روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

وإنّما يجب التقصير (بستّة شروط) :

(الأوّل :) ) السفر إلى (المسافة ، وهي ثمانية فراسخ) كلّ فرسخ ثلاثة أميال ، كلّ ميل أربعة آلاف ذراع ، كلّ ذراع أربعة وعشرون إصبعاً ، كلّ إصبع سبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر وقيل : ستّ (٢). ولعلّ الاختلاف بسبب اختلافها عرض كلّ شعيرة سبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

وقد ورد تقدير المسافة بثمانية فراسخ معلّلاً في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام قال : «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال ، ولو لم يجب في مسير يوم لم يجب في مسير سنة ، لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لم يجب في نظيره» (٣).

وقد عُلم من ذلك أنّ المسافة مسير يوم بسير الأثقال ، ولمّا كان ذلك يختلف باختلاف الأرض والأزمنة والسير حمل على الوسط في الثلاثة.

ويعتبر من الحيوان مسير الإبل ؛ لأنّها الغالب في القوافل.

وروى ابن بابويه في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام في حديثٍ أنّه قال : «كان أبي عليه‌السلام يقول : إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابّة الناجية ، إنّما وضع على سير القطار» (٤).

قال الجوهري : بغلة سفواء : خفيفة سريعة ، وسفا يسفو سُفُوّاً : أسرع في المشي (٥).

وعلى هذا فيكفي السير عن التقدير وإن اتّفق قصوره عنه في نفس الأمر ؛ عملاً بظاهر الأخبار.

نعم ، لو اعتبرها بالتقدير فإن وافق السيرَ ، فواضح. وإن اختلفا ، أمكن الاجتزاء بكلّ واحد منهما ؛ لدلالة النصّ عليهما ، وتقديمُ السير ؛ لأنّ دلالة النصّ عليه أقوى ؛ إذ ليس

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «أ». والمثبت هو الموافق لبعض نسخ الإرشاد.

(٢) كما في الذكرى ٤ : ٣١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، وفيه : «.. في مسير ألف سنة ..».

(٤) الفقيه ١ : ٢٧٩ ٢٨٠ / ١٢٦٩.

(٥) الصحاح ٦ : ٢٣٧٨ ، «س ف ى».

٥٦١

لاعتبارها (١) بالأذرع على الوجه المذكور نصّ صريح ، بل ربما اختلفت فيه الأخبار وكلام الأصحاب.

وقد صنّف السيّد السعيد جمال الدين أحمد بن طاوُس كتاباً مفرداً في تقدير الفراسخ ، وحاصله لا يوافق المشهور.

ولأنّ الأصل الذي اعتمد عليه المصنّف وجماعة في تقدير الفرسخ يرجع إلى اليوم ؛ لأنّه استدلّ عليه في التذكرة بأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العامّ ، وهو يناسب ذلك. قال : وكذا الوضع اللغوي ، وهو مدّ البصر من الأرض (٢) و (٣).

ويظهر من الذكرى (٤) تقديم التقدير. ولعلّه لأنّه تحقيق والآخر تقريب.

ومبدأ التقدير من آخر العمارة في البلد المعتدل فما دون ، ومن آخر محلّته في البلد المتّسع. والمرجع في ذلك إلى العرف.

ويتعيّن في التقصير أحد الأمرين : المسافة المذكورة (أو أربعة) فراسخ (لمن رجع) إلى محلّه (من يومه) لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام «إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه» (٥).

وقول الصادق عليه‌السلام : «بريد ذاهباً وبريد جائياً» (٦).

ولوجود المشقّة التي هي حكمة الترخّص.

والظاهر أنّ اليوم هنا اسم للّيل والنهار ، فيكفي عوده في ليلته خاصّةً ، أو وقوعهما في يومه وليلته مع قصده.

ويدخل في الحكم قصد ما فوق الأربعة ، دون ما قصر عنها وإن كرّره أزيد من مسافة ولم يبلغ في العود حدود وطنه.

وهذا الحكم أعني إلحاق قاصد أربعة فراسخ على هذا الوجه بقاصد الثمانية في تحتّم

__________________

(١) أي : لاعتبار المسافة.

(٢) قوله : «قال : وكذا الوضع .. الأرض» لم يرد في «م» وشطب عليه في «ق».

(٣) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٧١ ٣٧٢ ، المسألة ٦١٩.

(٤) انظر : الذكرى ٤ : ٣١٠ ٣١١ و ٣١٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٨ / ٤٩٦ ، و ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٧ ؛ الاستبصار ١ : ٢٢٣ ٢٢٤ / ٧٩٢.

٥٦٢

القصر هو المشهور بين المتأخّرين.

ومستنده ما مرّ ، وأنّ فيه جمعاً بين الأخبار ، فإنّ في بعضها الاكتفاء بقصد أربعة مطلقاً ، فيحمل على مريد الرجوع ليومه ، كما في خبر محمّد بن مسلم (١).

ولإطلاق هذه الأخبار وصحّة بعضها واعتبار سند الباقية ذهب جماعة من علمائنا كابني بابويه والمفيد وسلّار (٢) إلى التخيير في القصر والإتمام لقاصد الأربعة إذا لم يرد الرجوع ليومه ، ووافقهم الشيخ في قصر الصلاة (٣) خاصّة (٤).

ويدفع ما تقدّم من الجمع أنّ في جملة منها أمر أهل مكة بالقصر في خروجهم إلى عرفات (٥) ، وفي بعضها «ويلهم أو ويحهم وأيّ سفر أشدّ منه؟» (٦) مع أنّ الخروج إلى عرفة للحجّ يستلزم عدم العود إلى مكّة ليومه ، فلذلك جمعوا بينها وبين ما تقدّم من اعتبار الثمانية بالتخيير.

وردّه المصنّف (٧) بأنّ في بعضها تصريحاً بتحتّم القصر ، كخبر معاوية بن عمّار الصحيح عن الصادق عليه‌السلام الذي فيه «ويلهم» (٨) إلى آخره ، فكان الجمع بحملها على العائد ليومه أولى.

ويشكل بما قلناه من عدم عود أهل عرفة ليؤمهم ، والأخبار صحيحة لا ينبغي اطّراحها. وجاز حينئذٍ حمل النكير بالويل على إنكارهم أصل القصر مع ثبوت شرعيّته ، كما قال في الخبر : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقصّر إذا خرج إلى عرفة» (٩) أو يقال : إنّ القصر أفضل من التمام ، فكان الإنكار لذلك. وهو متوجّه.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ و ٢٨٦ ؛ المقنعة : ٣٤٩ ؛ المراسم : ٧٥ ؛ وحكاه عنهم العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥٢٦ ٥٢٧ ، المسألة ٣٩٠.

