روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

الصلاة ، فلا ينافي تبعيّته في باقي الأحكام.

والتحقيق أنّ الاحتياط صلاة مستقلّة رُوعي فيها البدليّة عمّا يحتمل نقصه من الصلاة ، والأصل في الصلاة المستقلّة عدم ارتباطها بالسابقة إلا فيما دلّ عليه الدليل.

(ويبني على الأقلّ في النافلة) لو شكّ في عددها (ويجوز) البناء على (الأكثر) والأوّل أفضل.

وحكمها في السهو عن الأفعال والأركان والشكّ فيها في محلّه وبعد تجاوزه حكم الفريضة.

والظاهر أنّه لا سجود للسهو فيها لو فَعَل ما يوجبه لو كان في الفريضة.

(ولو تكلّم ناسياً أو شكّ بين الأربع والخمس) بعد السجود (أو قعد في حال قيام أو قام في حال قعود وتلافاه على رأي ، أو زاد أو نقص غير المبطل ناسياً على رأي ، سجد للسهو) في جميع ذلك.

أمّا وجوبه للكلام ناسياً : فلصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه‌السلام (١).

وأمّا الشكّ بين الأربع والخمس : فلصحيحة الحلبي عنه عليه‌السلام «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو خمساً أم نقصت أم زدت ، فتشهّد وسلم واسجد سجدتي السهو تتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» (٢).

وروى عبد الله بن سنان عن عليّ (٣) عليه‌السلام إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ تسلّم بعدهما

(٤). وأمّا القعود في حال قيام وبالعكس : فلرواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥). ولصحيحة الحلبي السابقة (٦) ، وروى سفيان بن السمط عنه عليه‌السلام «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٧) فالأجود حينئذٍ وجوبهما لكلّ زيادة أو نقيصة غير مبطلتين ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٥ ؛ الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠١٩ ؛ التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٢ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨٠ / ١٤٤١.

(٣) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة والذكرى ٤ : ٩٠ ، وفي المصدر : عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٣ ؛ التهذيب ٢ : ١٩٥ / ٧٦٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ٣٥٤ / ١٤٦٦.

(٦) آنفاً.

(٧) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٦٧.

٤٨١

وكذا للشكّ في الزيادة أو النقيصة ، كما دلّت عليه صحيحة (١) الحلبي ، واختاره المصنّف (٢) في غير هذا الكتاب. وفي المسألة أقوال منتشرة هذا أجودها.

(وهُما) أي : سجدتا السهو (سجدتان بعد الصلاة).

وإنّما ثنّي الضمير مع عدم سبق ما يقتضي التثنية ؛ لتوسّطه بين مثنّى ومفرد أحدهما تفسير لصاحبه.

وكونهما بعد الصلاة هو المشهور بين الأصحاب ، وقد دلّت عليه الروايات السالفة.

ولا فرق بين كونهما لزيادة أو نقيصة.

وربما نقل (٣) عن بعض الأصحاب أنّهما قبل التسليم للنقيصة ، وبعده للزيادة.

و (يفصل بينهما بجلسة) لتحقّق التثنية (ويقول فيهما : بسم الله وبالله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، أو) يقول : بسم الله وبالله (السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته) رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سمعه مرّة يقول فيهما الأوّل ، ومرّة أُخرى الثاني (٤).

ولا يستلزم ذلك سهو الإمام ؛ لجواز كونه إخباراً عن حكمه فيهما.

وفي بعض عبارات الحديث : «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد ، وفي المرّة الأُخرى : بسم الله وبالله والسلام عليك أيّها النبيّ» (٥) إلى آخره. والكلّ مجزئ.

(ويتشهّد) بعد ذلك (تشهّداً خفيفاً ويسلّم) للحديث (٦) المتقدّم.

والمراد بالتشهّد الخفيف ما اقتصر فيه على أقلّ الواجب ، وهو : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله. وهذا القدر مجزئ هنا وإن لم يجتزأ به في غيرهما.

ولو تشهّد بغير الخفيف ، صحّ أيضاً.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٩٤١.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ٣٤٩ ، المسألة ٣٦٠ ؛ قواعد الأحكام ١ : ٤٤ ؛ مختلف الشيعة ٢ : ٤٢١ ، المسألة ٢٩٧ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٥٤٧.

(٣) الناقل هو الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٦ ٣٥٧ / ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٣ ؛ الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٧ ، وفيه «السلام» بدون الواو.

(٦) أي : حديث الحلبي ، المتقدّم في ص ٩٤١.

٤٨٢

ولعلّه أراد به التخفيف على المكلّف بتخصيص أوجز الأفراد.

وذهب المصنّف في المختلف إلى عدم وجوب شي‌ء فيهما سوى النيّة والسجدتين ؛ محتجّاً برواية عمّار حين سأله هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : «لا ، إنّما هُما سجدتان فقط» إلى أن قال : «ولا فيهما تشهّد بعد السجود» (١) وأجاب عن حديث الحلبي (٢) بحمله على الاستحباب (٣).

وجوابه ضعف سند حديثه ، وصحّة ما دلّ على الأذكار ، فلا يعارضه الضعيف ، مع إمكان حمله على التقيّة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٦ ؛ التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨١ / ١٤٤٢.

(٢) المتقدّم في ص ٩٤١.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٤٢٨ و ٤٢٩ ، المسألة ٣٠٠.

٤٨٣

(خاتمة)

(مَنْ ترك من المكلّفين) بالصلاة (الصلاة مستحلا) أي : معتقداً حِلّ تركها ، وكان التارك (ممّن وُلد على الفطرة) الإسلاميّة (قُتل) من غير استتابة ؛ لأنّه مرتدّ بسبب إنكاره ما عُلم ثبوته من الدين ضرورةً. ولقوله عليه‌السلام : «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» (١) وأقلّ مراتبه حمله على الاستحلال. وإذا قُتل لم يصلّ عليه ولم يُدفن في مقبرة المسلمين ، وماله لوارثه المسلم.

هذا إذا كان رجلاً ، ولو كان امرأةً ، لم تُقتل بتركها ، بل تُحبس وتُضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت ؛ لقول الباقر والصادق» : «المرأة إذا ارتدّت استتيبت ، فإن تابت وإلا خلّدت السجن وضُيّق عليها في حبسها» (٢).

وفي إلحاق الخنثى بأيّهما نظر : من الشكّ في الذكوريّة التي هي شرط القتل ، ودخوله في العموم ، وإنّما خرجت المرأة بدليلٍ خاصّ.

