روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

(والأعرابي بالمهاجرين) لقول الباقر عليه‌السلام في رواية محمّد بن مسلم : «خمسة لا يؤمّون الناس ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص والمجذوم والأعرابي حتى يهاجر وولد الزنا والمحدود» (١).

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة أبي بصير : «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي» (٢).

واعلم أنّ الأعرابي هو المنسوب إلى الأعراب ، وهُمْ سكّان البادية.

وقد اختلف الأصحاب في كراهة إمامته أو تحريمها بسبب النهي الوارد في الخبر واقترانه فيه بمن تكره إمامته ومَنْ تحرم.

وحَمْلُ المصنّف النهي على الكراهة (٣) أوضح ؛ إذ لا ريب في أنّ المراد به العدل منهم ، وهو يستلزم المعرفة بمحاسن الإسلام وتفاصيل الأحكام المشترطة في الإمام ، وحينئذٍ لا مانع منه.

ووجه الكراهة حينئذٍ مع النصّ نقصه عن مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم التي تستفاد من الحضر ، كما مرّ التنبيه عليه في بحث الأقدم هجرةً.

وأمّا مَنْ حرّم إمامته كالشيخ (٤) وجماعة (٥) فمرادهم مع ظاهر النهي بالأعرابي مَنْ لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل الأحكام من سكّان البوادي ، المعنيّين بقوله تعالى (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) (٦) أو مَنْ عرف منهم ذلك ولكن ترك المهاجرة مع وجوبها عليه ؛ لقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ) (٧) فإنّه حينئذٍ تمتنع (٨) إمامته ؛ لإخلاله بالواجب من التعلّم أو المهاجرة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ١ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦ ٢٧ / ٩٢ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٦.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٤٨٦ ، ذيل المسألة ٣٤٣.

(٤) النهاية : ١١٢ ؛ المبسوط ١ : ١٥٥.

(٥) منهم : الشيخ الصدوق في المقنع : ١١٧ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٨٠ ؛ والجعفي كما نقله عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٤٠٤.

(٦) التوبة (٩) : ٩٧.

(٧) الأنفال (٨) : ٧٢.

(٨) في «م» : تمنع.

٥٢١

(والمتيمّم بالمتوضّئين) جمعاً بين الأخبار الواردة فيه بعضها بالنهي ، كقول عليّ حين عدّ جماعة نهى عن إمامتهم : «ولا صاحب التيمّم المتوضّئين» (١) وبعضها بالإذن في ذلك ، كصحيحة جميل بن درّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ قال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ، فإنّ الله عزوجل جعل التراب طهوراً» (٢).

مع أنّ في سند رواية المنع ضعفاً ، وعمل بظاهرها بعض (٣) الأصحاب ، فحرّم إمامته إلا لمثله.

وإنّما عبّر المصنّف بـ «المتوضّئين» دون «المتطهّرين» مع كونه أشمل بسبب دخول المغتسل (٤) فيهم ؛ تبعاً للرواية ، كما سمعت. ولأنّ المتطهّرين يدخل فيهم المتيمّمون ؛ لأنّ التيمّم طهارة صحيحة بقولٍ مطلق ، ولا ريب في جواز إمامة المتيمّم لمثله.

وكان (٥) الأنسب التنبيه على محلّ الكراهة صريحاً ، وهو إمامة المتيمّم للمتطهّر بالماء.

(ولو علم المأموم فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة ، لم يُعِدْ) صلاته في الوقت ولا في خارجه على المشهور ؛ لامتثاله المأمور به ، وهو الصلاة خلف مَنْ يظنّه عَدْلاً ؛ إذ علم العدالة في نفس الأمر غير ممكن ، وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

وسأل حمزة بن حمران الصادق عن رجل أَمّنا في السفر وهو جنب ، وقد علم ونحن لا نعلم ، قال : «لا بأس» (٦).

وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه عليه‌السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال فكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهوديّ ، قال : «لا يعيدون» (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٧ / ٣٦٥ ؛ الإستبصار ١ : ٤٢٥ / ١٦٣٨.

(٣) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٨٠.

(٤) في «ق ، م» : المغتسلين.

(٥) في الطبعة الحجريّة : وإن كان.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٩ / ١٣٦ ؛ الإستبصار ١ : ٤٣٢ / ١٦٦٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٧٨ ٣٧٩ / ٤ ؛ التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤١.

٥٢٢

وذهب المرتضى إلى وجوب الإعادة مع العلم (١) ؛ محتجّاً بأنّها صلاة قد تبيّن فسادها ؛ لفوات شرطها ، وهو عدالة الإمام ، فتجب الإعادة. وبأنّها صلاة منهيّ عنها ؛ للأخبار الواردة بالنهي عن الصلاة خلف الكافر والفاسق ، والنهي في العبادة مفسد.

وقد عرفت جوابه ؛ إذ ليس الشرط العلمَ بالعدالة ، بل ظنّها ، وهو حاصل. والنهي يختصّ بالعالم ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.

(و) لو علم المأموم بذلك (في الأثناء) وجب عليه أن (يعدل إلى الانفراد) بناءً على عدم وجوب الإعادة عليه لو تبيّن ذلك بعد الصلاة ، فإن استمرّ ، بطلت صلاته.

ومتى انفرد المأموم ، كان حكمه في الاكتفاء بما مضى من القراءة وغيرها أو إعادتها والبناء ما مرّ فيما لو مات الإمام أو أُغمي عليه.

واعلم أنّه قد استفيد من ذلك أنّ صلاة الكافر لا تكون إسلاماً منه ، وهو ظاهر مع عدم سماع الشهادتين منه ؛ لأنّ الصلاة من فروع الإسلام ، فلا يصير مسلماً بفعلها ، كالصوم والحجّ وغيرهما.

ولقوله عليه‌السلام أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها (٢). ولو سمع منه الشهادتان ، ففي الحكم بإسلامه وجهان. وقد مرّ البحث عن ذلك في الأذان.

(و) لو علم المأموم بذلك (في الابتداء) وجب أن (يعيد صلاته) إن دخل معه ؛ لفسادها حينئذٍ.

ويمكن أن يريد بالإعادة هنا صلاته منفرداً. وسمّاها إعادةً باعتبار كونه قد أراد أن يأتمّ به قبل العلم ثمّ ترك ذلك بعده. وهو تجوّز ضعيف. وكيف كان فالعبارة ليست بجيّدة.