(٣) أي : دون الصوم.

(٤) النهاية : ١٢٢ و ١٦١ ؛ المبسوط ١ : ١٤١ و ٢٨٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٨ / ٤٩٩ ؛ الإستبصار ١ : ٢٢٤ / ٧٩٥.

(٦) الكافي ٤ : ٥١٩ / ٥ ؛ الفقيه ١ : ٢٨٦ / ١٣٠٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٠ / ٥٠٧ ، و ٥ : ٤٣٣ / ١٥٠١ ، و ٤٨٧ / ١٧٤٠.

(٧) مختلف الشيعة ٢ : ٥٢٨ ، ذيل المسألة ٣٩٠.

(٨) المصادر في الهامش (٦).

(٩) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا ، وانظر : التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٢.

٥٦٣

وللشيخ (١) قول آخر بالتخيير لو قصد أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه ؛ جمعاً بين الأخبار أيضاً ، وقوّاه الشهيد في الذكرى ؛ لكثرة الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ ، فلا أقلّ من الجواز (٢).

ويشكل بما مرّ من عدم اقتضائها العود بل منافاة بعضها له ، فكان التخيير مطلقاً أوجَه وأدخل في الجمع ، مع أنّ القائل به أكثر.

(ولو جهل) المسافر قدر مقصده ، وشكّ (هل بلغ المسافة) ) أم لا (و) الحال أنّه (لا بيّنة) هناك تشهد بأنّه بلغ المسافة (أتمّ) لأصالة عدم البلوغ ، واستمرار الإتمام ، وعدم عروض ما يزيله.

وتنقيح المسألة يتمّ بمباحث :

إطلاق الشكّ ووجوب الاستمرار معه على التمام في كلامهم مطلق يشمل مَنْ يقدر معه على الاعتبار وغيره ، ومقتضاه أنّه لا يجب الاعتبار ، بل يبقى على التمام إلى أن يتحقّق. ووجهه : العمل بالأُصول المتقدّمة ، وينضمّ إليها أصالة براءة الذمّة من وجوب التقدير.

ويحتمل الوجوب حيث يمكن ؛ لتوقّف اليقين بفعل الواجب عليه.

وعلى الأوّل لو سار إلى المقصد مع جهله ببلوغه يوماً معتدلاً بشروطه فظهر في آخر النهار أنّه مسافة بعد أن صلّى الظهرين ، قصّر العشاء.

ولو ظهرت المسافة في اليوم الثاني ، قصّر حينئذٍ ، وكان ما فَعَله صحيحاً ؛ لامتثاله الأمر المقتضي للإجزاء.

ولو دخل وقت المقصورة ولمّا يُصلّها ثمّ تبيّنت المسافة ، قصّر هنا قطعاً وإن كان قد مضى حالة الجهل بها مقدار الصلاة.

ولا يتأتّى هنا الخلاف الآتي في اختلاف حالتي الوقت بالإتمام والقصر ؛ لأنّ تبيّن المسافة هنا كاشف عن المخاطبة بالقصر في نفس الأمر ، غايته أنّه معذور ؛ لجهله.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، ذيل الحديث ٤٩٦ ؛ الاستبصار ١ : ٢٢٤.

(٢) الذكرى ٤ : ٢٩٣ ٢٩٤.

(٣) كذا ، وفي الإرشاد ١ : ٢٧٤ : «ولو جهل البلوغ» بدل «ولو جهل هل بلغ المسافة».

٥٦٤

ب إطلاق الجهل يشمل ما لو شكّ في المسافة وما لو ظنّ عدم بلوغها ، أو ظنّ البلوغ ، فيجب الإتمام في الحالتين ؛ للأصل ، مع احتمال العمل بالظنّ القويّ ؛ لأنّه مناط العمل في كثير من العبادات.

ج المراد بالبيّنة هنا العَدْلان ، كما هو الظاهر منها عند الإطلاق في نظائر هذه المواضع ، فلا مدخل في ذلك لشهادة النساء منفردات ومنضمّات ، ولا بشهادة العدل الواحد ، مع احتماله جعلاً لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة.

والظاهر أنّ الشياع المتاخم للعلم بمنزلة البيّنة ، بل ربّما كان أقوى ، فيجوز التعويل عليه عند الجهل ، مع احتمال العدم ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

د لا يشترط في البيّنة هنا أن تشهد عند الحاكم ويحكم بشهادتها ، بل يكفي في جواز العمل بقولها سماع المكلّف وإن كان حكم البيّنة من وظائف الحاكم.

ومثله البيّنة بالهلال بالنسبة إلى الصوم والإفطار ، والبيّنة بطلوع الفجر ودخول الليل حيث لا طريق له إلى العلم ، وأشباه ذلك.

وهذا المحلّ من المواضع المشكلة في كلامهم ، والضابط للفرق بين المقامين لا يخلو من خفاء.

ه لو علم في أثناء السفر المسافة ، قصّر حينئذٍ ، لكن هل يشترط كون ما بقي مسافةً أو يكفي كون الجميع مسافةً؟ يحتمل الأوّل ؛ لعدم قصد المسافة فيما سبق ، وهو أحد الشروط ، فيكون بمنزلة المتردّد في السفر إلى المسافة ، كطالب الآبق.

ويضعّف بأنّ المقصد معلوم ، وإنّما المجهول قدره ، فإذا علم في الأثناء ، كشف عن كونه قد قصد المسافة ابتداءً ، فيثبت القصر حينئذٍ مع بلوغ الجميع وإن قصر الباقي عن مسافة ، وهو أقوى.

ومثله ما لو سافر الصبي إلى مسافة فبلغ في أثنائها.

أمّا المجنون : فإن تحقّق منه قصد ، كان كذلك ، وإلا فلا.

ولو تعارضت عنده البيّنتان في بلوغ المسافة وعدمها ، ففي ترجيح أيّهما وجهان ، أحدهما : تقديم بيّنة النفي ؛ لموافقتها للأصل من عدم البلوغ ، وبقاء الصلاة على التمام. والآخر : تقديم بيّنة الإثبات ؛ لأنّ شهادة النفي غير مسموعة ، ولجواز بناء النافية على

٥٦٥

الأصل ، بخلاف المثبتة ، فإنّ طريقها لا يكون إلا بالاعتبار الموجب له بأحد وجوهه.

