روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

والثاني : الاكتفاء ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداءً كون كلّ فعل في محلّه ، وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل ، فلا تعارضها النيّة الطارئة بالاستراحة ؛ لوقوعها سهواً ، وقد حكم الأصحاب بأنّه لو نوى فريضة ثمّ ذهل عنها ونوى ببعض الأفعال أو الركعات النفل سهواً ، لم يضرّ ؛ لاستتباع نيّة الفريضة ابتداءً باقي الأفعال ، وبه نصوص عن أئمّة الهدى :

كرواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة وهو يرى أنّها نافلة ، فقال : «هي التي قمت فيها ولها» ثمّ قال عليه‌السلام : «وإنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ من أوّل صلاته» (١).

وسأله معاوية عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنها نافلة ، أو كان في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة ، قال : «هي على ما افتتح الصلاة عليه» (٢).

ودخول هذه المسألة في ذلك ظاهر ، بل هو من باب مفهوم الموافقة ، كما ذكره الشهيد (٣) ، واختاره في قواعده (٤).

لكن يبقى هنا بحث ، وهو : أنّه قد سلف في ناسي الركوع ولمّا يسجد أنّه يجب عليه القيام ثمّ الركوع ؛ لسبق الهويّ بنيّة السجود ، فلا يجزئ عن الهويّ للركوع ، ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب القيام هنا ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال ، فيقع الهويّ السابق للركوع ، وتلغو نيّة كونه للسجود. ولكنّ الجماعة قطعوا بوجوب القيام ، مع حكم كثير منهم بالاجتزاء هنا بجلسة الاستراحة. والفرق غير واضح.

فإن قيل : مقتضى العمل استتباع النيّة الخاصّة (٥) ؛ لعموم «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٦) فيجب العمل به إلى أن يقوم الدليل على خلافه ، كما في نيّة المندوب ؛ للنصّ الخاصّ ، ونيّة واجبٍ لواجبٍ آخر لا نصّ عليه ، فلا يجزئ عن غير ما نواه.

قلنا : وقوع مندوبٍ خارجٍ عن الصلاة عن واجبٍ داخلٍ فيها يقتضي إجزاء واجبٍ منها

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٧ / ٧٧٦.

(٣) الذكرى ٤ : ٤٦.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ٨٣.

(٥) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. والظاهر أنّ الصواب هكذا : مقتضى الأصل استتباع العمل للنيّة الخاصّة.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٢٠ ، الهامش (٤).

٤٦١

عن واجبٍ آخر سهواً بطريق أولى ؛ لأنّ ما دخل فيها أقرب إلى الحقيقة ممّا خرج ، وكذا الواجب أقرب إلى حقيقة الواجب الآخر من المندوب إليه ، فمفهوم الموافقة يحصل هنا من وجهين ، بخلاف مسألة جلسة الاستراحة ؛ فإنّ مفهوم الموافقة التي ذُكرت تحصل من جهة واحدة ، وهي إجزاء المندوب الداخل في الصلاة عن الواجب فيها ، وهو أقرب من إجزاء المندوب الخارج عنها عن الواجب الداخل فيها ، كما هو مورد النصّ.

ولو كان جلوسه عقيب السجدة الأُولى بنيّة الوجوب لا للفصل ، كما لو جلس للتشهّد وتشهّد أو لم يتشهّد ، ففي الاجتزاء به الوجهان.

ولا تخفى قوّة الاجتزاء بعد ما قرّرناه ، واختاره الشهيد (١) أيضاً.

واعلم أنّه لو كان قد تشهّد أو قرأ أو سبّح وتلافى السجود ، وجب عليه إعادة ما بعده ؛ لرعاية الترتيب.

ولو فرض أنّ المنسيّ السجود الأخير وذكره بعد التشهّد ، أعاده ثمّ تشهّد وسلم.

وهذا على القول بوجوب التسليم واضح ؛ لذكره في محلّه قبل الخروج من الصلاة.

ولو قلنا بندبه ، ففي العود إلى السجود أو بطلان الصلاة لو كان المنسيّ السجدتين وقضاء السجدة الواحدة إشكال : من أنّ آخر الصلاة على هذا التقدير التشهّد ، فيفوت محلّ التدارك. ومن إمكان القول بتوقّف الخروج من الصلاة حينئذٍ على فعل المنافي أو التسليم ، فما لم يحصلا لم يتحقّق الخروج من الصلاة.