ولو أبدى المستحلّ شبهةً محتملة في حقّه لعدم علمه بالوجوب ، كقرب عهده بالإسلام أو سكناه في بادية بعيدة عن أحكام الإسلام ، قُبل.

وكذا لو ادّعى النسيان في إخباره عن الاستحلال أو الغفلة ، أو أوّل الصلاة بالنافلة بعد أن أطلق ؛ لقيام الشبهة الدارئة للحدّ. وكذا لو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان ، ويؤمر

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ٢١٩ / ٤٦٧٨ ؛ سنن الترمذي ٥ : ١٣ / ٢٦٢٠ ؛ سنن الدارقطني ٢ : ٥٣ / ٤ ؛ مسند أبي يعلى ٣ : ٣١٨ / ١٧٨٣.

(٢) الكافي ٧ : ٢٥٦ / ٣ ؛ التهذيب ١٠ / ١٣٧ / ٥٤٣ ؛ الاستبصار ٤ : ٥٣ / ٩٥٩.

٤٨٤

بالقضاء ، فإن استحلّ تركه ، فكالأداء.

وفي حكم استحلال الصلاة استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة ، أو جزء كالركوع ، دون المختلف فيه كتعيين الفاتحة ووجوب الطمأنينة.

(ولو كان) التارك المستحلّ (مسلماً عقيب كفر أصلي ، استتيب) بأن يخبر بعد إظهار الندم والعزم على عدم العود باعتقاده وجوبها ، ويفعلها ، فلو أخبر ولم يفعل ، عُزّر. ولو فَعَل ولمّا يخبر ، لم تتحقّق التوبة ، كما لا يحكم بإسلام الكافر لو وجد مصلّياً ، سواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب (١) وإن سمع تشهّده فيها.

ولا يكفي في توبة تارك الصلاة إقراره بالشهادتين ؛ لأنّ الكفر لم يقع بتركهما.

(فإن امتنع) تارك الصلاة مستحلّا مع كونه غير فطريّ من التوبة (قُتل) لقوله تعالى (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ) (٢) الآية.

(وإن لم يكن) التارك (مستحلا ، عُزّر) فإن عاد إلى تركها ثانياً ، عُزّر ثانياً ، فإن عاد ثالثاً ، عُزّر (وقُتل ) في الرابعة مع تخلّل التعزير ثلاثاً) لما روي عنهم ««أنّ أصحاب الكبائر يُقتلون في الرابعة» (٤) وهذه من جملتها.

وقيل (٥) : يُقتل في الثالثة. وهو مرويّ (٦) أيضاً ، إلا أنّ قتله في الرابعة أحوط للدماء.

(ولا يسقط القضاء) عن التارك ، سواء كان مستحلّا أم غير مستحلّ ، وسواء قُتل أم لا ؛ لعموم الأوامر الدالّة عليه ، كقوله عليه‌السلام : «مَنْ فاته صلاة فريضة فليقضها» (٧) خرج منه الكافر الأصلي ، فيبقى ما عداه. ولأنّه يُجبر على الأداء حال ردّته فكذا على القضاء.

وهذا فيمن تُقبل توبته ظاهر ، أمّا مَنْ لا تُقبل توبته ؛ لكون ارتداده فطريّاً ، فإن قُتل ، بقي القضاء في ذمّته ، إلا أن يقضي عنه الوليّ أو غيره. وإن لم يُقتل لهربٍ أو عدم نفوذ

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : دار الكفر.

(٢) التوبة (٩) : ٥.

(٣) في الإرشاد ١ : ٢٧٠ : «ويُقتل».

(٤) كما في المبسوط ١ : ١٢٩.

(٥) من القائلين : المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ١ : ١١٢.

(٦) الكافي ٧ : ١٩١ (باب في أنّ صاحب الكبيرة ..) ح ٢ ؛ الفقيه ٤ : ٥١ / ١٨٢ ؛ التهذيب ١٠ : ٩٥ ٩٦ / ٣٦٩ ؛ الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٩١.

(٧) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

٤٨٥

الأحكام أو غيرهما ، وتاب ، فهل تكون توبته فيما بينه وبين الله تعالى مقبولةً؟ المشهور : العدم ؛ لحكم الشارع بعدم قبولها ظاهراً ، وإجرائه مجرى الميّت فيما يتعلّق بماله ونكاحه.

وقبول توبته باطناً قويّ ، وإلا لزم إمّا عدم تكليفه ، أو تكليف ما لا يطاق. وكلاهما باطل. وكلّ دليل دلّ على قبول توبة العُصاة آتٍ فيه. ولعموم قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا) (١) أثبت لهم إيماناً بعد كفر ، وهو شامل لذي الفطرة وغيرها. وهو اختيار الشهيد (٢) رحمه‌الله. وثبوت باقي الأحكام عليه من القتل وغيره حسماً لمادّة الجرأة على الارتداد ، وصيانةً للإسلام.

(وكلّ مَنْ فاته فريضة) يوميّة أو غيرها ممّا تقضى سواء كان فواتها (عمداً أو سهواً أو بنومٍ أو سكر أو شرب مرقد أو ردّة) عن الإسلام (وجب) عليه (القضاء) لقوله عليه‌السلام : «مَنْ فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (٣) وقوله عليه‌السلام : «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها» (٤).

والسكر إذا كان سببه باختيار المكلّف وعلمه يساوي النوم في زوال التمييز ، ويزيد عليه بالعدوان ، فيكون أولى بالقضاء.

ولو تناوله غير عالم بإسكاره أو أُكره عليه أو اضطرّ إلى استعماله دواءً ، فهو في حكم الإغماء ؛ لظهور عذره.

نعم ، لو علم كونه مسكراً لكن ظنّ اختصاصه بوقتٍ خاصّ أو قدر خاصّ فتناوله على غير ما ظنّه ، لم يعذر ؛ لتعرّضه للمسبّب ، مع احتمال عذره.

وهذا الحكم وهو وجوب القضاء على كلّ مَنْ فاتته فريضة ثابت على كلّ حال (إلا أن تفوت) الفريضة (بصغرٍ أو جنون) سواء كان مطبقاً أو دوريّاً بحيث استوعب زمان الجنون وقتَ الصلاة (أو إغماء) على الأشهر (وإن كان) الإغماء (بتناول الغذاء) المؤدّي إليه مع عدم علمه بكونه مؤدّياً (أو حيض أو نفاس أو كفرٍ أصليّ) لا عارضيّ ، كما في المرتدّ (أو عدم المطهّر) من ماء وتراب ، فإنّه لا يجب القضاء في جميع هذه المواضع.