وهذا يتمّ مع إطلاق البيّنتين ، أمّا لو كان النفي متضمّناً للإثبات كدعوى الاعتبار وتبيّن القصور ، انتفى الوجهان الموجبان لترجيح الإثبات ، وتحقّق التعارض.

ولكن أطلق المصنّف تقديم بيّنة الإثبات (١) ، وكذلك الشهيد (٢) رحمه‌الله.

ويمكن تنزيله على الإطلاق ، كما يظهر من تعليلهم.

وأمّا مع تحقّق التعارض كما مثّلناه فيمكن القول باطّراحهما والرجوع إلى الأصل ، وهو التمام ، أو مراعاة الاحتياط ؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

ولو تعارض البيّنة والشياع ، فإن أفاد الشياع العلمَ ، قُدّم. وإن تاخمه خاصّةً ، ففي ترجيحه احتمال.

ويمكن مساواتهما للبيّنتين.

أمّا خبر الواحد : فإنّهما مقدّمان عليه ولو قلنا بجواز العمل به.

هذا كلّه بالنسبة إلى الخارج عن البيّنتين ، أمّا نفس البيّنتين : فلكلٍ حكمُ ما تعتقده ، فيقصّر المثبت ، ويتمّ النافي.

وفي جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان : من حكم كلّ منهما بخطإ الآخر ظاهراً ، ومن إمكان بنائهما على وجهٍ لا يتحقّق معه الخطأ.

ورجّح الشهيد في الذكرى جواز الاقتداء (٣). وهو قويّ.

الشرط (الثاني ) : القصد إليها) أي : إلى المسافة بأن يربط قصده بمقصد يعلم بلوغه المسافة.

وإنّما اعتبر ذلك ؛ لأنّ الشرط لما كانت المسافة وهي لا تتحقّق إلا بقصدها أو بلوغها ، اعتبر في الحكم بالانتقال عن حكم الأصل في العبادة أحد الأمرين : إمّا قصدها ، أو الوصول إليها (فالهائم) وهو الذي لا يدري أين يتوجّه ، وليس له مقصد خاصّ يبلغ المسافة

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٧٢ ، ذيل الفرع «أ» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٧٠.

(٢) البيان : ٢٦٠ ؛ الدروس ١ : ٢٠٩ ؛ الذكرى ٤ : ٣١٢.

(٣) : الذكرى ٤ : ٣١٣.

(٤) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة بدل «الثاني» : «ب». والمثبت هو الموافق لبعض نسخ الإرشاد.

٥٦٦

(وطالب الآبق) الذي في نفسه العود متى وجده (لا يقصّران وإن زاد سفرهما) على مسافة ؛ لفقد الشرط.

ومثلهما مستقبل المسافر إذا جوّز الظفر به قبل المسافة.

وقد روى صفوان عن عليه‌السلام في الرجل خرج من بغداد (١) يريد أن يلحق رجلاً على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان ، قال : «لا يقصّر ولا يفطر ؛ لأنّه لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وإنّما خرج ليلتحق (٢) بأخيه فتمادى به السير» (٣).

والظاهر أنّ المعتبر قصد المسافة النوعيّة وإن لم تكن شخصيّةً ، فلو نوى السفر إلى أحد البلدين أو البلدان ، كفى ، كما لو قصد بلداً معيّناً على رأس مسافة وشكّ أو تردّد في الزيادة عليها ، لكن يشترط في القصد المشترك اتّحاد أصل الطريق الخارجة من بلده ليتحقّق الخروج إلى المسافة.

ويتفرّع على ذلك ما لو قصد مسافةً معيّنة فسلك بعضها ثمّ رجع إلى قصد موضعٍ آخر بحيث تكون نهايته مع ما مضى مسافةً ، فإنّه يبقى على القصر ؛ لصدق السفر إلى المسافة المقصودة في الجملة وإن تغيّر شخصها ، مع احتمال زوال الترخّص إلى أن يرجع ؛ لبطلان المسافة الأُولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ المقصد الثاني مسافةً.

ولا فرق في اشتراط قصد المسافة بين التابع والمتبوع ، فالزوجة والعبد والولد إن عرفوا مقصد الزوج والسيّد والوالد وقصدوه ، ترخّصوا ، وإلا فلا.

ولو جوّزت الزوجةُ الطلاقَ والعبدُ العتقَ وعزما على الرجوع متى حصلا ، فلا ترخّص عند المصنّف (٤) مطلقاً.

وقيّده الشهيد بحصول أمارة لذلك ، وإلا بنيا على بقاء الاستيلاء ، وعدم دفعه بالاحتمال البعيد (٥). وهو حسن.

ويقرب منهم الأسير في أيدي المشركين والمأخوذ ظلماً فإنّهما متى علما مقصد المتبوع

__________________

(١) جملة «خرج من بغداد» لم ترد في «ق ، م» وكذا في الذكرى ٤ : ٣٠١.

(٢) في «م» : ليلحق.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٥ / ٦٦٢ ؛ الاستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٦.

(٤) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٧٥ ، الفرع «د» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٧١.

(٥) الذكرى ٤ : ٢٠١.

٥٦٧

وقصداه ولو بغلبة الظنّ على بقاء الاستيلاء ، قصّرا مع بلوغ المسافة. وإن جهلا مقصدهم (١) أو احتملا الخلاص احتمالاً قريباً ، أتمّا.

وطالب الآبق ومتلقّي المسافر إلى بلدٍ معيّن إن علما البلوغ إليه ، فظاهر.

ولو غلب على ظنّهما ذلك واحتملا لقاءه قبله ، ففي قصرهما احتمال. ومقتضى ما تقدّم القصرُ.

ويظهر من الأصحاب التمام متى جوّزا الرجوع قبله.

(و) على كلّ حال فالهائم وطالب الآبق (يقصّران في الرجوع مع البلوغ) للمسافة ؛ لوجود المقتضي ، وكذا لو تجدّد قصد المسافة في الأثناء. ولا يبنى على ما تقدّم ، فلو عزم غير القاصد في الأثناء على الوصول إلى موضعٍ معيّن لا يبلغ من موضع القصد مسافةً ثمّ يرجع بعده إلى وطنه ، أتمّ ذاهباً وفي ذلك الموضع ، وتوقّف الحكم بالقصر على العود ، كما لو لم يقصد أصلاً ، ولا يضمّ ما تجدّد قصده إلى العود وإن اتّصل به ؛ لأنّ كلّ واحد من الذهاب والعود له حكم بانفراده لا يضمّ أحدهما إلى الآخر.