وربما قيل بمجي‌ء الإشكال وإن ذكر بعد التسليم.

ووجه قضاء السجدة حينئذٍ أو بطلان الصلاة بنسيان السجدتين ظاهر ؛ للخروج من الصلاة بالتسليم قبل تداركهما.

ووجه التدارك : عدم صحّة التشهّد والتسليم حيث وقعا قبل تمام السجود ؛ لأنّ قضيّة الأفعال الصحيحة وقوعها في محلّها مرتّبةً.

والكلام أيضاً آتٍ في نسيان التشهّد إلى أن يسلّم.

وعلى هذا الوجه إن ذكر قبل فعل المنافي ، تدارك المنسيّ ، وأكمل الصلاة. وإن ذكر

__________________

(١) الذكرى ٤ : ٤٨.

٤٦٢

بعده ، بطلت الصلاة ، وإليه ذهب ابن إدريس (١) في ناسي التشهّد حتى سلّم.

وفوات محلّ هذه الأجزاء بالتسليم مطلقاً قويّ ، فيقضى منها ما يقضى ، وتبطل الصلاة بما هو ركن.

وقد نبّه عليه المصنّف بذكر بعض موارده في قوله (ولو ذكر بعد التسليم تَرْكَ الصلاة على النبيّ وآله ، قضاها) لأنّها إن كانت من التشهّد الأوّل ، فظاهر ؛ لفوات محلّها بالركوع. وإن كانت من الثاني ، فللخروج من الصلاة بالتسليم.

وإن قلنا بندبه كما ذهب إليه المصنّف (٢) فقد فات محلّها ، فتقضي بعد التسليم ، كما يقضى التشهّد على المشهور.

وأنكر ابن إدريس (٣) شرعيّة قضائها ؛ لعدم النصّ.

وأجاب في الذكرى بأنّ التشهّد يقضى بالنصّ فكذا أبعاضه ؛ تسويةً بين الجزء والكلّ (٤).

وفي التسوية بين الجزء والكلّ منع ؛ فإنّ الصلاة تقضى ، ولا يقضى جميع أجزائها ، وكذا مجموع السجدة الواحدة وواجباتها من الذكر والطمأنينة تقضى ، ولا تقضى واجباتها منفردةً.

ولو قيل : إنّ واجباتها خارجة عن حقيقتها وإنّما دخلت تبعاً ، التزمناه في الصلاة على النبيّ وآله ، فإنّها ليست داخلةً في حقيقة التشهّد ومفهومه وإن أُطلق على الجميع على وجه التغليب والتجوّز.

ولازم هذا الدليل الذي ذكره الشهيد رحمه‌الله وجوب قضاء الكلمة الواحدة بل الحرف الواحد من الصلاة والتشهّد ، ولا أظنّه يقول به.

نعم ، ربما يظهر من ابن فهد رحمه‌الله في الموجز (٥) وجوب قضاء جميع أبعاض التشهّد ، فيسلم من الإلزام ، ويبقى عليه المنع.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٢٩٩ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٥٠٤.

(٣) السرائر ١ : ٢٥٧.

(٤) الذكرى ٤ : ٤٥.

(٥) انظر : الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ١٠٦.

٤٦٣

وعلى هذا القول لو ترك بعضاً لا يستقلّ بنفسه في الدلالة كنسيان الصلاة على آل محمّد خاصّة ، وجب أن يضمّ إليه ممّا قبله ما يتمّ به ، فيضيف الصلاة على النبيّ إلى آله وإن لم يكن نسيه ، بخلاف ما لو نسي إحدى الشهادتين ، فإنّها مستقلّة بالدلالة.

(ولو ذكر السجدة) الواحدة (أو التشهّد بعد الركوع ، قضاهما) بعد الفراغ من الصلاة (ويسجد للسهو) لرواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام «إذا قمت في الركعتين ولم تتشهّد وذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهّد ، وإن لم تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك ، فإذا انصرفت سجدت سجدتي السهو لا ركوع فيهما ، ثمّ تتشهّد التشهّد الذي فاتك» (١).

