ب ٢٦ ح ٢.

(٣) نقله في الذكرى : ٢٢١ ، وانظر المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٩ قال : إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية وذكرته بعد ما ركعت فامض في صلاتك ، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو تشهّدت فيها التشهّد الّذي فاتك.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٧ ح ٦١٦ ، ٦١٩ ، ٦٢٣ ، الوسائل ٤ : ٩٩٦ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣١ ح ١٠٢٦ ، التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦٢٠ ، ٦٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ ح ١٣٧٥ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٤.

٤٤

وإذا سلّم سجد سجدتين» (١) وفي معناها حسنة الحلبي (٢) ، إلى غير ذلك من الأخبار ؛ ، ولا يخلو هذا القول من قوّة.

ولو كان المنسيّ التشهّد الأخير (٣) فالظاهر أنّ المشهور فيه أيضاً لزوم القضاء ، وأن لا فرق فيما بين التشهّدين ، ونصّ في الذخيرة على أنّه لم يقف على أحد من الأصحاب ذهب إلى التفصيل (٤).

ولكن نسب في المفاتيح التفرقة إلى الصدوق ، حيث نقل عنه في المقام الأوّل مشاركته للمفيد ، وهاهنا للمشهور ، ورجّحه هو أيضاً ، متمسّكاً بأنّ ظاهر صحيحة ابن مسلم المتقدّمة أنّه هو للتشهّد الثاني (٥).

ولا بدّ للمفصّل من توجيه رواية عليّ بن أبي حمزة بأنّ المراد من التشهّد فيها التشهّد في سجدتي السهو ، فيوافق الأخبار الكثيرة.

وهكذا لا بدّ من حمل موثّقة أبي بصير قال : سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد ، قال : «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (٦) على المقام الأوّل.

وحينئذٍ فالجمع بين الروايات إما بحمل الأخبار كلّها على الروايتين ، والتزام القضاء في المقامين ، لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ، وعدم التفرقة بين المقام الأوّل والثاني.

وإما بحمل رواية عليّ بن أبي حمزة على ما ذكرنا ، لعدم مقاومتها لظهور الأخبار الكثيرة الصحيحة المقتصر فيها على سجدتي السهو في المقام الأوّل ، وحمل الصحيحة على الاستحباب لما ذكر من عدم المقاومة ، أو القول بعدم استفادة المقام

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٦ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ح ١٤٣١ ، الوسائل ٤ : ٩٩٧ أبواب التشهّد ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٧ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٩ ، الوسائل ٤ : ٩٩٨ أبواب التشهّد ب ٩ ح ٣.

(٣) الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧.

(٤) الذخيرة : ٣٧٣.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ١٥٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦٢١ ، الوسائل ٤ : ٩٩٦ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٦.

٤٥

الأوّل منها لما ذكر من الظهور في المقام الثاني ، ولعلّ ادّعاء الظهور من جهة أنّه عليه‌السلام قال : «إن كان قريباً رجع إلى مكانه» والظاهر منه أنّ الغرض وصل الجزء بالصلاة متلبّساً بالهيئة السابقة ، فتبقى حجّة في المقام الثاني.

ويخدش هذا الظهور قوله : «وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف» فإنّه ظاهر في المقام الأوّل ، مع أنّ الظاهر من تقييد المكان بالنظيف هو أنّ الرجوع إلى مكان الصلاة إذا كان قريباً لأجل كونه مكاناً نظيفاً.

سلّمنا ، لكنها تشمله بإطلاقها. هذا مع ما عرفت من كلام الذخيرة ، ولكلٍّ وجه ، والمشهور أولى وأحوط ، بل هو متعيّن.

ويدلّ على لزوم القضاء مطلقاً أيضاً كما هو المشهور صحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً فاقضِ الذي فاتك سهواً» (١).

وصحيحة حكم بن حكيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمّ تذكر بعد ذلك ، قال : «يقضي «ذلك» بعينه» قلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : «لا» (٢) وقد يقال : إنّ المراد من الركعة هو معناها الحقيقي ، فالمراد من الشي‌ء منها هو القنوت والتشهّد ونحو ذلك (٣).

ونقل في الذكرى بعد نقل هذه الرواية رواية الحلبي عنه عليه‌السلام : «إذا نسيت من صلاتك فذكرت قبل أن تسلّم أو بعد ما تسلّم أو تكلّمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمّه» (٤).