(ويدرك) المأموم (الركعة) مع الإمام بدخوله معه قبل الركوع إجماعاً ، و (بإدراك الإمام راكعاً) بحيث يصير المأموم في حدّ الراكع قبل رفع الإمام عنه على المشهور ؛ لصحيحة سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام «في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو

__________________

(١) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٨٢.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٢ ٥٣ / ٣٥ ؛ سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ / ٣٩٢٧ و ٣٩٢٨ ؛ سنن النسائي ٧ : ٧٩.

٥٢٣

مقيم صلبه ثمّ يركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» (١).

وقريب منه حسنة الحلبي عنه عليه‌السلام (٢).

وذهب الشيخ رحمه‌الله إلى اشتراط إدراك المأموم تكبيرة ركوع الإمام في إدراك الركعة (٣) ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال لي : «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (٤).

وحُمل على أنّ المراد بالتكبير نفس الركوع.

ويمكن الجواب بمنع دلالته على عدم إدراك الركعة لو دخل حينئذٍ ، بل على أنّه لا يدخل معهم ، وجاز أن يكون تركه أفضل ، مع أنّه يدرك الركعة لو خالف ، ونحن نقول بذلك ؛ فإنّ ترك الدخول حينئذٍ معهم أولى ؛ خروجاً من خلاف الشيخ والأخبار الصحيحة. ولكن إن خالف ودخل ، أدرك الركعة ؛ للخبرين السابقين ، فإنّهما صريحان في ذلك ، مع أنّ فيه جمعاً بين الأخبار ، بخلاف ما لو عمل بالأخبار الثانية على الوجه الذي ذكره الشيخ ، فإنّه يلزم منه اطّراح الاولى.

وجمع الشيخ بينهما بحمل إدراك الإمام في الركوع على إدراكه والمأموم قد صار في الصفّ الذي لا ينبغي التأخّر عنه مع الإمكان مع كونه قد أدرك تكبيرة الركوع قبل ذلك (٥).

وما ذكرناه أولى وأوفق للظاهر.

(ولا يصحّ) الائتمام (مع) وجود جسم (حائل بين الإمام والمأموم الرجل) بحيث (يمنع) من (المشاهدة للإمام أو) مشاهدة (مَنْ يشاهده) من المأمومين (في جميع الأحوال) ).

وقيّدنا الحائل بكونه جسماً ؛ للاحتراز عن نحو الظلمة ، فإنّها لا تمنع القدوة مع علم المأموم بانتقالات الإمام في ركوعه وسجوده ونحوهما. وبكونه يمنع المشاهدة عن مثل المخرم الذي لا يمنع مشاهدة جميع ما فيه ، فإنّه لا يمنع صحّة القدوة على الأصحّ.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٦ ؛ التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٢ ؛ الإستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٥ ؛ الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٩ ؛ التهذيب ٣ : ٤٣ ٤٤ / ١٥٣ ؛ الإستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٨٠.

(٣) النهاية : ١١٤ ؛ التهذيب ٣ : ٤٣ ، ذيل الحديث ١٤٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٩ ؛ الإستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٦.

(٥) الاستبصار ١ : ٤٣٥ ، ذيل الحديث ١٦٨٠.

(٦) قوله : «للإمام أو مَنْ يشاهده في جميع الأحوال» لم يرد في إرشاد الأذهان.

٥٢٤

وفي قوله : «أو مَنْ يشاهده» إشارة إلى أنّ مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للإمام أو لمن يشاهده وإن تعدّد كافٍ ، وإلا لم يمكن القدوة للصفوف المتعدّدة.

وخرج بقوله : «في جميع الأحوال» ما لو منع الحائل المشاهدةَ في حالةٍ دون اخرى ، كالقصير الذي يمنع حالة الجلوس أو عكسه ، فإنّه غير مانع.

وقيّد المأموم بكونه رجلاً ؛ ليحترز به عن المرأة ، فإنّه لا يقدح الحائل بينها وبين الإمام مع إمكان المتابعة.

ويجب تقييده بكون إمامها رجلاً ، فلو كان امرأةً مثلها ، فكالرجل ، والخنثى كالمماثل ؛ لجواز كونها رجلاً إن كانت مقتديةً برجل ، وأُنثى إن كانت الأُنثى مقتديةً بها.

ومنع ابن إدريس من الحائل بين المرأة والرجل (١) ؛ عملاً بالإطلاق.

والنصّ حجّة عليه.

(و) كذا (لا) تصحّ القدوة (مع علوّ الإمام) على المأموم (و) لا مع (تباعده) عنه (بغير صفوف) مأمومين.

ولا تقدير للعلوّ والبُعْد ، بل (بالمعتدّ) عرفاً (فيهما) بحيث يسمّى علوّاً وبُعْداً كذلك.

وللمصنّف قول بتقدير العلوّ بما لا يتخطّى عادة (٢). وهو قريب من العرف ، وفي بعض (٣) الأخبار دلالة عليه.

ويعتبر البُعْد مع تعدّد الصفوف بين الصفّ الأوّل والإمام وبين كل صفّ وما بعده ، فمتى حصل البُعْد في بعضٍ ، بطلت صلاته وصلاة مَنْ تأخّر عنه ، دون المتقدّم. ولو لم يتباعد ، صحّ الجميع ما لم يؤدّ إلى البُعْد المفرط المؤدّي إلى التخلّف الفاحش عن الإمام بسبب تأخّر علمه بانتقالاته.

ويشترط في صحّة صلاة البعيد انعقاد صلاة المتخلّل بينه وبين الإمام ، فلو كانت باطلةً ، لم تصح صلاة المتأخّر البعيد ؛ لعدم اتّصال الصفوف في نفس الأمر.

ولو انتهت صلاة المتخلّل قبل المتأخّر ؛ لمفارقةٍ ونحوها ، انفسخت قدوة البعيد وإن

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٨٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٦٣ ، الفرع «ه» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٢٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ / ٤ ؛ الفقيه ١ : ٢٥٣ / ١١٤٤ ؛ التهذيب ٣ : ٥٢ / ١٨٢.

٥٢٥

انتقل بعد ذلك إلى القرب.

نعم ، لو انتقل قبل انتهاء صلاة المتخلّل ولم يستلزم الانتقال فعلاً كثيراً أو استلزم وكان الانتقال نسياناً ، استمرّت القدوة.

