روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

وقد روى ذلك في المكاري عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١) ، ومن ثَمَّ احتمل المحقّق (٢) اختصاص الحكم بالمكاري ، وجعل الباقين مع تحقّق الكثرة على التمام وإن أقاموا عشرة.

والمشهور : التعميم إن لم يكن موضع وفاق ، فإنّ المحقّق ذكر ذلك بطريق الاحتمال.

وهل يشترط في إقامة العشرة التتالي؟ أكثر الأصحاب (٣) على الإطلاق.

والظاهر أنّه في إقامة بلده غير شرط ؛ لصدق اسم العشرة ، وأصالة البراءة ، فيلفّق ما وقع منها في البلد.

نعم ، يشترط عدم تخلّل المسافة إجماعاً.

وقد صرّح بهذا التفصيل جماعة منهم : الشهيد (٤) رحمه‌الله.

وأمّا العشرة التي في غير بلده فيحتمل كونها كذلك ؛ لما ذكرناه من العلّة ، ولما سيأتي من أنّ الخروج بعد الصلاة تماماً إلى ما دون المسافة لا يؤثّر في القصر ، بل يبقى على التمام ، فهو حينئذٍ كبلدة.

نعم ، يأتي على ما يختاره المصنّف من أنّ الخارج حينئذٍ يقصّر ما لم يكن في نيّته إقامة عشرة مستأنفة عدم التلفيق ؛ لأنّ ذلك كالخروج إلى المسافة ؛ لتخلّل ما يقطع الإقامة ، فيكون حكمه حكم السفر إلى المسافة في انقطاع حكم السابق عليه إذا لم تكن عشرةً.

وسيأتي بيان أنّ مطلق الخروج مع نيّة إقامة العشرة غير قاطع لحكم الإقامة ، فيضعف دليل عدم التلفيق ، لكنّي لم أقف على مُفْتٍ به من الأصحاب.

نعم ، نقله بعضهم (٥) عن المحقّق الشيخ عليّ رحمه‌الله. وهو متوجّه.

وحيث اشترط في إقامة العشرة في غير بلده نيّتها لم يؤثّر وقوعها بنيّة متردّدة ، وهو موضع وفاق.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ ٢٨٢ / ١٢٧٨ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٦ / ٥٣١ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٧٣.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٢٢ ؛ وابن إدريس في السرائر ١ : ٣٣٦ ؛ والشهيد في البيان : ٢٦٤ ؛ والدروس ١ : ٢١٢ ؛ والذكرى ٤ : ٣١٦.

(٤) البيان : ٢٦٤.

(٥) لم نتحقّقه.

٥٨١

لكن لو تردّد كذلك ثلاثين يوماً ، هل تكون بحكم العشرة المنويّة أم لا؟ الذي صرّح به ابن فهد في المهذّب بل جَعَله المشهور ، وقوّاه المحقّق الشيخ عليّ (١) : الأوّل (٢).

وقطع الشهيد في الدروس باشتراط إقامة عشرة بعد الثلاثين (٣) ، وتبعه عليه في الموجز (٤). ولم أقف لغيرهم من ذلك على كلام نفي ولا إثبات وإن كان الظاهر منهم عدم الاكتفاء بالتردّد ثلاثين.

والصحيح في ذلك ما اختاره الشهيد رحمه‌الله ؛ لأصالة البقاء على حكم التمام حتى يتحقّق المزيل عنه.

ويُوضّح ذلك ما قد عرفته من أنّ السفر الموجب للتقصير ينقطع بمجرّد الوصول إلى بلد المسافر ، ونيّته إقامةَ عشرة في غير بلده ، وسيأتي أنّه ينقطع أيضاً بمضيّ ثلاثين يوماً متردّداً فيها ، وهذه الثلاثة موضع وفاق.

ويُعلم منها أنّ الثلاثين المتردّد فيها في غير البلد بحكم نيّة الإقامة عشراً فيه ، وقد عرفت أيضاً أنّ كثرة السفر إنّما تنقطع بإقامة عشرة في بلده أو في غير بلده مع النيّة ، وأنّه لا تكفي نيّة الإقامة بدون الإقامة ، بل لا ينقطع حكم الكثرة إلا بتمام العشرة ، وعرفت أيضاً أنّ التردّد ثلاثين يوماً في حكم نيّة إقامة العشرة ، لا في حكم إقامتها ، فيفتقر بعدها إلى إقامة عشرة ، كما يفتقر إليها بعد نيّة الإقامة عشرة ، وهذا واضح.

ووجه الاكتفاء بالثلاثين : صدق اسم العشرة وزيادة ؛ إذ ليس في الخبر التصريح بكونها منويّةً.

وإنّما لم يكتف بالعشرة المتردّدة لا غير للإجماع على عدم اعتبار الشارع لها ، بل إنّما عُلم منه اعتبار الثلاثين مع التردّد ، فيختصّ الحكم بها. ولأنّ مضيّ الثلاثين إذا كان شرطاً في قطع حكم السفر وهو أضعف من حكم كثرة السفر ؛ لما قد عرفته فلأن يكون مجموع الثلاثين شرطاً في قطع الكثرة ولا يكفي ما دونها أولى.

وجوابه يُعلم ممّا قرّرناه ، فإن مضيّ الثلاثين كذلك بحكم نيّة الإقامة عشراً في غير

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٥١٣.

(٢) المهذّب البارع ١ : ٤٨٦.

(٣) الدروس ١ : ٢١٢.

(٤) الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ١٧٣.

٥٨٢

البلد ، وهي غير كافية في قطع كثرة السفر إجماعاً ، فكذا يجب لما هو بحكمها ، وإنّما اقتضى كونها بحكم النيّة الاكتفاء بعشرة أُخرى بعدها ، وإلا كان من المحتمل أن يقال : إنّ التردّد لا يقطع كثرة السفر وإن طال ؛ لعدم النصّ ، وأصالة البقاء على حكم الكثرة ، بل هذا الاحتمال أوجه من احتمال الاكتفاء بالثلاثين المتردّد فيها ، فإنّ إلغاء المناسبة بين حكم السفر وكثرة السفر يقتضي الاكتفاء بمطلق العشرة إن عمل بمطلق الرواية ، ولم يقل به أحد ، أو توقّف حكم قطع الكثرة على الإقامة عشرة منويّة ، ولا تقطعها بدونه ، ورعاية المناسبة تقتضي اشتراط العشرة بعد الثلاثين ، فالقول بالاكتفاء بالثلاثين المتردّد فيها غير متّجه.

فإن قيل : لمّا علمنا اعتبار الشارع الثلاثين المتردّد فيها وترتيب حكم قطع السفر عليها وإقامتها مقام نيّة الإقامة اعتبرناها هنا مع صدق إقامة العشرة في الجملة ، بخلاف العشرة المتردّد فيها ، فإنّ الشارع لم يعتبرها بحال.