__________________

(١) النساء (٤) : ١٣٧.

(٢) الذكرى ٢ : ٤٣٠.

(٣) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٤) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٤.

٤٨٦

أمّا الأوّلان : فبالإجماع. ولقوله عليه‌السلام : «رفع القلم عن ثلاث» وعدّ الصبي والمجنون (١).

وإنّما وجب القضاء على النائم مع دخوله معهما بنصٍ خاصّ ، وقد عرفته ، فيُحمل رفع القلم عنه على عدم المؤاخذة على تركه.

ويجب تقييده بكون سبب الجنون ليس من فعله ، وإلا وجب عليه القضاء ، كالسكران.

وأمّا سقوطه مع الإغماء : فمستنده مع الشهرة الأخبارُ المتضافرة :

كقول الصادق عليه‌السلام حين سأله أبو أيّوب عن الرجل أُغمي عليه أيّاماً لم يصلّ ثمّ أفاق أيصلّي ما فاته؟ قال : «لا شي‌ء عليه» (٢).

وقوله عليه‌السلام عنه : «ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر عنه» (٣).

ولأنّ زوال العقل سبب لزوال التكليف ، وليس مستنداً إليه.

وروى «أنّه يقضي آخر أيّام إفاقته إن أفاق نهاراً ، وآخر ليلته إن أفاق ليلاً» (٤) وعمل به بعض (٥) الأصحاب.

ويمكن حمله على الندب توفيقاً بين الأخبار ، ومصيراً إلى المشهور روايةً وفتوى.

وإنّما يسقط عنه القضاء مع تناوله الغذاء مع عدم علمه بكونه موجباً له كما ذكرناه ، أو مع اضطراره إليه أو مع تناوله كرهاً ، وإلا وجب القضاء ؛ لأنّه مسبّب عن فعله.

وأمّا عن الحائض والنفساء : فبالإجماع والأخبار ، وقد تقدّم في بابه.

والظاهر أنّه لا فرق هنا بين كون سببهما من الله أو من قِبَل المرأة ، كما لو تسبّبت بالحيض أو بإسقاط الولد بالدواء.

والفرق بينهما وبين السكران والمغمى عليه أنّ سقوطه عنهما ليس من باب الرخص والتخفيفات حتّى يغلظ عليهما إذا حصل بسببٍ منهما ، إنّما هو عزيمة ، بخلاف الآخَرَيْن. ووجوب قضاء الصوم بأمرٍ جديد.

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٣٩ / ٤٤٠١ ، و ١٤١ / ٤٤٠٣ ؛ مسند أحمد ٧ : ١٤٥ ١٤٦ / ٢٤١٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٢ / ٣ ؛ التهذيب ٣ : ٣٠٢ / ٩٢٤ ؛ الإستبصار ١ : ٤٥٧ / ١٧٧١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٣ / ٧ ؛ التهذيب ٣ : ٣٠٢ / ٩٢٣ ؛ الاستبصار ١ : ٤٥٧ / ١٧٧٠.

(٤) المقنع : ١٢٣ ؛ وانظر : التهذيب ٣ : ٣٠٥ / ٩٣٩ ؛ والاستبصار ١ : ٤٥٩ ٤٦٠ / ١٧٨٦.

(٥) هو ابن الجنيد كما في الذكرى ٢ : ٤٢٧.

٤٨٧

فرع : لو طرأ سبب مسقط على سببٍ غير مسقط ، كما لو طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس على الردّة أو السكر ، ففي تأثير الطارئ فلا يجب قضاء أيّامه وجهان : من عموم الأدلّة الدالّة على السقوط بتلك الأسباب ، ومن صدق الارتداد على الحائض والنفساء حقيقةً وعلى المجنون والمغمى عليه حكماً ، وكونه أسبق السببين فيعمل عمله. والأصحّ سقوط القضاء.

وأمّا سقوطه عن الكافر الأصلي : فبالإجماع ، وقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (١) الآية. وقوله عليه‌السلام : «الإسلام يجبّ أو يهدم ما قبله» (٢).

ولا تلحق به الفِرَق الكافرة من المسلمين ، كالخوارج والنواصب ، بل حكمهم حكم غيرهم في أنّهم إذا استبصروا لا يجب عليهم إعادة ما صلّوه صحيحاً ، ويجب قضاء ما تركوه أو فعلوه فاسداً ، وقد ورد ذلك عن الباقر والصادق» بطُرُقٍ متعدّدة :

منها : ما رواه محمّد بن مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار عنهما» في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحروريّة والمرجئة والعثمانيّة والقدريّة ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حجّ ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : «ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها ، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية» (٣).

وهذا الخبر كما يدلّ على عدم إعادة المخالف للحقّ ما فَعَله من ذلك ، يدلّ على عدم الفرق بين الفِرَق المحكوم بكفرها وغيرها ؛ لأنّ من جملة ما ذكر فيه صريحاً الحروريّة ، وهُمْ كفّار ؛ لأنّهم خوارج.

ويعتبر في عدم الإعادة كون ما صلاه صحيحاً عنده وإن كان فاسداً عندنا ؛ لاقتضاء النصوص كونه قد صلّى ، وإنّما تُحمل على الصحيحة ، ولمّا كان الأغلب عدم جمع ما يفعلونه للشرائط عندنا ، حُمل الصحيح على معتقده.

__________________

(١) الأنفال (٨) : ٣٨.

(٢) أورده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢٠ : ١٠ ؛ والماوردي في الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٣ ؛ وابن كثير في التفسير القرآن العظيم ٢ : ٣٢٠ بلفظ «.. يجبّ ..».

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٥ (باب الزكاة لا تعطى ..) ح ١ ؛ التهذيب ٤ : ٥٤ / ١٤٣.

٤٨٨

ولو انعكس الفرض بأن كان قد صلّى ما هو صحيح عندنا لو كان مؤمناً ، فاسد عنده ، فالظاهر أنّه لا إعادة عليه أيضاً ، بل ربما كان الحكم فيه أولى.

واحتمل بعض (١) الأصحاب هنا الإعادة ؛ لعدم اعتقاده صحّته. ولأنّ الجواب وقع عمّا صلاه في معتقده.

