روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

كالصحيح ، كلّ ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر فيه» (١).

ويحمل على نفي التأكيد ؛ جمعاً بينها وبين ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في مريض ترك النافلة ، فقال : «إن قضاها فهو خير له ، وإن لم يفعل فلا شي‌ء عليه» (٢).

(ويتصدّق عن كلّ ركعتين بمُدّ ، فإن عجز) فعن كلّ أربع ، فإن عجز ، فعن صلاة الليل بمُدّ ، وعن صلاة النهار بمُدّ ، فإن عجز (فعن كلّ يوم) بمُدّ (استحباباً) لو عجز عن القضاء.

ومستند هذا التفصيل رواية عبد الله بن سنان السابقة ، قال فيها بعد ما تقدّم : قلت : فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يصلح أن يتصدّق؟ فسكت مليّاً ثمّ قال : «نعم ، ليتصدّق بصدقة» قلت : ما يتصدّق؟ قال : «بقدر قوته ، وأدنى ذلك مُدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة» قلت : وكم الصلاة التي لها مُدّ؟ فقال : «لكلّ ركعتين من صلاة الليل ، وكلّ ركعتين من صلاة النهار» فقلت : لا يقدر ، فقال : «مدّ لكلّ أربع ركعات» قلت : لا يقدر ، قال : «مُدّ لصلاة الليل ، ومُدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل» (٣).

وما أجمله المصنّف من المراتب غير جيّد ؛ لما قد عرفت من التفصيل في الرواية.

(والكافر الأصلي يجب عليه) في حال كفره (جميع فروع الإسلام) من الصلاة والصيام وغيرهما (لكن لا تصحّ منه) في (حال كفره) وإن أوقعها على الوجه المعتبر في أفعالها وكيفيّاتها غير الإسلام.

(فإن) مات على كفره ، عوقب عليها. وإن (أسلم ، سقطت) عنه تفضّلاً من الله تعالى ؛ للإجماع ، وقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) (٤) الآية. وقوله عليه‌السلام : «الإسلام يجبّ ما قبله» (٥) فعلى هذا يكون الإسلام شرطاً في صحّة عبادته لا في وجوبها.

وخالف في ذلك بعض (٦) العامّة ، فذهب إلى أنّه غير مكلّف بالفروع مطلقاً. وذهب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥١ ٤٥٢ / ٤ ؛ الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٢ / ٢٦ ، و ١٩٩ / ٧٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٢ / ٥ ؛ الفقيه ١ : ٣١٦ / ١٤٣٥ ؛ التهذيب ٣ : ٣٠٦ ٣٠٧ / ٩٤٧.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٦٠ ، الهامش (١).

(٤) الأنفال (٨) : ٣٨.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٤٨ ، الهامش (٢).

(٦) المعتمد ١ : ١٤٠ ؛ العدّة في أُصول الفقه ٢ : ٣٦٠ ؛ المحصول ٢ : ٢٣٧ ٢٣٨.

٥٠١

بعضهم إلى أنّه مكلّف بالنهي دون الأمر (١).

ويدلّ على ما اختاره أصحابنا وجمهورهم : دخولهم تحت الأوامر العامّة ، كقوله تعالى (يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٢) (وَأَنِ اعْبُدُونِي) (٣) وهو خطاب لبني آدم (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٤) و (وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (٥) وكقوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) إلى قوله (مُهاناً) (٦) جعل التعذيب المضاعف جزاءً على الأفعال المذكورة ومن جملتها القتل والزنا. ولأنّه تعالى قد أخبر بأنّه يعاقبهم على تركها ، كقوله (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٧) ولأنّهم يحدّون على الزنا والسرقة فتناولهم النهي فكذا الأمر ، والجامع تمكّنهم من تحصيل ما به يحصل الاحتراز عن المنهيّ عنه وترك المأمور به ، وهُمْ يسلّمون القياس مع الجامع. والمسألة محرّرة في الأُصول.

وكما أنّ الإسلام شرط في صحّة العبادة ، فكذا الإيمان ، فمن مات مخالفاً عُذّب على العبادة ، كما يُعذّب الكافر وإن سقط عنهما القضاء بالإسلام مطلقاً والإيمان إذا كان قد تعبّد صحيحاً عنده ، وقد تقدّم الكلام في المسألة.

واعلم أنّ حكم المصنّف بسقوط الفروع المخاطب بها الكافر مع الإسلام عامّ مخصوص بما خرج وقته من العبادات أو في حكم الخارج ، كما إذا لم يدرك من آخر وقت الصلاة قدر ركعة بعد تحصيل الشرائط المفقودة ، ويخرج من ذلك حقوق الآدميّين ، فإنّ قضاءها من جملة الواجبات وجلّ فروع الإسلام ، وكذلك حكم الحدث ، فإنّه لا يسقط عنه بإسلامه ، والله الموفّق.

__________________

(١) العدّة في أُصول الفقه ٢ : ٣٥٩ و ٣٦٠ ؛ المحصول ٢ : ٢٣٧.

(٢) البقرة (٢) : ٢١.

(٣) يس (٣٦) : ٦١.

(٤) آل عمران (٣) : ٩٧.

(٥) فصلّت (٤١) : ٦ و ٧.

(٦) الفرقان (٢٥) : ٦٨ و ٦٩.

(٧) المدّثر (٧٤) : ٤٢ و ٤٣.

٥٠٢

(المقصد الثاني : في) صلاة (الجماعة)

وفضلها عظيم.

قال الله تعالى (وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ) (١) وأقلّ مراتب الأمر هنا الندب المؤكّد.

وعن النبيّ «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بالفاء والذال المعجمة ، وهو الفرد بسبع وعشرين درجة» (٢) وروى «بخمس وعشرين» (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام «بأربع وعشرين [درجة] (٤) تكون خمسة وعشرين صلاة» (٥).

وعن الباقر عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين : مَنْ سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له (٦). وعن الصادق عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله همّ بإحراق قوم كانوا يصلّون في منازلهم ولا يصلّون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال : يا رسول الله إنّي ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد مَنْ يقودني إلى الجماعة والصلاة معك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «شدّ من منزلك إلى المسجد حبلاً واحضر الجماعة» (٧).