قلنا : إنّما اعتبرها الشارع في حكمٍ يكفي في اعتباره نيّة إقامة العشرة ، كما قد عرفته ، والأمر في المتنازع ليس كذلك ، فإنّ نيّة إقامة العشرة غير كافية إجماعاً ، فكذا ما هو بحكمها ، ولا يلزم من اعتبار الشارع لها في حالةٍ اعتبارها مطلقاً.

(وإلا) يقم أحدهم عشرة على الوجه المتقدّم (أتمّ) صلاته (ليلاً) وهي (و) صيامه (نهاراً) سواء لم يقم أصلاً أو أقام دون الخمسة أو أقام خمسة (على رأي) مشهور ؛ لصدق اسم المسافر على مَنْ أقام دون العشرة ، فيلحقه الحكم. ولقوله عليه‌السلام : «هُما سواء إذا أفطرت قصّرت ، وإذا قصّرت أفطرت» (١).

ونبّه بالرأي على خلاف الشيخ (٢) وجماعة (٣) حيث ذهبوا إلى أنّ مَنْ أقام خمسة فصاعداً إلى ما دون العشرة يُقصّر صلاة النهار ويُتمّ الليل والصوم ؛ لرواية عبد الله بن سنان ، قال : «المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٠ ٢٢١ / ٥٥١.

(٢) النهاية : ١٢٢ ١٢٣ ؛ المبسوط ١ : ١٤١ و ٢٨٤.

(٣) منهم : القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ١٠٦ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٨ ؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٩١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٨ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٦ / ٥٣١ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٦.

٥٨٣

وأُجيب (١) بأنّ الحديث متروك الظاهر ؛ لتضمّنه ما دون الخمسة ، وهُم لا يقولون بتأثير ما دونها.

وفيه نظر ؛ لأنّ الخبر إن صحّ لم يضر موضع الخلاف منه خروج جزء آخر عن صلاحيّة الاحتجاج ، والأصحاب قد احتجّوا به على أنّ إقامة العشرة تقطع كثرة السفر.

واحتمال اختصاص الحكم بالمكاري إنّما نشأ منه ؛ لأنّ البحث فيه عنه.

وحَمَله المصنّف في المختلف على سقوط نافلة النهار (٢). ولا يخفى بُعْده.

ولضعف جوابه مال المحقّق في المعتبر (٣) إلى العمل بمضمونه وموافقة الشيخ.

ونقل عن ابن الجنيد القول بالاكتفاء في التقصير بإقامة ما دون الخمسة (٤) ، كما دلّ عليه الخبر (٥).

الشرط (السادس ) : خفاء الجدران والأذان ، فلا يترخّص) المسافر (قبل ذلك) على المشهور بين المتأخّرين.

واعتبر أكثر المتقدّمين (٧) أحد الأمرين : خفاء الجدران ، أو عدم سماع الأذان.

وابن بابويه لم يعتبرهما معاً ، واكتفى بمجرّد الخروج من المنزل (٨).

ووجه ما اختاره المصنّف من اعتبار الأمرين معاً : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يريد السفر فيخرج متى يقصّر؟ قال : «إذا توارى من البيوت» (٩).

وصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام : «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان

__________________

(١) المجيب هو الشهيد في غاية المراد ١ : ٢٢٥.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٢ ، ذيل البحث الرابع ضمن المسألة ٣٩١.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٧٣.

(٤) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٦ ، المسألة ٣٩٤.

(٥) أي : خبر عبد الله بن سنان ، المتقدّم في ص ١٠٤٣.

(٦) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «و» بدل «السادس». وما أثبتناه هو الموافق لبعض نسخ الإرشاد.

(٧) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٣٦ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ١٠٦.

(٨) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٤ ، المسألة ٣٩٢.

(٩) الكافي ٣ : ٤٣٤ / ١ ؛ الفقيه ١ : ٢٧٩ / ١٢٦٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢٤ / ٥٦٦ ، و ٤ : ٢٣٠ / ٦٧٦.

٥٨٤

فقصّر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» (١).

والجمع بين الخبرين يحصل بالعمل بمدلولهما معاً ، والمتقدّمون جمعوا بينهما بالتخيير. وليس بواضح.

وعوّل ابن بابويه على رواية مرسلة تدلّ على القصر إلى أن يعود إلى المنزل (٢).

وهي مع ذلك مجملة يجب حملها على المبيّن.

والمعتبر خفاء صورة الجدار لا شبحه وسماع صوت الأذان وإن لم يميّز فصوله.

ويعتبر فيهما الحاسّة المعتدلة ، كما يعتبر الصوت والبناء المعتدلان ، فلا عبرة برؤية أعلام البلد ، كالمنائر والقباب والقلاع ، ولا بالأذان المفرط في العلوّ ، ولا بخفاء المنخفضين. والتمثيل بالأذان ؛ لأنّه أبلغ الأصوات غالباً ، فيقوم مقامه الصوت العالي. ويقدّر البلد المرتفعة والمنخفضة معتدلةً.

ويعتبر آخر الجدران والأذان ما لم تتّسع الخطّة بحيث تخرج عن العادة ، فتعتبر المحلّة وأذانها. ومحلّة البدوي كالبلد بالنسبة إلى الأذان ، أمّا الجدار (٣) فيحتمل تقدير بيته لو كان جداراً ، واعتبار رؤيته ؛ لقيامه مقامه.

(وهو) أي : خفاء الأمرين (نهاية التقصير) بمعنى أنّه يمتدّ عائداً إلى أن يدرك أحدهما ، فيزول حكمه ، ويصير كالمقيم على المشهور ؛ لصحيحة عبد الله بن سنان ، السالفة (٤). ولأنّ اعتبار ذلك في الخروج إنّما هو لكون ما دون هذا القدر في حكم البلد ، فلا يقصر فيه.

وخالف هنا جماعة (٥) حيث جعلوا نهاية التقصير دخول المنزل ؛ استناداً إلى أخبار تدلّ على استمرار التقصير إلى دخول المنزل.

ولا صراحة فيها بالمدّعى ؛ فإنّ ما دون الخفاء في حكم المنزل خصوصاً مع وجوب

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٠ / ٦٧٥ ؛ الاستبصار ١ : ٢٤٢ / ٨٦٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٩ / ١٢٦٨.

(٣) في الطبعة الحجريّة : الجدران.

(٤) في ص ١٠٤٤.

(٥) منهم : الشيخ علي بن بابويه وابن الجنيد كما حكاه عنهما العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٥ ، المسألة ٣٩٣ ، والسيّد المرتضى كما حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٧٤.

٥٨٥

الجمع بينها وبين ما تقدّم من الدالّ صريحاً على المشهور.

واعلم أنّ فائدة جَعْل خفاء الأمرين شرطاً للقصر عدم جوازه قبله ، فلو أراد الصلاة قبل ذلك ، صلّى تماماً. وكذا لا يجوز له الإفطار. وبعد وصوله إلى ذلك القدر يتحقّق الشرط ، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط وهو القصر ، ثمّ يتوقّف على تفصيلٍ آخر ، وهو : عدم مضيّ قدر الصلاة وشرائطها المفقودة ، كما سيأتي.