وهل للبعيد التحرّم قبل المتوسّط؟ يحتمل ذلك وهو الذي استقربه الشهيد في البيان (١) لأنّ ذلك في حكم الاتّصال ؛ لأنّ المتخلّل مأموم بالقوّة القريبة من الفعل. ولأنّ الشروع في مقدّمات الصلاة من الإقامة والدعاء كالشروع في الصلاة.

ويمكن المنع ؛ لأنّ خلوّ المتخلّل من القدوة لو حصل في حال استدامة قدوة المتأخّر كما في صورة انتهاء القدوة أبطلها ، فلأن يمنعها ابتداءً أولى ؛ لما تقرّر من أنّ استدامة الشي‌ء أقوى من ابتدائه ، فإذا كان طريان ضعيف عدم القدوة وهو ابتداؤه من المتخلّل على قويّ قدوة المتأخّر وهو استدامتها يوجب بطلانها ، فلأن يمنع القويّ وهو المستدام الضعيف وهو مبتدأ المتأخّر أولى.

وإطلاق اسم المصلّي على مَنْ يريد الابتداء مجاز ، كما يمكن إطلاقه على مَنْ انتهت صلاته بسبب ما يؤول إليه وما كان عليه ، فلا ترجيح ، بل ربما قيل بترجيح الثاني ، فإنّ بقاء المعنى المشتقّ منه ليس شرطاً في صحّة الاشتقاق عندنا ، فيصحّ إطلاق المصلّي والمؤتمّ عليه على وجه الحقيقة دون مَنْ يؤول إليها.

وبالجملة ، فالمسألة موضع إشكال ، وما اختاره الشهيد لا يخلو من وجه ، إلا أنّ الدليل العقلي لا يساعد عليه.

ولو انعكس الفرض بأن كان المأموم أعلى بالمعتد ، لم يضر.

ولا عبرة بتقدير العلوّ لو وقع أمامه لم يوجب تقدّم المأموم على الإمام أو إلى غيره لم يوجب البُعْد ؛ لإطلاق النصّ.

نعم ، يشترط عدم إفراط العلوّ بحيث يستلزم البُعْد عادةً.

(و) كذا (لا) تصحّ القدوة (مع وقوفه قدّام الإمام) بحيث يكون عقبه متقدّماً على عقب الإمام ، أو أصابعه على أصابعه.

__________________

(١) انظر : البيان : ٢٣٥.

٥٢٦

واكتفى الشهيد رحمه‌الله بالأعقاب خاصّة (١) ، فلا يضرّ عنده تقدّم أصابع المأموم مع مساواة عقبه لعقب الإمام أو تأخّره عنه ، كما لو كانت قدم المأموم أكبر.

وما ذكرناه من اعتبارهما معاً هو اختيار المصنّف (٢).

ولو فرض تقدّم عقب المأموم مع تساوي أصابعهما ، فظاهر الفريقين : المنع ؛ لتقدّم العقب ، الذي هو المانع عند الشهيد ، والاكتفاء بأحد الأمرين عند المصنّف في المنع ، وهو حاصل.

وكذا لو تأخّرت أصابع المأموم وتقدّمت عقبه.

ومقتضى تقييد المصنّف وغيره التقدّم في الموقف يقتضي عدم اعتبار غيره من حالات الصلاة ، كالركوع والسجود ، بل صرّح المصنّف في النهاية بأنّه لا عبرة بتقدّم رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود (٣).

ويمكن دخول الركوع في الموقف ، فيعتبر فيه الأقدام ، كما مرّ.

أمّا حالة السجود والتشهّد فيشكل عدم اعتبار حالهما مطلقاً.

وينبغي مراعاة أصابع الرّجْل في حالة السجود ومقاديم الركبتين أو الأعجاز في حالة التشهّد.

ويُعلم من تعليق المنع على وقوف المأموم قدّام الإمام عدم المنع من مساواته ، وهو المشهور.

وخالف فيه ابن إدريس ، فأوجب تقدّم الإمام يسيراً (٤) ؛ عملاً بظاهر قوله عليه‌السلام : «إنّما جُعل الإمام إماماً ليؤتمّ به» (٥).

ويدفعه ظاهر صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه» (٦) ولو لزم التأخرّ ، لذكره لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

__________________

(١) البيان : ٢٣٤ ؛ الدروس ١ : ٢٢٠ ؛ الذكرى ٤ : ٤٢٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٤٠ ٢٤١ ، الفرعان «ب ، ج» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١١٧.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ١١٧.

(٤) السرائر ١ : ٢٧٧.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٢٧٧ / ٧٧٢ ؛ صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ / ٤١١ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٢ ٣٩٣ / ١٢٣٧ ١٢٣٩ ، وفيها : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به».

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦ / ٨٩.

٥٢٧

قال المصنّف : ولأنّ التقدّم لو كان شرطاً ، لما أمكن اختلاف اثنين في الإمامة ؛ لأنّ المتقدّم إن حصل فهو الإمام ، وإلا بطلت الصلاة (١).

ورُدّ (٢) بأنّه لا اقتداء هنا حتى يتأخّر المأموم ؛ إذ الفرض وقوع الشكّ بعد الصلاة ، فلا يلزم بقاء التذكّر بحالة الموقف. وبأنّ تأخّر المأموم شرط في صحّة صلاته لا في صحّة صلاة الإمام ، فجاز أن يقول أحدهما : كنت إماماً متقدّماً فصلاتي صحيحة دون الآخر.

(ويستحبّ للمأموم الواحد أن يقف عن ) يمين الإمام) مع تقدّم الإمام يسيراً.

ولا فرق في ذلك بين اقتداء الرجل بالرجل أو المرأة بالمرأة.

ولو كان المأموم خاصّةً امرأةً ، وقفت خلفه وجوباً على القول بتحريم المحاذاة ، أو استحباباً على القول الآخر ، وقد سبق.

والخنثى كالمرأة المقتدية برجل ، فتقف خلفه ؛ لجواز الأُنوثة.

(و) أن يقف (العُراة) المؤتمّون بالعاري (والنساء) المؤتمّات بامرأة (في صفّه) أي : صفّ الإمام فيهما.

(و) أن تقف (الجماعة) من الذكور. والمراد : الاثنان فما فوقهما (خلفه) أي : خلف الإمام بأجمعهم.

ويستحبّ كونه في وسط الصفّ ، وقرب أهل الفضل من الإمام ، فإن تعدّدوا ، كانوا في يمين الصفّ.

