غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

كما يحرم وضع ما له قيمة مع الميّت مطلقاً (١) ، وليس ببعيد.

وفي رواية يحيى بن أبي العلاء ، عن الصادق عليه‌السلام ألقى شقران مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبره القطيفة (٢) وهي مهجورة ، هذا.

والظاهر عدم كراهة إطباق اللحد بالساج ونحوه ، كما صرّح به المحقّق الثاني في شرح القواعد (٣).

ويكره تجصيص القبور ، وادّعى عليه الإجماع في التذكرة (٤) ، وفي رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ فقال : «لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه» (٥).

وفي الفقيه في حديث المناهي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن تجصص المقابر (٦) ، وعن معاني الأخبار أيضاً أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه (٧) ، هذا.

ولكن روى يونس بن يعقوب ، قال : لما رجع أبو الحسن موسى عليه‌السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنته بفيد ، فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر (٨).

وفصّل الشيخ فقال بكراهته بعد الاندراس لا الابتداء (٩) ، وبه يجمع

__________________

(١) روض الجنان : ٣١٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٧ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٨٥٣ أبواب الدفن ب ٢٧ ح ٢.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٤٨٨.

(٤) التذكرة ٢ : ١٠٥.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٠٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٧ ، الوسائل ٢ : ٨٦٩ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٢ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٨٧٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٤.

(٧) معاني الأخبار : ٢٧٩ ، الوسائل ٢ : ٨٧٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠١ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٨.

(٩) المبسوط ١ : ١٨٧.

٥٤١

بين الروايتين.

وقد يجمع بينهما بحمل الأُولى على غير قبور الأنبياء والأولياء والذرّية المطهّرة ، والثانية على مثلها كما هو مورد الرواية.

وهما لا يخلوان عن بُعد ، والعمل على المشهور ، للإجماع المنقول ، والروايات.

ويمكن حمل الرواية الثانية على التجصيص ، بمعنى إعمال الجصّ لتنضيد الأحجار والأجر ونحو ذلك. لأجل الاستحكام ، وهو لا يسمّى تجصيصاً في العرف.

وكذلك يكره تجديد القبور ، وقيّده في روض الجنان بما بعد اندراسها على وجه الأرض ، سواء اندرست عظامها أم لا قال : إلّا أن تكون في أرض مسيلة وتندرس عظامها فيحرم تجديدها حينئذٍ وتصويرها بصورة المقابر ، لأنّ ذلك يمنع من هجوم غيره مع زوال حقّه (١).

واستدلّوا على الكراهة برواية أصبغ بن نباتة قال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام (٢).

واختلف الأصحاب في رواية هذا الخبر ، فعن محمّد بن الحسن الصفار أنّه «جدّد» بالجيم.

وعن سعد بن عبد الله أنّه «حدّد» بالحاء المهملة ، بمعنى التسنيم خلاف التسطيح.

وعن البرقي : أنّه من «جدّث» بالجيم من الجدث بمعنى القبر (٣) ، ولعلّه أراد نبشه وجعله قبراً لميّت آخر ، أو يكون المراد منه التجديد يعني إحياء

__________________

(١) روض الجنان : ٣١٩.

(٢) الفقيه ١ : ١٢٠ ح ٥٧٩ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ ح ١٤٩٧ ، الوسائل ٢ : ٨٦٨ أبواب الدفن ب ٤٣ ح ١.

(٣) نقله عنهم في الفقيه ١ : ١٢٠ ، والتهذيب ١ : ٤٥٩ ذ. ح ١٤٩٧ ، والمعتبر ١ : ٣٠٤.

٥٤٢

القبر المندرس.

وعن المفيد رحمه‌الله : أنّه «خدّد» بالخاء المعجمة والدال المهملة بمعنى الشقّ ليدفن فيه أو على جهة النبش (١).

وربما احتمل أن يكون معنى الحديث بالنظر إلى الرواية الاولى والرواية الثالثة : من قتل مؤمناً عدواناً ، فإنّه بذلك يصير مستقلا في إحداث القبر بين القبور ، بخلاف ما لو مات أو قتل بحكم الشرع.

ولا يخفى أنّ هذه المعاني بعضها مما هو محرّم وبعضها مما هو مكروه ، فالتجديد بالجيم والتسنيم مكروهان ، والنبش حرام ، والشق للدفن أيضاً حرام في الجملة كما سيجي‌ء.

وكيف كان فالرواية وفتوى الأصحاب تكفي في إثبات كراهة التجديد.

ويبقى الكلام في معنى الخروج عن الإسلام ، وربما يؤوّل بقيد استحلال المحرّم ، أو عدم كراهة المكروه مع العلم بالحرمة أو الكراهة من الشرع ، أو على المبالغة في المنقصة كما في نظائره.

ثمّ إنّ التجديد قد يطلق على المرمّة وإصلاح المنكسر ، ولكن الظاهر أنّه معنى مجازي له ، فهو غير داخل في الخبر.