وربّما يستدلّ بهذه الأخبار على قضاء جميع أبعاض الصلاة ، وربّما يستقرب ذلك في أبعاض ما ثبت له القضاء ؛ كما هو ظاهر صحيحة ابن حكيم ، وليس

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٠ ح ١٤٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٣٧ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٠ ح ٥٨٨ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب الخلل ب ٣ ح ٦. وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٣) المدارك ٤ : ٢٣٨.

(٤) الذكرى : ٢٢٠.

٤٦

بذلك البعيد.

وبالجملة إثبات القضاء الذي هو بفرض جديد على التحقيق يشكل في غير ما قام عليه دليل يعتمد عليه.

ويمكن ادّعاء ظهور رواية الحلبي في قضاء الركعة ، ولا يفهم ظهور يعتمد عليه من رواية ابن حكيم أيضاً في الأبعاض ، إلّا أنّه أحوط.

ويمكن أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام «أو الشي‌ء منها» أي شيئاً من هذا القبيل ، لا شيئاً يكون من أجزاء المذكورات ، فتأمّل.

بقي الكلام في ثبوت سجدتي السهو في المقام الثاني من المقامين ، ولا دليل عليه سوى عموم رواية سفيان بن السمط المتقدّمة سابقاً (١) ، وإطلاق موثّقة أبي بصير المتقدّمة ههنا إن لم ندّعِ ظهورها في المقام الأوّل بملاحظة تناسقه مع تلك الأخبار أو لم نحملها عليها. وحكم بلزوم السجدة في التذكرة (٢) ، وهو أحوط ، بل وأظهر.

ثمّ إنّ ابن إدريس أيضاً خالف المشهور فيما ذُكر وقال ببطلان الصلاة لو كان المنسيّ هو التشهّد الأخير وأحدث قبل القضاء (٣) ، والظاهر أنّ بناءه في ذلك على أنّه بعد لم يخرج من الصلاة ، لكون التسليم مستحبّاً عنده ، فالمحدث حينئذٍ محدث في أثناء الصلاة ، بخلاف ما لو كان المنسيّ التشهّد الأوّل ، فإنّه قد انقضت الصلاة ، والحدث خارج عنها.

وقد يجاب عنه أوّلاً : بمنع كلّيّة بطلان الصلاة بالحدث المتخلّل.

وثانياً : بأنّ الفراغ إنّما هو بالتسليم ، والتسليم باعتبار السهو وقع موقعه ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٥ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ح ١٣٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل ب ٣٢ ح ٣ ، وفيها عن أبي عبد الله (ع) قال : وتسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان.

(٢) التذكرة ٣ : ٣٣٩.

(٣) السرائر ١ : ٢٥٩.

٤٧

وسيجي‌ء وجوب التسليم أيضاً.

وثالثاً : بأنّ إطلاق صحيحة حكم بن حكيم المتقدّمة يدفعه ، وكذا ما في معناها مما تقدّم.

ولو أحدث قبل التشهّد الأخير فتبطل الصلاة ، عمداً كان أم لا على المشهور ، بل يحتمل أن يكون إجماعيّاً ، لما قاله في التذكرة ، قال : فإن فعله عمداً أو سهواً في الصلاة بطلت إجماعاً.

وقال بعد الاستدلال على ذلك : فإن وجد بعد الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل التسليم ، فمن جعل التسليم واجباً أبطل الصلاة ، وبه قال الشافعي ، ومن جعله ندباً لم تبطل صلاته ، وبه قال أبو حنيفة (١). ويظهر من المدارك أنّ من قال به قال به إجماعاً منهم (٢).

ويدلّ عليه مضافاً إلى عدم حصول البراءة بذلك والشكّ في تحقّقه رواية الحسن بن الجهم ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : «إن كان قال أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (٣).

وإطلاق موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع كيف يصنع؟ قال : «إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج ملطّخاً بالعذرة فعليه أن يعيد

__________________

(١) التذكرة ٣ : ٢٧١. وانظر المجموع ٣ : ٤٨١ ، والوجيز ١ : ٤٥ ، وفتح العزيز ٣ : ٥٢٠ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ٨٩ ، والهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، والكفاية ١ : ٣٣٤.

(٢) المدارك ٣ : ٤٣١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٤ ح ١٤٦٧ ، وفي الاستبصار ١ : ٤٠١ ح ١٥٣١ ، والوسائل ٤ : ١٢٤١ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦ بتفاوت يسير. وهي ضعيفة لوقوع عبّاد بن سليمان في طريقها ولم يثبت توثيقه.