واعلم أنّ هذا الحكم لا يقتضي صحّة عبادة المخالف في نفسها ، بل الحقّ أنّها فاسدة وإن جمعت الشرائط المعتبرة فيها غير الإيمان ، وأنّ الإيمان شرط في صحّة الصلاة ، كما أنّ الإسلام شرط فيها ؛ إذ لو كانت صحيحةً لاستحقّ عليها الثواب ، وهو لا يحصل إلا في الآخرة بالجنّة ، وشرط دخولها عندنا الإيمان إجماعاً. ولأنّ جلّ المخالفين أو كلّهم لا يصلّون بجميع الشرائط المعتبرة عندنا ، وقد وقع الاتّفاق ودلّت النصوص على بطلان الصلاة بالإخلال بشرطٍ أو فعل منافٍ من غير تقييد. وما ذكروه هنا من عدم وجوب الإعادة عليه لو استبصر لا يدلّ على صحّة عبادته في نفسها ، بل إنّما دلّ على عدم وجوب إعادتها ، وأحدهما غير الآخر ، وحينئذٍ فعدم الإعادة تفضّل من الله تعالى ، وإسقاط لما هو واجب استتباعاً للإيمان الطارئ ، كما أسقط عن الكافر ذلك بإسلامه ، فإذا مات المخالف على خلافه ، عذّب عليها ، كما يعذّب الكافر.

فإن قيل : الكافر يسقط عنه قضاء العبادة وإن كان قد تركها ، وهنا إنّما يسقط عنه إعادة ما فَعَله صحيحاً دون ما تركه ، بل يجب عليه قضاؤه إجماعاً ، وذلك يقتضي الصحّة.

قلنا : هذا أيضاً لا يدلّ على الصحّة ، بل إنّما دلّ على عدم المساواة بينهما في الحكم شرعاً ، فلا يدلّ على مطلوبهم.

ولعلّ الموجب للفرق بينهما بذلك أنّ الكافر لا يعتقد وجوب الصلاة ، فليس عنده في تركها جرأة على الله تعالى ، فأسقط ذلك الإسلامُ ، بخلاف المسلم المخالف ، فإنّه يعتقد وجوبها والعقاب على تركها ، فإذا فَعَلها على الوجه المعتبر عنده ، كان ذلك منه كترك الكافر ، بخلاف ما لو تركها ، فإنّه قادم على الجرأة والمعصية لله تعالى على كلّ حال ، فلا يسقط عنه القضاء مع دخوله في عموم «مَنْ فاته فريضة فليقضها كما فاتته» (٢).

__________________

(١) هو الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٣٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٠٦.

٤٨٩

ويؤيّد ذلك حكمهم بعدم إعادة ما صلاه صحيحاً بحسب معتقده وإن كان فاسداً عندنا ، واستشكالهم في عدم إعادة ما فَعَله صحيحاً عندنا مع فساده عنده ، ولو كان السبب هو الصحّة ، كان الجزم بهذا الفرد أولى من عكسه.

وممّا يدلّ على أنّ عبادته ليست صحيحةً وإنّما لحقت الإيمان تبعاً : ما رواه عليّ بن إسماعيل الميثمي عن محمّد بن حكيم قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه كوفيّان كانا زيديّين ، فقالا : جعلنا لك الفداء كُنّا نقول بقول وإنّ الله مَنّ علينا بولايتك ، فهل يُقبل شي‌ء من أعمالنا؟ فقال : «أمّا الصلاة والصوم والحجّ والصدقة فإنّ الله يتبعكما ذلك فيلحق بكما ، وأمّا الزكاة فلا لأنّكما أبعدتما حقّ امرئ مسلم وأعطيتماه غيره» (١) فجعلُ لحوق هذه العبادة لهما بعد الإيمان على وجه الاستتباع للإيمان ، فإذا لم يوجد المتبوع ، زال التابع.

مع أنّ الأخبار متظافرة بعدم صحّة إعمال مَنْ لم يكن من أهل الولاية ، من جملتها : ما رواه الصدوق بإسناده إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام «لو أنّ رجلاً عُمّر ما عُمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل بين الركن والمقام ثمّ لقي الله عزوجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً» (٢).

وقد أفردنا لتحقيق هذه المسألة رسالة مفردة مَنْ أرادها وقف عليها.

وقد تشكّك بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمّن صلّى منهم أو صام ؛ لاختلال الشرائط والأركان ، فكيف تجزئ عن العبادة الصحيحة!؟ (٣) وهذا الإشكال مندفع بالنصّ الدالّ على السقوط ، وإنّما لم يعذروا في الزكاة ؛ لأنّها دَيْن دَفَعه المدين (٤) إلى غير مالكه ، كما أشار إليه في الخبر (٥) ، وليست العلّة هدم الإيمان ما قبله كهدم الإسلام ؛ لأنّه لو كان كذلك ، لم يفترق الحال بين ما فعلوه وما تركوه ، ولا بين الزكاة وغيرها ، كالكافر. ولأنّ الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع ، دون المخالف.

وفي خبر سليمان بن خالد ما يوهم الهدم ؛ لأنّه قال للصادق : إنّي منذ عرفت هذا

__________________

(١) أورده الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٣٢.

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٩ / ٦٨٦.

(٣) كما في الذكرى ٢ : ٤٣٣.

(٤) في «م» : المديون.

(٥) أي خبر محمد بن حكيم ، المتقدّم آنفاً.

٤٩٠

الأمر أُصلّي في كلّ يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي ، فقال عليه‌السلام : «لا تفعل ، فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة» (١).

والإجماع واقع على عدم العمل بظاهره ، فإنّ ما تركه المخالف يجب عليه قضاؤه ، إنّما الكلام فيما يفعله.

وقد أوّله الأصحاب (٢) بأنّ سليمان بن خالد كان يقضي صلاته التي صلاها ، فأسماها فائتة باعتبار إخلاله فيها بما أخلّ به من الشرائط والأركان.

وهذا الحديث يؤيّد ما قلناه من أنّ الصلاة فاسدة ، ولكن لا يجب قضاؤها ، مع أنّ في سند الحديث ضعفاً ، فلا يصلح دليلاً على الهدم.

بقي في المسألة بحث آخر ، وهو : أنّ الأصحاب صرّحوا هنا بأنّ المخالف إنّما يسقط عنه قضاء ما صلاه صحيحاً عنده كما قد بيّنّاه. وتوقّف جماعة منهم فيما صحّ عندنا خاصّة ، وفي باب الحجّ عكسوا الحال ، فشرطوا في عدم إعادة الحجّ أن لا يخلّ بركن عندنا لا عندهم ، وممّن صرّح بالقيدين المتخالفين الشهيد (٣) رحمه‌الله ، وأطلق جماعة منهم عدم إعادة ما صلّوه وفعلوه من الحجّ ، وكذلك النصوص مطلقة ، وإنّما حصل الاختلاف في فتوى جماعة المتأخّرين. والفرق غير واضح.