[الشرط] (الثالث ) : عدم قطع السفر) ويحصل بأمرين (بنيّة الإقامة عشرة) أيّام (فما زاد) عنها (في الأثناء) أي : أثناء السفر ، سواء وقع ذلك قبل بلوغ المسافة أم بعده ، فإنّه يتمّ بعد ذلك. وهو موضع وفاق ، والنصوص في ذلك متظافرة عن عليّ (٣) وأهل بيته عليهم‌السلام.

فمنها : رواية زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت : أرأيت مَنْ قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ ومتى ينبغي له أن يتمّ؟ فقال : «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقامَ عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول : غداً أخرج أو بعد غد ، فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك» (٤).

وقد عُلم من الخبر أنّه لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلداً أو قرية أو حلّة أو بادية ،

__________________

(١) جمع الضمير باعتبار «المشركين».

(٢) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «ج» بدل «الثالث». وما أثبتناه هو الموافق لبعض نسخ الإرشاد.

(٣) أمالي الطوسي : ٣٤٧ / ٧١٨ ٥٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ١ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٩ / ٥٤٦ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٧ / ٨٤٧.

٥٦٨

ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره.

والمراد بنيّة الإقامة تحقّق المقام في نفسه كما يقتضيه الخبر ، فيدخل فيه مَنْ نوى الإقامة اقتراحاً ، ومَنْ أوقفها على قضاء حاجة يتوقّف انقضاؤها عليها. ومثله ما لو علّق النيّة على شرط ، كلقاء رجل ورواج سوق ، فحصل الشرط.

ومقتضى العشرة أن تكون كاملةً ، فإن كانت النيّة في أوّل اليوم ، فظاهر ، وإلا فالظاهر التلفيق من الحادي عشر بقدر ما فات من الأوّل.

ولا فرق في ذلك بين يومي الدخول والخروج وغيرهما ، فيحتسب ما حصل فيه المقام منهما من العدد.

واستشكل المصنّف في التذكرة والنهاية (١) احتسابهما من العدد من حيث إنّهما من تتمّة السفر وبداءته ؛ لاشتغاله في الأوّل بأسباب الإقامة ، وفي الأخير بالسفر ، ومن صدق الإقامة في اليومين. واحتمل التلفيق (٢) ، كما اخترناه.

(أو بوصوله بلداً له فيه ملك استوطنه ستّة أشهر فصاعداً) فيتمّ حينئذٍ وإن كان جازماً على السفر قبل تخلّل عشرة ؛ للإجماع.

ولقول الرضا عليه‌السلام في رواية محمّد بن [إسماعيل بن] (٣) بزيع وقد سأله عن الاستيطان ، فقال : «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر» (٤).

وروى عمّار عن الصادق عليه‌السلام «يتمّ ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة» (٥).

وفي حكمه اتّخاذ البلد دار إقامة على الدوام ، كما ذكره المصنّف (٦) وكثير من الأصحاب (٧).

ويمكن الاستدلال عليه بالخبر (٨) السابق ؛ لصدق اسم المنزل عليه ، واللام كما تدلّ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٩٠ ، الفرع «ح» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٨٧.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ١٨٧.

(٣) ما بين المعقوفين من المصادر.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٠ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥٢٠ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣١ / ٨٢١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١١ / ٥١٢ ؛ الاستبصار ١ : ٢٢٩ / ٨١٤.

(٦) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٩٢ ، الفرع «ط» ؛ قواعد الأحكام ١ : ٥٠ ؛ نهاية الإحكام ٢ : ٦١٧٨

(٧) منهم : الشهيد في البيان : ٢٦٢ ؛ والدروس ١ : ٢١١ ؛ والذكرى ٤ : ٣٠٩.

(٨) أي : خبر ابن بزيع ، المتقدّم آنفاً.

٥٦٩

على الملك تدلّ على الاختصاص ، بل هي فيه أظهر ، وحينئذٍ فيشترط فيه الاستيطان ستّة أشهر ، كالملك.

وكذا لو اتّخذ بلداناً للإقامة على التناوب دائماً.

وقد صرّح المصنّف والشهيد (١) رحمه‌الله وغيرهما (٢) باشتراط نيّة الدوام مع عدم الملك. ولا معدل عنه ، إلا أنّ الدلالة عليه غير واضحة.

ويشترط في الستّة الصلاة فيها (٣) تماماً بنيّة الإقامة ؛ لأنّه المفهوم من الإقامة ، فلا يكفي مطلق الإقامة ، ولا التمام بسبب كثرة السفر ، أو المعصية به ، أو شرف البقعة.

نعم ، لا تضرّ مجامعتها لها وإن تعدّدت الأسباب ؛ لحصول المقتضي.

ولا يشترط فيها التوالي ؛ للعموم ، ولا كون السكنى في الملك ولا كونه (٤) له صلاحية السكنى ؛ لحديث النخلة (٥) ، فيكفي سكنى بلد لا يخرج عن حدوده الشرعيّة ، وهي مبدأ الخفاء.

ويشترط كون الاستيطان بعد الملك ؛ لأنّه المفهوم منه ، ودوامُ الملك ، فلو خرج عنه ، زال الحكم ، بخلاف ما لو آجره أو رهنه أو أعاره أو غُصب منه. ولو تعدّدت ، كفى استيطان الأوّل منها. وملكُ الرقبة ، فلا تكفي الإجارة ، وملك المنفعة بوصيّة وغيرها ، ولا الوقوف العامّة مع دخوله في مقتضاها.

نعم ، يكفي الخاصّ بناءً على انتقال الملك فيه إلى الموقوف عليه.

ولو تعدّدت الأملاك وخرج بعضها عن ملكه ، اشترط اتّصاف الباقي بالوصف.

والظاهر أنّ ملك مغرس الشجرة معها غير شرط ، بل يكفي ملك أحدهما.

وفي الاكتفاء بملك بعض الشجرة وجه ؛ لصدق اسم الملك.

ووجه العدم : التنصيص على الواحدة في مقام المبالغة ، فلو اكتفى بأقلّ منها ، لم يحصل الغرض.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٩٢ ، الفرع «ط» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٧٨ ؛ الذكرى ٤ : ٣٠٩.

(٢) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٥١٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : فيه.

(٤) أي : كون الملك.

(٥) تقدّم حديث النخلة في ص ١٠٢٩.

٥٧٠

ويشكل بأنّ المبالغة على حسب المقام ، وجاز اختلافها باختلافه ، وقد وقع مثله في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تصدّقوا ولو بصاع ولو بنصف صاع» (١) وفي لفظ آخر «ولو بتمرة» (٢) وفي آخر «ولو بشقّ تمرة» (٣).

