غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

الفصل الرابع

في اللواحق

وفيه مقاصد :

١٠١
١٠٢

المقصد الأوّل

في الجماعة

وفيه مباحث

الأوّل : تستحبّ الجماعة في الفرائض كلّها وهو مذهب علمائنا أجمع ، قاله في المنتهي (١) ، وتتأكد في اليومية. قال في المدارك : وهو من ضروريات الدين (٢).

ويدلّ عليه قوله تعالى (وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ) (٣).

والأخبار المستفيضة ناطقة بما ذكرنا ، فروى الشيخ في الصّحيح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ بأربعة وعشرين درجة ، تكون خمسة وعشرين صلاة» (٤).

وقال الصدوق في الفقيه وكأنها عبارة الحديث وصلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة في الجنة ، والصلاة في

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣٦٣.

(٢) المدارك ٤ : ٣١٠.

(٣) البقرة : ٤٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٥ ، الوسائل ٥ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١ بتفاوت يسير.

١٠٣

جماعة تفضل صلاة الفذ بأربع وعشرين صلاة ، فيكون خمساً وعشرين صلاة (١).

والظاهر أنّ العبارة الأخيرة هي رواية ابن سنان المتقدّمة.

وروى الكليني في الحسن لإبراهيم عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة ، قال : «صدقوا» فقلت : الرجلان يكونان جماعة؟ فقال : «نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الإمام» (٢).

ولا يمكن الجمع بين الأخبار إلّا بالحمل على مراتب الفضيلة بالنسبة إلى الأشخاص والأُمور الخارجية كما لا يخفى على المتأمّل.

ويؤيّد ذلك أيضاً : ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنّها تفضل بسبع وعشرين درجة» (٣).

وما رواه الشهيد الثاني رحمه‌الله عن الشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد القمي في كتاب الإمام والمأموم بإسناد متّصل إلى أبي سعيد الخدري ، وهو طويل ، وفيه : «الصلوات الخمس في الجماعة إذا كانا اثنين كتب الله له بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة.

وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة سبعمائة صلاة.

وإذا كانوا أربعة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفاً ومائتي صلاة.

وإذا كانوا خمسة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين وأربعمائة صلاة.

وإذا كانوا ستّة كتب الله لكلّ واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة.

وإذا كانوا سبعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٢ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٣.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٣٤١ ح ١١٠ ، صحيح البخاري ١ : ١١٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٩ ب ١٦ ح ٧٨٩.

١٠٤

وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة.

وإذا كانوا تسعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة.

وإذا كانوا عشرة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة سبعين ألفاً وألفين وثمانمائة صلاة.

فإن زادوا على العشر فلو صارت السماوات والأرض كلّها صفحات ، والبحار مداداً ، والأشجار أقلاماً ، والثقلان مع الملائكة كتّاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة» (١) الحديث ، وفيها ذكر فضائل كثيرة لصلاة الجماعة.

والأخبار في فضيلة الجماعة والتعيير على تاركها أكثر من أن تحصى.

وفيها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين» (٢)

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا غيبة إلّا لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذّره ، فإن حضر جماعة المسلمين وإلّا أحرق عليه بيته» (٣).

ويدلّ على التأكيد في اليومية سيّما الغداة والعشاء مضافاً إلى ما سبق ما رواه الصدوق مرسلاً ، قال الصادق عليه‌السلام : «من صلّى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة الله عزوجل ، ومن ظلمه فإنّما يظلم الله ، ومن حقّره فإنما

__________________

(١) جامع الأحاديث : ٣٢٧ ، روض الجنان : ٣٦٢ و ٣٦٣ بتفاوت.

(٢) علل الشرائع : ٣٢٥ ب ١٨ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٤١ ح ٥٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢ ح ٣٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢.

١٠٥

يحقّر الله عزوجل» (١).

وحسنة زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من صلّى الصلوات الخمس في جماعة فظنّوا به خيراً» (٢).

ورواية محمّد بن عمارة قال : أرسلت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاة في جماعة؟ فقال : «الصلاة في جماعة أفضل» (٣).