وأمّا سقوط القضاء عن عادم المطهّر : فلعدم وجوب الأداء ، وتوقّف وجوب القضاء على أمرٍ جديد ولم يثبت ، هكذا استدلّ عليه المصنّف في المختلف (٤).

ومَنْع الأوّل ظاهر ؛ لأنّ القضاء لا يتوقّف على وجوب الأداء ، و (٥) لا ملازمة بين قضاء العبادة وأدائها وجوداً ولا عدماً ، وإنّما يتبع سبب الوجوب ، وهو حاصل هنا. والأمر الجديد حاصل ، وهو قوله عليه‌السلام : «مَنْ فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (٦) ولا يشترط في تسميتها فريضة تعيين (٧) المفروض عليه ، بل هي فريضة في الجملة ، ومن ثَمّ

__________________

(١) أورده الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٣٢.

(٢) منهم : الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٣٣.

(٣) الذكرى ٢ : ٤٣٢.

(٤) مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٨ ٤٥٩ ، المسألة ٣١٩.

(٥) في «ق ، م» : «بل» بدل «و».

(٦) المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٧) في «ق ، م» : تعيّن.

٤٩١

لم ينسبها إلى مفروض عليه في الخبر.

ويدلّ عليه أيضاً قول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أُخرى فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الفائتة كنت من الأُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك» (١) الحديث. ودلالته أوضح من حيث إنّه لم يسمّها فريضةً ، بل علّق الحكم على الصلاة ، خرج من ذلك ما أجمع على عدم قضائه ، فيبقى الباقي.

فإن قيل : قوله : «فذكرتها» يدلّ على أنّ الخبر مخصوص بالناسي أو به وبالنائم ؛ لأنّ فاقد الطهور ذاكر للفريضة قبل دخول وقت الأُخرى ، فيكون هذا الخبر مثل قوله عليه‌السلام : «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها» (٢) ولا نزاع فيه.

قلنا : لا نسلّم أوّلاً اشتراط سبق النسيان حالة الفوات في تحقّق الذكر ، بل يمكن فرضه وإن استمرّ العلم.

سلّمنا ، لكن يتناول ما لو ذهل فاقد الطهور عن الصلاة بعد وجود المطهّر وذكرها في وقت اخرى ، فيجب عليه حينئذٍ قضاؤها ؛ للأمر به في الحديث (٣) ، ومتى ثبت هذا الفرد ثبت غيره ؛ لعدم القائل بالفرق.

سلّمنا ، لكنّ الخبر يتناول الناسي والنائم وغيرهما ، فيعود الذكر إلى مَنْ يمكن تعلّقه به ، وذلك لا يوجب التخصيص به.

ويؤيّد ذلك ما رواه زرارة أيضاً عن الباقر عليه‌السلام فيمن صلّى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام ، قال : «يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلاً أو نهاراً» (٤) فذكر فيه الناسي والذاكر ثمّ علّق الأمر بالقضاء على الذكر.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام «إذا نسي الرجل صلاةً أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص» (٥) الحديث.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٦ ، و ٢٦٨ / ١٠٧٠ ؛ الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٠٤.

(٣) أي حديث زرارة ، المتقدّم آنفاً.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٢ ٢٩٣ / ٣ ؛ التهذيب ٢ : ٢٦٦ / ١٠٥٩ ؛ الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٢ ٢٨٣ / ١٢٨٣ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢٥ / ٥٦٨.

٤٩٢

ووجه الدلالة قوله عليه‌السلام : «صلاها بغير طهور» فإنّه يشمل بإطلاقه القادرَ على تحصيل الطهور والعاجز عنه ، ومتى وجب القضاء على تارك الطهور مع كونه قد صلّى فوجوبه عليه لو لم يصلّ بطريق أولى.

وقد تقدّم البحث عن هذه المسألة في باب التيمّم ، وهذا القدر متمّم لما هناك. وقد ظهر منهما أنّ وجوب القضاء هنا أرجح.

(ويقضي في السفر ما فات في الحضر) من الصلوات (تماماً) اعتباراً بحالة الفوات (و) كذا يقضي (في الحضر ما فات في السفر قصراً) لقول النبيّ : «فليقضها كما فاتته» (١).

وروى زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٢) في رجل فاتته صلاة في السفر فذكرها في الحضر ، قال : «يقضيها كما فاتته ، إن كانت صلاة سفر أدّاها في الحضر مثلها» (٣).

وروى زرارة أيضاً عن الباقر عليه‌السلام إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم فليقض أربعاً مسافراً كان أو مقيماً ، وإن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافراً كان أو مقيماً (٤). (ولو نسي تعيين) الصلاة الواحدة (الفائتة اليوميّة ، صلّى) ثلاث صلوات (ثلاثاً) أي مغرباً معيّنة (وأربعاً) متردّدة بين الظهر والعصر والعشاء (واثنتين) ينوي بهما الصبح ، فيدخل ما في ذمّته من الخمس في الثلاث يقيناً. ولا ترتيب بين الثلاث ؛ لأنّ الفائت واحدة لا غير. ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر والإخفات.

والحكم بالاجتزاء بالثلاث هو المشهور ، ورواه عليّ بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مَنْ نسي صلاة من صلاة يومه ولم يدر أيّ صلاة هي صلّى ركعتين وثلاثاً وأربعاً» (٥).

وخالف في ذلك أبو الصلاح (٦) ، فأوجب قضاء الخمس ؛ لتوقّف الواجب عليها ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٢) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة والذكرى ٢ : ٤٣٥. وفي المصدر مضمراً.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٧ ؛ التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٢ ٢٨٣ / ١٢٨٣ ؛ التهذيب ٣ : ٢٢٥ / ٥٦٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٧ / ٧٧٤.

(٦) الكافي في الفقه : ١٥٠.

٤٩٣

ووجوب الجزم في النيّة.