__________________

(١) البقرة (٢) : ٤٣.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٣٠ / ٦١٩ ؛ صحيح مسلم ١ : ٤٥٠ / ٦٥٠ ؛ سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٨٤ / ٤٩٥٦ ؛ مسند أحمد ٢ : ١٧٥ / ٥٣١٠ و ٢٥٧ / ٥٨٨٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢٣٠ / ٦١٩ م ؛ صحيح مسلم ١ : ٤٥٠ / ٢٤٦ ٢٤٨ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٨٥ / ٤٩٦٢ ، مسند أحمد ٣ : ٤٥٦ / ١١١٢٩.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥ / ٨٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٢ / ٥ ؛ التهذيب ٣ : ٢٤ / ٨٤.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٣.

٥٠٣

وعنه عليه‌السلام «أنّ أُناساً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبطؤا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم [نار] فتحرق عليهم بيوتهم» (١).

وعنه عليه‌السلام قال : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفجر فأقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أُناس يسمّيهم بأسمائهم ، فقال : هل حضروا الصلاة؟ فقالوا : لا يا رسول الله ، فقال أغُيّب هُمْ؟ فقالوا : لا ، فقال : أما إنّه ليس من صلاة أشدّ على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ، ولو علموا أيّ فضل فيهما لأتوهما ولو حَبْواً» (٢).

وعنه عليه‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين إلا من علّة ، ولا غيبة إلا لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومَنْ رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه ، وإن رُفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذّره ، ومَنْ لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته» (٣).

وعنه عليه‌السلام «ما من ثلاثة في قرية ولا بَدْو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنّما يأكل الذئب القاصية» (٤).

وعنه عليه‌السلام «ملعون ملعون ملعون ثلاثاً مَنْ رغب عن جماعة المسلمين» (٥).

وروى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد القمّي نزيل الري في كتاب الإمام والمأموم بإسناده المتّصل إلى أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام وأهدى إليك هديّتين ، قلت : وما تلك الهديّتان؟ قال : الوتر ثلاث ركعات ، والصلاة الخمس في جماعة ، قلت : يا جبرئيل وما لأُمّتي في الجماعة؟ قال : يا محمّد إذا كانا اثنين كتب

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥ / ٨٧ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ / ٨٦.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٤١ / ٥٩٦ ؛ الاستبصار ٣ : ١٢ ١٣ / ٣٣.

(٤) سنن أبي داوُد ١ : ١٥٠ / ٥٤٧ ؛ سنن النسائي ٢ : ١٠٦ ١٠٧ ؛ المستدرك للحاكم ١ : ٢١١.

(٥) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٥٠٤

الله لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ستّمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفاً ومائتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستّة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف وستّمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة سبعين ألفاً وألفين وثمانمائة صلاة ، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها مداداً والأشجار أقلاماً والثقلان مع الملائكة كتّاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة ، يا محمد تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة وعمرة وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرّة ، وركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين ، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من مائة عتق رقبة» (١).

والأخبار في هذا الباب كثيرة خصوصاً في الكتاب المومأ إليه ، وإنّما ذكرنا هذه الجملة وخرجنا عن مناسبة الكتاب تحريضاً للجاهلين ، وتنبيهاً للغافلين.

ثمّ الجماعة تنقسم إلى ما عدا المباح من الأحكام الخمسة ، كما هو شأن العبادة (و) ذلك أنّها (تجب في) صلاة (الجمعة والعيدين خاصّة بالشرائط) المتقدّمة المقتضية للوجوب (وتستحبّ في) باقي (الفرائض) حتى المنذورة أداءً وقضاءً (خصوصاً) الفرائض (اليوميّة ، ولا تصحّ في النوافل) لقول النبيّ : «لا جماعة في نافلة» (٢) ولنهي أمير المؤمنين عن الجماعة في نافلة رمضان (٣) ، وقد روي أنّ أهل الكوفة حين نهاهم عن ذلك صاحوا : وا عمراه (٤).

وهذا الحكم عامّ في جميع النوافل (إلا) صلاة (الاستسقاء والعيدين مع عدم الشرائط) المعتبرة في الوجوب ، وقد سبقت ، وفيما يأتي من إعادة الصلاة خلف الإمام.

وألحق أبو الصلاح بها صلاة الغدير ، فجوّز الجماعة فيها (٥). وقوّاه الشهيد رحمه‌الله

__________________

(١) نقله أيضاً عن الروض العلامة المجلسي في البحار ٨٥ : ١٤ ١٥ / ٢٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٦٤ ٦٥ / ٢١٧ ؛ الاستبصار ١ : ٤٦٤ ٤٦٥ / ١٨٠١.

(٣) التهذيب ٣ : ٧٠ / ٢٢٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٧٠ / ٢٢٧.

(٥) الكافي في الفقه : ١٦٠.

٥٠٥

في بعض (١) كتبه. ولم نقف على مأخذه.

(وتنعقد) الجماعة (باثنين فصاعداً) أحدهما : الإمام في غير الجمعة والعيدين ؛ لقوله عليه‌السلام : «الاثنان فما فوقهما جماعة» (٢) وقول الصادق عليه‌السلام حين سئل عن أقلّ ما تكون الجماعة : «رجل وامرأة» (٣).

ويكفي أن يكون أحدهما صبيّ مميّز.

وأمّا ما روي عن النبيّ في حديث الجهني حين سأل النبيّ إنّي أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذّن وأُقيم وأُصلّي بهم أفجماعة نحن؟ قال : «نعم» إلى قوله : إنّهم يتفرّقون فأبقى وحدي فاذّن وأُقيم وأُصلّي وحدي أفجماعة أنا؟ فقال : «نعم ، المؤمن وحده جماعة» (٤) فالمراد به إدراك فضيلة الجماعة لطالبها فلم يجدها ، تفضّلاً من الله تعالى عليه ، ومعاملةً له على قدر نيّته ، فإنّها خير من عمله.

(ويجب) أي يشترط (في الإمام) أُمور :

أحدها (التكليف) فلا تصحّ إمامة الصبي غير المميّز ، ولا المجنون المطبق إجماعاً.

وأمّا الصبيّ المميّز فكذلك عند الأكثر ؛ لنقصه بالصبا وتجويز (٥) إخلاله ببعض الأركان والأبعاض ؛ لعلمه برفع القلم عنه.

ولرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن عليّ «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة مَنْ خلفه» (٦).