وكذلك يشترط في جواز الإفطار عدم زوال الشمس قبل الخفاء على ما يجي‌ء تفصيله إن شاء الله تعالى.

وأمّا في العود ففائدته على مذهب المصنّف من وجوب التمام على مَنْ حضر قبل الصلاة وإن كان قد دخل الوقت عليه مسافراً ظاهرة ، فيتمّ حينئذٍ متى وصل إلى الموضع المذكور (١) ؛. والفائدة بالنسبة إلى الصوم أنّه لو وصل إلى ذلك المكان ولم يكن تناول سفراً وكان ذلك قبل الزوال ، وجب عليه الصوم. ولو كان ذلك بعد الزوال أو كان قد تناول ، لم يلزمه حكم الإتمام فكذا في نهاية السفر إنّما تظهر على بعض الوجوه ، وذلك هو المراد من الإطلاق.

بقي في العبارة شي‌ء ، وهو : أنّ الضمير في قوله : «وهو نهاية التقصير» لا مرجع له سابقاً إلا الخفاء في قوله : «خفاء الجدران» ولا ريب أنّ الخفاء أمر ممتدّ من حين تجاوز موضع سماع الأذان ورؤية الجدار إلى أن يعود ، بل كلّما تمادى في السفر تأكّد تحقّق الخفاء ، وهذا المعنى لا يصلح كونه مراداً لجَعْله نهاية التقصير ؛ فإنّه وقت التقصير وظرفه ، فكيف يكون نهايته!؟ وإنّما النهاية آخر جزء منه ، وهو الجزء الذي دونه بلا فصل يتحقّق إدراك أحد الأمرين ، وهذا ليس هو مفهوم الخفاء ، ولا يصحّ إطلاقه على هذا الجزء خاصّةً ، كما لا يخفى.

ولا يصحّ توهّم أنّ الخفاء على ما ذكرت مجموع مركّب من جميع الأجزاء الواقعة في ذلك الزمان ، والمجموع لا يتحقّق إلا بجميع أجزائه ، وهي لا تتمّ إلا ببلوغ أحدهما ، فيصحّ حينئذٍ إطلاق كون الخفاء منتهى الترخّص ؛ فإنّ هذا الأمر وإن تمّ بالنسبة إلى النهاية يفسد في جانب البداءة ، فإنّ الخفاء كما هو معتبر في نهاية السفر بمعنى أنّ زواله يزيل

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : المواضع المذكورة.

٥٨٦

القصر ، كذا يعتبر في أوّله بمعنى أنّ وجوده شرط في القصر ، بل شرطيّته لا تتمّ حقيقةً إلا في الابتداء ثمّ تستمرّ إلى أن يزول.

وبالجملة ، فالمراد واضح ، وهو : أنّه ما دام الأمران محقّقين فالشرط حاصل ، إلا أنّ تركيب العبارة غير مؤدّ للمقصود ، وكان الوجه أن يقال : وبانتهاء الخفاء ينتهي التقصير ، أو ما يؤدّي هذا المعنى ، والأمر سهل.

(ومنتظر الرفقة) بعد أن سافر (يقصّر مع) بلوغه محلّا يتحقّق معه (الخفاء ، و) مع (الجزم) بمجيئها أو الجزم بالسفر من دونها قبل مضيّ العشرة (أو) مع كون انتظاره بعد (بلوغ المسافة) سواء علّق بعد ذلك سفره الباقي عليها أم لا ، وسواء جزم بمجيئها أم لا (وإلا) يحصل ما ذكرناه بأن انتظرها قبل الخفاء مطلقاً أو بعده قبل بلوغ المسافة ولم يجزم بمجيئها قبل مضيّ عشرة أيّام أو بالسفر من دونها قبلها (أتمّ).

وألحق في الذكرى بالعلم بمجيئها غلبة الظنّ به (١).

وهو حسن ؛ لأنّ المصير في مثل ذلك لا يكاد يستند إلا إلى الظنّ.

ولعلّ تعبير مَنْ عبّر بعلم مجيئها يريد به الترجيح الغالب المستند إلى القرائن ، وهو العلم بالمعنى الأعمّ ؛ إذ لا يمكن فرض العلم الحقيقي بمجي‌ء الغائب المختار ، أو يراد بالعلم العاديّ ، وهو لا ينافي إمكان خلافه بحسب ذاته ، كما حُقّق في الأُصول.

والحاصل : أنّ منتظر الرفقة متى كان في محلّ يسمع فيه أذان بلده أو يرى جداره يتمّ مطلقاً ؛ لعدم شرط القصر ، وبعد تجاوزه يقصّر ، إلا أن يكون قبل بلوغ مسافة ويعلّق سفره عليها ولا يعلم ولا يظنّ مجيئها ، كما مرّ ، فإنّه يُتمّ حينئذٍ ؛ لرجوعه عن الجزم بالسفر إن كان الانتظار طارئاً. ولو كان ذلك في نيّته من أوّل السفر ، بقي على التمام إلى أن يجدّد السفر بعد مجيئها ، وحينئذٍ لا يفتقر إلى بلوغ محلّ الخفاء بالنسبة إلى موضع الانتظار.

وكذا القول فيما لو جدّد نيّة السفر من غير بلده.

وإنّما اعتبرنا مجيئها قبل عشرة أيّام ؛ لأنّه لو علم مجيئها بعدها ، أتمّ مع تعليقه السفر عليها ؛ لأنّ ذلك في قوّة نيّة إقامة العشرة ابتداءً.

__________________

(١) الذكرى ٤ : ٣٠٢.

٥٨٧

ومثله ما لو لم ينو إقامة العشرة في أثناء المسافة ولكن علّقه على شي‌ء لا يحصل إلا بعد العشرة.

وكذا القول فيما لو جزم بالسفر من دونها مع عدم العلم بمجيئها ولكن علّقه على مضيّ عشرة أو ما يتوقّف على مضيّها.

وبما ذكرناه يُعلم أنّ صُور انتظار الرفقة تزيد على عشرين صورة تظهر بالتأمّل.

(ولو نوى المقصّر الإقامة في بلدٍ عشرة أيّام ، أتمّ) صلاته وصومه وإن كان عازماً على السفر بعد ذلك. وقد تقدّم الكلام فيه ، وإنّما أعاده ليرتّب عليه ما بعده.

(ولو ) تردّد) في الإقامة (قصّر إلى) مضيّ (ثلاثين يوماً ثمّ يُتمّ) بعد ذلك إن اتّفق له فعل رباعيّة قبل السفر (ولو صلاة واحدة).

وفي رواية أبي ولاد عن الصادق عليه‌السلام «يقصّر المتردّد إلى شهر» (٢).