وتنقيح المسألة يتمّ بمباحث :

أ ـ تقييد الحكم بنسيان السجدة والتشهّد هو مورد النصّ ومشهور الفتوى ، كما قد عرفت ، فلا تقضى أبعاضهما ؛ لعدم الدليل ، إلا الصلاة على النبيّ وآله على ما مرّ.

ولو كان المنسيّ إحدى الشهادتين ، احتمل قويّاً وجوب قضائها ، لا لكونها بعضاً من جملة تقضى ، بل لصدق اسم التشهّد عليها ، فتدخل في النصّ ، فهي أولى من دخول الصلاة على النبيّ وآله عليهم‌السلام ، وقد حكم الجماعة بوجوب قضائها.

وأمّا السجدة فتمام ماهيّتها وضع الجبهة على الأرض ونحوها ، فلا تقضى واجباتها لو نُسيت منفردةً عنها قطعاً.

ب ـ تقييد الحكم ببعديّة الركوع لا يُدخل نسيان السجدة والتشهّد الأخيرين ، وقد عرفت أنّ حكمهما كذلك على المختار.

ويدلّ عليه أيضاً رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتى ينصرف ، فقال : «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد» (٢).

وقال ابن إدريس في ناسي التشهّد الأخير : إنّه لو تخلّل الحدث بين الصلاة وبينه ، بطلت الصلاة ؛ لأنّ قضيّة السلام الصحيح أن يكون بعد التشهّد ، فوقوعه قبله كلا سلام ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٧ ؛ التهذيب ٢ : ٣٤٤ ٣٤٥ / ١٤٣٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٧ ١٥٨ / ٦١٧.

٤٦٤

فيكون حدثه قد صادف الصلاة فتبطل (١).

ويضعّف بأنّ التشهّد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحاً في صحّة الصلاة ، والتسليم قد وقع مقصوداً به الخروج من الصلاة ، فيكون كافياً ، ويقضى التشهّد ؛ للنصّ. مع أنّ هذه الفتوى لا توافق مذهبه في استحباب التسليم ، فلو علّل بأنّ التشهّد آخر الصلاة فيكون هو المخرج فإذا لم يأت به وفَعَل المبطل للصلاة فقد وقع قبل كمالها ، أمكن.

اللهمّ إلا أن يجعل الخروج موقوفاً عليه وإن لم يكن واجباً (٢).

وما ذكره في التشهّد آتٍ في نسيان بعضه خاصّة ونسيان الصلاة على النبيّ وآله بطريق أولى ؛ لأنّه آخرها الحقيقي عنده (٣). وقد يتمشّى إلى غير التشهّد.

ج ـ معنى القضاء هنا الإتيان بالمنسيّ ، سواء كان في وقته أم في خارجه من باب (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) (٤) لا القضاء المصطلح عليه ، وهو فعل الشي‌ء بعد وقته حتى تجب له نيّة القضاء. فعلى هذا إن فَعَله في وقت الفريضة ، نوى الأداء. وإن فَعَله خارج وقتها ، نوى القضاء. ولو كانت الصلاة مقضيّةً ، تبعها فيه. ولو عبّر بالتدارك بعد الصلاة ، كان أوضح.

د ـ كون تدارك هذه الأجزاء بعد التسليم هو المشهور ، وقد عبّر في الخبرين (٥) السابقين بفعلهما بعد الانصراف.

وذهب المفيد إلى قضاء السجدة المنسيّة من ركعة إلى أن يركع في الأُخرى مع سجدات تلك الركعة. ومثله ذكر عليّ بن بابويه (٦). ولم نقف لهما على سند.

قال في الذكرى : كأنّهما عوّلا على خبرٍ لم يصل إلينا (٧). والعمل على المشهور.

نعم ، روى ابن أبي يعفور ـ في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام «إذا نسي الرجل سجدة فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم» (٨).

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٩.

(٢) قوله : «اللهمّ .. واجباً» لم يرد في «ق ، م».

(٣) انظر : السرائر ١ : ٢٣١ حيث ذهب إلى أنّ التسليم مسنون.

(٤) الجمعة (٦٢) : ١٠.

(٥) أي : خبرا علي بن أبي حمزة ومحمّد بن مسلم ، المتقدّمان في ص ٩٢٤.

(٦) حكاه عنهما العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٣٧٣ ٣٧٤ ، المسألة ٢٦٣.

(٧) الذكرى ٤ : ٥٠.

(٨) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦٠٩ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٦.