واعلم أنّ الشهر حقيقة في العدّة التي بين الهلالين ، ويطلق على ثلاثين يوماً عند تعذّر المعنى الأوّل ، وحينئذٍ فإن تحقّق التوالي في الستّة أو بعضها بحيث تصدق العدّة الهلاليّة ، كفت وإن اتّفق نقص الشهر عن ثلاثين. وإن تفرّقت على وجه لا يتحقّق فيه ذلك ، اعتبر الشهر ثلاثين يوماً.

ولو توالت وكان ابتداؤها في أثناء الشهر الهلالي ، ففي احتساب الجميع ثلاثين ثلاثين أو إكمال الأوّل خاصّةً بعد انقضاء الخمسة وجهان ، أجودهما : الثاني. وكذا القول في غيره من الآجال وغيرها.

ولا فرق في انقطاع السفر في محلّ ينوي فيه إقامة العشرة بين أن ينويها بعد وصوله إليه أو عنده أو قبله ، ففي الأوّلين لا يعتبر المسافة بينه وبين موطنه ، بل يقصّر في الطريق وإن قلّ ، ويتمّ عند نيّة إقامة العشرة حيث وقعت بعد تجاوز حدود وطنه.

ولو كان في نيّته الإقامة في ابتداء السفر ، اعتبرت المسافة بين موطنه وموضع الإقامة ، كما تعتبر بينه وبين الموطن الآخر أو الذي له فيه ملك (فلو كان بين مخرجه وموطنه أو ما) أي : الموضع الذي (نوى الإقامة فيه مسافة ، قصّر في الطريق خاصّةً) وأتمّ في الموطن وموضع الإقامة (وإلا) أي : وإن لم يكن بين مخرجه وموطنه أو ما نوى فيه الإقامة مسافة (أتمّ فيه) أي : في الموطن أو موضع الإقامة.

ووحّد الضمير باعتبار عوده إلى كلّ واحد منهما على البدل.

(أيضاً) أي : كما يتمّ في الطريق ؛ لأنّ المقصد وإن كان يبلغ المسافة إلا أنّه بسبب اعتراض أحدهما ينقطع اتّصال سفره ، فيصير في قوّة المتعدّد.

(ولو كان) ) له (عدّة مواطن) في طريقه أو نوى إقامة العشرة في عدّة مواضع كذلك

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤ / ١١.

(٢) الكافي ٤ : ٤ / ١١.

(٣) الكافي ٤ : ٤ / ١١.

(٤) في إرشاد الأذهان ١ : ٢٧٥ : «كانت».

٥٧١

(أتمّ فيها) أي : في المواطن ، وكذا في المواضع التي نوى فيها الإقامة (واعتبرت المسافة فيما بين كلّ موطنين ، فيقصّر) في الطريق (مع بلوغ الحدّ في طريقه) وهو المسافة (خاصّةً) أي : دون الموطن والطريق التي لا تبلغ الحدّ.

ولو اختلفت الطريق بين المواطن وإليها ، فلكلّ واحدة حكم نفسها.

وكما تعتبر المسافة بين كلّ موطنين ، كذلك تعتبر بين الأخير ومنتهى المقصد ، فإن لم يبلغها ، أتمّ من الأخير إلى المنتهي وإن عزم على العود على غير تلك الطريق ؛ لأنّ لكلّ واحد من الذهاب والإياب حكماً برأسه ، وقد ذكره المصنّف (١) في غير هذا الكتاب.

وكذا القول فيما بين منتهى المقصد وموضع مقام العشرة.

ولا فرق في ذلك بين ما نوى الإقامة فيه أو قبله.

واعلم أنّ منتهى السفر بين الموطنين على تقدير بلوغ الطريق المسافةَ هو حدود الوطن الذي يصل إليه ، وهو موضع سماع الأذان ورؤية الجدار ، كما يأتي. وكذا مبدأ السفر عند الخروج منه إلى الوطن الآخر ، وهذا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّ موضع نيّة الإقامة مع تقدّمها عليه هل يلحق بالوطن فينقطع السفر بما ينقطع به في الوطن؟ فإنّه يحتمل قويّاً فيه ذلك أيضاً ؛ لصيرورته بحكم بلده في وجوب الإتمام فيه ، واشتراط المسافة في القصر بعد الخروج منه. ولأنّ تلك الحدود في حكم البلد ، بل هي العلّة في قطع السفر ، وعدم ابتدائه في الخروج بالنسبة إلى البلد.

ويحتمل العدم ؛ لتعليق الحكم في النصوص على السفر ، وهو شامل لهذه المواضع ، فإخراجها على خلاف الأصل في البلد لا يوجب التعدية ، وهو في حال الدخول مسافر ، فيستصحب حكمه حتى يخرج عنه اسم السفر.

وممّا يُضعّف كونها بحكم بلده من كلّ وجه : أنّه لو رجع فيها عن نيّة الإقامة قبل الصلاة تماماً أو ما في حكمها ، يرجع إلى القصر وإن أقام فيها أيّاماً وساوت غيرها من مواضع الغربة ، بخلاف البلد ، فدلّ ذلك على أنّ مجرّد نيّة الإقامة فيها قبل الوصول إليها لا يصيّرها في حكم البلد مطلقاً.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٩٢ ، الفرع «ز» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٧٨.

٥٧٢

نعم ، يتوجّه ذلك في الخروج منها بعد الصلاة تماماً ؛ لصيرورتها الآن في حكم البلد بكلّ وجه ، فالوجهان في حالة الدخول والخروج غير متساويين في القوّة والضعف.

الشرط (الرابع ) : كون السفر سائغاً) واجباً كان أو ندباً أو مباحاً أو مكروهاً (فلا يترخّص العاصي) بسفره ، وهو مَنْ كان غاية سفره هي المعصية ، كتابع الجائر وقاطع الطريق والباغي والتاجر في المحرّمات والساعي على ضرر بقوم من المسلمين بل المحترمين وإن كانوا كفّاراً ، ومنه العبد المسافر لأجل الإباق ، والزوجة الخارجة لأجل النشوز. أو كانت المعصية جزءاً من الغاية ، كما لو قصد مع ما ذُكر التجارة أو غيرها. وقد عدّ الأصحاب من العاصي بسفره مطلق الآبق والناشز وتارك الجمعة بعد وجوبها ووقوف عرفة كذلك ، والفارّ من الزحف ، ومَنْ سلك طريقاً مخوفاً يغلب معه ظنّ التلف على النفس أو على ماله المجحف.