ويُحمل على الثلاثين وإن احتمل النقص ؛ جمعاً بينها وبين ما روي عن الباقر عليه‌السلام من تعليق الحكم على الثلاثين (٣) ، فإنّ المطلق يحمل على المقيّد.

(ولو نوى الإقامة) عشراً (ثمّ بدا له) وعزم على السفر (قصّر) أي : رجع إلى القصر بمجرّد تجديد نيّة السفر ونقض الإقامة وإن لم ينشئ السفر (ما لم يكن قد صلّى ولو) فريضة (واحدة على التمام) فإنّه حينئذٍ يستمرّ عليه إلى أن يخرج إلى المسافة ، فإنّ عزم الإقامة والصلاة تماماً بعدها يقطع السفر قطعاً مستقرّاً ، فيتوقّف القصر بعده على سفرٍ جديد يوجبه ، ولا يضمّ ما بقي من المسافة إلى ما مضى منها ، بخلاف ما لو كان الرجوع عن الإقامة قبل الصلاة تماماً ، فإنّه يرجع إلى القصر وإن لم يخرج.

ولا يفتقر إلى كون الباقي مسافةً على الأقوى ، فإنّ اشتراط المسافة بعد ذلك يستلزم التوقّف على الشروع فيها ، كما هو مقتضى كلّ سفر يقع ابتداءً أو بعد انقطاع الأوّل بوطن أو نيّة إقامة العشرة مع الصلاة تماماً.

ويحتمل اشتراط المسافة بعد ذلك ؛ لإطلاق النصّ والفتوى بأنّ نيّة الإقامة تقطع

__________________

(١) في إرشاد الأذهان ١ : ٢٧٥ : «أن» بدل «لو».

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢١ / ٥٥٣ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٨ ٢٣٩ / ٨٥١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٩ ٢٢٠ / ٥٤٨ ؛ وفي الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٤٩ ؛ وكذا في الكافي ٣ : ٤٣٦ / ٣ عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٥٨٨

السفر ، فيبطل حكم ما سبق ، كما لو وصل إلى وطنه.

وبما اخترناه أفتى الشهيد رحمه‌الله في البيان (١).

ومستند ما ذكره المصنّف من التفصيل بالصلاة وعدمها : رواية الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحنّاط قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أُقيم بها عشرة أيّام فأُتِمّ الصلاة ثمّ بدا لي بَعْدُ أن لا أُقيم بها ، فما ترى لي أُتمّ أم أُقصّر؟ فقال : «إن كنت دخلت المدينة و (٢) صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها ، وإن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً وأتمّ ، وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى لك الشهر فأتمّ الصلاة» (٣).

وإنّما علّق في الخبر العود إلى القصر بالخروج بعد الصلاة تماماً من غير تقييد بقصد المسافة ؛ لأنّ أبا ولاد كوفيّ ، فخروجه من المدينة إلى بلده يوجب المسافة وإن كان اللفظ مطلقاً.

ولو أمكن على بُعْدٍ كون خروجه إلى غير بلده ، وجب تقييده بالمسافة ، كما ذكرناه ؛ لأنّ انقطاع السفر قطعاً مستقرّاً بحيث يتوقّف العود إلى القصر على الخروج يوجب ذلك.

ومَنْ أطلق من الأصحاب القصر هنا بالخروج فكلامه مشروط بذلك.

وقد صرّح كثير منهم المصنّف والشهيد (٤) باشتراط المسافة في الخروج ، وصرّح الجميع باشتراطها بعد الوصول إلى البلد ، والحكم واحد ، وقد تقدّم الكلام فيهما.

إذا تقرّر ذلك ، فالحكم ورد في النصّ معلّقاً على صلاة الفريضة تماماً ، ففيها قيود ثلاثة :

الأوّل : الصلاة ، فلو لم يكن صلّى ثمّ رجع عن نيّة الإقامة ، عاد إلى القصر ، سواء كان قد دخل وقت أم لا ، وسواء خرج وقتها ولم يصلّ عمداً أو سهواً أم لا ؛ لأنّ مناط

__________________

(١) البيان : ٢٦٠.

(٢) الواو لم ترد في «ق ، م» والتهذيب والاستبصار.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٠ / ١٢٧١ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢١ / ٥٥٣ ؛ الإستبصار ١ : ٢٣٨ ٢٣٩ / ٨٥١.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ١٧٦ ؛ الذكرى ٤ : ٣٠٣.

٥٨٩

الحكم الصلاة تماماً ولم يحصل.

وقطع المصنّف في التذكرة (١) بكون الترك كالصلاة ، فيجب الإتمام ؛ نظراً إلى استقرارها في الذمّة تماماً ، وتبعه على ذلك المحقّقُ الشيخ عليّ (٢).

واستشكل المصنّف في النهاية (٣) الحكم ، وكذا الشهيد في الذكرى (٤).

ولو كان ترك الصلاة لعذرٍ مسقط للقضاء كالجنون والإغماء فلا إشكال في كونه كمن لم يصلّ.

ولو لم يكن صلّى لكن صام يوماً تامّاً (٥) ، فكالصلاة عند المصنّف (٦) ، بل أولى ؛ لأنّه أحد الأمرين المرتّبين على المقام ، ويزيد كونه قد فات فيه وقت الصلاة تماماً.

ولو لم يخرج وقت الصلاة ، ففي الاكتفاء به مطلقاً أو مع زوال الشمس قبل الرجوع عن نيّة الإقامة ، أو عدمه مطلقاً أوجُه : من كون الصوم أحد العبادتين المشروطتين بالإقامة ، وكلّ جزء منه كذلك ، فإنّ الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلاً ، فمجرّد الشروع فيه صحيحاً يقتضي اتّحاد أثر الإقامة في العبادة ، كما لو صلّى تماماً. ومن عدم صدق صلاة الفريضة.

ووجه التفصيل : أنّ الخروج إلى السفر قبل الزوال يوجب إبطال الصوم ، فليس منافياً له ، بخلاف الخروج بعده ، فإنّه لا يؤثّر فيه ، فأولى أن لا يؤثّر مجرّد الرجوع عن الإقامة.

والأوّل مختار المصنّف (٧) ، والأخير مختار الشهيد والشيخ عليّ (٨).

والوسط متوجّه ؛ لعدم الدليل الدالّ على المساواة بين الصوم والصلاة هنا ، وكونه أحد الأمرين المترتّبين على الإقامة لا يوجب إلحاقه بها ؛ فإنّه قياس محض لا نقول به ، وإنّما يصحّ التعليل لو كان منصوصاً عند المصنّف ، لا إذا كان مستنبطاً.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٤١٠ ، الفرع «أ» من المسألة ٦٤٥.

(٢) انظر جامع المقاصد ٢ : ٥١٤.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ١٨٥.

(٤) الذكرى ٤ : ٣٠٦.

(٥) في الطبعة الحجريّة : «تماماً».