٤٨

الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة» (١).

وإطلاق صحيحة محمّد بن الفضيل ، عن الكناني ، عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، فقال : «إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة» (٢).

وعموم موثّقة أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام : أنّهما كانا يقولان : «لا يقطع الصلاة إلّا أربعة : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت» (٣).

وخالف في ذلك الصدوق قال : إنه لو لم يتشهّد وأحدث ينصرف ويتوضّأ وجلس حيث شاء وتشهّد (٤) ، وكلامه أعمّ من السهو والعمد.

ويدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : «ينصرف فيتوضّأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهّد ثمّ يسلّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (٥).

وموثّقة عبيد بن زرارة لابن بكير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى الفريضة ، فلمّا فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١ ح ٢٠ ، وص ٢٠٦ ح ٥٩٧ ، الاستبصار ١ : ٨٢ ح ٢٥٨ ، الوسائل ١ : ١٨٤ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٧ ح ٨ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ح ٢٥٠ ، الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٤ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ ح ١٠٣٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٠ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٢ ح ١٥٣٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١.

٤٩

أحدث ، فقال : «أما صلاته فقد مضت ، وبقي التشهّد ، وإنّما التشهّد سنّة في الصلاة ، فليتوضّأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد» (١).

وموثّقة أبيه لابن بكير أيضاً قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : «تمّت صلاته ، وإنما التشهّد سنّة في الصلاة ، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» (٢).

وهذا القول لا يخلو من قوّة ، إلّا أنّ المشهور أولى وأحوط.

ونقل في الذخيرة (٣) عن الشهيد الاستدلال على المشهور برواية الحسن بن الجهم المتقدّمة ، وبأنّ الحدث وقع في الصلاة فيفسدها. وردّ الأوّل بضعف الخبر ، والثاني بأنّه اجتهاد في مقابل النصّ (٤).

والضعف منجبر بالشهرة وغيرها مما ذكرنا.

ونظر الشهيد رحمه‌الله في بطلان الصلاة بوقوع الحدث إلى العمومات ، وقد ذكرنا بعضها ، ولا ريب أنّ العام إذا كان أقوى من الخاصّ من الجهات الأُخر غير الدلالة فلا يجوز تخصيصه بأضعف منه ، فلا معنى لجعل التشبّث بالعمومات اجتهاداً ، بل هو متابعة للنصّ.

نعم يمكن المناقشة بأنّ العمومات من هذا الطرف أيضاً موجودة ، مثل ما يدلّ من الأخبار على البناء لو أحدث في الأثناء بعد الوضوء ، ولكن فيها كلام وسيأتي.

ومثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «إنّه لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود» ثمّ قال : «القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٦ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٢ أبواب التشهّد ب ١٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠٠ ، وفي الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٩٠ ، والوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهّد ب ١٣ ح ٢ ، عبد الله بن بكير عن عبيد الله بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله (ع)..

(٣) الذكرى : ٢٢١.

(٤) الذخيرة : ٣٥١.

٥٠

ولا ينقض الفريضة السنّة» (١) وتجي‌ء تتمّة الكلام ، والاحتياط واضح والحمد لله.

وإن كان الحدث بعد الشهادتين فيمضي في صلاته ، للأخبار الكثيرة وقد مضى بعضها. ومنها صحيحة أبان ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم ، قال : «قد تمّت صلاته ، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه وقام فقد تمّت صلاته» (٢).

وقويّة غالب بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلّم ، قال : «تمّت صلاته ، وإن كان رعافاً غسله ثمّ رجع فسلّم» (٣).

ومع القول باستحباب التسليم لا إشكال في هذا الحكم.

وأما مع وجوبه فأيضاً لا يبعد القول به وإن قلنا ببطلان الصلاة بتخلّل الحدث ، ولو قبل التشهّد ، وقطع بذلك بعض المتأخرين من دون نقل خلاف (٤) ، وهو الظاهر من الصدوق أيضاً كما ذكرنا.

ولكنك عرفت كلام التذكرة. ولعلّ ملاحظة التفصيل الذي ذكره فيها أولى ، سيّما بملاحظة توقّف البراءة على ذلك ، والاحتياط الإتمام والإعادة. هذا في الفريضة.