وإدخال هذه الأفراد يقتضي المنع من ترخّص كلّ تاركٍ للواجب بسفره ؛ لاشتراكهما في العلّة الموجبة لعدم الترخّص ؛ إذ الغاية مباحة ، فإنّه المفروض ، وإنّما عرض العصيان بسبب ترك الواجب ، فلا فرق حينئذٍ بين استلزام سفر التجارة تركَ صلاة الجمعة ونحوها ، وبين استلزامه تركَ غيرها ، كتعلّم العلم الواجب عيناً أو كفايةً ، بل الأمر في هذا الوجوب أقوى ، وهذا يقتضي عدم تحقّق الترخّص إلا لأوحديّ الناس.

لكنّ الموجود من النصوص في ذلك لا يدلّ على إدخال هذا القسم ولا على مطلق العاصي ، وإنّما دلّت على السفر الذي غايته المعصية.

كرواية حماد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام : «الباغي والعادي ليس لهما أن يقصّرا الصلاة» (٢).

ورواية زرارة في المتصيّد لهواً وبطراً (٣).

ورواية إسماعيل بن أبي زياد عنه عليه‌السلام «سبعة لا يقصّرون وعدّ منهم الرجل يريد

__________________

(١) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «د». والمثبت هو الموافق لما في بعض نسخ الإرشاد.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٨ / ٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٧ ٢١٨ / ٥٣٩ ، و ٩ : ٧٨ ٧٩ / ٣٣٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٨ / ٥٤٠ ، و ٤ : ٢٢٠ / ٦٤١ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤٢.

٥٧٣

بصيده لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل» (١).

وفي رواية عمّار بن مروان (٢) عنه عليه‌السلام «عدم تقصير العاصي لله ولرسوله ، كطالب الشحناء والسعاية في ضرر على قوم من المسلمين» (٣).

وهذا الحديث وإن كان صدره يدلّ على مطلق المعصية لكن عجزه يخصّ ذلك بما كانت غايته المعصية ، كما في غيره.

وبالجملة ، فاللازم ممّا عدّه الأصحاب من الأفراد عموم المنع لكلّ عاصٍ بترك واجبٍ يفوت بسبب السفر ، ومن جملته تارك التعلّم ، لكن في إدخاله نظر ؛ لعدم دلالة النصوص عليه (٤).

واحترزنا بالعاصي بسفره عن العاصي فيه ، كما لو كان يشرب الخمر في طريق سفر غايته الطاعة ، ويزني ، فإنّه باقٍ على الرخصة.

ولو رجع العاصي عن نيّته في أثناء السفر ، اعتبرت المسافة حينئذٍ ، فإن قصر الباقي منه ، بقي على التمام. ولو انعكس الفرض ، انقطع ترخّصه حين النيّة.

ولو عاد إلى الطاعة ، ففي اشتراط كون الباقي مسافةً في العود إلى القصر أو البناء على ما سبق وجهان : من بطلان الماضي بتوسّط نيّة المعصية ، ومن أنّ المانع كان هو المعصية وقد زالت ، وهو الذي اختاره في الذكرى (٥).

وينبغي أن يكون ذلك مع بلوغ ما مضى من سفر الطاعة وما بقي مسافةً ، أمّا لو لم تتمّ إلا بالجزء الذاهب في المعصية ، أشكل الفرق بينه وبين الراجع إلى الطاعة بعد أن كان قد سافر إلى المعصية ابتداءً ، وقد وافق فيها على اشتراط كون الباقي مسافةً (٦) ، وهذا هو الظاهر من التذكرة (٧) ، مع استشكاله الحكم فيها.

ويقرب من ذلك ما لو رجع عن السفر في أثناء المسافة ثمّ عاد إليه ولا يبلغ باقيه مسافةً.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٤ ؛ الإستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٦.

(٢) في الكافي عن محمد بن مروان.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣ ؛ الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤٠٩ ؛ التهذيب ٤ : ٢١٩ ٢٢٠ / ٦٤٠.

(٤) في الطبعة الحجريّة : «على العموم» بدل «عليه».

(٥) الذكرى ٤ : ٣١٤ ٣١٥.

(٦) الذكرى ٤ : ٣١٤.

(٧) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٩٧ ، ذيل الفرع «ج».

٥٧٤

وقد قرّب الشهيد في البيان العودَ إلى القصر ؛ اكتفاءً بالتلفيق ممّا مضى (١).

والحكم فيه أشكل ممّا هنا.

أمّا لو فرض عدوله في أثناء المسافة إلى غير المقصد ورجوعه عنه ، اتّجه الضمّ بناءً على ما تقدّم من أنّ الاعتبار بقصد المسافة النوعيّة لا الشخصيّة ، وهي حاصلة هنا ، مع احتمال التمام ؛ لبطلان القصد الأوّل ، وعدم بلوغ المقصد الثاني.

وكيف كان فهو أولى بالقصر من الأوّلين.

والصائد للهو عاصٍ ، كما مرّ ، بخلاف الصائد لقوته وقوت عياله ، فإنّه يقصّر الصلاة والصوم إجماعاً.

(والصائد للتجارة يقصّر في صلاته وصومه على رأي) لوجود المقتضي ، وهو السفر إلى المسافة ، مع كونه غير معصية ، وانتفاء المانع ؛ إذ ليس إلا قصد التجارة ، وهو أمر سائغ ، كالسفر للتجارة في غير الصيد ، فإنّه غير مانع إجماعاً ، ولعموم الآية (٢) والأخبار.

ونبّه بالرأي على خلاف جماعة من الأصحاب منهم : الشيخان حيث أوجبا إتمام الصلاة (٣) ، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماعَ (٤) ، مستندين في ذلك إلى أخبار ضعيفة ، مع عدم دلالتها على المطلوب صريحاً.

وقد روى معاوية بن وهب في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام «هُما واحد إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت» (٥) حكم عليه باتّحاد الحكم فيهما ، وفي «إذا» معنى الشرط ، فيعمّ.

وفي صحيحة عبد الله عنه عليه‌السلام في الصيد «إن كان يدور حوله فلا يقصّر ، وإن كان يجاوز الوقت فليقصّر» (٦) ؛ وترك الاستفصال دليل العموم.

__________________

(١) البيان : ٢٦٠.

(٢) النساء (٤) : ١٠١.

(٣) المقنعة : ٣٤٩ ؛ النهاية : ١٢٢ ؛ المبسوط ١ : ١٣٦.

(٤) السرائر ١ : ٣٢٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٠ ٢٢١ / ٥٥١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١٨ / ٥٤١ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤٣.