(٦) تذكرة الفقهاء ٤ : ٤١٠ ، الفرع «ب» من المسألة ٦٤٥ ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٨٥.

(٧) انظر : تذكرة الفقهاء ٤ : ٤١٠ ، الفرع «ب» من المسألة ٦٤٥ ؛ ونهاية الإحكام ٢ : ١٨٥.

(٨) الذكرى ٤ : ٣٠٧ ؛ جامع المقاصد ٢ : ٥١٥.

٥٩٠

ويمكن توجيه الدليل على التفصيل بأن نقول : لو فرض أنّ هذا الصائم سافر بعد الزوال ، فلا يخلو إمّا أن يجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ للأخبار الصحيحة الشاملة بإطلاقها أو عمومها هذا الفرد ، الدالّة على وجوب المضيّ على الصوم :

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سُئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» ؛ (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عنه عليه‌السلام «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار ، عليه صيام ذلك اليوم» (٢).

وسيأتي إن شاء الله تمام البحث في ذلك ، فقد تعيّن وجوب إتمام الصوم.

وحينئذٍ فلا يخلو إمّا أن يحكم بانقطاع حكم الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفراً بغير نيّة الإقامة وصحّته ، وهو غير جائز إجماعاً إلا ما استثني من الصوم المنذور على وجه وما ماثَلَه ، وليس هذا منه ، فثبت الأخير ، وهو : عدم انقطاع الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال ، سواء سافر حينئذٍ بالفعل أم لم يسافر ؛ إذ لا مدخل للسفر في صحّة الصوم وتحقّق الإقامة ، بل حقّه أن يحقّق عدمها ، وقد عرفت عدم تأثيره فيها ، فإذا لم يسافر ، بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة ، وهو المطلوب.

فإن قيل : يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرّد الشروع في الصوم وإن لم تزل الشمس ؛ لأنّ السفر كما لا يتصوّر فيه صوم واجب كاملاً عدا ما استثني لا يتصوّر فيه الشروع فيه ، فإذا شرع فيه ، لا يخلو إمّا أن يكون صحيحاً أو باطلاً ، ومن الأوّل يلزم انقطاع السفر ، ومن الثاني عدم انقطاعه بالخروج أو الرجوع عن الإقامة بعد الزوال ؛ لأنّ ذلك لا يصلح مصحّحاً لما حُكم ببطلانه ، بل مؤكّداً له ، وحيث ثبت القطع بذلك ثبت بمطلق الشروع.

قلنا : قد صار هذا القول قويّاً متيناً لتحقّق الأثر الموجب لبطلان حكم السفر ، لكن لمّا

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ؛ الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ؛ التهذيب ٤ : ٢٢٨ ٢٢٩ / ٦٧١ ؛ الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١.

(٢) الكافي ٤ : ١٣١ / ٤ ؛ الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٣ ؛ التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٢ ؛ الاستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٢.

٥٩١

كان هذا الأثر قابلاً للبطلان والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال ، الموجب لبطلان الصوم كان تأثير الجزء السابق على الزوال مراعىً باستمراره إلى أن تزول الشمس ، فإذا رجع عن نيّة الإقامة قبله ، بطل ذلك الأثر ، وعاد إلى حكم السفر.

وفيه بحث ؛ لأنّه لا يلزم من بطلان الصوم بنفس السفر بطلانه بالرجوع عن نيّة الإقامة ؛ لعدم الملازمة ، وللنهي عن إبطال العمل بصيغة العموم المتناول لهذا الفرد في قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (١) فلا يكون تأثير السفر فيه قبل الزوال موجباً لتأثير الرجوع عن الإقامة ؛ لعدم الملازمة. وقد توجّه بما بيّنّاه الاكتفاء في البقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقاً ، كما اختاره المصنّف ، وينساق الدليل إلى انقطاع السفر أيضاً بفوات وقت الصلاة المقصورة على وجهٍ يستلزم وجوب قضائها ؛ لأنّ استقرارها في الذمّة تماماً يوجب انقطاع السفر في وقتها ؛ إذ لا موجب للإتمام إلا ذلك.

فإن قيل : هذا الأثر لو كان كافياً في عدم بطلان الإقامة ، لزم عدم بطلانها بمجرّد النيّة ، لكنّ التالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ الأثر على تقدير فوات الصلاة إنّما هو الحكم بوجوب قضائها تماماً ، وهو أثر عقليّ لا وجود له في الأعيان ، والحكم في وجوب الإتمام بعد نيّة الإقامة كذلك ، فإنّه بمجرّد النيّة صار حكمه التمام ، ولو كان ذلك في وقت فريضة مقصورة ، كان الواجب عليه في تلك الحال فعلها تماماً ، وهذا الأثر صادر عن نيّة الإقامة مخالف لأثر السفر وإن لم يوجد مقتضاه خارجاً ، كما لو رجع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة.

قلنا : فرق بين الأثرين ؛ فإنّ وجوب التمام في حال فوات الفريضة مقترن بفعل الفريضة تماماً بمعنى استقرارها في الذمّة كذلك ، ولو قدّر عدم فعلها ، كان عقابه عقاب تارك الصلاة تامّةً ، فهو في قوّة الوقوع ، بخلاف الوجوب المتقدّم على الصلاة ؛ فإنّه وجوب مشروط بالبقاء على النيّة إلى أن يفرغ من الصلاة أو يركع في الثالثة كما سيأتي ، ومتى رجع قبل الصلاة ، سقط الحكم بوجوب إتمامها إجماعاً ، فافترقا. مع أنّه لو قيل بأنّ الفارق بينهما الإجماع على عدم البقاء في تلك الحالة بخلاف هذه ، كان كافياً ، لكن بقي اللازم من ذلك أنّه لو رجع عن نيّة الإقامة في أثناء الصلاة وقد شرع في الثالثة ، لم يؤثّر

__________________

(١) سورة محمّدُ (٤٧) : ٣٣.

٥٩٢

ذلك ، ويبقى على التمام ؛ لوقوعها بعد حصول أثر لا يصحّ بدون الإقامة.

ولا يشترط الركوع في الثالثة ، وهو موافق لظاهر كثير من عبارات المصنّف. وفي بعضها (١) اشتراط الركوع في الثالثة.

القيد الثاني : كونها فريضةً ، فلو رجع بعد صلاة نافلة ، فإن كانت ثابتةً في السفر ، فلا ريب في عدم تأثيرها ، كنافلة المغرب. وإن كانت ساقطةً كنافلة الظهر أو العصر فمقتضى الرواية (٢) عدم تأثيرها أيضاً ؛ لتعليق الحكم على الفريضة ، فلا يصدق اسم المعلّق عليه على ما فعل ، وهو مختار الذكرى (٣).

ويحتمل قويّاً الاجتزاء بها ؛ لأنّها من آثار الإقامة ، وما تقدّم من الدليل على الاكتفاء بالصوم آتٍ هنا ، وهو مختار المصنّف في النهاية (٤).