وأما النافلة ، فقد ورد في الأخبار أنّه إن سها حتّى ركع في الثالثة أنّه يلقي الركوع ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ في بعضها أنّه يستأنف ، وفي بعضها أنّه يقوم ويتمّ.

ففي صحيحة الحلبي ، قال : سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ ح ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٧٧٠ أبواب القراءة ب ٢٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ح ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ح ١٣٠١ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٩ ح ١٣٠٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٤ : ١٠١٢ أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ١٥٠.

٥١

فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة ، قال : «يدع ركعة ، يجلس ويتشهد ويسلّم ثمّ يستأنف الصلاة بعد» (١).

وفي حسنة ابن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتى يركع ويذكر وهو راكع ، قال : «يجلس من ركوعه يتشهّد ثمّ يقوم فيتمّ» قال ، قلت : أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟ قال : «ليس النّافلة مثل الفريضة» (٢) والأولى حمل هذه على الاستئناف أيضاً.

الثاني : اعلم أنّ الأخبار الواردة في حكم التشهّد وبيانه مختلفة جدّاً ، فيظهر من بعضها عدم الوجوب كرواية بكر بن حبيب ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التشهّد ، فقال : «لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا ، إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك» (٣).

وروايته الأُخرى قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أيّ شي‌ء نقول في التشهّد والقنوت؟ قال : «قل بأحسن ما علمت ، فإنّه لو كان موقّتاً لهلك الناس» (٤).

وصحيحة سعد بن بكر ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد الله أجزأه» (٥).

ويظهر من بعضها أنّ ما يقال فيه هو مطلق الشهادتين ، مثل رواية سورة بن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٩ ح ٧٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٣١ أبواب الخلل ب ١٨ ح ٤ وفيهما : ويجلس.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٨ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٩ ح ٧٥١ ، وص ٣٣٦ ح ١٣٨٧ ، الوسائل ٤ : ٩٩٧ أبواب التشهّد ب ٨ ح ١ بتفاوت بين المصادر.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٨٨ ، الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهّد ب ٥ ح ٣. وهي ضعيفة لأنّ راويها لم يوثّق.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨١ ، الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهّد ب ٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٦ ، الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهّد ب ٥ ح ٢.

٥٢

كليب ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزئ من التشهّد ، فقال : «الشهادتان» (١).

وتؤيّده صحيحة الفضلاء عنه عليه‌السلام ، قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، وإن كان مستعجلاً في أمرٍ يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأ» (٢) وهذا يدلّ على وجوب التشهّد أيضاً.

وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً ، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد» (٣) وهذا أيضاً يدل على الوجوب.

وفي بعضها تصريح بوجوب «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله» كصحيحة محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التشهّد في الصلاة؟ قال : «مرّتين» قال ، قلت : وكيف مرّتين؟ قال : «إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. ثمّ تنصرف».

قال : قلت ، قول العبد : التحيّات لله ، والصلوات الطيّبات لله؟ قال : «هذا اللطف من الدعاء ، يلطف العبد بربه (٤)» (٥).

وتؤيّده موثّقة عبد الملك بن عمرو الأحول ، عنه عليه‌السلام ، قال : «التشهّد في الركعتين الأُوليين : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتقبّل شفاعته ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٥ ، الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهّد ب ٤ ح ٦ ، وهي ضعيفة لوقوع يحيى بن طلحة في طريقها وهو مجهول ، وكذا ففي توثيق راويها كلام.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٨ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهّد ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ح ١٣٢٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٤) في «ص» ، «ح» : يلطف بربه ، وقد تقرأ بلطف ، وما في المصادر : يلطف العبد ربّه.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

٥٣

وارفع درجته» (١).

ويتمّ إثباته في الثانية بضميمة عدم القول بالفصل ، وبصحيحة أحمد بن أبي نصر قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، التشهّد الذي في الثانية يجزئ أن أقوله في الرابعة؟ قال : «نعم» (٢).

وبما ذكرناه يمكن أن تنطبق على هذا المذكور صحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في التشهّد في الركعتين الأُوليين؟ قال : «أن تقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له» قلت : فما يجزئ من التشهّد في الركعتين الأخيرتين؟ فقال : «الشهادتان» (٣) بنوع من التوجيه ، وهو أن يكون اقتصاره عليه‌السلام في الشهادة بالتوحيد لأنّه في صدد بيان الكيفيّة لا الكميّة ، أو لأنّه عَلِمَ من حال الراوي عِلمه بحال التشهّد بالرسالة أو نحو ذلك ، فيحمل مطلق الثاني على مقيّد الأوّل ، سيما مع ملاحظة رواية يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «التشهّد في كتاب عليّ شفع» (٤).