ولو احتيج إلى أزيد من صفّ ، استحبّ اختصاصهم بالصفّ الأوّل ثمّ الثاني لمن دونهم ، وهكذا ؛ لما روي عن النبيّ «ليليني أُولو الأحلام ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم» (٤) ثمّ الصبيان ثمّ النساء.

وعن الصادق عليه‌السلام (٥) «ليكن الذين يلون الإمام أُولى الأحلام منكم والنّهى ، فإن نسي

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٤٧٨ ، المسألة ٣٣٩.

(٢) الرادّ هو الشهيد في الذكرى ٤ : ٤٢٩.

(٣) في إرشاد الأذهان ١ : ٢٧٢ : «على» بدل «عن».

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٢٣ / ٤٣٢ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ١٨٠ / ٦٧٤ ؛ سنن الترمذي ١ : ٤٤٠ ٤٤١ / ٢٢٨ ؛ سنن النسائي ٢ : ٨٧ ٨٨ ، و ٩٠ ، وجملة «ثمّ الصبيان ثمّ النساء» لم ترد فيها.

(٥) في المصدر : عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

٥٢٨

الإمام أو تعايا قوّموه ، وأفضل الصفوف أوّلها ، وأفضل أوّلها ما دنا من الإمام» (١) ثمّ يمينه.

(وإعادة المنفرد) صلاته (مع الجماعة) سواء كان معهم (إماماً أو مأموماً) لقول النبيّ : «إذا جئت فصلّ مع الناس وإن كنت قد صلّيت» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام «إنّ الأفضل لمن صلّى ثمّ يجد جماعة أن يصلّي معهم» (٣).

ولو صلّى أوّلاً جماعةً ، ففي استحباب الإعادة جماعةً قولان ، أصحّهما : الجواز ؛ لعموم الأدلّة خصوصاً مع اشتمال الجماعة الثانية على مرجّح.

وهل يسترسل الاستحباب؟ مَنَعه المصنّف في التذكرة (٤) ، وجوّزه في الذكرى (٥). وعموم الأدلّة تدلّ عليه.

ولو كان أحدهما منفرداً ، فلا إشكال في الجواز ؛ تحصيلاً لفضيلة الجماعة في الحاضر.

وربما استشكله بعضهم (٦) ، وسيأتي.

وأُولى الصلاتين أو الصلوات هي فرضه ، فينوي بالباقي الندبَ ؛ لامتثاله المأمور به على وجهه ، فيخرج من العهدة.

ولو نوى الفرض في الجميع ، جاز ؛ لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلّي الغداة وحده ثمّ يجد جماعة ، قال : «يصلّي بهم ويجعلها الفريضة إن شاء» (٧) ولما روي «أنّ الله يختار أحبّهما إليه» (٨) وروى «أفضلهما وأتمّهما» (٩).

(ويكره وقوف المأموم) الرجل (وحده) على المشهور ، بل يدخل في الصفوف مع الإمكان حيث وجد الفرجة وإن كانت في الصف الأوّل. ولا كراهة في اختراق الصفوف حينئذٍ ؛ لاستناده إلى تقصير الصفوف حيث تركوا الفرجة. ولو أمكن الوصول إليها بدون

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٢ ٣٧٣ / ٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦٥ / ٧٥١ ، وكلمة «ثمّ يمينه» لم ترد فيهما.

(٢) سنن النسائي ٢ : ١١٢ ؛ سنن الدارقطني ١ : ٤١٥ (باب تكرار الصلاة) ح ١ ؛ مسند أحمد ٤ : ٦١٨ / ١٥٩٦٠ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٤٤

(٣) التهذيب ٣ : ٥٠ / ١٧٥ نقلاً بالمعنى.

(٤) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٣٣ ، الفرع «ج».

(٥) الذكرى ٤ : ٣٨٢.

(٦) لم نتحقّقه.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥١ / ١١٣٢.

(٨) الكافي ٣ : ٣٧٩ / ٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٧٠ / ٧٧٦.

(٩) الفقيه ١ : ٢٥١ / ١١٣٣.

٥٢٩

اختراقهم ، كان أولى.

ولو لم يجد فرجة ، وقف وحده. ولا يستحبّ له جذب واحد يقف معه ؛ لما فيه من حرمانه فضيلة التقدّم ، وإحداث الخلل في الصفّ. ولو فَعَل ، لم تستحب إجابته.

ولا كراهة في وقوف المرأة وحدها إذا لم يكن معها نساء ؛ لأنّ ذلك هو وظيفتها ، كما لا يكره للرجل لو لم يمكن دخوله في الصفّ.

ومَنَع ابن الجنيد من قيام الرجل وحده مع إمكان الدخول في الصفّ من غير أذيّة (١) ؛ لما روي أنّ النبيّ أبصر رجلاً خلف الصفوف وحده ، فأمره أن يعيد الصلاة (٢). وروى السكوني عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن عليّ ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تكوننّ في العيكل ، قلت : وما العيكل؟ قال : تصلّي خلف الصفوف وحدك» (٣).

والخبران ضعيفا السند.

ويمكن حمل الأمر في الأوّل على الاستحباب ، والنهي في الثاني على الكراهة ؛ جمعاً بينهما وبين الأخبار الصحيحة.

كصحيحة أبي الصباح عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يقوم وحده ، فقال : «لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد» (٤).

(وتمكين الصبيان) والمجانين والعبيد (من الصفّ الأوّل) بل يكره لغير أهل الفضل مع وجودهم وإمكان إكماله بهم ، كما يكره لهم التأخّر عنه.

ووجه تخصيص الكراهة بتمكين الصبيان بناءً على أنّ المكروه هو المرجوح بنصّ خاصّ.

وعلى اعتبار معناه الأعمّ وهو كلّ ما رجّح تركه ، كما يقتضيه التعريف الأُصولي فالكراهة عامّة لما ذكرناه وإن كان قد يطلق على ما عدا الخاصّ خلاف الأولى ، وقد تقدّم تحقيق ذلك.

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٤٣٩.

(٢) سنن أبي داوُد ١ : ١٨٢ / ٦٨٢ ؛ سنن الترمذي ١ : ٤٤٥ ٤٤٦ / ٢٣٠ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١٤٨ ١٤٩ / ٥٢٠٧ ٥٢١١ ؛ مسند أحمد ٥ : ٢٦٨ / ١٧٥٣٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ٢٨٣ / ٨٣٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ٢٨١ / ٨٢٨.

٥٣٠

(والتنفّل بعد) قول المقيم (قد قامت) الصلاة ؛ لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح.