وجوابه : أنّ الواجب يمكن تأدّيه بالثلاث ، كما مرّ. والتعيين إنّما يجب حيث يمكن ، وهو مفقود هنا ، مع أنّ الجزم لا يتحقّق في النيّة بفعل الخمس أيضاً ؛ إذ يحتمل في كلّ واحدة أن لا تكون هي فيحصل التردّد. وإن أُريد الجزم بفعل العدد المنوي وإن لم يكن هو الفائت في نفس الأمر من باب مقدّمة الواجب ، فذلك حاصل على تقدير الاكتفاء بالثلاث.

ولو كانت الفائتة من صلاة السفر ، اكتفى باثنتين ثنائيّة مطلقة إطلاقاً رباعيّاً ، ومغرباً ؛ لما تقدّم.

وخالف هنا ابن إدريس مع موافقته فيما تقدّم ؛ محتجّاً بحجّة أبي الصلاح. وإنّما وافق في الأوّل ؛ للنصّ والإجماع ، وادّعى أنّ إلحاق هذه بالحاضر قياس (١).

وأُجيب (٢) بمنع القياس ، بل هو إثبات حكم في صورة لثبوته في أُخرى مساوية لها من كلّ وجه ، وذلك يسمّى دلالة التنبيه ومفهوم الموافقة ، كما في تحريم التأفيف وما ساواه أو زاد عليه.

هذا إن استدلّ بالحديث ، وإن استدلّ بالعقل وهو البراءة الأصليّة ، لم يرد ما ذُكر.

مع أنّ الحديث ليس من قسم المتواتر ، بل الآحاد ، وهو لا يعمل به.

والإجماع الذي ادّعاه على الاولى إن أراد به اتّفاق الكلّ ، فهو ممنوع ؛ لما عرفت من مخالفة أبي الصلاح. وإن كان لعدم اعتباره خلافه ؛ لكونه معلوم الأصل والنسب فلا يقدح في الإجماع ، كان دليلنا هنا أيضاً الإجماع ؛ لأنّ المخالف هنا كذلك ، فلا يقدح فيه. ولو فرض أنّه عيّن ، فلا ريب في الصحّة عند القائلين به ، وعلى المشهور يحتمل العدم ؛ لأنّه تعيين ما لا (٣) يعلمه ولا يظنّه ، بخلاف الترديد ، فإنّه مشتمل في الجملة على ما يظنّ ، وبخلاف الصبح والمغرب ؛ لعدم إمكان الإتيان بالواجب من دونهما. وتردّد الشهيد في الذكرى (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٧٤ و ٢٧٥.

(٢) المجيب هو العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٤ ٤٥٥ ، المسألة ٣١٤.

(٣) في الطبعة الحجريّة : «لم» بدل «لا».

(٤) الذكرى ٢ : ٢١٠ ٢١١.

٤٩٤

والظاهر أنّ ذلك مجزئ بطريق أولى ؛ لدخول الواجب فيه ، وكونه أقرب إلى صفة الفائت.

والأصل في ذلك أنّ العدول عن التعيين إلى الترديد هل هو رخصة وتخفيف على المكلّف ، أو هو لمصادفة النيّة أقوى الظنّين؟ فعلى الأوّل يجزي التعيين بطريق أولى ، وعلى الثاني لا يجزئ ، والخبر (١) يحتمل الأمرين. ولو جمع بين الترديد والتعيين ، كان طريقاً إلى البراءة حتماً.

وربما احتمل البطلان به ؛ لعدم استفادته به رخصة ، وعدم انتقاله إلى أقوى الظنّين.

ويندفع بأنّ الذمّة تبرأ بكلّ واحد منهما منفرداً ، أو بأحدهما في الجملة ، على اختلاف القولين (٢) فكذا منضمّاً.

(ولو تعدّدت) الفائتة المجهولة (قضى كذلك) ثلاثاً ثلاثاً أو اثنتين اثنتين (حتى يغلب على ظنّه الوفاء) تحصيلاً للبراءة.

(و) كذا الحكم (لو نسي عدد) الفائتة (المعيّنة ، كرّرها حتى يغلب) على ظنّه (الوفاء).

هذا إذا لم يمكنه تحصيل اليقين ، وإلا وجب ، كما لو علم انحصار العدد المجهول بين حاصرين ، فإنّه يجب قضاء أكثر الأعداد المحتملة ، فلو قال : أعلم أنّي تركت صبحاً مثلاً في بعض الشهر وصلّيتها في عشرة أيّام ، فنهاية المتروك عشرون ، فيجب قضاء عشرين. وكذا لو قال : والمتروك عشرة أيّام يقيناً ؛ لدوران الاحتمال بين فوات عشرة وعشرين وما بينهما.

وللمصنّف هنا وجه بالبناء على الأقلّ ؛ لأنّه المتيقّن. ولأنّ الظاهر أنّ المسلم لا يترك الصلاة (٣).

واعلم أنّ الاكتفاء بغلبة الظنّ في قضاء الفريضة لم نجد به نصّاً على الخصوص ، والظاهر من الجماعة أيضاً أنّه لا نصّ عليه.

نعم ، ورد ذلك في قضاء النوافل الموقّتة :

__________________

(١) أي : خبر عليّ بن أسباط ، المتقدّم في ص ٩٥٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : القول.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٦١ ، المسألة ٦٣ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٣٢٥.

٤٩٥

فروى مرازم قال : سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه‌السلام أنّ عليّ نوافل كثيرة ، فقال : «اقضها» فقلت : لا أُحصيها ، قال : «توخّ» (١).

والتوخّي : التحرّي ، وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظنّ ، قاله الجوهري (٢).

وروى عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال : «يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته ، فيكون قد قضى بقدر ما عليه» (٣).

قال في الذكرى : وبهذين الخبرين احتجّ الشيخ على أنّ مَنْ عليه فرائض لا يعلم كمّيّتها يقضي حتى يغلب الوفاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (٤).

وفيه نظر ؛ لأنّ كون النوافل أدنى مرتبة يوجب سهولة الخطب فيها ، والاكتفاء بالأمر الأسهل ، فلا يلزم منه تعدية الحكم إلى ما هو أقوى وهو الفرائض ، كما لا يخفى ، بل الأمر في ذلك بالعكس ؛ فإنّ الاكتفاء بالظنّ في الفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمّة يقتضي الاكتفاء به في النوافل التي ليست بهذه المثابة بالأولى.

(ولو نسي الكمّيّة والتعيين) بأن فاته صلوات لا يعلم عددها ولا عينها (صلّى أيّاماً متوالية حتى يعلم دخول الواجب في الجملة) التي صلاها ؛ لتوقّف يقين البراءة وتفريغ الذمّة بعد يقين اشتغالها عليه.