ولا بدّ من حمل ذلك على ما إذا كانت الجماعة عدداً يكون ثوابه أكثر من مسجد الكوفة كما ذكرنا في حديث الخدري (٤).

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواية ابن أبي يعفور لضرير البصر الذي اعتذر بعدم وجدان القائد إلى الجماعة : «شدّ من منزلك إلى المسجد حبلاً واحضر الجماعة» (٥).

واعلم أن ظاهر ما ادّعاه العلامة من الإجماع وكذا الشهيد هو استحباب الجماعة في الفرائض كلّها مؤدّاة كانت أو مقضيّة ، وأصالة كانت أو منذورة ، وفي مثل صلاة الاحتياط وصلاة الطواف.

واستفادة ذلك العموم من الأخبار محلّ تأمّل كما ذكره بعض المتأخّرين (٦) ، وكذا تحقّق الإجماع فيها ، ولم ينقل على جميع ذلك بالخصوص أيضاً إجماع ، والاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين أولى.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٨ ، المحاسن : ٥٢ ح ٧٦ ، الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣ ح ٢.

(٢) الموجود رواية السكوني ، انظر الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٣ ، والفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٣ ، والوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٤ ، وفي طريقها إبراهيم بن هاشم.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٢ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ٤.

(٤) المتقدّم في ص ١٠٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٩.

(٦) كصاحب المدارك ٤ : ٣١٠.

١٠٦

ولا تجب الجماعة بالأصالة إلّا في الجمعة والعيدين ، وقد تقدّمتا ، وهذا الحكم إجماعيّ بين الأصحاب.

والمخالف في ذلك أكثر العامة ، فقيل بوجوبها كفاية في الصلوات الخمس (١) ، وقيل باشتراط صحّة الصلوات بها (٢).

ويدلّ على مذهب الإمامية مضافاً إلى الأصل والإجماع ظاهر الأخبار المتقدّمة ، وسياقها مساق الاستحباب كما لا يخفى.

وأما الاستدلال بصحيحة زرارة والفضيل قالا قلنا له : الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال : «الصلاة فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنها سنّة من تركها رغبةً عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له» (٣) فيمكن المناقشة فيه بأنّ المراد بالسنّة ما قابل الفريضة ، وهو أعمّ من المستحب.

ويشكل بالآية (٤) ، ومع ملاحظتها فالاستحباب أقرب مجازاتها لو لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه ، إما مع متروكيّة الأوّل أو مع الاشتراك. ولو قلنا فالأمر أوضح ، أما على الأوّل فظاهر لأصالة الحقيقة وظهور عدم إرادة المعنى اللغوي ، وعلى الثاني فالآية قرينة معيّنة.

وإن أبيت عن جميع ذلك فنقول : إنّ سياق الخبر كالأخبار الكثيرة الأُخر ظاهر في ذلك ، وإنما قلنا إنّه لا تجب أصالة إذ قد تجب لعارض كالنذر وشبهه ، وكما لو عجز المصلّي عن القراءة فيلزمه الائتمام كما مرّ.

ولا تجوز الجماعة في النوافل عدا ما استثني ، منها صلاة الاستسقاء ، ومنها صلاة العيدين مع اختلال الشرائط ، وقد تقدم الكلام فيهما ، قال في المنتهي : وذهب إليه

__________________

(١) ذهب إلى ذلك ابن شريح كما في فتح العزيز ٤ : ٢٨٥ ، وسبل السلام ٢ : ٤٠٩.

(٢) نقله عن داود في المجموع ٤ : ١٨٩ ، ونيل الأوطار ٣ : ١٥١ ، وبداية المجتهد ١ : ١٣٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٢.

(٤) قوله تعالى «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ» (البقرة : ٤٣).

١٠٧

علماؤنا أجمع (١).

ويظهر من الشهيد في الذكرى أنّ المسألة ليست بإجماعيّة (٢).

قيل (٣) : ويظهر وجود المخالف من كلام المحقّق في الشرائع ، فإنّه قال : يجوز أن يأتمّ المتنفّل بالمفترض والمتنفّل والمفترض بالمتنفّل في أماكن ، وقيل مطلقاً (٤). والأقوى عدم الجواز وبطلان مثل هذه الصلاة.