ومَنَعه بعض (١) الأصحاب.

ولا إشكال في التحريم لو كانت الجماعة واجبةً وادّى ذلك إلى فواتها.

(والقراءة خلف) الإمام (المرضيّ إلا إذا لم يسمع) صوت الإمام (ولا همهمة) وهي الصوت الخفيّ من غير تفصيل حروف (فتستحبّ) له القراءة حينئذٍ (على رأي).

أمّا كراهة القراءة خلفه : فلقوله تعالى (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) (٢).

وقول النبيّ : «إنّما جُعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا قرأ فأنصتوا» (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام : «مَنْ رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه» (٤).

وحُمل الأمر على الندب والنهي على الكراهة ؛ جمعاً بينهما وبين ما دلّ على عدم التحريم :

كصحيحة عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام في الرجل يصلّي خلف مَنْ يقتدى به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة ، فقال : «لا بأس إن صمت وإن قرأ» (٥).

وأمّا استحبابها مع عدم السماع : فلرواية عبد الله بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كنت خلف مَنْ ترتضي في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ ، وإن تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (٦).

وحُمل على الندب ، كما مرّ.

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عنه عليه‌السلام أنّه قال : «إنّما أُمرنا بالجهر لينصت مَنْ خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ» (٧).

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١١٩ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٦.

(٢) الأعراف (٧) : ٢٠٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ١٦٤ و ١٦٥ / ٦٠٣ و ٦٠٤ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٤٨ / ٩١٥١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣ / ١١٨ ، وفيه : «به» بدل «قراءته» ولم ترد الكلمتان في الاستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥٣.

(٥) الاستبصار ١ : ٤٢٩ / ١٦٥٧ ؛ التهذيب ٣ : ٣٤ / ١٢٢ ، وفيه عن الحسن بن عليّ بن يقطين.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ٤ ؛ التهذيب ٣ : ٣٣ / ١١٧ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥٢ ، وفيها عن عبد الله بن المغيرة عن قتيبة عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٧) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ١ ؛ التهذيب ٣ : ٣٢ / ١١٤ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٧ ٤٢٨ / ١٦٤٩.

٥٣١

ومَنَع بعض (١) الأصحاب من القراءة مطلقاً ؛ لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام «كان أمير المؤمنين يقول : مَنْ قرأ خلف إمام يأتمّ به [فمات] بُعث على غير الفطرة» (٢).

والذي دلّت عليه الأخبار وجُمع به بينها وبين ما خالفها وذهب إليه جماعة من الأصحاب : ترك القراءة مطلقاً إلا الجهريّة إذا لم يسمع ولا همهمة.

وأطبق الجميع على ترك القراءة في الجهريّة مع السماع.

ثمّ اختلفوا ، فذهب بعضهم إلى التحريم ووجوب الإنصات. وآخرون إليه مع استحباب الإنصات ، وهو الأصحّ.

وحيث ساغت القراءة فليقرأ الحمد والسورة في الأُوليين ، ويتخيّر بين الحمد والتسبيح في الأخيرتين.

وعلى القول المشهور من اختصاص القراءة بالجهريّة غير المسموعة ففي القراءة في أخيرتيها ؛ لإطلاق الأمر بالقراءة في الجهريّة إذا لم تُسمع ، أو إلحاقهما بالإخفاتيّة قولان ، أجودهما : الأوّل.

وروى أنّ المأموم يسبّح في الأُوليين أيضاً من غير قراءة (٣).

وهذه المسألة من المشكلات بسبب اختلاف الأخبار وأقوال الأصحاب في الجمع بينها.

وتحرير محلّ الخلاف أنّ الصلاة إمّا جهريّة أو سرّيّة ، وعلى الأوّل إمّا أن يسمع سماعاً ما ، أو لا ، وعلى التقديرات فإمّا أن تكون في الأُوليين أو الأخيرتين ، فالأقسام ستّة ، فابن إدريس وسلار أسقطا القراءة في الجميع (٤) ؛ للخبر المتقدّم (٥) ، لكن ابن إدريس جَعَلها محرّمةً (٦) ؛ لظاهر الخبر ، وسلار جَعَل تركها مستحبّاً ، ثمّ روى وجوبه ، واستثبت الأوّل (٧) ، وباقي الأصحاب على إباحة القراءة في الجملة.

لكن يتوقّف تحقيق الكلام على تفصيل.

__________________

(١) ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٨٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٧ ٣٧٨ / ٦ ؛ الفقيه ١ : ٢٥٥ / ١١٥٥ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٠ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢ ٣٣ / ١١٦ ؛ الإستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥١.

(٤) السرائر ١ : ٢٨٤ ؛ المراسم : ٨٧.

(٥) آنفاً ، وهي صحيحة زرارة عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

(٦) السرائر ١ : ٢٨٤.

(٧) المراسم : ٨٧.

٥٣٢

فنقول : إن كانت القراءة جهريّةً ، فإن سمع في أُولييها ولو همهمة ، سقطت القراءة فيهما إجماعاً.

لكن هل السقوط على وجه الوجوب بحيث تحرم القراءة؟ فيه قولان :

أحدهما : التحريم ، ذهب إليه جماعة منهم : المصنّف في المختلف (١) والشيخان (٢) ؛ عملاً بظاهر الأمر في قوله تعالى (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) (٣).

ولقول أمير المؤمنين ، المتقدّم (٤).

ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية يونس بن يعقوب : «مَنْ رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه» (٥) والنهي للتحريم.

والثاني : الكراهة وهو قول المحقّق والشهيد (٦) لما مرّ (٧) من صحيحة ابن الحجّاج.

وإن لم يستمع فيهما أصلاً ، جازت القراءة بالمعنى الأعمّ ، لكن ظاهر أبي الصلاح أنّ القراءة هنا واجبة (٨) ، وربّما أشعر به كلام المرتضى (٩) أيضاً. والاستناد فيه إلى ظاهر الأمر المتقدّم (١٠) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج «وإن لم تسمع فاقرأ».

والمشهور : الاستحباب بحمل الأمر عليه جمعاً بينه وبين غيره ، وقد تقدّم.

وعلى القولين فهل القراءة للحمد والسورة ، أو للحمد وحدها؟ ظاهر جماعةٍ الأوّلُ ؛ لإطلاق الأمر بالقراءة ، والمعروف منها في الأُوليين ذلك.

وصرّح الشيخ بأنّ القراءة للحمد وحدها (١١).