٤٦٥

وليس فيه دلالة على مذهبهما ، بل ربما دلّ على استحباب التسليم. وحينئذٍ فيكون فعلها بعد الفراغ من الصلاة.

هـ ـ وجوب قضاء التشهّد مع سجود السهو المشتمل على التشهّد بحيث لا يتداخل التشهّدان هو المشهور.

وذهب جماعة (١) من القدماء إلى إجزاء التشهّد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهّد المنسيّ ؛ لظاهر الخبر (٢) السالف حيث لم يذكر فيه غير تشهّدٍ واحد بعد السجود ونسبه إلى الفائت ، وغيره من الأخبار الدالّة على نحو ذلك.

ويجاب بأنّ سجدتي السهو يجب فيهما التشهّد ، كما سيأتي إن شاء الله ، والتشهّد يجب قضاؤه ، كما مرّ ، والأصل عدم التداخل.

و ـ هل يجب الترتيب بين الأجزاء المنسيّة وسجود السهو لها أو لغيرها؟ الظاهر العدم ؛ لإطلاق الأوامر ، وكونها واجباتٍ متعدّدةً بعد الفراغ من الصلاة ، فالقريب إليها والبعيد سواء في الخروج.

وأوجب في الذكرى (٣) تقديم الأجزاء المقضيّة على سجود السهو ، وتقديم سجود سهوها على السجود لغيرها وإن كان سبب الغير متقدّماً على الأجزاء ، كالكلام في الركعة الأُولى ، ونسيان سجدة في الثانية.

أمّا الأوّل : فلكونها أجزاءً ، فتقديمها أربط لها بالصلاة.

وأمّا الثاني : فلأنّ السجود مرتبط بتلك الأجزاء ، فيتقدّم على غيرها.

وموافقته في الأوّل أحوط دون الثاني ، بل لو قيل بوجوب تقديم الأسبق سببه فالأسبق ، كان أولى.

ورواية علي بن أبي حمزة ، السالفة (٤) صريحة في تقديم سجدتي السهو على قضاء التشهّد ؛ لذكره له بعده عاطفاً له بـ «ثمّ» المقتضي للتعقيب بمهلة ، وإذا ثبت جواز

__________________

(١) منهم : الشيخ الصدوق في الفقيه ١ : ٢٣٣ ؛ والمقنع : ١٠٨ ؛ ووالده عليّ بن بابويه والشيخ المفيد في الرسالة العزّية كما في مختلف الشيعة ٢ : ٤٠٥ ، المسألة ٢٨٨.

(٢) أي : خبر عليّ بن أبي حمزة ، السالف في ص ٩٢٤.

(٣) الذكرى ٤ : ٩١ و ٩٢.

(٤) في ص ٩٢٤.

٤٦٦

تقديم سجدتي (١) السهو على الجزء ، ثبت جواز تقديم بعض السجود على بعض بطريق أولى.

ويسجد للسهو (في جميع ذلك) المذكور من قوله : «ولو نسي الحمد» إلى آخره (على رأي) قويّ ؛ لورود النصّ على بعضه ، ودخول الباقي في عموم الروايات :

كقول الصادق عليه‌السلام في رواية سفيان بن السمط : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٢) وقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي

إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم واسجد سجدتي السهو

(٣) ووجه الاستدلال بها على تحقّق الزيادة والنقيصة مع ورودها في الشكّ فيهما : دخول المدّعى في المنصوص بمفهوم الموافقة. وغير ذلك من النصوص.

ويحتمل أن يريد المصنّف بـ «جميع ذلك» من أوّل الباب ، وهو الذي فهمه الشارح الشهيد (٤) رحمه‌الله ، إلا أنّ فيه خروجَ جملة من الباب عنه قطعاً لا يناسب إطلاق القول فيها ، كالسهو مع غلبة الظنّ ، والسهو في السهو ، وسهو الإمام والمأموم ، ومع الكثرة ، ولا ضرورة لنا إلى ذلك ، فإنّ ما يتقدّم قوله : «ونسيان الحمد» (٥) إلى آخره ، من المسائل الموجبة للسجود عنده يدخل بعد ذلك في قوله : «أو زاد أو نقص غير المبطل سجد للسهو».