ولو شرع في الصوم المندوب ، فإن جوّزناه سفراً ، لم يؤثّر ؛ لعدم كونه من آثار الإقامة. وإن منعناه ، احتمل ذلك أيضاً ؛ لعدم كونه صلاة فريضة ، بل هو أبعد من الصوم الواجب ؛ لمباينته لصلاة الفريضة في وصفين ، بخلاف الواجب فإنّه (٥) يخالفها في وصفٍ واحد ، فمنْعُ تأثير الصوم الواجب يقتضي منع تأثير المندوب بطريقٍ أولى.

ويحتمل قويّاً الاجتزاء به ؛ لما مرّ في الصوم الواجب ، فإنّه أثر لا يتمّ بدون الإقامة ، فهو أحد الآثار ، كالفريضة التامّة.

وجملة ما اشترك بين هذه الفروع أنّ اللازم إمّا منع الجميع ؛ نظراً إلى ظاهر النصّ ، أو تجويز الجميع ؛ التفاتاً إلى المشاركة في المعنى ، كما قد تحرّر في الصوم الواجب ، لكن لا فرق في الصوم المندوب بين كون الرجوع حصل فيه قبل الزوال أو بعده ؛ لبطلانه بالسفر على التقديرين ، بخلاف الواجب.

القيد الثالث : كون الصلاة تماماً ، فلا تأثير لصلاة المقصورة.

وهل يشترط كون التمام بنيّة الإقامة ، أم يكفي مطلق التمام؟ يحتمل الأوّل ؛ لأنّ ذلك

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ١٨٥.

(٢) أي : رواية أبي ولاد الحنّاط ، المتقدّمة في ص ١٠٤٩.

(٣) الذكرى ٤ : ٣٠٥.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ١٨٦.

(٥) في «ق ، م» : «لأنّه» بدل «فإنّه».

٥٩٣

هو أثر الإقامة ، بل هو مقتضى الرواية (١) ؛ لأنّ السؤال وقع فيها عمّن نوى الإقامة عشراً. والثاني ؛ عملاً بإطلاق التمام. وتظهر الفائدة في مواضع :

منها : ما لو صلّى فرضاً تماماً ناسياً قبل نيّة الإقامة ، سواء خرج الوقت أم لا.

ومنها : ما لو صلّى تماماً في أماكن التخيير بعد النيّة لشرف البقعة ، أمّا لو نوى التمام لأجل الإقامة ، فلا إشكال في التأثير.

ولو ذهل عن الوجه ، ففي اعتبارها وجهان : من إطلاق الرواية (٢) حيث علّق الحكم على صلاة الفريضة تماماً ، مع أنّ الإقامة كانت بالمدينة ، فقد حصل الشرط. ومن أنّ التمام كان سائغاً له بحكم البقعة ، فلم تؤثّر نيّة المقام.

ومنها : ما لو نوى الإقامة عشراً في أثناء الصلاة قصراً فأتمّها ثمّ رجع عن الإقامة بعد الفراغ ، فإنّه يحتمل حينئذٍ الاجتزاء بهذه الصلاة ؛ لصدق التمام بعد النيّة. ولأنّ الزيادة إنّما حصلت بسببها ، فكانت من آثارها ، كما مرّ. وعدمه ؛ لأنّ ظاهر الرواية كون جميع الصلاة تماماً بعد النيّة وقبل الرجوع عنها ولم يحصل.

والأوّل أقوى ، والتقريب ما تقدّم.

ومنها : ما لو نوى الإقامة ثمّ صلّى بنيّة القصر ثمّ أتمّ أربعاً ناسياً ثمّ تذكّر بعد الصلاة ونوى الخروج ، فإن كان في الوقت ، فكمن لم يصلّ ؛ لوجوب إعادتها. وإن كان قد خرج الوقت ، احتمل الاجتزاء بها ؛ لأنّها صلاة تمام مجزئة. وعدمُه ؛ لأنّه لم يقصد التمام.

(ولو خرج) قاصد المسافة (إلى) موضع يحصل فيه (الخفاء) المعهود ولم يكن قد بلغ المسافة (وصلّى تقصيراً ثمّ رجع عن السفر) انقطع سفره بمجرّد الرجوع و (لم يعد) ما صلاه قصراً ؛ لرواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يخرج في سفره الذي يريده فيرجع عن سفره وقد صلّى ركعتين «تمّت صلاته» (٣).

ولأنّه كان فرضه القصر وقد أتى به على وجهه ، وهو يقتضي الإجزاء.

ولو تردّد عزمه في الذهاب ، فكالرجوع.

__________________

(١) أي : رواية أبي ولاد الحنّاط ، المتقدّمة في ص ١٠٤٩.

(٢) أي : رواية أبي ولاد الحنّاط ، المتقدّمة في ص ١٠٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩٣ ، و ٤ : ٢٢٧ / ٦٦٥ ؛ الاستبصار ١ : ٢٢٨ / ٨٠٩.

٥٩٤

ولا فرق في ذلك بين كون الوقت باقياً وعدمه ، خلافاً للشيخ في الاستبصار (١) حيث ذهب إلى وجوب الإعادة مع بقاء الوقت ؛ تعويلاً على رواية سليمان بن حفص المروزي ، قال : قال الفقيه وعنى به الكاظم عليه‌السلام : «التقصير في الصلاة في بريدين أو بريد ذاهباً وجائياً ، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلاً ثمّ بلغ فرسخين ورجع عمّا نوى وأراد المقام أتمّ ، وإن كان قصّر ثمّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» (٢).

وحملها الشيخ على بقاء الوقت (٣) ؛ جمعاً بينها وبين رواية زرارة ، السالفة (٤) ، لكن في سندها ضعف ، فلذا لم يعتبرها.

ولو كان الرجوع أو التردّد بعد بلوغ المسافة ، بقي على القصر إلى أن يقصد إقامة عشرة أيّام أو يمضي عليه ثلاثون يوماً متردّداً.

وهل يحتسب منها ما يتردّده إلى دون المسافة أو يسلكه من غير قصدها وإن بلغها؟ نظر : من وجود حقيقة السفر فلا يضرّ التردّد. ومن اختلال القصد. وتوقّف في الذكرى (٥).

(ومع) اجتماع (الشرائط) الستّة (يجب القصر) ) وجوباً متعيّناً ، وهو معنى قول الأصحاب : إنّه عزيمة لا رخصة.

وهذا الحكم ثابت في جميع الأسفار والأمكنة (إلا في) أربعة أمكنة تفرّد الأصحاب بكون المسافر يتخيّر فيها بين القصر والتمام ، وهي (حرم الله تعالى ، وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمراد بهما مسجدا مكّة والمدينة ، لا مطلق الحرم (ومسجد الكوفة ، والحائر) وهو مشهد الحسين عليه‌السلام ، وحدّه سور الحضرة (فإنّ الإتمام) في هذه الأربعة (أفضل) من القصر.