وذهب الشيخ (٧) في أحد قوليه وبعض (٨) الأصحاب إلى جواز إمامة المراهق المميّز

__________________

(١) اللمعة الدمشقيّة : ٢٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٢ / ٩٧٢ ؛ سنن الدارقطني ١ : ٢٨٠ / ١ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٩٧ / ٥٠٠٨ ؛ المستدرك للحاكم ٤ : ٣٣٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٥ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦ / ٩١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧١ / ٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦٥ / ٧٤٩.

(٥) في الطبعة الحجرية : «ولجواز» بدل «وتجويز».

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٣ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٣ ٤٢٤ / ١٦٣٢.

(٧) المبسوط ١ : ١٥٤ ؛ الخلاف ١ : ٥٥٣ ، المسألة ٢٩٥.

(٨) في هامش «م» : هو الجعفي. ونقله عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٣٨٥.

٥٠٦

العاقل في الفرائض ؛ لقوله عليه‌السلام : «مُروهم بالصلاة لسبع» (١) فإنّه يدلّ على أنّ صلاتهم شرعيّة.

ولرواية طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن عليّ قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ» (٢).

وروى العامّة عن عمرو بن أبي سلمة (٣) أنّه أمّ قومه وهو ابن سبع سنين أو ثمان (٤).

وأُجيب (٥) بضعف الاولى بطلحة بن زيد ؛ فإنّه بتريّ ، والثانية عاميّة ، فالعمل برواية المنع أولى ؛ لأنّه المتيقّن وإن كان في سندها كلام أيضاً.

وإنّما نمنع إمامته بالبالغ ، أمّا بمثله فتجوز ؛ لتساويهم في المرتبة.

وهل تجوز إمامته بالبالغين في النافلة التي تجوز الجماعة فيها؟ استقربه في الذكرى ؛ لانعقادها منه وصحّتها (٦).

وليس بواضح ؛ لإطلاق النهي ، ومعارضته بصحّة الفريضة أيضاً منه ، وانعقادها وجواز اقتداء المفترض بالمتنفّل.

واحترزنا في المجنون بالمطبق عمّن يعتوره الجنون أدواراً ، فإنّ إمامته في حال الإفاقة الموثوق بها جائزة وإن كانت مكروهةً ؛ لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة ، وإمكان عروض الاحتلام له حالة الجنون ، بل روي أنّه يستحبّ له الغسل لذلك (٧).

ولو عرض له الجنون في الأثناء ، بطلت صلاته ، وانفرد المأموم.

(و) ثانيها (الإيمان) وهو هنا أخصّ من الإسلام فيندرج فيه ، فلا تجوز إمامة غير الإمامي من المبتدعة ، سواء أظهر بدعته أم لا ؛ لأنّه ظالم فاجر وقد قال تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) (٨) والاقتداء به ركون إليه.

__________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٢٣١ / ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩ ٣٠ / ١٠٤ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٤ / ١٦٣٣.

(٣) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة وكذا في الذكرى ٤ : ٣٨٦ ، وفي المصادر : عمرو بن سلمة.

(٤) سنن أبي داوُد ١ : ١٥٩ ١٦٠ / ٥٨٥ ؛ سنن النسائي ٢ : ٨٠ ٨١ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١٢٩ ١٣٠ / ٥١٣٧.

(٥) المجيب هو الشهيد في الذكرى ٤ : ٣٨٦.

(٦) الذكرى ٤ : ٣٨٦.

(٧) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٨) هود (١١) : ١١٣.

٥٠٧

وقال النبيّ لا يؤمنّ فاجر مؤمناً (١). وسُئل الباقر عليه‌السلام عن رجل يحبّ أمير المؤمنين ولا يتبرّأ من عدوّه ، فقال هذا مخلط وهو عدوّ لا تصلّ خلفه إلا أن تتّقيه

(٢). (و) ثالثها (العدالة) وهي معتبرة إجماعاً ؛ لما سلف من الآية والخبر (٣).

وروى الحسن بن راشد عن الباقر عليه‌السلام «لا تصلّ إلا خلف مَنْ تثق بدينه وأمانته» (٤).

وقيل للرضا في رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أأُصلّي خلفه؟ قال : «لا» (٥).

وقد تقدّم تعريفها مع الإيمان في باب الجمعة.

وتُعرف بالعشرة الباطنة المطّلعة على الحال ، وشهادة عدلين بها ، أو اشتهارها. وفي الاكتفاء بصلاة عدلين خلفه نظر : من دلالته على التزكية وإمكان صدورها ظاهراً لغرض من الأغراض وعدم الاعتماد عليها.

والأجود أنّه إن تحقّق الاقتداء به بحيث اعتدّ المصلّي بتلك الصلاة بأن لازَمَه في مجموع الوقت فلم يجده صلاها مرّة أُخرى وعلم منه أيضاً عدم القراءة خلف الإمام. وبالجملة ، تحقّق منه الاعتماد عليه والاقتداء به ، كان تزكيةً ، وإلا فلا ؛ لكثرة وقوع ذلك ظاهراً مع عدم الاعتماد عليه.

واكتفى بعض (٦) الأصحاب في العدالة بالتعويل على حسن الظاهر وإن لم تحصل العشرة الباطنة ، وآخرون (٧) على الإيمان إلى أن يُعلم الفسق. وهُما نادران.

ولا اعتبار بظهور العدالة مع اطّلاع المأموم على الفسق ، بل لكلّ أحد في ذلك حكم نفسه.

ولا يقدح فيها مخالفة الإمام للمأموم في الفروع الشرعيّة إذا لم تخرق الإجماع.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٢٤٤ / ٥٥٧٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨ / ٩٧.

(٣) تقدّما في الأمر الثاني.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٠.

(٦) كما في الذكرى ٤ : ٣٩١ ٣٩٢.

(٧) منهم ابن الجنيد كما نقله عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٥١٣ ، المسألة ٣٧٢.

٥٠٨

نعم ، لو ترك شرطاً أو واجباً يعتقده المأموم كالمخالفة في القبلة ووجوب السورة وإن قرأها على وجه الاستحباب ، لم يجز الاقتداء به وإن لم يكن ذلك قادحاً فيها.

وكذا لو صلّى فيما يعتقد المأموم المنع من الصلاة فيه.

(و) رابعها (طهارة المولد) بمعنى عدم الحكم ولو من المأموم بكونه ولد زنا ، فلا تجوز إمامته وإن كان بمثله ؛ لقول الباقر عليه‌السلام في رواية زرارة : «لا تقبل شهادة ولد الزنا ، ولا يؤمّ الناس» (١) وقولهمُ : «إنّه شرّ الثلاثة» (٢).