لنا : مضافاً إلى أصالة عدم الجواز ، لكونها من الأُمور التوقيفية ، وعدم ثبوت جواز إسقاط القراءة ، وصحّة هذه الهيئة بتوقيفٍ من الشارع ، والإجماع المتقدّم : صحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما‌السلام ، قالا : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي ، فخرج من أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي فاصطفّ الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته فتركهم ، ففعلوا ثلاث ليال ، فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة» (٥).

ورواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وسماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال في جملتها : «فلما كان من الليل قام يصلّي فاصطفّ الناس خلفه ، فانصرف إليهم فقال : يا أيّها الناس إنّ هذه الصلاة نافلة ، ولن يجتمع

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣٦٤.

(٢) الذكرى : ٢٦٦ قال : لو صلّى مفترض خلف متنفّل نافلة مبتدأة أو قضاءً لنافلة ، أو صلّى متنفّل بالراتبة خلف المفترض ، أو متنفّل براتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخّرين المنع. قال في المدارك ٤ : ٣١٥ وهذا الكلام يؤذن بأنّ المنع ليس إجماعيّاً.

(٣) كما في المدارك ٤ : ٣١٥ ، ٣٣٧.

(٤) الشرائع ١ : ١١٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٨٧ ح ٣٩٤ ، التهذيب ٣ : ٦٩ ح ٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٧ ح ١٨٠٧ ، الوسائل ٥ : ١٩١ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ١.

١٠٨

للنافلة ، فليصلّ كلّ رجل منكم وحده ، وليقل ما علّمه الله في كتابه ، واعلموا أن لإجماعه في نافلة» (١) الحديث.

وحسنة زرارة لإبراهيم بن هاشم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يزيد في صلاته في شهر رمضان ؛ إذا صلّى العتمة صلّى بعدها يقوم الناس خلفه ، فيدخل ويدعهم ثمّ يخرج أيضاً ، فيجيئون ويقيمون خلفه ، فيدخل ويدعهم مراراً» (٢) الحديث.

ورواية محمّد بن يحيى قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسئل ، هل يزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل؟ فقال : «نعم ، قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي بعد العتمة في مصلّاه فيكثر ، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلّوا بصلاته ، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله ، فإذا تفرّق الناس عاد إلى مصلّاه فصلّى كما كان يصلّي ، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل ، وكان يصنع ذلك مراراً» (٣).

ومع ملاحظة عموم رواية إسحاق بن عمّار ، وملاحظة خصوص تلك الأخبار مع عدم القول بالفصل لا يبقى مجال لترجيح الجواز.

ويدلّ على الجواز روايات ، منها صحيحة أبان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «صلّ بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة ، فإني أفعله» (٤). والأخبار التي في جواز إمامة المرأة للنساء في النافلة (٥)

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٦٤ ح ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٦٤ ح ١٨٠١ ، الوسائل ٥ : ١٨١ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ١٥٤ ح ٢ ، الوسائل ٥ : ١٩٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ٣ والرواية عن عبيد بن زرارة من دون وقوع إبراهيم بن هاشم في طريقها.

(٣) التهذيب ٣ : ٦٠ ح ٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦١ ح ١٧٩٥ ، الوسائل ٥ : ١٧٤ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٧ ح ٧٦٢ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٣.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ، وفي بعضها الصحيح : عن المرأة تؤمّ النساء فقال : تؤمّهنّ في النافلة ، فأمّا المكتوبة فلا.

١٠٩

وسيجي‌ء.

والجواب عن الأوّل : مع عدم مقاومتها للأخبار المتقدّمة أنّها محمولة على التقيّة.

ويشهد لذلك موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد ، قال لما قدم أمير المؤمنين عليه‌السلام الكوفة أمر الحسن بن عليّ عليه‌السلام أن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في الناس الحسن بن عليّ عليه‌السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن عليّ صاحوا : وا عمراه وا عمراه (١) الحديث.