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٥٠٤ ، ذيل المسألة ٣٦٠.

(٢) النهاية : ١١٣ ؛ المبسوط ١ : ١٥٨ ؛ وحكاه عن الشيخ المفيد المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٢٠ ؛ والشهيد في غاية المراد ١ : ٢١٧ ، ولم نعثر عليه في كتب الشيخ المفيد.

(٣) الأعراف (٧) : ٢٠٤.

(٤) في ص ٩٩٢.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٩١ ، الهامش (٤).

(٦) المعتبر ٢ : ٤٢٠ و ٤٢١ ؛ غاية المراد ١ : ٢١٦.

(٧) في ص ٩٩١.

(٨) الكافي في الفقه : ١٤٤.

(٩) جُمل العلم والعمل : ٧٥.

(١٠) في ص ٩٩١.

(١١) النهاية : ١١٣ ؛ المبسوط ١ : ١٥٨.

٥٣٣

وأمّا الجهريّة في أخيرتيها ففيهما أقوال :

أحدها : وجوب القراءة مخيّراً بينها وبين التسبيح ، كما لو كان منفرداً ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة (١).

والثاني : استحباب قراءة الحمد وحدها ، وهو قول الشيخ (٢).

والثالث : التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح استحباباً ، وهو ظاهر جماعة منهم : المصنّف في المختلف (٣).

وإن كانت إخفاتيّةً ، ففيها أقوال :

أحدها : استحباب القراءة فيها مطلقاً ، وهو الظاهر من كلام المصنّف هنا.

وثانيها : استحباب قراءة الحمد وحدها ، وهو اختياره في القواعد (٤) ، والشيخ (٥) رحمه‌الله.

وثالثها : سقوط القراءة في الأُوليين ، ووجوبها في الأخيرتين مخيّراً بين الحمد والتسبيح ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة (٦) ، كما مرّ.

ورابعها : استحباب التسبيح في نفسه وحمد الله ، أو قراءة الحمد مطلقاً ، وهو قول نجيب الدين يحيى بن سعيد (٧).

ولكلّ واحد من هذه الأقوال شاهد من الأخبار. وما تقدّم طريق الجمع بينها أو (٨) بين الصحيح منها. ولم أقف في الفقه على خلاف في مسألة تبلغ هذا القدر من الأقوال.

(وتجب) على المأموم (التبعيّة) لإمامه في الأفعال مطلقاً بمعنى أن لا يسبقه بالشروع فيها ولا بالفراغ منها ، بل إمّا أن يتأخّر عنه بحيث لا يشرع في فعل حتى يأخذ الإمام في الشروع فيه ، وهو الأفضل ، أو يقارنه ، وهو محصّل للجماعة أيضاً ، لكنّه مخلّ بالفضيلة التامّة.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٤ ؛ الغنية : ٨٨.

(٢) انظر : النهاية : ١١٣ ؛ والمبسوط ١ : ١٥٨.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٥٠٤ ، ذيل المسألة ٣٦٠.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ٤٧.

(٥) انظر : النهاية : ١١٣ ؛ والمبسوط ١ : ١٥٨.

(٦) الكافي في الفقه : ١٤٤ ؛ الغنية : ٨٨.

(٧) الجامع للشرائع : ١٠٠.

(٨) في الطبعة الحجريّة : «و» بدل «أو».

٥٣٤

وقد روي عن النبيّ «لا يأمن الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله وجهه وجه حمار» (١) وهو تحذير وتخويف لمن يفعل كذلك أن يحوّل الله وجه قلبه إلى وجه قلب الحمار الذي لا يعقل الأُمور العقليّة ، ولا يدرك الأذواق العلويّة والمعاني الغيبيّة.

وقال الصدوق رحمه‌الله : إنّ من المأمومين مَنْ لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه. ومنهم مَنْ له صلاة واحدة ، وهو المقارن له في ذلك. ومنهم مَنْ له أربع وعشرون ركعة ، وهو الذي يتبع الإمام في كلّ شي‌ء ، فيركع بعده ، ويسجد بعده ، ويرفع منهما بعده. ومنهم مَنْ له ثمان وأربعون ركعة ، وهو الذي يجد في الصفّ الأوّل ضيقاً فيتأخّر إلى الصفّ الثاني (٢).

ولا خلاف في وجوب المتابعة في الأفعال ، كالركوع والسجود ؛ لقوله عليه‌السلام : «إنّما جُعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا» (٣).

وأمّا الأقوال : فتجب المتابعة في التكبير اتّفاقاً ، وللخبر (٤) بمعنى أن لا يكبّر قبله.

وهل له مقارنته؟ قولان أجودهما : المنع.

وهل تجب في غيره من أذكار الركوع والسجود والتشهّد؟ قيل (٥) : نعم ؛ للخبر (٦). واختاره الشهيد (٧).

وعدمه ، وهو مختار المصنّف (٨) ، وهو الأصحّ ؛ للأصل. ولأنّه ليس بمؤتمّ فيها ، ولهذا لا يتحتّم عليه ما يختاره الإمام من الذكر ، بخلاف التكبير ؛ إذ لا تتحقّق القدوة بالشروع في الصلاة قبله. وللخبر (٩). ولأنّه لو وجبت المتابعة ، لاشترط العلم بانتقالات الإمام فيها في

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٢١ / ١١٥ و ١١٦.

(٢) لم نعثر عليه في كتب الشيخ الصدوق ، المتوفّرة لدينا ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٤٧٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢٤٤ / ٦٥٧ ؛ صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ٣١٠ / ٤١٤ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ ؛ سنن الترمذي ٢ : / ١٩٤ / ٣٦١.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٢٤٤ / ٦٥٧ ؛ صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ٣١٠ / ٤١٤ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ ؛ سنن الترمذي ٢ : / ١٩٤ / ٣٦١.

(٥) لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٣ و ٤).

(٧) البيان : ٢٣٨ ؛ الدروس ١ : ٢٢١.

(٨) انظر : تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٤٤ ، المسألة ٦٠٣ ؛ ونهاية الإحكام ٢ : ١٣٥.

(٩) راجع المصادر في الهامش (٣ و ٤).

٥٣٥

صحّة الجماعة ، كما في الركوع والسجود ؛ إذ ليست العلّة في اشتراط ذلك إلا لمكان المتابعة. وللإجماع على عدم وجوب إسماع الإمام المأموم للأذكار ، فلو كُلّف بالمتابعة فيها ، لزم تكليف ما لا يطاق.