ومستند الحكم أخبار كثيرة وردت عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام بذلك.

منها : رواية حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من مخزون علم الله الإتمام في

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٢٢٨ ، ذيل الحديث ٨٠٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٦ / ٦٦٤ ؛ الاستبصار ١ : ٢٢٧ ٢٢٨ / ٨٠٨.

(٣) انظر : الإستبصار ١ : ٢٢٨.

(٤) في ص ١٠٥٤.

(٥) الذكرى ٤ : ٣٠٣.

(٦) في «ق» والطبعة الحجريّة : «التقصير».

٥٩٥

أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهم‌السلام (١).

وفي رواية عنه عليه‌السلام : «تتمّ الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه‌السلام» (٢).

وألحق المرتضى (٣) وابن الجنيد (٤) مشاهد باقي الأئمّة عليهم‌السلام ، ولم نقف على مأخذه.

وهل الحكم مختصّ بالمساجد والمشهد المقدّس ، أو يعمّ بلدانها؟ ظاهر الأخبار : العموم.

والأوّل أولى ؛ لعدم التصريح بالزائد ، وكونه على خلاف الأصل والخروج بالقصر من العهدة إجماعاً ؛ إذ غاية الحكم التخيير ، فالقصر في البلدان مجزئ على التقديرين ، بخلاف الإتمام.

(ولو أتمّ المقصّر) وهو الذي فرضه التقصير عيناً (عالماً) بوجوب القصر (٥) عامداً (٦) (أعاد) صلاته (مطلقاً) في الوقت وخارجه ؛ للزيادة المنافية.

ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : «في مَنْ صلّى في السفر أربعاً إن كانت قُرئت عليه آية التقصير وفُسّرت له فصلّى أربعاً أعاد ، وإن لم يكن قُرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة» (٧).

ويُعلم من هذا أنّ الخروج من الصلاة عند مَنْ لا يوجب التسليم لا يتحقّق بمجرّد الفراغ من التشهّد ، بل لا بدّ معه من نيّة الخروج أو فعل ما به يحصل ، كالتسليم ، وإلا لصحّت الصلاة هنا عند مَنْ لا يوجب التسليم ؛ لوقوع الزيادة خارج الصلاة ، وقد تقدّم في باب التسليم الإشارة إلى ذلك.

(و) لو أتمّ المقصّر (ناسياً) لم يعد لو ذكر بعد خروج الوقت ، وإنّما (يعيد في الوقت خاصّةً) على المشهور ؛ لصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق عليه‌السلام حين سأله عن مسافرٍ

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣٠ / ١٤٩٤ ؛ الإستبصار ٢ : ٣٣٤ ٣٣٥ / ١١٩١.

(٢) الكافي ٤ : ٥٨٦ / ٣ ؛ التهذيب ٥ : ٤٣١ / ١٤٩٨ ؛ الاستبصار ٢ : ٣٣٥ / ١١٩٥.

(٣) جُمل العلم والعمل : ٨٣.

(٤) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٥٥ ، البحث الثالث من المسألة ٤٠٠.

(٥) في «م» : «التقصير».

(٦) كلمة «عامداً» لم ترد في «ق ، م».

(٧) الفقيه ١ : ٢٧٨ ٢٧٩ / ١٢٦٦ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢٦ / ٥٧١.

٥٩٦

أتمّ الصلاة ، قال : «إن كان في وقتٍ فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا» (١).

ووجه دلالتها على الناسي من جهة الإطلاق ظاهر ، ومن جهة التحقيق أنّه لا يجوز حملها على العامد أو ما يعمّه ، ولا على الجاهل أو ما يعمّه ؛ لما مرّ (٢) في صحيحة محمّد ابن مسلم ، فتعيّن حملها على الناسي توفيقاً بين الأخبار.

وذهب الشيخ في المبسوط (٣) إلى الإعادة مطلقاً ؛ لتحقّق الزيادة المنافية.

والخبر (٤) حجّة عليه.

وأوجب الصدوق الإعادةَ على الذاكر من يومه خاصّةً (٥) ؛ لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، الواردة في الناسي (٦).

وتُحمل على الأوّل ، ويحمل اليوم على النهار ؛ لئلا يدخل العشاء مع ذكرها في يومها بعد وقتها. وإطلاق اليوم على النهار سائغ إن لم يكنه ، وفيه مع ذلك توفيق بين الأخبار.

لكن يبقى هنا بحث ، وهو : أنّه قد تقدّم أنّ مَنْ زاد ركعةً آخر الصلاة وكان قد جلس آخرها بقدر التشهّد تصحّ صلاته ، كما مرّ ، وقد ورد به النصّ (٧) ، وهو لا يجامع إعادة الناسي هنا مطلقاً ولا في الوقت ؛ لأنّ المفروض أنّه تشهّد على الثانية فضلاً عن الجلوس بقدره ، فتكون الزيادة من أفراد تلك المسألة ، إلا أنّه لا قائل هنا بالصحّة مطلقاً ، وكان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها هنا ، ولا سبيل إلى التخلّص من ذلك إلا بأحد أُمور : إمّا إلغاء ذلك الحكم ، كما ذهب إليه أكثر الأصحاب ، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة ، كما هو مورد النصّ ، ولا يتعدّى إلى الثلاثيّة والثنائيّة ، ولا تتحقّق المعارضة هنا ، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير ، كما ورد به النصّ هناك ، ولا يتعدّى إلى الأزيد ، كما عدّاه بعض الأصحاب ، أو القول بأنّ ذلك في غير المسافر جمعاً بين الأخبار ، لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتّحاد المحلّ ، وفي الحقيقة اتّفاق الأصحاب هنا على الإعادة في الوقت

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٦ ؛ التهذيب ٣ : ١٦٩ / ٣٧٢ ، و ٢٢٥ / ٥٦٩ ؛ الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٦٠.

(٢) في ص ١٠٥٦.

(٣) المبسوط ١ : ١٤٠.

(٤) أي : خبر العيص بن قاسم ، المتقدّم آنفاً.

(٥) المقنع : ١٢٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٥ ؛ التهذيب ٣ : ١٦٩ / ٣٧٣ ، و ٢٢٥ ٢٢٦ / ٥٧٠ ؛ الاستبصار ١ : ٢٤١ ٢٤٢ / ٨٦١.

(٧) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٦ ؛ الإستبصار ١ : ٣٧٧ / ١٤٣١.

٥٩٧

يؤيّد ما عليه الأكثر هناك من البطلان مطلقاً ، والله أعلم.

(و) لو أتمّ المقصّر في حالة كونه (جاهلاً) بوجوب التقصير (لا يعيد مطلقاً) على المشهور ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم ، السابقة (١).