وأما ما ذكره في روض الجنان (٢) من الحرمة في المسألة فلا دليل على الحرمة مطلقاً ، فلا بدّ من تقييدها بما لو احتاج الناس إلى تلك الأرض.

وفي الذكرى : المشهور كراهة البناء على القبر واتخاذه مسجداً ، وكذا يكره القعود على القبر (٣) ، وفي المبسوط نقل الإجماع على كراهة البناء عليه (٤).

__________________

(١) حكاه عنه في التهذيب ١ : ٤٦٠ ذ. ح ١٤٩٧.

(٢) روض الجنان : ٣١٩.

(٣) الذكرى : ١٦.

(٤) المبسوط ١ : ٨٧.

٥٤٣

أقول : وقد مرّت رواية عليّ بن جعفر الدالّة على البناء والجلوس هنا (١) ، ورواية يونس بن ظبيان في صلاة الميّت على قبره (٢).

واستثنى الأصحاب من مسألة البناء والتجديد والتجصيص والصلاة قبور الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ؛ لإطباق الإمامية عليه في كلّ عصر ، وللروايات الواردة في فضيلة تعميرها وتعاهدها (٣) ، ولأنّ فيها إعانة على زيارتهم ، وتعظيماً لشعائر الله ، وتحصيلاً لمصالح دينية لا تحصل غالباً إلّا بها. وكذلك تدلّ الأخبار (٤) على جواز الصلاة عند قبورهم (٥) ، وعلى الفضل العظيم والثواب الجسيم في ذلك.

بل وكذلك الأمر في قبور أولاد الأئمّة والعلماء والصلحاء ، فإنّ تعميرها والبناء عليها وتعاهدها كان متداولاً بين الخاصة والعامة من دون نكير.

ومن ذلك يظهر جواز تزيين قبور الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، بل وغيرهم من أولادهم وأتباعهم الصالحين بالفرش والصناديق والقناديل ، وغير ذلك مما يوجب تعظيمهم واحترامهم.

بقي الكلام في معنى قوله عليه‌السلام «أو مثّل مثالاً» فقال الصدوق : إنّ المراد منه من أبدع بدعة ودعا إليها أو وضع ديناً (٦).

أقول : ويمكن أن يراد به تصوير ذوات الأرواح المظلّلة ، وتأويل الخروج عن الإسلام بأحد الأمرين المتقدّمين.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٧ ، الوسائل ٢ : ٨٦٩ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠٤ ، وج ٣ : ٢٠١ ح ٤٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٦٩ ، الوسائل ٢ : ٨٦٩ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٩٨ أبواب المزار ب ٢٦.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٧٠ أبواب المزار ب ٧.

(٥) في «ح» : إلى قبورهم.

(٦) الفقيه ١ : ١٢١ ذ. ح ٥٧٩.

٥٤٤

ويمكن أن يراد به الصنم.

وروى في الكافي عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام قال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة فقال : لا تدع صورة إلّا محوتها ، ولا قبراً إلّا سويته ، ولا كلباً إلّا قتلته (١) وعن ابن القدّاح عنه عليه‌السلام ما يقرب منه (٢).

وهذه الرواية مقرّبة لرواية «حدّد» بالحاء المهملة في رواية الأصبغ.

وروى الشيخ عن جرّاح المدائني عنه عليه‌السلام ، قال : «لا تبنوا على القبور ، ولا تصوّروا سقوف البيوت ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كره ذلك» (٣).

التاسع : يكره أن يطرح في القبر من غير ترابه وادّعى عليه الإجماع في التذكرة (٤) ، لرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» (٥).

وأيضاً عن السكوني عنه عليه‌السلام ، قال لا تطيّنوا القبر من غير طينه.

وفي الفقيه ، قال الصادق عليه‌السلام كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميّت (٦).

وعن ابن الجنيد : أنّ ذلك وقت الدفن ، ولا بأس به بعد ذلك (٧).

والظاهر أنّ الجصّ والأجر الذي يُحتاج إليه في أحكام القبر بل التراب الذي

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٢٨ ح ١٤ ، الوسائل ٢ : ٨٦٩ أبواب الدفن ب ٤٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٥٢٨ ح ١١ ، المحاسن : ٦١٤ ح ٣٥ ، الوسائل ٢ : ٨٧٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦١ خ ١٥٠٥ ، الوسائل ٢ : ٨٧٠ أبواب الدفن ب ٤٤ ح ٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٩٦ مسألة ٢٣٩.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ح ١٥٠٠ ، الوسائل ٢ : ٨٦٤ أبواب الدفن ب ٣٦ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٢٠ ح ٥٧٦ ، الوسائل ٢ : ٨٦٤ أبواب الدفن ب ٣٦ ح ٣.

(٧) حكاه عنه في الذكرى : ٦٧.

٥٤٥

يعمل فيه حينئذ مخرج عن المنع إن قلنا بعموم الروايات لها.

وأما اللبن لنضد اللحد والقبر فلا إشكال فيه جزماً.

العاشر : يكره دفن ميّتين في قبرٍ واحد ابتداء.