ولا يلحق به ولد الشبهة ، ولا مَنْ تناله الألسن مع حكم الشارع بلحوقه بأب ؛ لأصالة سلامة النسب.

(و) خامسها : أن لا يشتمل على نقص بالإضافة إلى المأموم ، وهو شرط خاصّ لا يمنع من مطلق الإمامة ، فيشترط (أن لا يكون) الإمام (قاعداً) وهو يؤمّ (بقيّام) وكذا مَنْ يتّصف بباقي المراتب بأعلى منه مرتبةً ؛ لقول النبيّ : «لا يَؤُمّنّ أحد بعدي جالساً» (٣) وقول عليّ : «لا يؤمّ المقيّد المطلقين» (٤).

ولأنّ القيام ركن ، فلا تصحّ إمامة العاجز عنه بالقادر عليه ، كغيره من الأركان.

ولو عرض العجز عنه في أثناء الصلاة ، انفرد المأمومون إن لم يمكنهم استخلاف بعضهم ، ولا يجوز لهم الإتمام خلفه ، كما لا يجوز ابتداءً.

ويجوز للعاجز إمامة مساويه إجماعاً لا الأعلى وإن كان بجزء من القيام مع اشتراكهما في الانحناء.

وهل تجوز إمامة المفتقر في القيام إلى الاعتماد بمَنْ لا يفتقر إليه؟ نظر : من اشتراكهما في وصف القيام ، ونقص مرتبة الإمام.

واستقرب المصنّف في النهاية (٥) الجواز. وعدمه أوضح.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ٨ ؛ التهذيب ٦ : ٢٤٤ ٢٤٥ / ٦١٤.

(٢) سنن أبي داوُد ٤ : ٢٩ / ٣٩٦٣ ؛ سنن البيهقي ١٠ : ٩٩ / ١٩٩٨٧ ؛ المستدرك للحاكم ٤ : ١٠٠ ؛ مسند أحمد ٢ : ٥٩٨ / ٨٠٣٧.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٣٩٨ / ٦ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١١٤ / ٥٠٧٥ ؛ الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ؛ التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ١٤٦.

٥٠٩

(و) يشترط أيضاً أن (لا) يكون الإمام (أُمّيّا) إذا كان يؤمّ (بقارئ).

والمراد بالأُمّي هنا مَنْ لا يحسن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما.

واحترز بالقارئ عمّا لو أَمّ بمثله ، فإنّه جائز مع تساويهما في كيفيّة الأُمّيّة وعجزهما عن التعلّم ، وعن الايتمام بقارئ أو أقلّ منهما لحناً ، فلو أحسن أحدهما بعض الفاتحة والآخر بعضاً آخر ، لم يجز لأحدهما الائتمام بالآخر ، أمّا لو أحسن أحدهما الفاتحة أو بعضها والآخر السورة أو بعضها ، جاز ائتمام الثاني بالأوّل دون العكس ؛ للإجماع على وجوب الفاتحة في الصلاة ، بخلاف السورة.

ولو ائتمّ جاهل الفاتحة مع علمه بالسورة بعكسه ثمّ تعاكسا في الإمامة عند الفراغ من قراءة الفاتحة وهكذا في الركعة الثانية ، بني على جواز نقل النيّة من الانفراد إلى الجماعة ، فإن جوّزناه ، احتمل هنا الجواز.

والأخرس في معنى الأُمّي ، فيجوز أن يؤمّ مثله دون الناطق وإن كان أُمّيّا.

ولو اشترك الامّيّان في الكيفيّة وقدر المأموم على التعلّم ، لم يجز له الائتمام.

(و) كذا (لا تجوز إمامة اللاحن) في قراءته ، سواء غيّر لحنه المعنى كضمّ تاء «أنعمت» أم لم يغيّر كفتح دال «الحمد».

(و) كذا لا تجوز إمامة (المبدّل) حرفاً بغيره (بالمتقن) لقراءته الخالي عن اللحن والتبديل.

وتجوز إمامته لمثله مع اتّفاق موضع اللحن والحرف المؤوف إذا عجزا عن التعلّم أو ضاق الوقت. ولو عجز اللاحن عن التعلّم أو ضاق الوقت عليه وقدر على الائتمام ، وجب عليه ؛ لقدرته على فعل الصلاة تامّةً. ولو عجز الإمام خاصّةً ، صحّت صلاته لا غير.

ولو اختلف الموضع ، لم يصحّ مطلقاً.

وأطلق الشيخ كراهة إمامة مَنْ يلحن في قراءته ، أحال المعنى أم لم يحل في الحمد والسورة إذا تعذّر عليه الإصلاح (١).

ويفهم من ابن إدريس اختصاص المنع بمن يحيل المعنى (٢).

والمبدّل هو الألثغ بالثاء المثلّثة ، وهو الذي يبدّل حرفاً بغيره ، كأن يجعل الراء غيناً أو

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٣.

(٢) السرائر ١ : ٢٨١.

٥١٠

لاماً ، والسين ثاءً والحاء هاءً ، ونحوه. وفي معناه الأرتّ. وربّما خصّ الألثغ بمن يجعل الراء لاماً ، والأرتّ بمن يلحقه في أوّل كلامه رتج فيتعذّر عليه ، فإذا تكلّم انطلق لسانه ، فعلى هذا تجوز إمامته مطلقاً ؛ لعدم المانع.

وفي حكم الألثغ الأليغ بالياء المثنّاة من تحت بنقطتين ، وهو الذي لا يبيّن الكلام. والتمتام والفأفاء ، وهو الذي لا يحسن تأدية التاء والفاء. وربما فُسّرا بمن يكرّر التاء والفاء بمعنى أنّه لا يتيسّر لهما الحرفان إلا بترديدهما مرّتين فصاعداً. وعلى هذا لا مانع من إمامتهما ؛ لأنّ ذلك زيادة غير مخرجة عن صحّة الصلاة. نعم ، يكره للمتقن الائتمام بهما.

وفي حكمهما مَنْ لثغته خفيفة لا تبلغ إخراج الحرف عن حقيقته وإن نقص عن كماله.

(و) كذا (لا) يجوز أن تؤمّ (المرأة برجل) إجماعاً ، ولقوله عليه‌السلام : «لا تؤمّ امرأة رجلاً» (١) (و) كذا (لا) تؤمّ (خنثى) مشكلاً ؛ لعدم العلم بانوثيّته.