والمشهور بين الأصحاب وجوب الشهادتين ، بل وهو إجماعيّ على ما نقله غير واحد من الأصحاب ، منهم المرتضى (٥) والشيخ (٦) والعلامة (٧) والشهيد (٨).

ونقل عن الصدوق في المقنع أنّه اقتصر على الشهادتين ، ولم يوجب الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ القول بأنّ أدنى ما يجزئ الشهادتان أو يقول

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٤ ، الوسائل ٤ : ٩٨٩ أبواب التشهّد ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٨٧ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهّد ب ٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٠ ح ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٤ ، الوسائل ٤ : ٩٩١ أبواب التشهّد ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨٠ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهّد ب ٤ ح ٥.

(٥) الناصريّات (الجوامع الفقهيّة) : ١٩٨.

(٦) الخلاف ١ : ٣٧٢ مسألة ١٣١.

(٧) التذكرة ٣ : ٢٣٠.

(٨) الذكرى : ٢٠٣.

٥٤

بسم الله وبالله ثمّ يسلّم (١) ، وردّه في الذكرى بأنّه معارض بإجماع الإماميّة (٢).

والمشهور بينهم الاكتفاء بقوله : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهم الأخبار المتقدّمة ، لكن الظاهر منها أنّه لا اختصاص بهذه الهيئة ، بل يشمل ما لو تغيّرت بأدنى تغيير ، كحذف كلمة أشهد في الثاني والعطف بالسابق ، أو بوضع المضمر موضع المظهر في الثاني ، أو بحذف حرف العطف ، أو غير ذلك ، ولكن المعهود المتعارف من الشهادتين هو الأوّل ، فعلى القول بالمشهور الأولى عدم التجاوز عنه.

وقيل : يجب «أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله» (٣) ولهم الأخبار المتقدّمة ، والاحتياط في ذلك ، وإن كان المشهور أقوى.

وأما ما دلّ على نفي الوجوب وكفاية ما أجمع الأصحاب على عدمه فيجب التأويل فيه على ما اقتضاه الحال ، فما ذكر فيها لفظ السنّة (٤) ، فالمراد منه مقابل الفريضة التي ثبتت من الكتاب ، ولا ينافي ذلك الاستحباب.

وما تضمّن كفاية ذكر الحمد لله أو أيّ قول حسن كان ونحو ذلك (٥) فإما محمول على ما ينبغي من الأذكار المستحبّة في التشهّد ، وهو أظهر ، أو على التقيّة ؛ لعدم وجوب التشهّد عند جماعة منهم (٦) ؛ لأنّها معارضة بما هو أقوى منها ، والمعوّل عليها عند الأصحاب ، بل والمجمع على مضمونها كما ذكرنا.

الثالث : وتجب بعد ذكر الشهادتين الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على

__________________

(١) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٨.

(٢) الذكرى : ٢٠٤.

(٣) ذهب إليه الشهيد في الدروس ١ : ١٨٢.

(٤) الوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهّد ب ١٣.

(٥) الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهّد ب ٥.

(٦) المغني لابن قدامة ١ : ٥٧١.

٥٥

المشهور ، وادّعى عليه الإجماع جماعة من أصحابنا ، منهم الشيخ (١) والفاضلان (٢) والصدوق (٣) وابن زهرة (٤) ، وقال الشيخ : إنه ركن (٥) ، وهو قول أحمد من العامّة (٦) ، والشافعي في الأخيرة (٧) ، واستحبّها أبو حنيفة في الموضعين (٨) ، وكذا مالك (٩).

وليس من أخبار الخاصّة ما كان نصّاً في الوجوب.

وأظهرها دلالة هي صحيحة أبي بصير وزرارة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له ، إنّ الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة ، فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى)» (١٠).

وقد يناقش في دلالته بأنّ قرينة التشبيه بحمل ذلك على نفي الفضيلة ، للإجماع

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٦٩ مسألة ١٢٨.

(٢) المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٩٣.