ويظهر من جماعة من الأصحاب كراهته في الأزج المعدّ لدفن جماعة أيضاً (١).

ولم نقف لهم في الكراهة على مستند إلّا ما نقله الشيخ في المبسوط مرسلاً عنهم عليهم‌السلام : «لا يدفن في قبر واحد اثنان» (٢) وهو كافٍ في المطلوب.

وهذا مع عدم الاضطرار ، وإلّا فيجوز بلا كراهة كما نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للأنصار يوم أُحد احفروا وأوسعوا وعمّقوا ، واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد (٣).

وأما إذا دفن ميّت ثمّ أُريد نبش قبره ودفن آخر فيه ، ففي الكراهة والحرمة قولان ، أصحّهما الثاني ، لاستلزامه النبش المحرّم ، وسبق حقّ الأوّل فهو غصب.

نعم إن حفر القبر خطأ أو سهواً أو حصل الحفر من الغير ففي الحرمة حينئذٍ إشكال بالنسبة إلى الدليل الأوّل ، فالقدر المحقّق منه هو حرمة النبش لا مطلق وضعه في القبر حينئذٍ.

وأما الدليل الثاني فالظاهر أنّه لا خدشة فيه. ولا يقبل منع الاستحقاق والأولوية بحيث يمنع من ذلك.

ويكره نقل الميّت من بلد إلى آخر ، لمنافاته التعجيل المأمور به. وفيه إشكال ، لمنع

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٣ ، والأزج : بيت يبنى طولاً ، لاحظ لسان العرب ٢ : ٢٠٨ مادة أزج.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٥.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ح ٣٢١٥.

٥٤٦

كون ترك المستحبّ مكروهاً ، إلّا على القول باستلزام الأمر الندبي النهي التنزيهي ، والأولى الاعتماد على الإجماع ، قال في المعتبر : إن عليه العلماء أجمع (١) ، ونقل الإجماع الشهيد (٢) وغيره (٣) أيضاً.

واستثنوا من ذلك النقل إلى المشاهد المشرّفة ، بل قالوا باستحبابه ، قال في المعتبر : عليه عمل الأصحاب من زمن الأئمّة عليهم‌السلام إلى الآن ، وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه (٤) ، وكذلك قال غيره من علمائنا (٥).

ويدلّ عليه أيضاً أنّه يقصد به التمسّك بمن له أهلية الشفاعة ، وهو حسن عقلاً.

بل يظهر من الأصحاب أنّ فيه نصاً ، قال في الذكرى ، قال المفيد في العزية : وقد جاء حديث يدلّ على رخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إن وصّى الميّت بذلك (٦).

ويدلّ عليه ما ورد : «أنّ من مات في عرفات فالأفضل نقله إلى الحرم» رواه الشيخ في التهذيب (٧).

وفي مجمع البيان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال لمّا مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام ، فدفنه في بيت المقدس (٨). ويقرّب الاستدلال ما سيجي‌ء في النقل بعد الدفن.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٠٧.

(٢) الذكرى : ٦٤.

(٣) كما في التذكرة ٢ : ١٠٢ مسألة ٢٤٥ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٨٣ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٥٠.

(٤) المعتبر ١ : ٣٠٧.

(٥) كالعلامة في التذكرة ١ : ١٠٢ مسألة ٢٤٥.

(٦) نقله عنه في الذكرى : ٦٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٦٥ ح ١٦٢٤ ، وص ٤٧٨ ح ١٦٩٤ ، الوسائل ٩ : ٣٨١ أبواب مقدّمات الطواف ب ٤٤ ح ٢ و ٣.

(٨) مجمع البيان ٣ : ٢٦٦.

٥٤٧

قال في التذكرة : ولأنّ موسى عليه‌السلام لما حضرته الوفاة سأل الله عزوجل أن يدنيه إلى الأرض المقدّسة رمية حجر ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو كنت ثمّة لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» (١).

وقيّد الشهيدان (٢) وغيرهما (٣) هذا الحكم بما لو لم يخف هتكه في النقل.

أقول : وتحقيق الهتك لا يخلو عن إشكال ، والظاهر أنّهم أرادوا مثل تأذّي الناس بريحه ، وتلاشي جسده ، وجريان الدم والصديد عنه ، وتقطّع أجزائه واضمحلاله ، وسقوطه من ظهر الدواب المحمول عليها ، فإنّ تلك الأُمور توجب مهانته وذلّة وظهور سوأته ونفرة الطباع منه ، ومع علم الميّت بهذه الأُمور ووصيّته بذلك أو مع العلم من حاله أنّه يرضى بذلك لأجل تحصيل هذه الفائدة العظمى فيشكل المنع لذلك.

ويشاهد في الأحياء أنّهم يرضون بمهانة جزئية إذا كانت محصّلة لفائدة كليّة عظيمة.