(ولا) يجوز أن يؤمّ (خنثى بمثله) لجواز اختلافهما في الذكوريّة والأُنوثيّة وكون الإمام هو الأُنثى. ويُعلم من ذلك أنّ الخنثى لا تؤمّ رجلاً بطريق أولى. والحاصل أنّ الخنثى في حقّ الرجل كالأُنثى ، وفي حقّ الأُنثى كالرجل.

(وصاحب المنزل) في منزله (و) صاحب (المسجد) وهو الإمام الراتب فيه (و) صاحب (الإمارة) من قِبَل العادل في إمارته (والهاشمي مع) اجتماع (الشرائط) المعتبرة في الإمام في الأربعة (وإمام الأصل) مع حضوره جماعة (أولى) بالإمامة من غيرهم لو اجتمعوا مع مَنْ تصحّ إمامته ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يؤمّنّ الرجلُ الرجلَ في بيته ولا في سلطانه» (٢) وقوله عليه‌السلام : «مَنْ زار قوماً فلا يؤمّهم» (٣) وهو شامل للمسجد وغيره. ولأنّ تقديم غيرهم ربما أورث وحشةً وتنافراً.

وأولويّة الهاشمي مشهورة بين المتأخّرين ، وأكثر المتقدّمين لم يذكروه.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٢٤٤ / ٥٥٧٠ ؛ مسند أبي يعلى ٣ : ٣٨١ ٣٨٢ / ١٨٥٦.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٣ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ١٥٩ / ٥٨٢ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١٧٩ / ٥٣٢١.

(٣) سنن أبي داوُد ١ : ١٦٢ ١٦٣ / ٥٩٦ ؛ سنن الترمذي ٢ : ١٨٧ / ٣٥٦ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١٨٠١٧٩ / ٥٣٢٤ ؛ المعجم الكبير للطبراني ١٩ : ٢٨٦ / ٦٣٢.

٥١١

قال في الذكرى : ولم نره مذكوراً في الأخبار إلا ما روي مرسلاً أو مسنداً بطريقٍ غير معلوم من قول النبيّ : «قدّموا قريشاً ولا تقدّموها» (١) وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى. نعم ، هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدلّ عليه. نعم ، فيه إكرام للنبيّ ؛ إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويّته (٢).

وأولويّة الإمام الأعظم ظاهرة ، وأولويّة الجميع في الجملة واضحة ، لكن لا إشعار في العبارة بحكمهم عند الاجتماع. وتنقيحه يتمّ بمباحث :

أ ـ إمام الأصل أولى من غيره مطلقاً مع حضوره ، ولا يجوز لغيره التقدّم عليه ؛ لأنّ له الرئاسةَ العامّة. ولقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣) وهو حاكم على صاحب البيت وغيره ، وقد أمّ النبيّ عتبان (٤) بن مالك وأنساً في بيوتهما (٥). ولو لم يحضر واستناب أحداً ، كان النائب أولى من غيره ؛ لترجّحه بتعيين الإمام ، فإنّه لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي ، وعلى التقديرين الترجيح حاصل. وهو أولى من صاحب المنزل والمسجد والإمارة.

ب ـ أحد الثلاثة الأُول مع عدم حضور الإمام أو نائبه أولى من غيرهم وإن كان أفضل منهم إذا كانوا بشرائط الإمام ، بل قال المصنّف في صاحب المنزل : إنّه لا نعلم فيه خلافاً (٦).

ولو اجتمع صاحب المنزل أو المسجد مع صاحب الإمارة ، كانا أولى منه.

ج ـ على تقدير أولويّة الهاشمي فالثلاثة أولى منه.

وهل هو بعدهم بغير فصل؟ أطلق الشيخ في المبسوط (٧).

__________________

(١) معرفة السنن والآثار ١ : ١٥٤ / ٢١٧ ، و ٤ : ٢١١ / ٥٩٠٧ و ٥٩١٢ ؛ كنز العمّال ١٢ : ٢٢ / ٣٣٧٨٩ ٣٣٧٩١.

(٢) الذكرى ٤ : ٤١٣ ٤١٤.

(٣) النساء (٤) : ٥٩.

(٤) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : غسان. والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٤٩ ١٥٠ / ٣٧٣ ، و ١٦٤ / ٤١٥ ؛ صحيح مسلم ١ : ٤٥٥ / ٢٦٣ ، و ٤٥٧ / ٢٦٦ ٢٦٨ ؛ سنن النسائي ٢ : ٨٦ و ١٠٥ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١٣٦ / ٥١٥٧ و ٥١٥٨ ؛ المعجم الكبير للطبراني ١٨ : ٢٥ / ٤٣ ؛ مسند أبي عوانة ١ : ٤٠٨ / ١٥٠٦ ؛ مسند أحمد ٣ : ٦١٧ / ١٢٠٩٨ ، و ٤ : ٨٥ / ١٢٨٥٧.

(٦) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣١١ ، المسألة ٥٨٦.

(٧) المبسوط ١ : ١٥٤.

٥١٢

وجَعَله بعض (١) الأصحاب بعد الأفقه الذي هو متأخّر عن الأقرأ ، واختاره في الدروس (٢) ، وهو أجود.

د ـ أولويّة الثلاثة المتقدّمة ليست مستندةً إلى فضيلة ذاتيّة ، بل هي إلى السياسة الأدبيّة أقرب ، فلو أذنوا لغيرهم ، انتفت الكراهة ، وصار المأذون أولى من غيره وإن كان أكمل منه.

وهل الأولى لهم الإذن للأكمل أو مباشرة الإمامة؟ تردّد في الذكرى ؛ لعدم النصّ (٣). فإن قيل بالثاني فالأفضل للمأذون له ردّ الإذن ليستقرّ الحقّ على أصله.

ولو قيل باستحباب الإذن للأفضل ، كان وجهاً ؛ اقتصاراً في مخالفة الأصل وعموم أدلّة الأفضل على المتيقّن ، وهو ما لو لم يأذن.

هـ ـ أولويّة الراتب لا تتوقّف على حضوره ، فلو تأخّر عن الحضور أو سألوه ليحضر أو يستنيب ، فإن تأخّر الجواب ؛ لبُعْد المنزل أو غيره وخِيف فوت وقت الفضيلة ، قدّم المصلّون مَنْ يختارونه ، ومع الاختلاف تأتي المراتب.

وهل الحكم في أخويه كذلك؟ يحتمله ؛ للمساواة في العلّة.