وخالف أبو الصلاح (٢) وابن الجنيد (٣) ، فأوجبا عليه الإعادةَ في الوقت. ولعلّه استناداً إلى إطلاق صحيحة العيص ، السابقة (٤) و (٥).

ووجوب الجمع بين الأدلّة يعيّن القول بعدم الإعادة.

وربما أطلق بعض (٦) الأصحاب إعادة المتمّم مع وجوب القصر عليه مطلقاً ؛ لتحقّق الزيادة المنافية.

ويؤيّده في الجاهل ما أورده السيّد الرضي رحمه‌الله على أخيه المرتضى من أنّ الإجماع واقع على أنّ مَنْ صلّى صلاةً لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة ، والجهل بأعداد الركعات جَهْل بأحكامها ، فلا تكون مجزئةً.

وأجاب المرتضى بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور (٧).

وحاصل الجواب يرجع إلى النصّ الدالّ على عذره ، والقول به متعيّن.

واعلم أنّ ظاهر النصّ والفتوى يقتضي أنّ المراد بالجاهل هنا الجاهل بوجوب القصر رأساً ، فلو كان عالماً به من وجهٍ دون آخر فصلّى تماماً ، احتمل كونه كذلك ؛ لصدق الجهل. وعدمُه ؛ لأنّه عالم بالوجوب في الجملة.

ويتصوّر ذلك في مَنْ علم وجوب الإتمام لكثير السفر مثلاً ولم يعلم انقطاع الكثرة بإقامة عشرة أيّام فصلّى تماماً ثمّ علم ، وفي مَنْ علم بالتخيير بين التمام والقصر في الأماكن الأربعة فاختار التمام وصلّى في موضع يعتقده منها ولم يكن أو يعلم عين الأربعة ولكن

__________________

(١) في ص ١٠٥٦.

(٢) الكافي في الفقه : ١١٦.

(٣) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٨ ، ضمن المسألة ٣٩٥.

(٤) في «م» : «السالفة» بدل «السابقة».

(٥) في ص ١٠٥٦.

(٦) هو ابن أبي عقيل كما في مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٨ ، ضمن المسألة ٣٩٥.

(٧) انظر : رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٨٣ ٣٨٤ ؛ والذكرى ٤ : ٣٢٥ ٣٢٦.

٥٩٨

اشتبه عليه حدودها ، ونحو ذلك.

وتوقّف المصنف في ذلك كلّه في النهاية (١).

ولو انعكس الفرض بأن صلّى مَنْ فَرْضُه التمام قصراً عامداً ، أعاده (٢) مطلقاً ، كما مرّ.

ولو كان ناسياً ، فكذلك ؛ لعدم فعل المأمور به على وجهه. ولأنّ نَقْصَ ركعةٍ فصاعداً مع تحقّق المنافي مطلقاً موجب للبطلان.

ولو قصّر جاهلاً ، ففي الصحّة وجهان :

أحدهما وهو المشهور : العدم ؛ لأنّ الجاهل غير معذور ، بل قد يقال : إنّه أسوأ حالاً من العالم ، خرج منه ما تقدّم ؛ للنصّ ، فيبقى الباقي.

والثاني : عدم إعادته مطلقاً وهو اختيار الشيخ يحيى بن سعيد (٣) بناءً على استصحاب القصر الواجب ، وخفاء هذه المسألة على العامّة ، فيكون عذراً.

ولما رواه منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ، فإن تركه رجل جاهل فليس عليه إعادة» (٤).

وهو ظاهر في مدّعاه ، لكن ربما حمل الضمير في «تركه» على القصر للمسافر وإن لم يَجْرِ له ذِكْر في الرواية ؛ لأنّه قد علم أنّ الجاهل معذور في التمام.

وفيه نظر ؛ لأنّه عدول عن الظاهر بغير سببٍ موجب ، مع إمكان القول باشتراك الجاهلين في الرخصة ؛ للمشاركة في العلّة ، بل خفاء الحكم في هذه المسألة أقوى من المسألة السابقة.

(ولو سافر بعد) دخول (الوقت قبل أن يصلّي) الظهرين (أتمّ) الفرضين في السفر إن كان قد مضى عليه حاضراً من الوقت مقدار فعلهما مع الشرائط المفقودة.

ولو كان السفر بعد مضيّ الظهر لا غير ، أتمّها خاصّةً. ولو كان أقلّ من ذلك ، قصّرهما.

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ١٨٧ ١٨٨.

(٢) في «ق ، م» : «أعاد» بدل «أعاده».

(٣) الجامع للشرائع : ٩٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢١ / ٥٥٢.

٥٩٩

وكان على المصنّف أن يبيّن ذلك ؛ لأنّه شرط لازم اتّفاقاً ، وكأنّه تركه ؛ لوضوحه.

ويعتبر الوقت من حين دخوله إلى أن يصل المسافر إلى موضع الخفاء ؛ لأنّ ما دونه من الحدود في حكم البلد ، وعلى هذا يمكن فرض كون الخروج في أوّل الوقت مع وجوب الإتمام بسبب ذلك ، بل يمكن الخروج قبل دخوله بيسير ويمضي منه في قطع الحدود قدر أداء الصلاة ، فيجب الإتمام.

ولعلّ هذا من الأعذار الموجبة لإهمال الشرط ، فإنّ الغالب على مَنْ خرج بعد دخول الوقت أن لا يقطع حدود البلد إلا بعد مضيّ القدر المعتبر.

(وكذا) يجب الإتمام (لو حضر) إلى البلد أو ما في حكمه (في الوقت) لكن هنا يكفي في وجوب الإتمام أن يبقى قدر الشرائط المفقودة وركعة ؛ لعموم «مَنْ أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت» (١).

وما اختاره المصنّف من الإتمام في الموضعين هو المشهور بين المتأخّرين.

وفي المسألة أقوال أُخر :

منها : القصر فيهما.

ومنها : القصر في الأوّل ، والإتمام في الثاني.

ومنها : التخيير بين القصر والإتمام.

ومنها : الإتمام مع السعة ، والقصر مع الضيق.

وسبب الاختلاف تعارض الأخبار الصحيحة على وجه لا يكاد يجمع بينها ، ففي خبر محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (٢) اعتبار حال الوجوب فيهما ، فيتمّ في الأوّل ، ويقصّر في الثاني ، وضدّه في (٣) خبر إسماعيل بن جابر عنه عليه‌السلام ، فإنّه اعتبر حال الأداء فيهما ، فيقصّر في الأوّل ، ويتمّ في الثاني ، وقال فيه : «فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٤ / ٤ ؛ الفقيه ١ : ٢٨٤ / ١٢٨٩ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢٢ / ٥٥٧ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٩ ٢٤٠ / ٨٥٣.

(٣) كلمة «في» لم ترد في «ق ، م».

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٣ ٢٨٤ / ١٢٨٨ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢٢ ٢٢٣ / ٥٥٨ ؛ الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٦.

٦٠٠