نعم يمكن القول بأنّ إيذاء الناس من الرفقاء وأهل القافلة ، سيّما إذا كان الهواء حارّاً ولم يمكن التخلّف عن جماعة المؤمنين ، وحصل بذلك إيذاؤهم ، بل ربّما أوجب مرضهم ، وقد ينجرّ إلى هلاكهم ، فهذا مما يمكن أن يقيّد به الجواز ، وقد يصير التكليف ترك الوصية به أيضاً ، فلا بد أن يلاحظ ذلك ، ويختلف باختلاف الحالات والأوقات.

ثمّ قال في الذكرى : فلو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحبّ الحمل والنقل إليها لتناله بركتهم وبركة زيارتهم ، ولا بأس به (٤) ، هذا في

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠١ ، وانظر صحيح البخاري ٢ : ١١٣.

(٢) الذكرى : ٦٤ ، حاشية الإرشاد ١ : ١٨٢.

(٣) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٥٢.

(٤) الذكرى : ٦٥.

٥٤٨

غير الشهيد.

وأما الشهيد فقال في الذكرى : فالأولى دفنه حيث قتل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادفنوا القتلى في مصارعهم» (١) و (٢).

ثمّ قال في الذكرى : ويستحبّ جمع الأقارب في مقبرة ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما دفن عثمان بن مظعون قال ادفن إليه من مات من أهله (٣) ولأنّه أسهل لزيارتهم ، فيقدّم الأب ثمّ من يليه في الفضل ، والذكر على الأُنثى (٤) ، انتهى. هذا الكلام في النقل قبل الدفن.

وأما بعد الدفن ، فالمشهور عدم جوازه وإن كان إلى أحد المشاهد المشرّفة ، ونقل في التذكرة عن بعض علمائنا جوازه إليها (٥) ، وعن ابن الجنيد الجواز لصلاح يُراد بالميّت (٦) ، وعن ابن حمزة الكراهة (٧).

وقال الشيخ في النهاية بعد منعه عن النقل : وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمّة عليهم‌السلام ، سمعناها مذاكرة ، والأصل ما ذكرناه (٨).

ومثله قال في المصباح ، ولكنه جعل فيه عدم النقل أفضل (٩).

ومال إلى الجواز جماعة من المتأخّرين مثل المحقّق الشيخ عليّ (١٠) ، والشهيد

__________________

(١) الذكرى : ٦٥.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ح ١٥١٦ ، سنن الترمذي ٢ : ١٣١ باختلاف.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٢١٢ ح ٣٢٠٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٤١٢.

(٤) الذكرى : ٦٥.

(٥) التذكرة ٢ : ١٠٢ مسألة : ٢٤٥.

(٦) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣٢٤.

(٧) الوسيلة : ٦٩.

(٨) النهاية : ٤٤.

(٩) مصباح المتهجّد : ٢٢.

(١٠) جامع المقاصد ١ : ٤٥١.

٥٤٩

الثاني (١) ، وصاحب المدارك (٢).

دليل المانع : لزوم البدعة ، والنبش ، والهتك.

والاستدلال الأوّل من ابن إدريس (٣) ، وهو لا يصحّ إلّا في النقل إلى المشاهد بقصد الفضل لا مطلقاً ، وهو صحيح لو لم يقم عليه دليل ، وسنذكر ما يشير إلى الجواز.

وأما النبش فالدليل على حرمته ليس إلّا الإجماع ، وهو فيما نحن فيه ممنوع ، لعدم العلم به فيما نحن فيه ، والإجماع في الجملة لا ينفع إلّا فيما حصل القطع به ، وهو فيما نحن فيه ممنوع.

والاعتماد على لفظ الإجماع المنقول إن جعل من باب الخبر العام وقيل بأصالة عدم التخصيص ؛ فهو بعد نقل الخلافات في المسألة من القدماء والمتأخّرين مشكل ، سيّما مع أنّ الظاهر من بعضهم الإجماع في الجملة. وصرّح به في روض الجنان ، قال : وهو في الجملة إجماعيّ (٤).

وإن يجعل من باب الخبر العام واعتمدنا على ما حصل العلم به من مراد مدّعي الإجماع فلا دلالة فيه.

وأما الهتك فقد عرفت الحال فيه والإجمال (٥) والإشكال.

وأمّا ما يدلّ على الجواز فهو الأصل ، والتمسّك بمن له أهليّة الشفاعة ، فإنّ العقل يحكم بجوازه ، والعلّة المستفادة من الأخبار الدالّة على حسن مجاورتهم والدفن في جوارهم ، وما دلّ على جواز النقل إليهم قبل الدفن (٦) ، وما روي عن الصادق

__________________

(١) روض الجنان : ٣٢٠.

(٢) المدارك ٢ : ١٥٤.

(٣) السرائر ١ : ١٧٠.

(٤) روض الجنان : ٣٢٠.

(٥) في «ص» ، «ح» : والإجماع.

(٦) مصباح المتهجّد : ٢١.