ولو حضر بعد أن شرعوا في الصلاة ، لم يجز القطع ، ودخل معهم. ولو حضر بعد صلاتهم ، استحبّ إعادتها معه ؛ لما فيه من اتّفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرّتين في الصلاة ، وسيأتي إن شاء الله جوازه.

و ـ لا فرق في صاحب المنزل بين المالك لعينه أو لمنفعته ، كالمستأجر والموصى له بمنفعته أو الموقوف عليه على القول بعدم انتقال الملك إليه ، والمستعير ؛ لصدق اسم المنزل في الجميع. ولأنّ الإضافة تصدق بأدنى ملابسة.

ولو اجتمع مالك رقبة الدار ومالك منفعتها ملكاً تامّاً كالمستأجر ، فما لك المنفعة أولى.

وأمّا المستعير فالظاهر أنّ المالك أولى منه ؛ لأنّ تسلّطه ليس بتامّ ؛ لجواز إخراج المالك له

__________________

(١) السيّد ابن زهرة في الغنية : ٨٨.

(٢) الدروس ١ : ٢١٩.

(٣) الذكرى ٤ : ٤١٢.

٥١٣

متى شاء ، والإضافة وإن أمكنت بالنسبة إليه لكنّها في المالك أقوى.

والمكاتب مطلقاً مالك ، فيقدّم على المولى.

وفي العبد لو قلنا بملكه نظر ، وهو أولى من غير السيّد قطعاً.

ولو لم يكن الإمام الأعظم ولا نائبه ولا أحد الثلاثة ، رجع في تعيين الإمام إلى المأمومين ، فمن اتّفقوا عليه فهو أولى وإن كان مفضولاً ، فيكره لغيره التقدّم ، فإن اختلفوا ، قال المصنّف في التذكرة : يقدّم اختيار الأكثر (١).

وأطلق الأصحاب طلب الترجيح مع الاختلاف.

وعلى كلّ حال ليس للمأمومين أن يقتسموا ويصلّي كلّ قوم خلف مَنْ يختارونه ؛ لما فيه من الاختلاف المثير للإحن (٢).

(و) الحكم حينئذٍ أن (يقدّم الأقرأ مع التشاحّ) بين المأمومين على المشهور ؛ لقول النبيّ : «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا بالسنّة سواءً فأقدمهم هجرةً ، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سنّاً» (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام أنّ النبيّ قال : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن (٤). وذهب بعض (٥) الأصحاب إلى تقديم الأفقه ؛ لأهمّيّة الحاجة إليه ، وتوقّف القراءة عليه ، ولأنّ (٦) القراءة محصورة والفقه غير محصور ، وقد قال النبيّ : «مَنْ صلّى بقوم وفيهم مَنْ هو أعلم منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة» (٧).

وحُمل الخبر على أنّ القراءة في الصدر الأول كانت مستلزمةً للفقه ؛ لأنّهم كانوا إذا تعلّموا شيئاً من القرآن تعلّموا أحكامه.

قال ابن مسعود : كُنّا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها فكان

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٠٦ ، المسألة ٥٨١.

(٢) الإحْنة : الحقد. والجمع : إِحَن. لسان العرب ١٣ : ٩.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٣ ؛ سنن الترمذي ١ : ٤٥٨ ٤٥٩ / ٢٣٥ ؛ سنن النسائي ٢ : ٧٦ ؛ سنن البيهقي ٣ : ١٦٩ / ٥٢٨٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ؛ التهذيب ٣ : ٣١ ٣٢ / ١١٣.

(٥) كما في تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٠٦ ، المسألة ٥٨١ ؛ والذكرى ٤ : ٤١٤.

(٦) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «وبأنّ». والظاهر ما أثبتناه.

(٧) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٢.

٥١٤

أقرؤهم أفقههم (١).

ويجاب بأنّ حكمهُ ليس مختصّاً بالصحابة ، والعبرة بعموم اللفظ ، والمفروض علم القارئ بأحكام الصلاة ليصحّ الاقتداء به ، وما زاد عليه لا تتوقّف عليه القراءة.

والمراد بالأقرإ الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة ومعرفةً لمحاسنها المدوّنة في علمها وإن كان أقلّ حفظاً.

فإن تساووا في ذلك (٢) ، قدّم الأكثر حفظاً ، فإن تساووا في جميع ذلك (فالأفقه) في أحكام الصلاة ، فإن تساووا فيها ، فالأفقه في غيرها ؛ لعموم الخبر السالف (٣).

ولم يعتبر في الذكرى الترجيح بالزائد ؛ لعدم تعلّقه بالصلاة (٤).

ويندفع مع ما سلف بأنّ المرجّحات لا تختصّ بالصلاة ، بل منها ما يتعلّق بها ، كالقراءة ، ومنها ما هو كمال في نفسه يوجب التقديم ، كالهجرة والسنّ والصباحة ، فليكن الفقه كذلك ، بل هو أدخل وأولى في باب الصلاة ؛ لما مرّ من أفضليّة الصلاة خلف العالم.

وهذا الترتيب هو المشهور.

وذهب بعض أصحابنا إلى تقديم الأسنّ على الأفقه ، ونقله المصنّف عن المرتضى (٥) ، ونقل عنه في الذكرى تأخّر الأسنّ عن الأفقه (٦).

فإن تساووا في الفقه والقراءة (فالأقدم هجرةً) من دار الحرب إلى دار الإسلام. قال المصنّف : أو يكون من أولاد مَنْ تقدّمت هجرته (٧). وقد تقدّم في الصلاة على الميّت تمام البحث عنها.

فإن تساووا في الهجرة أو انتفت عنهما (فالأسنّ) في الإسلام لا مطلقاً ، فلو كان أحدهما ابن خمسين كلّها في الإسلام والآخر ابن سبعين لكن إسلامه أقلّ من خمسين ،

__________________

(١) نقله عنه العلامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٠٧ ، ذيل المسألة ٥٨١ ؛ وفي المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨ إلى قوله : ونهيها.

(٢) في الطبعة الحجريّة : في جميع ذلك.

(٣) في ص ٩٧٤.

(٤) الذكرى ٤ : ٤١٦.

(٥) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٠٨ ، المسألة ٥٨٢.

(٦) الذكرى ٤ : ٤١٦.

(٧) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٠٨ ، المسألة ٥٨٣.

٥١٥

فالأوّل أسنّ ، كذا قيّده الشيخ (١) ، وتبعه الجماعة. والخبر مطلق.