(ولو شكّ في شي‌ء من الأفعال وهو في موضعه) الذي يصلح وقوعه فيه (أتى به) لأصالة عدم فعله ، وبقاء محلّ استدراكه ، كما لو شكّ في القراءة أو في أبعاضها ، أو في الركوع وهو قائم ، أو في السجود أو التشهّد وهو جالس.

ولا فرق في وجوب الرجوع إلى القراءة عند الشكّ فيها قائماً بين أن يشكّ في المجموع أو في بعض وإن كان مشتغلاً بما بعده ؛ لأنّ القيام محلّ لجملة القراءة ، فيعود إلى الحمد لو شكّ فيها وهو في السورة أو بعدها ، ويقرأ بعدها السورة التي قرأها ، أو غيرها.

__________________

(١) في «ق ، م» : «سجود» بدل «سجدتي».

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٦٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٢ ؛ الإستبصار ١ : ٣٨٠ / ١٤٤١.

(٤) غاية المراد ١ : ١٩٩.

(٥) في الإرشاد ١ : ٢٦٩ : ولو نسي الحمد.

٤٦٧

وحَكَم جماعة (١) من علمائنا هنا بعدم العود إلى الحمد ؛ لصدق الانتقال عنها ، فيدخل في عموم صحيح زرارة : «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (٢).

وهو متّجه ، لكن سيأتي إن شاء الله ما يدلّ على العود.

وأولى منه بعدم العود ما لو شكّ في القراءة وهو قانت ، أو شكّ في السجود وهو متشهّد ، أو في التشهّد وقد أخذ في القيام ولمّا يكمله.

لكن روى عبد الرحمن بن الحجّاج (٣) عن الصادق عليه‌السلام في رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أو لم يسجد ، فقال : «يسجد» (٤) فالعمل به متعيّن ؛ لأنّه خاصّ.

ويدخل فيه التشهّد بطريق أولى ؛ لأنّه أقرب إلى القيام من السجود. وكذا يدخل فيه الشكّ في القراءة على تلك الوجوه وإن كان قانتاً بل وإن هوى إلى الركوع ما لم يتحقّق مسمّاه. وكذا الشكّ في الركوع ما لم يسجد ؛ لأنّ عود مَنْ لم يستَوِ قائماً إلى السجود مع إتيانه في بعض أفراده بمعظم ركن القيام يفيد العود في المواضع الأُخرى بطريق أولى ، فتكون مجموعها داخلةً في مدلول الحديث ، فيخصّص عموم صحيح (٥) زرارة.

وقد بالغ المصنّف رحمه‌الله وأغرب ، فحَكَم في النهاية (٦) بعود الشاكّ في السجود والتشهّد ما لم يركع كما يرجع الذاكر لعدم فعلهما.

ويدفعه ما تقدّم ، وصحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء [شكّ فيه] (٧) ممّا جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٨).

__________________

(١) منهم : ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٤٨ ، ونقله عن الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده ؛ وانظر : المعتبر ٢ : ٣٩٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩.

(٣) كذا في الذكرى ٤ : ٦٣ ، وفي المصدر : عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٣ ؛ : الاستبصار ١ : ٣٦١ ٣٦٢ / ١٣٧١.

(٥) المتقدّم آنفاً.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ٥٣٧.

(٧) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٨) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ؛ الاستبصار ١ : ٣٥٨ / ١٣٥٩ وفيه عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

٤٦٨

(فإن) رجع الشاكّ في الفعل في موضعه و (ذكر) بعد فعله (أنّه كان قد فَعَله ، فإن كان ركناً ، بطلت صلاته) لأنّ زيادة الركن مبطلة مطلقاً ، إلا في المواضع المتقدّمة ، وليس هذا منها (وإلا) يكن ركناً (فلا) تبطل ، بل يكون حكمه حكم مَنْ زاد سهواً.

ولا فرق في ذلك بين السجدة وغيرها ، خلافاً للمرتضى (١) حيث أبطل الصلاة بزيادتها هنا.

ويدفعه قول الصادق عليه‌السلام : «لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (٢).