٥٧٥

الشرط (الخامس ) : عدم زيادة السفر على الحضر ، كالمكاري) بضمّ الميم وتخفيف الياء ، وهو الذي يكري دابّته لغيره ويذهب معها ، أي : المعدّ نفسه لذلك ، فهو لا يقيم ببلده غالباً ، بل الغالب عليه السفر (والملاح) بالتشديد ، وهو صاحب السفينة (وطالب القطر والنبت) كالبدوي (و) طالب (الأسواق) وهو التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، ومثله الذي يتكرّر إلى السوق الواحد مراراً من غير إقامة (والبريد) وهو الرسول المعدّ للرسالة.

(والضابط أن لا يقيم) المسافر (في بلده عشرة) أيّام.

ومستند ذلك أخبار كثيرة عن الصادقَيْن عليهما‌السلام :

كصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفرٍ كانوا أو حضر : المكاري والكري والراعي والاشتقان ، لأنّه عملهم» (٢).

وروى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «ليس على الملاحين في سفينتهم (٣) تقصير ، ولا على المكارين ، ولا على الجمّالين» (٤).

وروى إسماعيل بن [أبي] (٥) زياد عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام قال : «سبعة لا يقصّرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر» (٦) الحديث.

وتسمية هذا النوع زائد السفر وكثير السفر حقيقة شرعيّة بالشرائط المذكورة ، وآية الحقيقة فيه مبادرة ذهن أهل هذا العرف عند إطلاق اللفظ إلى من اتّصف بالشروط المذكورة ، وحينئذٍ فلا يرد عليه ما أورده المحقّق في المعتبر من انتقاضه بمقيم عشرة في بلده

__________________

(١) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «ه» بدل «الخامس» والمثبت هو الموافق لما في بعض نسخ الإرشاد.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٦ / ١ ؛ الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٦ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٦ ؛ الإستبصار ١ : ٢٣٢ ٢٣٣ / ٨٢٨.

(٣) في الاستبصار : «سفرهم» بدل «سفينتهم».

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٥ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٧.

(٥) ما بين المعقوفين من المصادر.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٤ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٦.

٥٧٦

ومسافر عشرين ، فإنّه يصدق عليه زيادة السفر على الحضر ، مع أنّ فرضه القصر إجماعاً. قال : بل الأولى أن يقال : أن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام سفراً (١) ، كما تضمّنته الروايات السابقة.

وما ذكره من الأولويّة غير ظاهر ؛ لعدم انحصار المتمّ سفراً في مَنْ ذُكر ، فلا تكون العبارة مفيدةً للمقصود ، فإنّ العاصي بسفره وطالب الآبق مع تماديه في السفر وكلّ مَنْ لم يقصد المسافة مع وصوله إليها أو قبل وصوله يصدق عليه أنّه متمّ سفراً ، وليس مقصوداً هنا.

إذا تقرّر ذلك ، فالمعتبر في لحوق الحكم هنا صدق اسم مَنْ ذُكر في هذه الروايات على مَنْ سافر ، وكذا مَنْ في معناهم ؛ إذ ليس في الأخبار تحديد بسفرات معيّنة ، بل الحكم معلّق على الوصف ، فيثبت معه كيفما حصل ، وهو يتحقّق في السفرة الثالثة التي لا تتخلّل بينها إقامة العشرة قطعاً. ولو صدق بأقلّ من ثلاث ، ثبت الحكم أيضاً.

وفصّل ابن إدريس بعد أن ردّها إلى العرف ، فاعتبر الثلاثة في غير المكاري والملاح والتاجر والأمير ، وحَكَم فيهم بالإتمام بمجرّد السفر ؛ محتجّاً بأنّ صنعتهم تقوم مقام مَنْ لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره (٢).

واستقرب المصنّف في المختلف (٣) ثبوت الحكم بالمرّتين مطلقاً ، فيخرج في الثالثة متمّا. وهو الظاهر من عبارته هنا وفي أكثر كتبه ، كما يرشد إليه قوله : «والضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام» فإنّ مَنْ سافر مرّة ولم يقم في بلده بعدها عشرة ثمّ سافر يصدق عليه ذلك ، وحيث لا دلالة في النصوص على اعتبار عددٍ معيّن بل صدق الاسم توجّه الاكتفاء بسفرتين خصوصاً لمتّخذه صنعةً ، لكن توقّف الإتمام على الخروج إلى الثالثة أوضح خصوصاً على ما اشتهر من أنّ العلّة الموجبة لذلك هي كثرة السفر ، وهو الذي نقله العلامة قطب الدين الرازي عن المصنّف. والضابط حينئذٍ أن يسافر إلى مسافة ثلاث مرّات بحيث يتجدّد حكم الإتمام بعد كلّ واحدة من الأُوليين ، ولا يقيم عقيب واحدة منهما عشرة أيّام

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٧٢.

(٢) السرائر ١ : ٣٣٦ ٣٤٠.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٢ ، ذيل المسألة ٣٩١.

٥٧٧

في بلده مطلقاً أو في غير بلده مع نيّة الإقامة ، فإنّه يصير في الثالثة كثير السفر ، ويلزمه فيها الإتمام ، ويستمرّ متمّا إلى أن يقيم في بلده عشرةً أو في غير بلده مع النيّة ، فإذا أقام ذلك ، انتفى عنه الوصف ، ورجع إلى التقصير في السفر ، وتوقّف الحكم السابق على ثلاثة مستأنفة وهكذا.

ويتحقّق تعدّد السفرات بوصوله من كلّ سفرة إلى بلده أو ما في حكمه ، فإنّ ذلك انفصال بينها حسّيّ وشرعيّ.

وهل يتحقّق بالانفصال الشرعيّ خاصّةً ، كما لو تعدّدت مواطنه في السفرة المتّصلة بحيث يكون بين كلّ موطنين منها والآخر مسافة ، أو نوى الإقامة في أثناء المسافة عشراً ولمّا يقمها؟ وجهان : من تحقّق الانفصال الشرعيّ ، وهو أقوى من الحسّيّ في أمثال ذلك ، ومن ثَمَّ اشترطت المسافة ، ومن عدم صدق التعدّد عرفاً.

هذا كلّه إذا كان في نيّته ابتداءً تجاوز الوطنين وموضع الإقامتين ، أمّا لو عزم على الوطن الأوّل خاصّةً فلمّا وصل إليه عزم على الآخر ، فاحتسابهما سفرتين أقوى.

وعلى التقديرين لا فرق بين كون السفرة الثانية صوب المقصد أم لا.