(٣) نقله عنه في كنز العرفان ١ : ١٣٣. وقال في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦١ ولم أجد ذلك في الأمالي ونقل ذلك الشيخ نجيب الدين ، وقال في المستند ٥ : ٣٣٧ وأمّا الصدوق فليس وجه لنسبته إليه إلّا ذكره بعض الأحاديث المتضمّنة للأمر في كتابه. أقول : عنى بالأحاديث الأحاديث الآمرة بالصلاة عليه كلّما ذكر ، انظر الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٥.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٩.

(٥) الخلاف ١ : ٣٦٩.

(٦) المجموع ٣ : ٤٦٥ و ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٣ ، المغني ١ : ٦١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٣ ، الفتح الربّاني ٤ : ٢٨.

(٧) نفس الهامش السابق.

(٨) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٩ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٧٥ ، شرح العناية ١ : ٢٧٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١٣ ، بلغة السالك ١ : ١١٧ ، المجموع ٣ : ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، المغني ١ : ٦١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٤ ، الفتح الرباني ٤ : ٢٨.

(٩) نفس الهامش السابق.

(١٠) التهذيب ٢ : ١٥٩ ح ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ح ١٢٩٢ ، الوسائل ٤ : ٩٩٩ أبواب التشهّد ب ١٠ ح ٢.

٥٦

على صحّة الصوم بدون الزكاة ، ولا دلالة في الخبر على الصلاة على إله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

واستدلّوا أيضاً بعموم قوله تعالى (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١) خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.

وفي دلالته خفاء وبُعد ، لأنّ المناسب لقوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) إرادة الاعتناء بإظهار الشرف ، وهو يحصل بمطلق الثناء ، وهو حاصل بالشهادة بالرسالة ، مع أنّ الأمر لا يقتضي إلّا طلب الطبيعة ، وهي تحصل بالمرّة. نعم وردت الأخبار في تفسيرها بالصلاة المعهودة (٢).

وأما مثل موثّقة عبد الملك المتقدّمة ، ومثل موثّقة أبي بصير الطويلة المتضمّنة للأذكار المستحبّة فيه حيث قال عليه‌السلام : «فقل بسم الله وبالله والحمد لله» إلى أن قال بعد الشهادتين وبعض الأذكار المستحبّة «اللهم صلّ على محمّدٍ وآل محمّد ، وبارك على محمّدٍ وآل محمّدٍ» (٣) الحديث ، فيشكل الاستدلال أيضاً ، سيّما بالأخيرة ، لتضمّنها المستحبّات الكثيرة ؛ الذي يوجب ضعفاً في ظهور الأمر في الوجوب.

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك» (٤).

وبرواية محمّد بن هارون عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا صلّى أحدكم ولم يذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة ، وقال

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

(٢) عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٢٣٦ ، تفسير أبي الفتوح ٤ : ٣٤٣ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٣٤٩ أبواب الذكر ب ٣٢ ح ٩ ، ١١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٣ ، الوسائل ٤ : ٩٨٩ أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي : ٣٠٣ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦٦٩ أبواب الأذان ب ٤٢ ح ١.

٥٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ذُكرت عنده ولم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده الله» قال : «وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ذُكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ بطريق الجنة» (١).

ورواية أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ذُكرت عنده فنسي أن يصلّي عليّ خطأ الله به طريق الجنة» (٢).

ويتمّم المطلب برواية عبد الله بن ميمون عنه عليه‌السلام ، قال : «سمع أبي رجلاً متعلّقاً بالبيت وهو يقول : اللهم صلّ على محمّد ، فقال له أبي : يا عبد الله لا تبترها ، لا تظلمنا حقّنا ، قل : اللهم صلّ على محمّد وأهل بيته» (٣) ونحوها من الأخبار (٤).

ولكن هذه الأخبار تدلّ على وجوب الصلاة بسبب ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأمن جهة خصوص ذكر التشهّد.

واستدلّ المحقّق (٥) بما رواه من طريق العامّة «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في صلاته : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنك حميد مجيد» (٦) فتجب متابعته ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (٧).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٥٩ ح ١٩ ، أمالي الصدوق : ٤٦٥ ح ١٩ ، عقاب الأعمال : ٢٤٦ ح ١ ، المحاسن : ٩٥ ح ٥٣ ، الوسائل ٤ : ٩٩٩ أبواب التشهّد ب ١٠ ح ٣ بتفاوت ، والرواية ضعيفة لأنّ ابن الوليد والشيخ ضعّفا راويها.

