تفسير المراغي - ج ٢٧

أحمد مصطفى المراغي

ثم قرأ : وما أصابكم من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلّا فى كتاب من قبل أن نبرأها».

(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تحزنوا على فائت ، ولا تفرحوا بآت.

والخلاصة ـ إن كل شىء قدّر فى الكتاب ، فكيف نفرح أو نحزن؟

قال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يحزن أو يفرح ، ولكن اجعلوا الفرح شكرا ، والحزن صبرا.

وقال حكيم : الصبر مخرج من الشقاء ، فلا سعادة إلا بالصبر ، ووصول النفس إلى كمالها الخلقي ، بحيث يمر المال والولد والقوة والعلم عليها ، فيصيبها مرة ويخطئها أخرى وهى مطمئنة ، لا يدخلها زهو ولا إعجاب بما نالت ، ولا حزن على ما فاتها اه.

وعلى الجملة فالحزن المذموم هو ما يخرج بصاحبه إلى ما يذهب عنه الصبر والتسليم لأمر الله ورجاء الثواب ، والفرح المنهي عنه هو الذي يطغى على صاحبه ويلهيه عن الشكر.

(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي إن المختال الفخور يبغضه الله ولا يرضى عنه.

ثم بين أوصاف المختالين الفخورين فقال :

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أي إن المختالين بما أوتوا من المال يضنّون به لأنهم يرون عزتهم فى وجوده ، ويعدهم الشيطان بالفقر إذا هم أنفقوه ، وقد يبلغ الأمر بهم أن يأمروا سواهم بالبخل ويبدوا لهم النصائح التي تجعلهم يضنون به مدعين أن ذلك إشفاق عليهم ونصح لهم.

(وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي ومن يعرض عن الإنفاق فلا يضرّن بذلك إلا نفسه ، فالله غنى عن ماله وعن نفقته ، محمود إلى خلقه بما أنعم به عليهم من

١٨١

نعمه ، ولا يضيره الإعراض عن شكره كما قال موسى عليه السلام لقومه : «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ».

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥))

تفسير المفردات

البينات : المعجزات والحجج ، والكتاب : أي كتب التشريع ، والميزان : العدل ، والقسط : الحق ، وأنزلنا الحديد : أي خلقناه ، والبأس : القوة ، وليعلم الله : أي ليعلمه علم مشاهدة ووجود فى الخارج.

الإيضاح

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي ولقد أرسلنا الأنبياء إلى أممهم ومعهم البراهين الدالة على صدقهم ، المؤيدة لبعثهم من عند ربهم ، ومعهم كتب الشرائع التي فيها هداية البشر وصلاحهم فى دينهم ودنياهم ، وأمرناهم بالعدل ليعملوا به فيما بينهم ، ولا يظلم بعضهم بعضا.

ولما كان الناس فريقين فريقا يقوده العلم والحكمة ، وفريقا يقوده السيف والعصا ، ولما كان ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ، وكان العدل والقانون لا بد له من حام يحميه وهو الدولة والملك وأعوانه والجند ، وهؤلاء لا بد لهم من عدّة يحمون بها القانون والعدل فى داخل البلاد وفى خارجها أعقب هذا بقوله :

١٨٢

(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) أي وخلقنا الحديد لتكون منه السيوف والرماح والدروع والسفن البحرية وما أشبه ذلك ، وفيها القوة التي ترغم أنف الظالم ، وتحمى المظلوم ، وفيه منافع للناس فى حاجاتهم فى معايشهم كأدوات الصناعات ، وحاجات البيوت ، وقطر السكك الجديدية ونحوها.

(وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) أي وإنما فعل ذلك ليراكم ناصرى دينه باستعمال السلاح والكراع لمجاهدة أعدائه ، وناصرى رسله وهم غائبون عنكم لا يبصرونكم.

روى أحمد وأبو داود عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقى تحت ظل رمحى ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ، ومن تشبه بقوم فهو منهم».

(إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي إن الله يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته ، وهو غالب على أمره ، لا يقدر أحد على دفع العقوبة متى أحلها بأحد من خلقه.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))

تفسير المفردات

قفاه : اتبعه بعد أن مضى ، والإنجيل : الكتاب الذي أنزل على عيسى وفيه شريعته ، والمراد من الرأفة : دفع الشر ، ومن الرحمة : جلب الخير ، وبذا يكون

١٨٣

بينهم مودة ، والرهبانية : ترهبهم فى الجبال فارّين بدينهم من الفتنة ، مخلصين أنفسهم للعبادة ، محتملين المشاق من الخلوة واللباس الخشن والاعتزال عن النساء والتعبد فى الغيران والكهوف ، وقوله ابتدعوها : استحدثوها ولم تكن فى دينهم ، ابتغاء رضوان الله : أي طلبا لرضاه ومحبته ، فما رعوها : أي ما حافظوا عليها.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر أنه أرسل الرسل بالبينات والمعجزات ، وأنه أنزل الميزان والحديد ، وأمر الخلق بأن يقوموا بنصرة رسله ـ أتبع ذلك ببيان ما أنعم به على أنبيائه من النعم الجسام ، فذكر أنه شرّف نوحا وإبراهيم عليهما السلام بالرسالة ، ثم جعل فى ذريتهما النبوة والكتاب ، فما جاء أحد بعدهما بالنبوة إلا كان من سلائلهما.

الإيضاح

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) أي ولقد بعثنا نوحا إلى طائفة من خلقنا ، ثم بعثنا إبراهيم من بعده لقوم آخرين ، ولم نرسل بعدهما رسلا بشرائع إلا من ذريتهما.

ثم بين أن هذه الذرية افترقت فرقتين فقال :

(فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي فمن ذريتهما مهتد إلى الحق مستبصر ، وكثير منهم ضلّال خارجون عن طاعة الله ذاهبون إلى طاعة الشيطان ، مدسّون أنفسهم باجتراح الآثام.

وفى الآية إيماء إلى أنهم خرجوا عن الطريق المستقيم بعد أن تمكنوا من الوصول إليه ، وبعد أن عرفوه حق المعرفة ، وهذا أبلغ فى الذم وأشد فى الاستهجان لعملهم.

(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) أي ثم بعثنا بعدهم رسولا بعد رسول على توالى العصور ولأيام.

١٨٤

ثم خص من أولئك الرسل عيسى لشهرة شريعته فى عصر التنزيل ولوجود أتباعه فى جزيرة العرب وغيرها فقال :

(وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) أي ثم أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى الأمر إلى عيسى عليه السلام ، وأعطيناه الإنجيل الذي أوحيناه إليه ، وفيه شريعته ووصاياه ، وقد جاء ما فيه مكملا لما فى التوراة ومخففا بعض أحكامها التي شرعت تغليظا على بنى إسرائيل ، لنقضهم العهد والميثاق كما جاء فى قوله : «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ».

ثم بين صفات أتباع عيسى فقال :

(وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) أي إن أتباعه الذين ساروا على نهجه وشريعته اتصفوا بما يأتى :

(١) الرأفة بين بعضهم وبعض ، فيدفعون الشر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ويصلحون ما فسد من أمورهم.

(٢) الرحمة فيجلب بعضهم الخير لبعض كما قال فى حق أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم : «رُحَماءُ بَيْنَهُمْ».

(٣) الرهبانية المبتدعة ، فقد انقطعوا عن الناس فى الفلوات والصوامع معتزلين الخلق وحرّموا على أنفسهم النساء ولبسوا الملابس الخشنة ، تبتلا إلى الله وإخباتا له.

(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) أي ما فرضنا عليهم هذه الرهبانية ، ولكنهم استحدثوها طلبا لمرضاة الله والزلفى إليه.

ثم ذكر أنهم ما حافظوا عليها كما قال :

(فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أي فما حافظوا على هذه الرهبانية المبتدعة ، وما قاموا

١٨٥

مما التزموه حق القيام ، بل ضيّعوها ، وكفروا بدين عيسى بن مريم ، فضموا إليه التثليث ودخلوا فى دين الملوك الذين غيروا وبدلوا.

وفى هذا ذم لهم من وجهين :

(١) أنهم ابتدعوا فى دين الله ما لم يأمر به.

(٢) أنهم لم يقوموا بما فرضوه على أنفسهم مما زعموا أنه قربة يقرّبهم إلى ربهم ، وقد كان ذلك كالنذر الذي يجب رعايته ، والعهد الذي يجب الوفاء به.

روى ابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال : «قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا ابن مسعود ، قلت : لبّيك يا رسول الله ، قال : اختلف من كان قبلنا على إحدى وسبعين فرقة ، نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم ، فرقة من الثلاث وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله ودين عيسى بن مريم صلوات الله عليه فقتلتهم الملوك ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك فأقاموا بين ظهرانى قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى بن مريم صلوات الله عليه ، فقتلتهم الملوك بالمناشير ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام بين ظهرانى قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى صلوات الله عليه ، فلحقوا بالبراري والجبال فترهبوا فيها فهو قول الله عز وجل «وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ» الآية ، فمن آمن بي واتبعنى وصدقنى فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الفاسقون».