ورجّح الشهيد في الذكرى تعدّد السفرات في صورة الإقامة وإن لم تكن الإقامة في نيّته ابتداءً ، وفصّل في الوطن ، فأوجب التعدّد مع تجدّد قصد تجاوز الوطن بعد الوصول إليه ، والاتّحاد مع قصد التجاوز ابتداءً (١) ؛. وهو حسن.

والفرق بين موضع الإقامة والوطن : أنّ نيّة الإقامة تقطع السفر حسّا وشرعاً ، والخروج بعد ذلك سفرة جديدة ، بخلاف الوطن ؛ فإنّه فاصل شرعاً لا حسّا.

ولو كان الخروج بعد أحد الأمرين إلى وطنه الأوّل بمعنى العود إليه ، ففي احتسابه سفرةً ثانية الوجهان.

وهل يشترط في فصل نيّة الإقامة الصلاةُ تماماً ، أم يكفي مجرّد النيّة؟ يحتمل الأوّل ؛ لتوقّف تمام الفصل عليه ، ومن ثَمَّ كان الرجوع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة موجباً للعود إلى القصر ، وهو يدلّ على عدم تماميّة السبب الموجب للقطع. ولما تقدّم من أنّ الفارق بينه وبين الوطن هو قطع السفر الحسّيّ ، ولم يتحقّق.

__________________

(١) انظر : الذكرى ٤ : ٣٠٩ ٣١٠.

٥٧٨

ووجه الثاني : انتقال حكم السفر ، ومن ثَمَّ وجب الإتمام ما دام كذلك ، وللرجوع حكم آخر ، وحيث أسلفنا أنّ المعتبر صدق اسم الكثرة والمعنى الموجب كذلك فهو المحكّم في هذه الموارد. ولعلّ اعتبار الصلاة تماماً أو ما في حكمها أقوى.

بقي هاهنا بحث ، وهو : أنّ الأصحاب رضوان الله عليهم قد عدّوا في كثير السفر البدويّ الذي يطلب القطر والنبت ، والتاجر المنتقل من سوق إلى سوق وجملةَ ما تقدّم ؛ استناداً إلى الروايات التي دلّت عليهم ، بل تلك الألفاظ المنقولة في عباراتهم هي لفظ الروايات.

وفي دلالتها على ذلك نظر ، بل الظاهر منها في كثير من هذه الأفراد أنّ الموجب لإتمامهم ليس هو كثرة السفر بل ولا صدق أصل السفر ، وإنّما هو عدم القصد إلى المسافة ، أو عدم صدق اسم المسافر عليهم ، كما هو الظاهر من حال البدويّ والراعي والأمير الذي يدور في إمارته من بلدٍ إلى آخر ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، فإنّ هؤلاء لا يقصدون المسافة غالباً وإن اتّفق لهم سلوكها ، والأخبار إنّما دلّت على أنّ هؤلاء فرضهم الإتمام ، والأمر فيه كذلك ، لكن لا يتعيّن كونه لهذه العلّة وإن أمكن في بعض أسفارهم حصولها.

وممّا يدلّ على أنّ حكم المذكورين في الخبر ليس على وتيرة واحدة : أنّ الباقر عليه‌السلام عدّ من السبعة الذين لا يقصّرون «المتصيّد لهواً ، والمحارب الذي يقطع السبيل» (١) مع أنّ المانع من قصر هذين هو المعصية لا الكثرة. وروى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال المكاري والجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصّرا (٢). ومثله روى الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، وقد اختلف في تنزيلهما.

وعلى ما ذكرناه يمكن حمل الجدّ في السير على قصد المسافة قبل تحقّق الكثرة بمعنى أنّ سفرهما وإن كان أوّلاً إلى مسافة غير مقصودة لا يقصّران فإذا قصدا المسافة ، قصّرا ، والجدّ كناية عن ذلك.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٤ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٨ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٩ ، و ٤ : ٢١٩ / ٦٣٨ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣١.

٥٧٩

وحملهما المصنّف في المختلف على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصّرا (١). ولا إشعار فيهما بذلك.

وحملهما الشهيد رحمه‌الله على ما لو أنشأ أحدهما سفراً غير صنعته ، كالتاجر يصير مكارياً أو ملاحاً ، والبدويّ يحجّ ، فإنّهم يقصّرون (٢).

وفي دلالتهما على ذلك نظر ، وفي المصير إلى الحكم باحتمالهما ذلك إشكال ؛ لما قد عرفت من احتمال تنزيلهما على غير ذلك احتمالاً راجحاً أو مساوياً ، ومع ذلك يسقط اعتبارهما في الدلالة على حكمٍ مخالف للأصل الثابت بالدليل ، وهو التمام مع الكثرة.

وقد نزّلهما الشيخ في التهذيب تبعاً للكليني رحمهما‌الله على أنّ المراد بـ «جدّ السير» جَعْل المنزلين منزلاً ، فيقصّرون في الطريق ، ويتمّون في المنزل (٣).

ووجه مصيرهما إلى ذلك مع بُعْده في الظاهر حديث آخر روياه في ذلك عن الصادق عليه‌السلام «أنّ الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصّرا فيما بين المنزلين ، ويتمّا في المنزل» ؛ (٤).

وهذا الحمل وإن كان مخالفاً للقاعدة المعروفة من الحكم إلا أنّ الطريق إلى إثباتها بسبب الأحاديث المعتبرة سهل.

ولعلّ موجب الخروج عن حكم الإتمام هنا لزيادة المشقّة بكثرة السير وخروجه عن العادة.

وعلى هذا التنزيل الحكمُ مختصّ بمن ذُكر في الأخبار ، وهو الجمّال والمكاري ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، مع احتمال العموم ؛ لوجود المقتضي.

وعلى ما احتملناه من التنزيل يسقط الاستدلال.

وإذا تحقّقت الكثرة لأحد هؤلاء ، استمرّ حكمها ما لم يقم في بلده عشرة أيّام تامّة ، سواء كانت بنيّة الإقامة أم لا ، أو في غير بلده مع النيّة (فإن أقام أحدهم عشرةً) كذلك (قصّر) وإلا أتمّ على المشهور بين الأصحاب.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٥٣١ ، ذيل البحث الثالث ضمن المسألة ٣٩١.

(٢) الذكرى ٤ : ٣١٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٥ ، ذيل الحديث ٥٢٩ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٣ ، ذيل الحديث ٨٣١ ؛ الكافي ٣ : ٤٣٧ ، ذيل الحديث ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٥ ٢١٦ / ٥٣٠ ؛ الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣٢ ؛ وانظر : الكافي ٣ : ٤٣٧ ، ذيل الحديث ٢.

٥٨٠