فإن تساووا في جميع ذلك (فالأصبح) ذكره أكثر الأصحاب (٢) ، ونقله المرتضى روايةً (٣). وعلّلوه بدلالته على مزيد عناية الله به.

ونفاه المحقّق في المعتبر ؛ إذ لا مدخل له في شرف الرجال (٤).

والمراد به صباحة الوجه ؛ لما ذكر في التعليل من مزيد العناية.

وربّما فُسّر بحسن الذكر بين الناس ؛ لدلالته أيضاً على حسن الحال عند الله تعالى.

وقد روي «أنّ الله إذا أحبّ عبداً جعل له صيتاً حسناً بين الناس» (٥) وفي كلام عليّ «وإنّما يستدلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسن عباده» (٦).

فإن تساووا في جميع ذلك أو اشتركوا في فقد بعضه كالهجرة ، فهل يقدّم الأتقى والأورع؟ قيل (٧) : نعم ، واختاره المصنّف في التذكرة ؛ لأنّه أشرف في الدين وأكرم على الله (٨) ؛ لقوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٩) بل قوّى تقديمه على الأشرف ؛ لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا (١٠). وحينئذٍ يمكن اعتبار ذلك في كلّ مرتبة.

وممّا يرجّح اعتباره في الجملة أنّ الصباحة قدّم بها ؛ لكونها من علاماتها ، فأولى أن يترجّح بذاتها.

والمراد بالأورع الأقوى التزاماً واتّصافاً بصفة الورع ، وهو العفّة وحسن السيرة ، وهو مرتبة وراء العدالة تبعث على ترك المكروهات والتجنّب عن الشبهات والرخص.

ويؤيّد اعتبارها في المراتب أنّ العدالة المعتبرة في الإمام تقبل الشدّة والضعف ، فكما

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٢) منهم : ابنا بابويه كما في الفقيه ١ : ٢٤٧ ؛ والمقنع : ١١٢ ؛ والشيخ الطوسي في النهاية : ١١١ ؛ والمبسوط ١ : ١٥٧ ؛ وسلار في المراسم : ٨٧ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٨١ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٥.

(٣) جُمل العلم والعمل : ٧٥ ، وكذا نقله عن مصباح السيّد ، المحقّقُ الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٤٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٤٠.

(٥) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٦) نهج البلاغة بشرح محمد عبده : ٦٠٠ من عهده إلى الأشتر النخعي.

(٧) القائل هو الشهيد في الذكرى ٤ : ٤١٩.

(٨) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣١٠ ، المسألة ٥٨٥.

(٩) الحجرات (٤٩) : ١٣.

(١٠) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣١١ ، المسألة ٥٨٥.

٥١٦

يقدّم الأكثر فقهاً والأكثر قرآناً وغيرهما ، فكذا الأشدّ عدالةً ، وحيث كانت العدالة معتبرةً في جميع المراتب كانت زيادتها مرجّحةً في الجميع. ولأنّ الإمامة سفارة بين الله تعالى وبين الخلق ، فأولاهم بها أكرمهم على الله ، وكلّما كان الورع أتمّ كان تحقّق العدالة أشدّ.

ووجه عدم اعتبار ذلك : عدم ذكر الأخبار والأصحاب له.

ولو استووا في جميع ذلك أو فيما أمكن منه ، أُقرع بينهم ، كما اختاره المصنّف في غير هذا الكتاب ؛ معلّلاً بالقرعة في الأذان في عهد الصحابة ، فالإمامة أولى (١).

ويمكن تعليله بالأخبار العامّة في القرعة.

وربما قيل بترجّح العربي على العجمي ، والقرشي على باقي العرب ، والمنتسب إلى الأب راجح بعلم أو تقوى أو صلاح ، ومن ثَمَّ يرجّح أولاد المهاجرين على غيرهم بشرف آبائهم. ونفى عنه في الذكرى (٢) البأس.

(ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء) في النوافل (٣) التي يجمع فيها إجماعاً ، وفي الفرائض على المشهور ؛ لأنّ النبيّ أمر أُمّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل أن تؤمّ أهل دارها ، وكان النبيّ يزورها ، وجَعَل لها مؤذّناً (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام «لا بأس بإمامة المرأة النساء» (٥).

وروى عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة أو بالتكبير؟ فقال : «بقدر ما تُسمع» (٦).

وذهب جماعة (٧) من الأصحاب منهم المصنّف في المختلف (٨) ـ إلى منع إمامتها في الفريضة ؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «تؤمّ المرأة النساء في النافلة ، ولا تؤمّهنّ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣١١ ، المسألة ٥٨٥.

(٢) الذكرى ٤ : ٤٢٠ ٤٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : النافلة.

(٤) سنن أبي داوُد ١ : ١٦١ ١٦٢ / ٥٩٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١١ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٦٠.

(٧) منهم : ابن الجنيد كما نقله عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٨٦ ، المسألة ٣٤٤ ؛ والسيّد المرتضى كما نقله عنه ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٨١ ؛ والجعفي كما نقله عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٣٧٧.

(٨) مختلف الشيعة ٢ : ٤٨٧ ، المسألة ٣٤٤.

٥١٧

في الفريضة» (١).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام في المرأة تؤمّ النساء «لا ، إلا على الميّت» (٢).

ومثلها أخبار أُخرى صحيحة ، وحُملت على نفي الاستحباب المؤكّد ، لا على مطلق الاستحباب ؛ توفيقاً بينها وبين ما تقدّم.

وفي المعتبر حمل أخبار المنع على الندور (٣). والعمل على المشهور ، بل ادّعى المصنّف في التذكرة (٤) عليه الإجماع.

(ويستنيب المأمومون لو مات الإمام أو أُغمي عليه) مَنْ يكمل بهم الصلاة ؛ لرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في رجل أمّ قوماً بركعة ثمّ مات ، قال : «يقدّمون رجلاً آخر ، ويعتدّون بالركعة» (٥).

ولو عرض للإمام مانع عن الإكمال مع بقاء رشده كالحدث ، استخلف هو مَنْ يتمّ بهم ؛ لما روي عن عليّ «مَنْ وجد أذى فليأخذ بيد رجل فليقدّمه» (٦).

وحقّ الاستخلاف هنا للإمام ، فلو لم يفعل ، استناب المأمومون ؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (٧).