٥٥٠

عليه‌السلام من أنّ موسى على نبينا وآله وعليه‌السلام نقل عظام يوسف إلى الشام وكان في شاطئ النيل في صندوق مرمر (١) ، ولذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى أرض الشام ، بناءً على أنّ نقل حكايات السلف عن الأئمّة عليهم‌السلام شاهد على حسنه ، كحكاية حديث أنّ ذكرى حسن على كلّ حال عن موسى عليه‌السلام في حال التخلّي ، رواه الصدوق في الفقيه والعيون والعلل والخصال (٢) ، ورواه في الكافي أيضاً عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣).

ثمّ إنّ هذه الأُمور إن لم يستقلّ كلّ واحد منها في الدلالة ، فلا ريب أنّ اجتماعها كافٍ ، سيّما مع عدم وضوح دليل التحريم ، سيّما إذا أوصى الميّت بذلك أو علم من حاله الرضا بذلك ، وسيّما إذا لم يلزم منه هتك وإيذاء أصلاً ، والعلم عند الله.

ثمّ إنّ هذا الكلام في الدفن الحقيقي ، وأما ما تعارف من وضعه في مكان مع تابوت وإن كان تحت الأرض عارية لينقل إلى بعض المشاهد ، فالأمر فيه أسهل وأوضح.

تنبيه :

ادّعى جماعة من العلماء الإجماع على حرمة النبش (٤) ، واستثنوا من ذلك مواضع :

منها : ما إذا بليَ الميّت وصار رميماً ، فيجوز نبشه لدفن غيره في الوقف والمباح إذا أُريد دفن غيره فيه أو في الملك لمصلحة المالك ، ويختلف ذلك باختلاف الترب

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٥٥ ح ١٤٤ ، الفقيه ١ : ١٢٣ ح ٥٩٤ ، العلل : ٢٩٦ ح ١ ، العيون ١ : ٢٠٣ ح ١٨ ، الخصال : ٢٠٥ ح ٢١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠ ح ٥٨ ، العيون ١ : ١٢٧ ح ٢٢ وج ٢ : ٤٦ ح ١٧٥ ، العلل : ٨١ ح ٢ ، الخصال ٢ : ٣٦٠ ح ٧.

(٣) الكافي ٢ : ٣٦١ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ١ ، وج ٤ : ١١٧٧ أبواب الذكر ب ١ ح ٢.

(٤) انظر الذكرى : ٧٦.

٥٥١

والأهوية (١) ، ومع الشكّ يرجع إلى أهل الخبرة.

قال في الذكرى : فلو ظنّه فظهر بقاؤه وجبت إعادته على ما كان عليه (٢) ، وهذا يدلّ على حرمة الدفن فيه.

وقال في روض الجنان : فلو نبش على وجه يجوز فوجد فيه عظاماً دفنها وجوباً (٣) ، وهذا لا يدلّ على حرمته.

والظاهر أنّ مراد الذكرى ما لو كان الميّت باقياً على حاله بحيث يصدق عليه الميت ، ومراد روض الجنان ما لو بقي فيه عظام متشتتة ، فيكفي فيه دفنها ثانياً وإن لم يمنع من دفن الميّت معه ، وهذا أظهر.

ومنها : ما لو دفن في أرض غصباً ، ولم يجز المالك ، ومثله المشترك بغير إذن الشريك ، فيجوز لهما قلعه وإن كان الأفضل لهما إبقاؤه. قال في روض الجنان : ولو دفن بإذن المالك فله الرجوع قبل الطمّ لا بعده (٤).

ومنها : إذا كفّن في المغصوب فيجوز إخراجه لردّ مال الغير ، ولا يجب على المالك أخذ القيمة ، وإن استحبّ.

وأما كفن الحرير ، فقيل : هو كالمغصوب (٥) ، والحكم بالنبش لنزعه مشكل ، لكون حقّ الله أوسع من حقّ الآدمي.

ومنها : نبشه للشهادة على عينه وإثبات ما يترتّب على موته من تقسيم تركته ، واعتداد زوجته ، وحلول ديونه إذا أمكنت معرفته. ولو علم تغيّر صورته بحيث لا يُعرف فلا يجوز.

ومنها : إذا وقع في القبر ماله قيمة ، ولا يجب على المالك قبول قيمته.

__________________

(١) الأهوية : جمع الهواء (المصباح المنير : ٦٤٣).

(٢) الذكرى : ٧٦.

(٣) روض الجنان : ٣٢٠.

(٤) روض الجنان : ٣٢٠.

(٥) كشف اللثام ١ : ١٤٠.

٥٥٢

ومنها : نبشه لاستدراك الغسل أو التكفين ، أو الصلاة ، وفيها خلاف ، وعن الشيخ القطع بعدم النبش (١) ، وتبعه غيره (٢) ، وقيل به لتوقّف الواجب المطلق عليه (٣).

والأظهر الأوّل ، للأصل ، وحرمة الهتك ، والمُثلة ، والوجوب حينئذٍ ممنوع ، فلا تجب مقدّمته.