وعن الثاني : فمع ما سيجي‌ء فيما بعد نقول : إنّها أخصّ من المطلوب ، وإثبات عدم القول بالفصل مشكل ، مع أنّها لا تقاوم أدلّة المشهور لكثرتها واعتضادها بالإجماع ، والأصل ، بل الأُصول وغير ذلك ، فالحقّ مع المشهور.

ومما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب إليه أبو الصلاح في صلاة الغدير ، وإن قال : وردت به رواية (٢).

وتنعقد الجماعة باثنين أحدهما الإمام ، وهو قول فقهاء الأمصار ، قاله في المنتهي (٣). ويدلّ عليه مضافاً إلى حسنة زرارة المتقدّمة (٤) أخبار كثيرة ، منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٧٠ ح ٢٢٧ ، الوسائل ٥ : ١٩٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ٢ ، وتمام الحديث : فلمّا رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال له : ما هذا الصوت؟ قال : يا أمير المؤمنين الناس يصيحون وا عمراه وا عمراه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قل لهم صلّوا.

(٢) الكافي في الفقه : ١٦٠ ، ونقل الرواية عنه في التذكرة ٢ : ٢٨٥.

(٣) المنتهي ١ : ٣٦٤.

(٤) ص ١٠٤ ، وهي في الكافي ٣ : ٣٧١ ح ١ ، والتهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٢ ، الوسائل ٥ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ١.

١١٠

يقوم عن يمينه (١).

ومنها صحيحة محمّد بن يوسف ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الجهني أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إني أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فاؤذّن وأُقيم وأُصلّي بهم ، أفجماعة نحن؟ فقال : «نعم» فقال : يا رسول الله فإنّ الغلمة يتبعون قطر السحاب وأبقى أنا وأهلي وولدي ، فأُؤذّن وأقيم وأُصلي بهم ، أفجماعة نحن؟ فقال : «نعم» فقال : يا رسول الله فإن ولدي يتفرّقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي ، فأُؤذن وأُقيم وأُصلّي بها ، أفجماعة نحن؟ فقال : «نعم» فقال : يا رسول الله إنّ المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي ، فأُؤذّن وأُقيم وأُصلّي ، أفجماعة أنا؟ فقال : «نعم ، المؤمن وحده جماعة» (٢).

وروى في الفقيه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاثنان جماعة (٣).

وأيضاً فيه : وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمن وحده حجّة ، المؤمن وحده جماعة (٤).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن أبي مسعود ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته كم أقلّ ما يكون الجماعة؟ قال رجل وامرأة (٥).

وروى عن أبي البختري عنه عليه‌السلام إنّ عليّاً عليه‌السلام قال : الصبيّ عن يمين الرجل إذا ضبط الصفّ جماعة ، والمريض القاعد عن يمين الصبيّ جماعة (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٩١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٥٦ ح ١٩٣ ، الوسائل ٥ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٨.

١١١

ويظهر من هذا الخبر تحقّق الجماعة بالصبيّ ، ولعلّه يحمل على المميّز الذي كلّف بالصلاة تمريناً ، وتشمله العمومات أيضاً.

وهل تصحّ إمامة الصبي المميز أم يشترط التكليف؟ المشهور على عدم الصحّة ، وخالف في ذلك الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢) ، والأوّل أقرب.

لنا : مضافاً إلى أصالة عدم الصحّة ، وكون الجماعة وظيفة شرعيّة يتوقّف ثبوتها على وظيفة الشرع وغير ذلك مما ذكرنا ، وعدم وضوح كون عبادة الصبيّ شرعيّة ، وأنّه لا يؤمن عليه الخطأ ، فلا تثبت العدالة التي هي شرط عندنا البتة ما رواه إسحاق بن عمّار ، عن جعفر عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : لا بأس أنّ يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتّى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من يصلّي خلفه (٣).

ولعلّ عموم قوله عليه‌السلام في رواية ابن راشد: لاتصلّ إلّا خلف من تثق بدينه وأمانته (٤) يشمله.