نعم ، تستحبّ ، ولهذا استحبّ للإمام إسماعها المأموم.

وقد روى أبو المغراء عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام ، قال : «ليس بذلك بأس» (١).

وهو من جملة الأقوال ، ولا قائل بالفرق ، وقد حكم الأصحاب بموجبه.

وتقييد بعضهم الجواز بنيّة الانفراد بناءً على مذهبه من وجوب المتابعة فيه ، ولو كان كذلك ، لوجب على الإمام البيان.

وكما تستحبّ المتابعة أو تجب في الأقوال الواجبة ، فكذا في المستحبّة ، كالقنوت.

إذا تقرّر ذلك (فإن) لم يتابع المأموم في الأفعال و (قدّم) على الإمام في الركوع أو السجود أو القيام (عامداً) بعد أن فرغ الإمام من القراءة في صورة تقدّمه في الركوع وبعد أن فرغ المأموم من واجب التشهّد في صورة تقدّمه في القيام إن كان بعد التشهّد ، أثم و (استمرّ) متثاقلاً (حتى يلحقه الإمام) على المشهور ، فلو عاد إليه ، بطلت صلاته ؛ لتحقّق الزيادة عمداً. والجاهل عامد (وإلا) يكن عامداً بل فَعَل ذلك ظنّاً أنّ الإمام قد شرع في الفعل ، أو نسياناً ، لم يأثم ، و (رجع وأعاد) ما سبق به (مع الإمام) لرواية محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن الرضا عليه‌السلام فيمن رفع رأسه قبل الإمام ، قال : «يعيد ركوعه» (٢).

وعن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يرفع رأسه من السجود ، قال : «فليسجد» (٣).

ويحمل مطلقهما على الناسي ؛ لأنّ الزيادة عمداً مبطلة ، فلا يؤمر بالعود ، وجمعاً بينهما وبين رواية غياث عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيرجع إذا أبطأ الإمام؟ قال : «لا» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٥ / ١٨٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٢ ؛ التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٣ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٣ ؛ التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٤ / ١٤ ؛ التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٩.

٥٣٦

وهل عود الناسي على وجه الوجوب أم الندب؟ ظاهر الأكثر الأوّل ، فلو ترك الرجوع ، احتمل بطلان صلاته ؛ لأنّ المعتبر إنّما هو الثاني ولم يأت به متعمّداً ، فيبقى في العهدة.

وعدمه ؛ لأنّه بترك الرجوع يصير في حكم المتعمّد الذي عليه الإثم لا غير ، بل أخفّ منه ؛ لأن فعله السابق لم يكن على وجه العمد. وهذا هو الأجود.

واختار المصنّف في التذكرة عدم وجوب العود على الناسي وإن كان جائزاً (١).

وربما استدلّ له بمفهوم مكاتبة ابن فضّال للرضا فيمن ركع لظنّه ركوع الإمام ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام ، فكتب «يتمّ صلاته [و] لا تفسد بما صنع صلاته» (٢) وهي بعيدة عن الدلالة.

(ولا يجوز للمأموم المسافر) إذا اقتدى بالحاضر في رباعيّة (المتابعة للحاضر) في باقي صلاته (بل يسلّم إذا فرغ) من أفعاله الموافقة لصلاة الإمام (قبل الإمام).

ولو تشهّد معه ثمّ انتظره إلى أن يكمل صلاته ويسلّم معه ، كان أفضل.

ولو انعكس الفرض ، تخيّر الحاضر عند انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في الحال ، والصبر حتى يسلّم الإمام فيقوم إلى الإتمام ، وهو أفضل.

والأفضل للإمام أن ينتظر بالسلام فراغ المأموم ليسلّم به ، فإن علم المأموم بذلك ، قام بعد تشهّد الإمام.

والمشهور : عدم وجوب بقاء الإمام المسافر في مجلسه إلى أن يتمّ المأموم المقيم ، خلافاً للمرتضى (٣) وظاهر ابن الجنيد (٤). وربما حمل على تأكّد الاستحباب.

وما ذكرناه من التفصيل آتٍ في الصلاتين المختلفتين عدداً ، وصلاة المسبوق وإن لم يختلفا سفراً وحضراً ، فلو اقتدى مصلّي الصبح بالظهر ، فحكمه حكم اقتداء المسافر بالحاضر. ومثله اقتداء مصلّي المغرب بالعشاء ، فإنّه يجلس بعد الثالثة للتشهّد والتسليم.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٤٥ ، ضمن المسألة ٦٠٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١١ ، و ٢٨٠ / ٨٢٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) جُمل العلم والعمل : ٧٤.

(٤) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٣٨٣.

٥٣٧

والأفضل له انتظاره به ، كما مرّ.

وربما قيل (١) بالمنع هنا ؛ لإحداثه تشهّداً مانعاً من الاقتداء ، بخلاف مصلّي الصبح مع الظهر ، والمسافر مع الحاضر ، فإنّه يتشهّد مع الإمام.

ويضعّف بأنّ ذلك ليس مانعاً من الاقتداء ، ومن ثَمَّ يتأخّر المأموم المسبوق للتشهّد مع بقاء القدوة (٢).

(و) يجب على المأموم (نيّة الائتمام) وإلا لم تصح له الجماعة ؛ إذ ليس لكلّ امرئ إلا ما نواه ، وهو موضع وفاق ، فلو ترك نيّة الاقتداء ، فهو منفرد. فإن ترك القراءة عمداً أو جهلاً وركع ، بطلت صلاته. وكذا لو قرأ بنيّة الندب.

ولو قرأ بنيّة الوجوب وتابع الإمام في أفعاله ولم يتحمّل المتابعة على وجه يخرج عن كونه مصلّياً ، صحّت صلاته ، وفاته ثواب الجماعة.

ولا تكفي عن نيّة الائتمام نيّة الصلاة جماعةً ؛ لاشتراكها بين الإمام والمأموم ، فليس فيها ربط بفعل الإمام ، بخلاف الائتمام.

ويجب كون نيّة الاقتداء (بالمعيّن) بالاسم أو الصفة ولو بكونه هذا الحاضر ، ليمكن المتابعة ، فلو نوى الاقتداء بأحد هذين ، لم تصح وإن اتّفقا في الأفعال. وكذا لو نوى الاقتداء بهما معاً.