والاستصحاب ممنوع ، لعدم ثبوت الموضوع القابل للانسحاب إلى هذا الحين ، فلا يرد أنّ الاستصحاب لا يتحقّق إلّا مع إجمال الحكم وإجماله بالنسبة إلى الان مشكوك فيه ، فلا معنى للأصل ، فإذا ثبت الوجوب قبل الدفن فيستصحب ما بعده ، وذلك لأنّ الموضوع القابل للانسحاب في الأحكام الشرعية هو ما ثبت مع انفهام الإطلاق في الحكم ، فإذا كان الأمر مردّداً بين مطلق ثبوت الحكم أو ثبوت الحكم مطلقاً فلم يعلم كون الحكم مطلقاً حتّى يقبل الانسحاب ، بل ربّما كان مقيداً إلى حين الدفن.

وأصالة عدم القيد لا معنى لها ، لأنّ الإطلاق أيضاً قيد ، والحكم المطلق والحكم المقيد كلاهما فردان لمطلق الحكم ، والأصل بالنسبة إليهما متساوٍ ، فلا معنى لأصل عدم أحدهما دون الأخر ، وهذا المقام حقّقناه في القوانين في مباحث الاستصحاب ، ونبّهناك عليه هنا تجديداً للعهد وتثبيطاً عن الغفلة.

وأما لو بيعت الأرض بعد الدفن ففي جواز النبش ترجيحاً لحقّ المشتري وعدمه لحرمة الميّت وثبوت حقّ له وجهان ، والأظهر عدمه ، وفاقاً لجماعة من الأصحاب (٤).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٣٠ مسألة ٥٦٠.

(٢) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٣٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٤.

(٣) الذكرى : ٧٦ ، والمدارك ٢ : ١٥٤.

(٤) كالعلامة في المنتهي ١ : ٤٦٤.

٥٥٣

المقصد السادس

في اللواحق

وفيه مباحث :

الأوّل : لو مات ولد الحامل في بطنها وهي حيّة ، وعسر إخراجه قطّع وأُخرج ادّعى عليه الشيخ الإجماع (١).

وتدلّ عليه رواية وهب بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين : إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرّك يشقّ بطنها ويخرج الولد» وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوّف عليها ، قال : «لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطّعه ويخرجه ، إذا لم ترفق به النساء» (٢).

وقال في المعتبر ، بعد تضعيفه للرواية : إنّ الوجه أنّه إن أمكن الإسقاط صحيحاً بشي‌ء من العلاجات ، وإلّا توصّل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق ، وتتولاه النساء ، وإن تعذّر فالمحارم من الرجال ، وإن تعذر فغيرهم ؛ دفعاً عن نفس الحيّ (٣) ، وما ذكره لا ينافي الرواية ، ولا ريب في تقديم ما ذكر.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٤ ح ١٠٠٨ ، الوسائل ٢ : ٦٧٣ أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ٣.

(٣) المعتبر ١ : ٣١٦.

٥٥٤

وأمّا إذا ماتت الام وبقي الولد حيّاً ، فيشقّ بطن الميّتة ، ويخرج الولد ، لحفظ نفس الحيّ ، وللأخبار المستفيضة ، منها الرواية المتقدّمة ، ومنها حسنة ابن أبي عمير في الكافي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة تموت ويتحرّك الولد في بطنها أتشقّ ويخرج الولد؟ قال ، فقال : «نعم ويخاط بطنها» (١) ومنها موثّقة عليّ بن يقطين (٢).

وقيّده الصدوق (٣) والشيخان (٤) وأتباعهما (٥) بالجانب الأيسر ، وأسنده في التذكرة إلى علمائنا (٦) ، ولا بأس به ، وإن خلت الأخبار عنه.

وأما استشكال المحقّق في لزوم الخياطة «من جهة أنّ ذلك رواية ابن أبي عمير عن ابن أُذينة موقوفة عليه ، ولا يكون حجّة ، ولا ضرورة إليه ، لأنّ مصيرها إلى البلاء (٧)» فهو مع أنّه ضعيف في نفسه لكفاية موقوفة أمثال هذين الجليلين ؛ مبني على غفلته عما رواه الكليني في الباب الاتي بعد هذا الباب بسبع ورقات تخميناً ، وكأن نظره كان مقصوراً على التهذيب. والعجب ممن تأخّر عنه من المحقّقين كالشهيد (٨) والمحقّق الثاني (٩) وصاحب المدارك (١٠) وغيرهم (١١) حيث

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٦ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٦٧٣ أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٣ ح ١٠٠٤ ، الوسائل ٢ : ٦٧٤ أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٩٧.

(٤) المقنعة : ٨٧ ، المبسوط ١ : ١٨٠ ، النهاية : ٤٢.

(٥) السرائر ١ : ١٦٩ ، الجامع للشرائع : ٤٩ ، الشرائع ١ : ٤٤ ، المختصر النافع : ١٥٠ ، التحرير ١ : ٢٠ ، المنتهي ١ : ٤٣٥ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٨١.

(٦) التذكرة ٢ : ١١٣.

(٧) المعتبر ١ : ٣١٦.

(٨) انظر الذكرى : ٤٣.