(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي فآتينا الذين آمنوا منهم إيمانا صحيحا طبعت آثاره فى أعمالهم ، فزكّوا أنفسهم ، وأخبتوا لربهم ، وأدّوا فرائضه ـ أجورهم التي استحقوها كفاء ما عملوا ، وكثير منهم فسقوا عن أمر الله ، واجترحوا الشرور والآثام ، وظهر فسادهم فى البر والبحر بما كسبت أيديهم ، فكبكبوا فى النار ، وباءوا بغضب من الله ، ولهم عذاب عظيم

١٨٦

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))

تفسير المفردات

قال المؤرّج السدوسي : الكفل : النصيب بلغة هذيل ، وقال غيره بل بلغة الحبشة ، وقال المفضل الضبي : أصل الكفل كساء يديره الراكب حول سنام البعير ليتمكن من القعود عليه ، لئلا يعلم : أي لكى يعلم.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه أن من آمنوا من أهل الكتاب إيمانا صحيحا لهم أجرهم عند ربهم ـ ذكر هنا أن من آمنوا منهم بعيسى أولا وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم ثانيا يؤتيهم أجرهم مرتين ، لإيمانهم بنبيهم ، ثم بمحمد من بعده ، ثم ذكر أن النبوة فضل من الله ورحمة منه لا يخص به قوما دون قوم ، فهو أعلم حيث يجعل رسالته ، لا كما يقول اليهود : إن الوحى والرسالة فينا لا تعدونا إلى سوانا ، فنحن شعب الله المختار ، ونحن أبناء الله وأحباؤه.

الإيضاح

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي أيها الذين صدقوا الله ورسوله من

١٨٧

أهل الكتابين التوراة والإنجيل ـ خافوا الله بأداء طاعته واجتناب معاصيه وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ يعطكم ضعفين من الأجر ، لإيمانكم بعيسى والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلّم ثم بإيمانكم بمحمد بعد أن بعث نبيا ، ويجعل لكم هدى تستبصرون به من العمى والجهالة ، ويغفر لكم ما أسلفتم من الذنوب وما فرطتم فى جنب الله ، والله واسع المغفرة لمن يشاء ، رحيم بعباده يقبل توبتهم ـ متى أنابوا إليه ، وخشعت له قلوبهم.

والخلاصة ـ إنه تعالى وعد المؤمنين برسوله بعد إيمانهم بالأنبياء قبله بأمور ثلاثة :

(١) أنه يضاعف لهم الأجر والثواب.

(٢) أن يجعل لهم نورا بين أيديهم وعن شمائلهم يوم القيامه يهديهم إلى الصراط السوي ويوصلهم إلى الجنة.

(٣) أن يغفر لهم ما اجترحوا من الذنوب والآثام.

روى الشعبي عن أبى بردة عن أبيه أبى موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران ، ورجل أدّب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران». رواه البخاري ومسلم.

ثم رد على أهل الكتاب الذين خصوا فضل الرسالة بهم فقال :

(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) أي فعلنا ذلك ليعلم أهل الكتاب أنهم لا ينالون شيئا من فضل الله من الأجرين ولا يتمكنون من نيله ما لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم.

١٨٨

وخلاصة ذلك ـ إن إيمانهم بنبيهم لا ينفعهم شيئا ما لم يؤمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلم.

أخرج ابن أبى حاتم قال لما نزلت «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا» فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا : لما أجران ولكم أجر ، فاشتد ذلك على أصحابه فأنزل الله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» الآية فجعل لهم أجرين وزادهم النور.

(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي والله واسع الفضل كثير العطاء ، يمنحه من شاء من عباده لا يخص به قوما دون آخرين ولا شعبا دون آخر.

سبحانك قسمت حظوظك بين عبادك بمقتضى عدلك وفضلك ، وآتيتهم فوق ما يستحقون بجودك وكرمك. فاللهم آتنا من لدنك الرشد والتوفيق ، واهدنا لأقوم طريق.

خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة

(١) صفات الله وأسماؤه الحسنى ، وظهور آثاره فى بدائع خلقه.