(ولو نسي ترتيب الفوائت ، كرّر حتى يحصّله) يقيناً ؛ لتوقّف تحصيل الواجب وهو الترتيب عليه ، فيجب العدد الزائد من باب المقدّمة ، كما يجب تكرار الفرائض في الواحدة المجهولة (فيصلّي الظهر قبل العصر وبعدها ، أو) يصلّي (بالعكس) العصر قبل الظهر وبعدها (لو فاتتا) أي الظهر والعصر من يومين ولم يعلم السابقة ، فتكون زيادة الواحدة طريقاً إلى تحصيل الترتيب يقيناً ؛ لأنّ هنا احتمالين : كون الفائت الظهر ثمّ العصر ، وعكسه ، فإذا حفّ إحداهما بفعل الأُخرى مرّتين ، حصل الترتيب على الاحتمالين.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥١ ٤٥٢ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٢ / ٢٦.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٣١١ ، «ح ر ا».

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٣ ٤٥٤ / ١٣ ؛ الفقيه ١ : ٣٥٩ / ١٥٧٧ ؛ التهذيب ٢ : ١١ / ٢٥.

(٤) الذكرى ٢ : ٤٣٩.

٤٩٦

ولو فاته مغرب من يوم ثالث واشتبه أيضاً ، صلّى تلك الثلاث قبل المغرب وبعدها ، فيحصل الترتيب بسبع فرائض ، وينطبق على جميع الاحتمالات الممكنة ، وهي ستّة : كون الظهر أوّلاً ثمّ العصر ثمّ المغرب وتوسّط المغرب بينهما على هذا الترتيب فيهما وتقدّمها عليهما ، وكون الفائت العصر ثمّ الظهر ثمّ المغرب وتوسّط المغرب بينهما على هذا الوجه وتقدّمها عليهما ، فهذه ستّة احتمالات ، والترتيب حاصل بالسبع على جميعها.

ولو أُضيف إليها عشاء ، صارت الاحتمالات أربعةً وعشرين حاصلة من ضرب أربعة بسبب زيادة الرابعة في الاحتمالات السابقة ، وهي ستّة ، ويحصل الترتيب معها بخمس عشرة فريضة بأن يضاف إلى السبع المتقدّمة عشاء متوسّطة بينها وبين سبعٍ اخرى مثلها.

ولو أُضيف إلى ذلك خامسة كالصبح ، فالاحتمالات مائة وعشرون حاصلة من ضرب خمسة عدد الفرائض في أربعة وعشرين ، ويحصل الترتيب بإحدى وثلاثين فريضة بتوسّط الصبح بين الخمس عشرة متقدّمةً ومتأخّرةً.

ولو أُضيف إليها سادسة ، صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين حاصلة من ضرب عدد الفرائض في الاحتمالات السابقة ، وصحّة الترتيب من ثلاث وستّين فريضة.

ولو كانت الفوائت سبعةً ، صارت الاحتمالات خمسة آلاف وأربعين احتمالاً ، والصحة من مائة وسبع وعشرين فريضة ، وعلى هذا القياس.

والضابط في ذلك أن يكرّر العدد على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات الممكنة في الفرض.

ويمكن حصول الترتيب بوجهٍ أخصر ممّا ذُكر وأسهل ، وهو : أن يصلّي الفوائت المذكورة بأيّ ترتيب أراد ، ويكرّرها كذلك ناقصةً عن عدد آحاد تلك الصلوات بواحدة ثمّ يختم بما بدأ به ، فيصلّي في الفرض الأوّل الظهر والعصر ثمّ الظهر ، أو بالعكس ، وفي الثاني الظهر ثمّ العصر ثمّ المغرب ثمّ يكرّره مرّة أُخرى ثمّ يصلّي الظهر ، وفي هذين لا فرق بين الضابطين من حيث العدد ، وفي الثالث يصلّي الظهر ثمّ العصر ثمّ المغرب ثمّ العشاء ، ويكرّره ثلاث مرّات ، ثمّ يصلّي الظهر ، فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة ، وفي الرابع يصلّي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح أربع مرّات ثمّ يختم بالظهر. وله أن يصلّي أربعة أيّام متوالية ثمّ يختم بالصبح ؛ إذ لا يتعيّن ترتيب خاصّ في هذا الضابط في جميع

٤٩٧

الصور ، وفي الخامس يصلّي خمسة أيّام أيضاً ثمّ يختم بالصبح ، وفي السادس يصلّي ستّة أيّام ويختم بما بدأ به ، وعلى هذا القياس ، فيصحّ الترتيب فيما لو كانت الفوائت سبعةً بإحدى وثلاثين فريضة ، وهو أسهل من الأوّل جدّاً وأنقص عدداً.

وما جزم به المصنّف من وجوب التكرار ليحصل العدد مع النسيان هو أحوط القولين في المسألة.

ووجه وجوبه : تمكّنه من فعل ما وجب عليه كما وجب ، فيجب من باب المقدّمة. ولأنّه لو جهل عين الفريضة ، صلّى اثنتين وثلاثاً وأربعاً أو خمساً كما مرّ. والوجه واحد.

وذهب جماعة منهم الشهيد (١) رحمه‌الله إلى سقوطه مع النسيان ، وهو الظاهر من مذهب المصنّف في التحرير والقواعد (٢) حيث جعل التكرار أحوط.

ووجه السقوط : قوله عليه‌السلام رُفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان (٣) والمراد حكمهما والمؤاخذة عليهما. وقوله عليه‌السلام : «الناس في سعةٍ ممّا لم يعلموا» (٤).

ولأنّ الزائد حرج وعسر ، وهُما منفيّان. وأنّ التكليف مع عدم العلم تكليف بالمحال. وأنّ الترتيب تخمين ؛ إذ لا يتعيّن محلّ الفريضة حال النيّة من الفائتة الأُخرى ، فيؤدّي إلى تزلزل النيّة المأمور بالجزم فيها. ولأصالة البراءة.