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٩ ح ٢٠ ، ثواب الأعمال : ٢٤٦ ، الوسائل ٤ : ١٢١٧ أبواب الذكر ب ٤٢ ح ١.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥٩ ح ٢١ ، الوسائل ٤ : ١٢١٨ أبواب الذكر ب ٤٢ ح ٢.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢١٧ أبواب الذكر ب ٤٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٢٧.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٠٥ ح ٤٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ ح ٩٧٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٧.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ كتاب الأذان ب ١٨ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ ح ٨.

٥٨

ثمّ إنّه بعد تسليم الاستدلال بتلك الأخبار على المطلوب ، فهل هي باقية على ظاهرها من العموم أو مخصّصة بحال التشهّد؟ نقل الفاضلان الإجماع على عدم وجوب الصلاة كلّما ذكر (١) ، وقال بالوجوب الفاضل المقداد رحمه‌الله في كنز العرفان ، ونقله عن الصدوق (٢) ، وذهب إليه بعض المتأخرين أيضاً (٣) ، وللعامّة أقوال منتشرة (٤).

وقد يضعف الوجوب بعدم ذكرها في الأخبار الكثيرة والأدعية الكثيرة ، مع ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذا لم يعلّموا المؤذنين ذلك ونحو ذلك ، وكذا يظهر الاستحباب من سياق الأخبار الواردة في فضلها وثوابها فلاحظ (٥) ، والأحوط عدم الترك بحال.

ونقل العلامة رحمه‌الله في التذكرة أخباراً من طريق العامة ظاهرة في المطلوب (٦).

وبالجملة مع ما ذكرنا من الأدلّة لا يبقى مجال للتأمّل في وجوب الصلوات على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهّد ، سيّما مع توقّف البراءة على ذلك.

(وأما في غير الصلاة) (٧) كلّما ذكر اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله فموضع تأمّل ، بالنظر إلى الإجماعات المنقولة ، ولزوم العسر والحرج غالباً. والأحوط عدم الترك مهما أمكن ، لغاية التأكيد المستفاد من الأخبار.

__________________

(١) المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، والعلامة في التذكرة ٣ : ٢٣٢.

(٢) كنز العرفان ١ : ١٣٣.

(٣) كصاحب الحدائق ٨ : ٤٦٣.

(٤) انظر نيل الأوطار ٢ : ٣٢١ ـ ٣١٨.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ١٢١٠ أبواب الذكر ب ٣٤ ٤٢.

(٦) التذكرة ٣ : ٢٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٥ ح ٤٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ ح ٩٧٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ ح ٦ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٧.

(٧) في «ص» ، «م» : وأما في الصلاة سيما.

٥٩

والظاهر أنّه لا اختصاص باسمه الشريف ، بل المعتبر هو المسمّى وإن كان بالوصف ، كالرسول والنبيّ ، أو بالضمير ، ونحوهما.

وهل يجب في التشهّد مطلق الصلاة أو لفظ مخصوص؟ الأقوى والأحوط الاقتصار بما تضمّنته الموثّقتان (١) ، وإن كان الاكتفاء بمطلقها لا يخلو من قوّة.

ويكفي فيمن ذكر اسمه الشريف أو ذُكر عنده مطلقاً مثل قوله «وربّ صلّ عليه وآله» وغير ذلك ، ويمكن الاكتفاء بمطلق طلب الرحمة والدعاء له ، والأحوط فيه أيضاً الإتيان بلفظ الصلاة.

الرابع : يستحبّ أن يلصق ركبتيه بالأرض ويفرج بينهما شيئاً.

وأن يتورّك كما تقدّم.

وأن يكون طرف إبهام اليمنى على الأرض.

وأن لا يقعد (٢) على قدميه فيتأذّى بذلك ، ولا يكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضه على بعض فلا يصبر للتشهّد والدعاء.

كلّ هذا مضمون صحيحة زرارة المتقدّم بعضها (٣).

ويستحبّ العمل بالمأثور من الأدعية ، مثل ما ورد في موثّقة أبي بصير الطويلة (٤) وغيرها (٥).

__________________

(١) وهما موثّقة عبد الملك وموثّقة أبي بصير المتقدّمتان في ص ٥٣ ، ٥٧.

(٢) في «ص» : وأن لا يعتمد.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٣ ، الوسائل ٤ : ٩٨٩ أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٥) مستدرك الوسائل ٥ : ٦ أبواب التشهّد ب ٢.

٦٠