(٩) انظر جامع المقاصد ١ : ٤٥٥.

(١٠) انظر المدارك ٢ : ١٥٨.

(١١) انظر المسالك ١ : ١٠٥.

٥٥٥

لم يطّلعوا عليه.

ثمّ إنّهم أطلقوا ولم يشترطوا كون الولد مما يعيش عادة ، لإطلاق النصّ. نعم يشترط العلم بالحياة هنا كما يشترط العلم بالموت في المسألة السابقة.

وينبغي ان يقيّد الشقّ بما لم يمكن للقوابل إخراجه حيّاً ، ثمّ للرجال المحارم ، ثم غيرهم.

الثاني : لا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ ، وأما الأب والأخ فيجوّزه الأكثرون (١) وخالف فيه ابن إدريس (٢).

أمّا الدليل على الحرمة فهو إضاعة المال ، وفيه إشكال. أو إنّه إظهار السخط على قضاء الله ، وهو أيضاً مطلقاً ممنوع ، لأنّه قد يكون لا لذلك. ولعلّه إجماعيّ والدليل هو ذلك.

وما في رواية الصيقل : «لا ينبغي الصياح على الميّت ولأشقّ الثياب» (٣) غير ناهض على المطلوب.

وفي الذكرى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله النهي عن خمش الوجوه وشقّ الجيوب (٤) ، وقد تكرّر في الأخبار العامية أيضاً.

وأمّا الاستثناء ، فدليله ما استفيض في الأخبار من فعل أبي محمّد الحسن عليه‌السلام على أبيه الهادي عليه‌السلام (٥) ، وفي بعضها تعليل بأنّ موسى شقّ ثوبه

__________________

(١) كالعلامة في نهاية الإحكام ٢ : ٢٩٠ والشهيد في الذكرى : ٧٢ ، والبيان : ٨١ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٥٤ ، والسيّد في المدارك ٢ : ١٥٥.

(٢) السرائر ١ : ١٧٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢٥ ح ٨ ، الوسائل ٢ : ٩١٦ أبواب الدفن ب ٨٤ ح ٢ وفيهما : عن امرأة الحسن الصيقل وهو الصحيح راجع معجم رجال الحديث ٢٣ : ١٨١ ، وج ٥ : ١٦٤.

(٤) الذكرى : ٧٢.

(٥) الوسائل ٢ : ٩١٦ أبواب الدفن ب ٨٤ ح ٤ ، ٥ ، ٧.

٥٥٦

على هارون ، ولما نقل من فعل الفاطميات على الحسين عليه‌السلام (١) فقام الدليل عليهما معاً ، هذا الكلام في الرجال.

أمّا المرأة فقد اختلفوا فيه ، وقال العلامة في النهاية بجوازه لها (٢) ، وفي رواية خالد بن سدير دلالة على جوازه لها على زوجها (٣) ، ومال إليه في الذكرى (٤).

وأما اللطم والخدش وجزّ الشعر فنقل في الذكرى (٥) الإجماع على حرمتها عن المبسوط (٦) ، لما فيها من السخط من قضاء الله ، ولرواية خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام لا شي‌ء في لطم الخدود سوى الاستغفار والتوبة (٧).

وأما النياحة فتجوز إذا كانت بكلام حسن وصدق وتعداد الفضائل الموجودة فيه نظماً ونثراً ، كما نقل عن فعل فاطمة عليها‌السلام على أبيها (٨) ، وفعل أُمّ سلمة عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن عمّها وليد بن المغيرة (٩).

والأخبار كثيرة في جوازها وحلّيتها وحلّية أجر النائحة (١٠) ، وحكاية نياحة أهل المدينة على حمزة سيّد الشهداء طلباً لرضا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معروفة ، وفي الأخبار مذكورة (١١)

وكذلك ما روي من وصية الباقر عليه‌السلام أن يندب عليه في الموسم عشر

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ح ١٢٠٧ ، الوسائل ١٥ : ٥٨٣ أبواب الكفّارات ب ٣١ ح ١.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٢٩٠.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ح ١٢٠٧.

(٤) الذكرى : ٧٢.

(٥) الذكرى : ٧٢.

(٦) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٧) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ح ١٢٠٧.

(٨) الخصال : ٢٧٢ ح ١٥ ، والمغني لابن قدامة ٢ : ٤١١.

(٩) الكافي ٥ : ١١٧ ح ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ح ١٠٢٧ ، الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ٢.

(١٠) الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧.

(١١) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٥٣.

٥٥٧

سنين ، وأمره عليه‌السلام بوقف شي‌ء من ماله لنوادبه (١).

وما ورد في الأخبار من المنع (٢) فهو محمول على النوح بالباطل ، وكذلك التحريم في كلام الشيخ حيث ادّعى الإجماع على حرمته (٣).

وأمّا البكاء فهو جائز إجماعاً قبل خروج الروح وبعده ، قاله في الذكرى (٤) ، والأخبار بجوازه من الطرفين موجودة ، سيّما ما دلّ على فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله ، وخصوصاً ما نقل في حكاية حمزة.