واحتجّ الشيخ في الخلاف برواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم‌السلام ، قال لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم (٥) وحملها الشيخ على الغلام الذي بلغ السن أو أنبت.

وقد يضعف ذلك بتوارد الروايتين على صفة واحدة ، فالأولى العمل بالأُولى ، لكون طلحة ضعيفاً (٦) ، ولكونها مخالفة لما عليه أكثر الأصحاب ، وللأُصول المعتمدة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٥٣ مسألة ٢٩٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٣٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٤ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٧٥٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ح ١٦٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٨.

(٦) لأنّه عامي ولم يوثّق (انظر معجم رجال الحديث رقم ٦٠١١).

١١٢

وأما غياث بن كلوب الذي في سند الرواية الأُولى فهو وإن كان عاميّاً ، لكن الشيخ ذكر أنّ الطائفة عملت برواياته (١) ، وعمومات الجماعة حيث تشمل ما نحن فيه محلّ تأمّل.

ويدلّ على قول الشيخ أيضاً موثّقة غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم ، وأن يؤذّن (٢).

وتؤيّده أيضاً موثّقة سماعة عنه عليه‌السلام ، قال تجوز صدقة الغلام وعتقه ، ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين (٣) ويمكن حمله على من أنزل أو أنبت.

وقال الشهيد : إنّ عدم الجواز مخصوص بغير أمثالهم ، لكن الصلاة بأمثالهم جائزة (٤).

ويشترط العقل ، فلا تصحّ إمامة المجنون.

وأما لو كان دوريّاً فقيل : الظاهر جواز إمامته في حال الإفاقة ، للعمومات ، وكرهه العلامة ، للنفرة الموجبة لعدم الإقبال إليه (٥). وقطع بالعدم في موضع آخر ؛ لعدم الأمن من العروض في الأثناء ، ولجواز عروض الاحتلام حال جنونه من دون شعور (٦).

وقد يقال : إنّ تجويز العروض لا يرفع تحقق الأهلية ، والتكليف يتبع العلم ، وليس ببعيد ، وبالجملة الجواز أظهر في النظر.

ويشترط الإيمان والعدالة وطهارة المولد بالإجماع ، كما نقله جماعة (٧) ،

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي : ٤٨٩ ، عدّة الأُصول ١ : ٣٨٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥٨ ح ١٥٧١ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥.

(٤) الذكرى : ٢٧٣.

(٥) المنتهي ١ : ٣٦٨.

(٦) نهاية الإحكام ٢ : ١٥٠.

(٧) كالعلامة في المنتهي ١ : ٣٦٩ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣٠ ، وروض الجنان : ٢٨٩.

١١٣

والأخبار بها متضافرة (١) ، ومرّ تمام الاستدلال وتحقيق المقال في صلاة الجمعة.

الثاني : لا تجوز إمامة المرأة للرجال ولا للرجال والنساء معاً باتفاق العلماء كافة ، كما قال في المعتبر (٢) ، ونقل الإجماع غيره أيضاً (٣).

واستدلّ عليه في المعتبر (٤) بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآلهأخّروهن من حيث أخّرهن الله (٥) ولأنّها مأمورة بالحياء والاستتار ، وهو ينافي الإمامة.

وبالجملة لا ينبغي التأمّل في هذا الحكم بعد عدم ثبوت التوظيف فيما هو وظيفة الشارع ، سيّما بعد وقوع الاتفاق على خلافه.

ولا يجوز أن تأمّ الخنثى ، لاحتمال كونها رجلاً ، ولا خنثى بمثلها ، لاحتمال كون الإمام امرأة والمأموم رجلاً ، ولا بالرجل بطريق أولى.

وأما إمامة الخنثى للمرأة فيرجع إلى جواز إمامة النساء للنساء.

والظاهر أنّ جواز إمامتها لهنّ إجماعيّ بين علمائنا ، قال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع (٦).

وقال في المختلف : المشهور أنّ المرأة يجوز أن تؤمّ النساء في الفرائض ، ونقل ابن إدريس عن السيّد المرتضى رحمه‌الله المنع ، وهو اختيار ابن الجنيد (٧) ، انتهى.