ولو عيّن فأخطأ تعيينه بأن نوى الاقتداء بزيد فظهر أنّه عمرو ؛ بطلت صلاته أيضاً وإن كان الثاني أهلاً للإمامة.

أمّا لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنّه زيد فبان عمراً ، ففي صحّة القدوة ؛ ترجيحاً للإشارة على الاسم ، أو البطلان ؛ للعكس نظر. ورجّح المصنّف البطلان (٣) ، وهو متّجه.

(ولو) صلّى اثنان متساويان في الموقف و (نوى كلّ منهما الإمامةَ) بصاحبه (صحّت صلاتهما) وإن لم ينالا فضيلة الجماعة ؛ لإتيانهما بما يجب عليهما من القراءة.

(وتبطل) الصلاة (لو نوى كلّ منهما أنّه مأموم) بصاحبه ؛ لتركهما معاً القراءة بنيّة

__________________

(١) راجع الذكرى ٤ : ٤٤٤ ٤٤٥.

(٢) الذكرى ٤ : ٤٤٥.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ١٢٦.

٥٣٨

الوجوب حيث وكل ذلك إلى صاحبه.

وكلاهما مرويّ عن أمير المؤمنين ، رواه الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين في رجلين اختلفا ، فقال أحدهما : كنت إمامك ، وقال الآخر : كنت أنا إمامك ، فقال عليه‌السلام : صلاتهما تامّة ، قال : فإن قال كلّ منهما : كنت أئتمّ بك ، قال : فصلاتهما فاسدة ، [و] ليستأنفا» (١).

وفي سند الرواية ضعف ، لكنّه منجبر بتلقّي الأصحاب لها بالقبول وعملِهم بمضمونها وموافقتها للأُصول.

وهذا الفرض يمكن اتّفاقه في موضع التقيّة إذا صلّيا خلف ثالث ظاهراً وإلا بَعُد الفرض ؛ لتوقّف فعل كلّ منهما على الآخر ، فيدور.

وربما استشكل الحكم بأنّ بطلان صلاة كلّ منهما مستند إلى إخبار الآخر بعد الصلاة والحكم بصحّتها ، وفي قبول كلّ منهما في حقّ الآخر حينئذٍ نظر ؛ فإنّ الإمام لو أخبر بحدثه أو عدم تستّره أو عدم قراءته ، لم يقدح ذلك في صحّة صلاة المأموم إذا كان قد دخل على وجهٍ شرعيّ ، ولا يتمّ الفرق بينهما بتحقّق الإمامة والائتمام في المخبر بالحدث ونحوه ، والحكم بالصحّة ، فلم يقدح إخباره بشي‌ء ؛ لأنّ ذلك لو كان شرطاً ، لم تصح الصلاة في صورة إخبار كلّ منهما بالإمامة.

ولا يخفى أنّ الإشكال في مقابلة النصّ غير مسموع ، خصوصاً مع عمل الأصحاب بذلك وعدم العلم (٢) بالمخالف.

ويمكن مع ذلك أن يكون شرط جواز الائتمام ظنّ صلاحيّة الإمام لها ، ولهذا لا يشترط أن يتحقّق المأموم كون الإمام متطهّراً ولا متّصفاً بغيرها من الشرائط الخفيّة بعد الحكم بالعدالة ظاهراً ، وحينئذٍ إن تحقّقت الإمامة والائتمام ، لم يُقبل قوله في حقّه ، كما في الحدث ونحوه. وإن حكم بهما ظاهراً ثمّ ظهر خلافه ، قُبل قول الإمام ؛ لعدم تيقّن انعقاد الجماعة ، والبناء على الظاهر مشروط بالموافقة ، وهذا هو مقتضى النصّ في الموضعين.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في الطبعة الحجريّة : «العمل» بدل «العلم».

٥٣٩

ولو شكّا فيما أضمراه ، فقد أطلق جماعة (١) البطلان أيضاً ؛ لعدم اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة على وجهها.

وفصّل المصنّف ، فقطع بالبطلان إن كان في الأثناء ؛ لأنّه لا يمكنهما المضيّ على الانفراد ولا على الاجتماع ، وتردّد فيما إذا شكّا بعد الفراغ ممّا ذُكر ومن أنّه شكّ بعد الانتقال (٢).

ويشكل الأوّل بمنع عدم إمكان الانفراد عنده وعند الأكثر إذا لم تكن الجماعة واجبةً ، والثاني بأنّ الشكّ في المبطل بعد الفراغ من الصلاة لا يقتضي البطلان ، فيتّجه حينئذٍ أن يقال : إن كان الشكّ بعد الفراغ ، فلا التفات. وإن كان في الأثناء وكان قبل القراءة ، تعيّن الانفراد ؛ لأنّ المنفرد إن كان إماماً ، فالقراءة عليه واجبة. وإن كان مأموماً ، يجوز له الانفراد.

وإن كان الشكّ بعد القراءة ، فإن كانا قد قرءا بنيّة الوجوب ، أو شكّا في النيّة ، اتّجهت الصحّة أيضاً ، فينفردان ، وإلا اتّجه البطلان ؛ للإخلال بالواجب.

ويحتمل البناء على ما قام إليه ، فإن لم يعلم ما قام إليه ، فهو منفرد. وقوّاه في الذكرى (٣).

وقوله (أو الائتمام بغير المعيّن) معطوف على «كلّ» أي : وكذا تبطل الصلاة لو نوى المأموم الائتمام بغير إمام معيّن ، كما لو نوى الاقتداء بأحد هذين. وقد تقدّم الكلام فيه.

(ولا يشترط) في انعقاد الجماعة (نيّة) الإمام (الإمامة) للأصل ، ولعدم الاختلاف بين أفعال المنفرد والإمام. ولجواز الائتمام في أثناء الصلاة وإن لم يعلم الإمام ، ولا قائل بالفرق.

نعم ، يستحبّ له نيّة الإمامة ليفوز بثوابها يقيناً ، فلو لم ينوها ، احتمل عدم الثواب له عليها ؛ لعموم «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٤).

فعلى هذا لو تجدّدت الإمامة بعد النيّة ، جدّد الإمام نيّتها بقلبه ، ولا يفتقر إلى ذكر باقي

__________________

(١) كما في الذكرى ٤ : ٤٢٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٦٧ ، الفرع «ج» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٢٧.

(٣) الذكرى ٤ : ٤٢٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٣ / ١ ؛ سنن أبي داوُد ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ؛ سنن البيهقي ١ : ٤٤٥ / ١٤٢٢.

٥٤٠