قال الصدوق : لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من واقعة أُحد إلى المدينة سمع من كلّ دارٍ قُتل من أهلها قتيل نوحاً وبكاءً ، ولم يسمع من دار حمزة عمّه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكن حمزة لا بواكي له» فالى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميّت ولا يبكوه حتّى يبتدؤا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه ، فهم إلى اليوم على ذلك (٥).

ويستحبّ الاسترجاع لمن نزلت به مصيبة ، وفيه فضل عظيم ، كما ورد في الأخبار (٦) ، وكفاك الكتاب العزيز (٧).

الثالث : في التعزية.

تستحبّ التعزية بإجماع العلماء ، ودلالة الأخبار المستفيضة جدّاً (٨) ، وفيها

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٧ ح ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ح ١٠٢٥ ، الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧.

(٣) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٤) الذكرى : ٧٠.

(٥) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٥٣.

(٦) الوسائل ٢ : ٨٩٧ أبواب الدفن ب ٧٤.

(٧) البقرة : ١٥٦.

(٨) الوسائل ٢ : ٨٧٣ أبواب الدفن ب ٤٨.

٥٥٨

فضل عظيم وثواب جسيم ، وهو طلب التسلّي من المصاب بإسناد الأمر إلى الله تعالى وعدله وحكمته ، وذكر ما وعد الله الصابرين من الأجر والدعاء للميت.

وتجوز قبل الدفن وبعده ، لصحيحة هشام بن الحكم (١) ، وتتأكّد بعد الدفن ، وهي أفضل مما قبله ، لحسنة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن (٢).

ورواية محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عنه عليه‌السلام ، قال التعزية الواجبة بعد الدفن (٣) وهي محمولة على التأكيد.

وتستحبّ تعزية جميع أهل الميّت ، ويتأكّد في النساء ، سيّما الثكلى ، إلّا أن يخاف الفتنة في الشابة.

وقال الصدوق : إن كان المعزّى يتيماً مسح يده على رأسه ، فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مسح يده على رأس يتيم ترحّماً له كتب الله له بعدد كلّ شعرة مرّت عليها حسنة».

قال : وإن وجد باكياً سكّت بلطف ، فعن العالم عليه‌السلام : «إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش ، فيقول الله تبارك وتعالى : من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره ، فو عزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يسكته عبد مؤمن إلّا وجبت له الجنة» (٤).

وأقلّ التعزية أن يراه صاحب المصيبة ، قال في الفقيه : وقال يعني الصادق عليه‌السلام ـ كفاك من التعزية بأن يراك صاحب المصيبة (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٥ ح ٩ ، الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٣ ، الوسائل ٢ : ٨٧٣ أبواب الدفن ب ٤٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٦٣ ح ١٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٧٠ ، الوسائل ٢ : ٨٧٣ أبواب الدفن ب ٤٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٤ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٨٧٣ أبواب الدفن ب ٤٨ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ١١٩ ح ٥٧٣ ، الوسائل ٢ : ٩٢٧ أبواب الدفن ب ٩١ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ١١٠ ح ٥٠٥ ، الوسائل ٢ : ٨٧٤ أبواب الدفن ب ٤٨ ح ٤.

٥٥٩

وعن الشيخ في المبسوط : أنّه يكره الجلوس للتعزية يومين وثلاثة إجماعاً (١).

ومنعه ابن إدريس ، وقال : أيّ كراهة في جلوس الإنسان في داره للقاء إخوانه والتسليم عليهم واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه (٢).

والحقّ أنّه يرجع ذلك إلى النيّات ، فيكره إن كان للجزع والشكوى هذا.

ولكن في الكافي روايات تدلّ على جوازه ثلاثة أيام ، منها حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال يصنع لأهل الميت مأتماً ثلاثة أيام من يوم مات (٣).

وفي الذكرى ، عن أبي الصلاح أنّه قال : من السنة تعزية أهله ثلاثة أيام ، وحمل الطعام إليهم (٤) ، ومال هو إليه لإشعار تلك الأخبار به (٥).

فالأظهر جواز الجلوس ثلاثة أيّام بلا كراهة.

وفي الأخبار دلالة على استحباب إطعام أهل الميّت (٦) ، وادّعى الإجماع عليه في الذكرى (٧) ، وكذلك في المنتهي (٨).

ويستحبّ ذلك ثلاثة أيّام ، للأخبار ، منها حسنة حفص بن البختري وهشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لما قتل جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيّام ، وتأتيها ونساؤها تقيم عندها ثلاثة أيّام ، فجرت بذلك السنة

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٢) السرائر ١ : ١٧٣.

(٣) الفقيه ١ : ١١٦ ح ٥٤٥.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٤٠.

(٥) الذكرى : ٧٠.

(٦) الوسائل ٢ : ٨٨٨ أبواب الدفن ب ٦٧.

(٧) الذكرى : ٧٠.

(٨) المنتهي ١ : ٤٦٥.

٥٦٠