ولم يظهر من هذه العبارة إلّا نسبة المنع في الفرائض إلى السيّد ، وأما النوافل

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ وص ٣٩٧ ب ١٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٣٨.

(٣) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٣٨.

(٥) درر اللآلي ١ : ١٣٧ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٣٣٣ أبواب مكان المصلّي ب ٥ ح ١.

(٦) التذكرة ٤ : ٢٣٦ مسألة ٥٣٨.

(٧) المختلف ٣ : ٥٩ ، وانظر السرائر ١ : ٢٨١.

١١٤

فيفهم جوازها من مفهوم هذه العبارة.

ومما قاله رحمه‌الله بعد نقل اختيار التفصيل كما سنذكره : وقول السيّد لا بأس به ، لصحّة الأخبار الدالّة عليه وضعف الحديثين الأوّلين مع احتمالهما للتفصيل ، وهو جواز إمامة المرأة في النفل دون الفرض (١).

وأراد بهما رواية سماعة وعبد الله بن بكير الآتيتين ، فظهر من العلامة هنا نسبة التفصيل إليهما ، وهكذا فهمه صاحب المدارك رحمه‌الله أيضاً (٢).

ونسب في الذخيرة المنع مطلقاً إلى السيّد والجعفي ، وقال : ونفى عنه البأس المصنف في المختلف ، ونسب التفصيل إلى ابن الجنيد (٣).

وكلام المفاتيح مشتبه ، قال : فجازت إمامة المرأة على المشهور ، خلافاً للسيّد والإسكافي والجعفي ، فلم يجوّزوا إمامتها مطلقاً ، واختاره في المختلف للصّحاح تؤمّهن في النافلة إما المكتوبة فلا (٤).

وبعد ما عرفت ما ذكرنا من المختلف تتنبّه على ما في الكلامين. ويمكن أن تكون كلمة مطلقاً في المفاتيح قيداً للمنفي لا للنفي ، فيوافق ما فهمناه من المختلف ، وبالجملة وجود الأقوال الثلاثة محتمل.

ويدلّ على المشهور مضافاً إلى الإطلاقات والعمومات صحيحة عليّ بن يقطين ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال : «بقدر ما تسمع» (٥). وصحيحة

__________________

(١) المختلف ٣ : ٦٠.

(٢) المدارك ٤ : ٣٥٢.

(٣) الذخيرة : ٣٩٢.

(٤) المفاتيح ١ : ١٦٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ح ٧٦٠ ، الوسائل ٤ : ٧٧٢ أبواب القراءة ب ٣١ ح ١ ، وج ٥ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٧.

١١٥

عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام مثله (١).

وموثّقة ابن بكير وهو لا يروي إلّا عن ثقة وأجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يؤمّ المرأة؟ قال : «نعم ، تكون خلفه» وعن المرأة تؤمّ النساء؟ قال : «نعم ، تقوم وسطاً بينهن ولا تتقدّمهن» (٢).

وموثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال : «لا بأس به» (٣).

ويؤيّدها تأييداً ما موثّقة غياث ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال المرأة صفّ ، والمرأتان صف ، والثلاث صفّ (٤) سيّما مع ملاحظة بعض الأخبار المتقدّمة في أدنى الجماعة.

ويدلّ على التفصيل صحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤمّ النساء ، فقال إذا كنّ جميعاً أمّتهن في النافلة ، فأمّا المكتوبة فلا ، ولا تقدّمهن ، ولكن تقوم وسطاً بينهن(٥).

وصحيحة هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام مثله بأدنى تفاوت في اللفظ (٦).

وقويّة الحلبي وفيها الحسن بن الجهم ولعلّه الثّقة عن الصادق عليه‌السلام ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٣ ح ١٢٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ ح ٧٦١ ، الوسائل ٤ : ٧٧٢ أبواب القراءة ب ٣١ ح ٢ وج ٥ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٤ ، وب ٢٠ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ح ٧٦٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٩ ح ٧٦٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٦ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

١١٦

قال تؤمّ المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطاً بينهن ، ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمّهن في النافلة ، ولا تؤمّهن في المكتوبة(١).

وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت : المرأة تؤمّ النساء؟ قال لا ، إلّا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطاً معهن في الصف فتكبّر ويكبّرن(٢).

وجوّز الشيخ في الاستبصار حمل النهي عن إمامتها في المكتوبة أو سوى الصلاة على الميّت على الكراهة واستحباب الترك ، جمعاً بين الأخبار (٣).

وليس للمانع مطلقاً ما يعتمد عليه.

وقال في المختلف : احتجّ بأنّه عليه‌السلام وصفها بنقص الدين ، فلا تصلح للإمامة المنوطة بكماله (٤).

والظاهر على ما ذكرنا من أنّه نسب التفصيل إلى السيّد لا ينطبق احتجاجه على مطلبه أيضاً فتدبر. ومع ذلك فأنت خبير بأنّه لا ينهض دليلاً في مقابل ما ذكرنا من الأخبار.

فبقي الكلام في التفصيل.

وردّ المحقّق في المعتبر على خبر سليمان بن خالد والحلبي بأنّهما نادران لأعمل عليهما (٥).

وحينئذٍ فالمسألة محلّ إشكال ، نظراً إلى عموم ما دلّ على عدم جواز النافلة في الجماعة وعمومات الجماعة والإطلاقات الواردة في خصوص جماعة المرأة ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ح ٧٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ح ١٦٤٧ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٧ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٨٨ ، وص ٢٦٨ ح ٧٦٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ح ١٦٤٨ ، الوسائل ٥ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٣.

(٣) الاستبصار ١ : ٤٢٧.

(٤) المختلف ٣ : ٥٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٢٧.

١١٧

فيبقى الكلام في أنّ تلك عمومات وإطلاقات والأخبار الدالّة على التفصيل خصوصات ومقيّدات ، والخاص يحكّم على العام ، والمقيّد حاكم على المطلق.

ولنا أن نقول : العام إذا كان أقوى من جهة الأُمور الخارجة مع قطع النظر عن أنّه ظاهر والخاص نصّ فلا شك أنّه لا يجوز التخصيص والتقييد ، إذ يعتبر فيهما المقاومة بسبب المعتضدات الخارجة ، فإذا تساويا من جهة الأُمور الخارجة فالخاصّ مقدّم بسبب النصوصيّة.

وغير خفيّ أنّ عدم جواز الجماعة في النافلة والأخبار الدالّة عليه سيّما قوله عليه‌السلام واعلموا أنّه لإجماعه في نافلة (١) مع اعتضادها بالشهرة العظيمة والإجماع المنقول وكونها مخالفة للعامّة وموافقة للأصحاب ومعتضدة بالأُصول المتقدّمة مع أنّها في نفسها أيضاً كثيرة ، وكذا الإطلاقات الّتي استدللنا بها على جواز إمامتها مطلقاً قويّة معتضدة بالشهرة ، بل الإجماع المنقول.

فلا وجه لترجيح الخاصّ الذي لا يساويها كثرة ولا يعارضها اعتضاداً ، مع مخالفته للأصل المدّعى عليه الإجماع ، وهو عدم جواز الجماعة في النافلة.

ويمكن أن يقال : إنّ الأدلّة الدالّة على عدم جواز الجماعة في النافلة لا عموم فيهما غير خبر واحد لا يبلغ حدّ الصحّة ، وعدم القول بالفصل أوّل المسألة ، فيبقى الأصل هنا مع الخبر العام.

وأما الإطلاقات الّتي ذكرتها فالصحيحين الأوّلين لا عموم فيهما ، لأنّ السؤال إنّما هو عن رفع الصوت ، وليس ههنا موضع الاحتجاج بتقرير المعصوم كما لا يخفى على المتدبّر ، فيحتمل أن يكون مراد الراوي أنّ المرأة الّتي تؤم فيما يجوز لها الإمامة كيف تفعل (٢).

نعم ينهضان دليلاً على المانع مطلقاً ، فيبقى الخبران الآخران ، وهما مطلقان غير

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٦٤ ح ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٦٤ ح ١٨٠١ ، الوسائل ٥ : ١٨٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في «م» : للإمام لها كيف يفعل.