(٢) الحض على الإنفاق.

(٣) بشرى المؤمنين بالنور يوم القيامة.

(٤) ثواب المتصدقين الذين أقرضوا الله قرضا حسنا.

(٥) ذم الدنيا وأنها لهو ولعب.

(٦) الترغيب فى الآخرة وتشمير العزيمة للعمل لها.

(٧) التسلية على المصايب.

(٨) ذم الاختيال والفخر والبخل.

١٨٩

(٩) الحث على العدل.

(١٠) الاعتبار بالأمم السالفة.

(١١) قصص نوح وإبراهيم.

(١٢) إن أهل الكتاب الذين آمنوا برسلهم وآمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم يضاعف لهم الأجر عند ربهم.

(١٣) الله يصطفى من رسله من يشاء ، فهو أعلم حيث يجعل رسالته.

وكان الفراغ من مسودة هذا الجزء بمدينة حلوان من أرباض القاهرة كورة الديار المصرية فى صبيحة يوم الجمعة لتسع بقين من رجب الأصم من سنة خمس وستين بعد الثلاثمائة والألف من هجرة سيد ولد عدنان ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

١٩٠

فهرست

أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفرق بين الإسلام والإيمان........................................................ ٥

أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يعرض عن جدل المشركين ومرامهم............. ١٢

ما أثبته علماء طبقات الأرض (الجيلوجيا) حديثا................................... ١٧

الحكمة فى مور السماء وسير الجبال.............................................. ٢٠

محاسن المرأة التي يتمدح بها العرب................................................ ٢٤

ما قالته عائشة فى وصف عذاب النار............................................. ٢٨

تحدى العرب فى الإتيان بمثل القرآن.............................................. ٣٢

أمر المشركين بإقامة الحجة على ما يدعون........................................ ٣٥

ما أثبته علماء الفلك فى النجوم حديثا............................................. ٤٤

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمزح ولا يقول إلا حقا......................... ٤٥

علينا أن نؤمن بما جاء فى القرآن عن عالم الأرواح.................................. ٤٦

توبيخ المشركين على نسبة البنات إلى الله.......................................... ٥٢

المشهور أنّ الكبائر سبع......................................................... ٥٩

النهى عن تزكية النفس حين قصد الرياء.......................................... ٦١

ما تضمنته صحف إبراهيم وموسى............................................... ٦٣

يرى مالك والشافعي أنه لا يصح إهداء ثواب القراءة إلى الموتى...................... ٦٥

سبب تخصيص الشعرى بالذكر من بين الكواكب................................. ٦٨

ما تضمنته سورة النجم من الأسرار والأحكام..................................... ٧٣

١٩١

هل انشقاق القمر حدث أو سيحدث؟........................................... ٧٦

يقولون إن سفينة نوح لا تزال باقية إلى الآن فى موضعها............................ ٨٤

ما روى من شؤم بعض الأيام لا يصح منه شىء.................................... ٨٧

كانت ناقة صالح فتنة لقومه..................................................... ٨٩

اتبع صالح مع قومه طريق المناوبة لناقته فى شرب ماء البئر........................... ٩١

دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم على المشركين يوم بدر............................. ٩٨

فى الحديث : يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا.................. ١٠٢

خلاصة موضوعات سورة القمر الكريمة......................................... ١٠٣

منة الله على عباده بالبيان والتبيين عما يجول فى النفس............................ ١٠٦

حكمة تكرار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)..................................... ١٠٩

كيف خلق الإنسان الأول..................................................... ١١١

الدهر عند الله يومان.......................................................... ١١٦

إذا وقعت الواقعة لا تكذب نفس على الله....................................... ١٣٢

ينقسم الناس يوم القيامة أزواجا ثلاثة........................................... ١٣٣

آراء العلماء فى تفسير قوله : لا يمسه إلا المطهرون................................ ١٥١

ابن العربي وابن الفارض أتيا بما هو بدع فى الدين فرده العلماء..................... ١٥٢

فائدة اختلاف الفصول وتوالى الليل والنهار...................................... ١٦١

عتاب المؤمنين الذين فترت هممهم عن القيام بشعائر الدين......................... ١٧٢

ذهب أهل الدثور بالأجور ـ الحديث.......................................... ١٧٩

ما أنعم الله به على أنبيائه من النعم الجسام....................................... ١٨٤

من آمن بعيسى ثم بمحمد يؤتهم أجرهم مرتين.................................... ١٨٧

١٩٢