وليس الاستخلاف شرطاً في الجماعة ، فلو تقدّم أحدهم واقتدى به الباقون أو بعضهم ، صحّ. وكذا لو نووا الاقتداء بمعيّن وإن لم يعلموه. ولا فرق بين كونه مأموماً مثلهم أو منفرداً ، لكن تكره استنابة مَنْ بقي من صلاته أقلّ منهم أو أكثر حذراً من الإبهام ، كما في اقتداء الحاضر بالمسافر ، وبالعكس.

ومتى كانت الاستنابة من المأمومين ، تعيّن عليهم نيّة الاقتداء بالقلب من دون تلفّظ ، وهي بسيطة لا يشترط فيها غير القصد إلى الائتمام بالمعيّن.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٨ / ٧٦٥ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٧ / ١٦٤٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٩ / ١١٧٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢٠٦ / ٤٨٨ ، و ٢٦٨ / ٧٦٦ ، و ٣٢٦ / ١٠١٩ ، و ٣٣١ ٣٣٢ / ١٠٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ / ١٦٤٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٢٧.

(٤) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٣٦ ، المسألة ٥٣٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٣ / ٩ ؛ الفقيه ١ : ٢٦٢ / ١١٩٧ ؛ التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١١ ؛ التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣١ ؛ الاستبصار ١ : ٤٠٤ / ١٩٤٠.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦٢ / ١١٩٦ ؛ التهذيب ٣ : ٢٨٣ ٢٨٤ / ٨٤٣.

٥١٨

وإن كان المستخلف الإمام ، قيل : لا يشترط النيّة ؛ لأنّه خليفة الإمام ، فيكون بحكمه ، فكما لا يجدّد معه ، فكذا مع خليفته (١). واختاره المصنّف في التذكرة والنهاية (٢). ولا ريب أنّ التجديد أولى.

ثمّ إن كان العارض حصل قبل القراءة ، قرأ المستخلف أو المنفرد لنفسه جميع القراءة.

وإن كان في أثنائها ، ففي البناء على ما وقع منها أو الاستئناف أو الاكتفاء بإعادة السورة التي فارق فيها ، سواء كانت الحمدَ أم السورةَ أوجُه أعدلها : الأخير ، وإن كان الأوّل لا يخلو من قوّة.

وإن كان بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع ، ففي الاكتفاء بقراءته أو استئناف القراءة ؛ لكونه في محلّها ولم يقرأ وجهان أصحّهما : الأوّل.

(ويكره أن يأتمّ حاضر بمسافر) على المشهور ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «لا يؤمّ الحضريّ المسافر والمسافرُ الحضري» (٣).

ومَنَعه جماعة (٤) من الأصحاب ؛ عملاً بظاهر الرواية.

وكذا يكره العكس ، وهو ائتمام المسافر بالحاضر ؛ للرواية (٥).

ويظهر من المصنّف في المختلف عدمه ، وطعن في الرواية بضعف الطريق (٦).

والكراهة مخصوصة بالصلاة المقصورة ، فلا يكره في غيرها ، مع احتمال العموم ؛ عملاً بإطلاق الرواية.

(و) كذا تكره (استنابة المسبوق) في إكمال الصلاة لو انتهت صلاة الإمام ، أو عرض له ما يمنع الإكمال (٧) ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة فلا ينبغي له أن يستخلف إلا مَنْ شهد الإقامة» (٨).

__________________

(١) انظر : الذكرى ٤ : ٤٢٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٧١ ٢٧٢ ، الفرع «ج» ؛ نهاية الإحكام ٢ : ١٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٩ / ١١٨٠ ؛ التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٥ ، و ٢٢٦ / ٥٧٤ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٣.

(٤) منهم : عليّ بن بابويه كما نقله عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٨٩ ، المسألة ٣٤٨.

(٥) انظر : المصادر في الهامش (٣).

(٦) مختلف الشيعة ٢ : ٤٨٩ ٤٩٠ ، المسألة ٣٤٨.

(٧) في «م» : أو عرض له مانع من الإكمال.

(٨) التهذيب ٣ : ٤٢ / ١٤٦ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٤.

٥١٩

ولاحتياج المسبوق إلى أن يستخلف مَنْ يسلّم بهم.

(و) كذا تكره (إمامة الأجذم والأبرص) على المشهور ؛ للنهي عنه في عدّة أخبار. وحُملت على الكراهة ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز ، كرواية عبد الله بن يزيد قال : سألت الصادق عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال : «نعم» قلت : وهل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال : «نعم ، وهل كُتب البلاء إلا على المؤمن؟» (١) ومَنَعه جماعة (٢) ؛ عملاً بظاهر النهي.

(و) إمامة (المحدود بعد توبته) للنهي عنه كذلك ، ولسقوط محلّه من القلوب ، ونقص منزلته بذلك وإن تاب.

(والأغلف) مع عدم تمكّنه من الختان ؛ لقول عليّ : «الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها» (٣).

ولو قدر وأهمل ، فهو فاسق ، ولا تصحّ صلاته بدونه وإن كان منفرداً.

(ومَنْ يكرهه المأموم) لقوله عليه‌السلام : «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم وعَدّ منهم : مَنْ أمّ قوماً وهُمْ له كارهون» (٤).

وقال عليّ لرجل أمّ قوماً وهُمْ له كارهون : «إنّك لخروط» (٥) بفتح الخاء المعجمة ، والراء المهملة والواو والطاء المهملة ، وهو الذي يتهوّر في الأُمور ويركب رأسه في كلّ ما يريد بالجهل وقلّة المعرفة بالأُمور.

قال المصنّف في التذكرة : والأقرب أنّه إن كان ذا دين يكرهه القوم لذلك ، لم تكره إمامته ، والإثم على مَنْ كرهه ، وإلا كرهت (٦).

ويمكن حمل الكراهة على كراهتهم لكونه إماماً بأن يريدوا الائتمام بغيره ، فإنّه يكره له أن يؤمّهم. وقد تقدّم أنّ خيرة المأمومين مقدّمة على جميع المرجّحات ، وفي الخبر إيماء إليه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٣ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٢ ٤٢٣ / ١٦٢٧.

(٢) منهم : السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل : ٧٤ ؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٣ ؛ وابن زهرة في الغنية : ٨٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١٠٧ ؛ التهذيب ٣ : ٣٠ ٣١ / ١٠٨.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ١٨٣ / ٥٣٤٢.

(٥) غريب الحديث للهروي ٣ : ٤٥٥.

(٦) تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٠٥ ، ذيل المسألة ٥٧٩.

٥٢٠