١١٨

بالغين درجة الصحّة ، ومعارضهما أخبار كثيرة صحيحة مفصّلة (١) ، مع أنّ جماعة من الأصحاب قائلون بمضمونها ، فينبغي حمل المطلق على المقيد.

وبالجملة اشتهار الجواز في الفريضة بين الأصحاب ، ومخالفة جواز النافلة جماعة للأصل ، وكون الجماعة في النافلة من الأُمور النادرة ، سيّما مع انضمام عدم تجويزها في الفريضة ، يضعف التفصيل. وصحّة الأخبار وكثرتها وظهور دلالتها يضعف الإطلاق.

والجمع بين الأخبار وكلام الأصحاب يمكن بوجهين : إما حمل النافلة على ما تجوز فيه الجماعة ، والنهي عن الجماعة في الفريضة على نفي التأكد والكراهة بمعنى أقليّة الثواب.

أو حمل المطلقات على النافلة ، والحكم بتحريم الجماعة في الفريضة لهن. والأوّل أقوى.

ويمكن حمل النافلة على الجماعة المندوبة ، فيكون كناية عن عدم جواز الإمامة في صلاة الجمعة مثلاً.

وبالجملة الأقوى جواز إمامتهن في الفرائض ، وإن كان الاحتياط في ترك ذلك ، سيّما مع وجود الرجل ، والله أعلم بحقائق أحكامه.

الثالث : ذهب الشيخ في النهاية والخلاف إلى المنع عن إمامة المجذوم والأبرص (٢). وكذا السيّد رضي‌الله‌عنه في بعض أقواله (٣) ، وقال في الانتصار : ومما انفردت الإمامية به كراهية إمامة الأبرص والمجذوم والمفلوج ، والحجة فيه إجماع الطائفة (٤).

__________________

(١) في «ص» : مفضّلة

(٢) النهاية : ١١٢ ، الخلاف ١ : ٥٦١ مسألة ٣١٢.

(٣) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٣٩.

(٤) الانتصار : ٥٠.

١١٩

ووافقه ابن حمزة (١) والعلامة (٢) والمحقّق (٣) ، ونسب ذلك إلى أكثر المتأخّرين (٤) ، وهو قول ابن إدريس إلّا في الجمعة والعيدين ، فلم يجوّز فيهما (٥).

ولا يخفى أنّ لفظ الكراهة في كلام السيّد وأمثاله غير ظاهر في المعنى المصطلح ، إذ كثيراً ما نراهم يريدون منها الحرمة.

ومن الاتفاقات أنّه ذكر قبل هذه المسألة إجماع الإماميّة على كراهة إمامة ولد الزنا ، وهو قال بعد أسطر قلائل : والظاهر من مذهب الإماميّة أنّ الصلاة خلفه غير مجزئة ، والحجّة الإجماع المتقدّم وطريقة البراءة.

وقال بعد هذه المسألة : ومما انفردت به الإماميّة كراهة صلاة الأضحى ، وأن التنفّل بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرّم إلّا في يوم الجمعة خاصّة (٦) ، بل يمكن ادّعاء ظهور أنّه أراد الحرمة.

وذهب الشيخ في المبسوط (٧) وأبو الصلاح (٨) وابن البرّاج (٩) إلى المنع بغير مثلهم والجواز معهم.

ويدلّ على المنع أخبار كثيرة ، فروى أبو بصير في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم ، والأبرص ،

__________________

(١) الوسيلة : ١٠٥.

(٢) المنتهي ١ : ٣٧٤ ، القواعد ١ : ٣١٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٤٢.

(٤) كالشهيد الأوّل في البيان : ١٣٣ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٥٠٤ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٨ ، والروضة البهيّة ١ : ٣٨٦.

(٥) السرائر ١ : ٢٨٠.

(٦) الانتصار : ٥٠.

(٧) المبسوط ١ : ١٥٥.

(٨) الكافي في الفقه : ١٤٣.

(٩) المهذّب ١ : ٨٠.

١٢٠