وفي هذه الوجوه نظر ؛ فإنّ رفع حكم النسيان والمؤاخذة لا يقتضي رفع ما وجب من باب المقدّمة. وكون الناس في سعةٍ ممّا لم يعلموا لا يقتضي كونهم في سعةٍ ممّا يمكنهم فيه العلم ، وهو هنا كذلك ؛ إذ العلم ممكن على الوجه المتقدّم. وكون بعض الزائد عسراً وحرجاً لا يقتضي سقوط ما لا عسر فيه ، فإنّ الصلاة ثلاث فرائض عن اثنتين أو سبع عن ثلاث ليس فيه عسر ولا حرج ، وقد وجب مثله أو أكثر منه في الفريضة المجهولة العين. والتكليف بالمحال إنّما يتمّ لو لم يحصل العلم ، أمّا معه فلا ، وهو هنا كذلك ، فإنّ التكرار تحصيل للعلم ، بل هو أقوى تحصيلاً له من الصلوات المحصّلة للفريضة المجهولة ، وقد وجب تعدّدها بالنصّ. والتخمين بالمعنى المذكور وهو تزلزل النيّة المأمور بالجزم فيها يندفع بأنّ

__________________

(١) البيان : ٢٥٧ ؛ الذكرى ٢ : ٤٣٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٥١ ؛ قواعد الأحكام ١ : ٤٥.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٤) الكافي ٦ : ٢٩٧ / ٢ ؛ التهذيب ٩ : ٩٩ ١٠٠ / ٤٣٢ نحوه.

٤٩٨

تحصيل الواجب وهو الترتيب لمّا توقّف على الفرائض المتعدّدة كانت كلّ واحدة منها مجزوماً بها في محلّها ؛ لكونها كالمقدّمة للواجب ، فتجب تبعاً له ، ويتعيّن الجزم فيها. وهذا هو الجواب أيضاً عن منع المجتزئ بالثلاث عن الفريضة المجهولة حيث إنّه لا جزم في الرباعيّة.

وبعد ذلك كلّه فالاعتماد على سقوط وجوب التكرار ؛ لاستلزامه الحرج والعسر مع كثرة الفوائت جدّاً قطعاً ، فينتفي الوجوب فيها ، ومتى انتفى في فردٍ وجب نفيه في الجميع ؛ إذ لا قائل بالفرق بين القليل والكثير ، والفارق بينها وبين الفريضة المجهولة هو النصّ على تلك وعدمه هنا ، فيرجع إلى الأدلّة العامّة.

واختلف فتوى الشهيد رحمه‌الله في هذه المسألة ، فأفتى بسقوط التكرار مطلقاً في أكثر فتاويه.

وفي الذكرى استقرب السقوط أيضاً ، لكن أوجب تقديم ما ظنّ سبقه ؛ لأنّه راجح ، فلا يعمل بالمرجوح (١).

وفي الدروس أوجب الصلاة بحسب الظنّ أو الوهم ، فإن انتفيا ، صلّى كيف شاء (٢).

ولا ريب أنّه أحوط ، وأولى منه التكرار.

(و) لو فاته صلوات قصر وتمام كخمس فرائض مثلاً فيها قصر وتمام لا يعلم عينه ، وجب عليه أن (يصلّي مع كلّ رباعيّة صلاة سفر لو نسي ترتيبه) أي ترتيب الفائت ، سواء علم اتّحاد أحدهما أم تعدّده ، فإنّ كلّ رباعيّة تمرّ به يُجوّز فيها القصر والتمام ، فلا يبرأ إلا بهما ، كما لو فاته فريضة واحدة واشتبه هل هي قصر أم تمام ، فإنّه يجب عليه فعلها مرّتين ، كما لو اشتبهت الفائتة بين الصبح والظهر.

هذا إن أوجبنا الترتيب مع النسيان ، وإلا أجزأه فعل الفائت كيف اتّفق.

فلو كان خمس صلوات مثلاً ، وعلم أنّ بعضها فات حضراً وبعضها سفراً ولا يعلم قدر كلّ واحد منهما ولا ترتيبه ، وجب عليه يوم حَضَرٍ وثلاث مقصورات مسافرٍ ، معيّنة عن الظهر والعصر والعشاء.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٤٣٤.

(٢) الدروس ١ : ١٤٥.

٤٩٩

ولو علم أنّ فيها صلاةً مقصورة ، اجتزأ برباعيّتين مطلقتين بين ثلاث وثنائيّة مطلقة إطلاقاً ثلاثيّاً على المقصورات الثلاث مع صبح ومغرب.

ولو علم أنّ فيها مقصورتين ، وجب عليه مع الصبح والمغرب رباعيّة واحدة مطلقة إطلاقاً ثلاثيّاً وثنائيّتان مطلقتان ثلاثيّاً.

وعلى الأوّل لو فاته ظهر وعصر واشتبه حضراً وسفراً ولا يعلم عينها ولا ترتيبها ، وجب عليه ستّ فرائض : ثلاث رباعيّات كما مرّ ، ومع كلّ واحدة مثلها قصراً. ولو كان معهما مغرب ، وجب على ما مرّ سبع ، فيجب هنا ثلاث عشرة بتأخير المغرب عن ثلاث رباعيّات ومثلها ثنائيّات ، وتقديمها على مثل ذلك. ولو كان معها عشاء ، أضاف إلى الخمس عشرة التي منها ثلاث عشرة رباعيّة ثلاث عشرة ثنائيّة أُخرى ، وهكذا.

ولو نسي الترتيب دون العين ، كما لو علم فوات ظهر مقصورة وعصر تماماً وجهل السابق منهما ، وسّط الرباعيّة بين ثنائيّتين ، أو بالعكس. ولو كان معهما مغرب ، قدّم عليها الثلاث وأخّرها عنها ، وهكذا.

وعبارة المصنّف تحتمل إرادة هذا المعنى حيث ذكر نسيان الترتيب ولم يتعرّض لنسيان العين ، لكن لا يناسبه قوله : «صلّى مع كلّ رباعيّة صلاة سفر» كما لا يخفى.

(ويستحبّ قضاء النوافل الموقّتة) بإجماع علمائنا استحباباً مؤكّداً.

وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال : «يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته ، فيكون قد قضى بقدر ما عليه» قلت : فإن ترك ولا يقدر على القضاء من شغله؟ قال : «إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شغله للدنيا وتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلا لقي الله مستخفّاً متهاوناً مضيّعاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

(ولا يتأكّد) استحباب قضاء (فائتة المريض) ) لرواية مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث سأله إنّي مرضت أربعة أشهر لم أُصلّ نافلةً ، قال : «ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٣ ٤٥٤ / ١٣ ؛ الفقيه ١ : ٣٥٩ / ١٥٧٧ ؛ التهذيب ٢ : ١١ ١٢ / ٢٥ ، و ١٩٨ / ٧٧٨.

(٢) في الإرشاد ١ : ٢٧١ : (فائت المرض).

٥٠٠