وقد اختلف في مسألة من مسائل استدراك الركن لشكّه فيه في محلّه هل تبطل الصلاة عند ذكر فعله أم لا؟ أشار إليها المصنّف تنبيهاً على الخلاف فيها وإن كانت داخلةً فيما سبق بقوله (ولو شكّ في الركوع وهو قائم فركع ثمّ ذكر قبل رفعه) أنّه ركع قبل ذلك (بطلت) الصلاة (على رأي) قويّ ؛ لتحقّق زيادة الركن ، لأنّ الركوع لغةً : الانحناء. وشرعاً كذلك على الوجه المخصوص ، والذكر والطمأنينة فيه والرفع منه أُمور خارجة عن حقيقته لا يتوقّف تحقّقه عليها ، فيدخل تحت الأحاديث الدالّة على بطلان الصلاة بزيادة الركوع.

وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والمرتضى والشهيد في الذكرى (٣) إلى عدم البطلان ؛ لأنّ ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويّاً به الركوع إلا أنّه في الحقيقة ليس بركوع ؛ لتبيّن خلافه ، والهويّ إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب ، فيتأدّى الهويّ إلى السجود به ، فلا تتحقّق الزيادة ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع ؛ فإنّ الزيادة حينئذٍ محقّقة (٤) ؛ لافتقاره إلى الهويّ إلى السجود.

وقد تقدّم البحث في أنّ نيّة الصلاة ابتداءً تقتضي كون كلّ فعل في محلّه ، ومن جملة ذلك كون هذا الهويّ للسجود ، وهي مستدامة ، فتكون في حكم المبتدأ ، فترجّح على النيّة الطارئة ؛ لسبقها ، ولكون النيّة الثانية وقعت سهواً ، وقد عرفت إجزاء المندوب عن الواجب لو نواه سهواً ، كما في ناوي الفرض ثمّ عزبت نيّته إلى النفل سهواً ، وكما في نيّة الاستراحة

__________________

(١) جُمل العلم والعمل بشرح القاضي ابن البرّاج : ١٠٤ ١٠٥ ؛ وانظر جُمل العلم والعمل تحقيق رشيد الصفّار : ٧١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١١.

(٣) النهاية : ٩٢ ؛ المبسوط ١ : ١٢٢ ؛ جُمل العلم والعمل : ٧١ ؛ الذكرى ٤ : ٥١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : متحقّقة.

٤٦٩

بالجلوس بين السجدتين لناسي السجدة ، وإجزاء الواجب عن الواجب فيما لو نوى بالجلوس المذكور كونه للتشهّد ، وقد تحقّق ذلك كلّه ، فيكون هذا من ذلك.

وفيه نظر ؛ لأنّ فعل الركوع بقصده يقتضي كونه ركوعاً بل فعله بغير قصد بعينه له ؛ لأنّ أفعال الصلاة لا تجب لكلّ واحد منها نيّة بخصوصه ، بل النيّة الأُولى كافية.

نعم ، يشترط عدم الصارف عن ذلك الفعل المعيّن.

ثمّ إنّا لا ندّعي أنّ الركوع هو الهويّ على الوجه المخصوص حتّى يوجب صرفه إلى السجود بزوال حقيقة الركوع ، بل نقول : إنّ الركوع هو الانحناء على الوجه المخصوص ، وهو أمر آخر وراء الهويّ ، والمبطل هو تلك الهيئة ، لا الهويّ بنيّة الركوع ، وهي لا تزول بصرف الهويّ إلى السجود.

ومن هنا يظهر الفرق بين هذا الفعل وما عُورض به من الأفعال الواجبة والمندوبة التي يؤدّي بها واجب آخر ؛ إذ ليس في تلك الأفعال مغايرة بحسب الصورة لذلك الواجب ، بل هي أفعال مثله ، وإنّما اختلفت بالنيّة ، بخلاف هذا الركوع ؛ فإنّه مغاير للهويّ وزائد عليه على وجه تتحقّق معه الركنيّة ، فلا يتأدّى به فعل أضعف منه لا ركنيّة فيه بحيث يخرجه عن نظائره من الأركان المبطلة للصلاة بزيادتها. ولأنّ ذلك القدر من الركوع لو لم يكن مبطلاً للصلاة لم تبطل بالرفع منه ؛ لأنّ الرفع منه ليس بركن قطعاً ولا جزء من الركن ، فإذا وقع سهواً ، لم تبطل الصلاة ؛ لأنّ الهويّ والانحناء قد صرف إلى هويّ السجود ، والذكر والرفع لا مدخل لهما في الركنيّة ، مع أنّ المخالف هنا لا يدّعي ذلك ، بل يعترف بأنّ الركوع هو الانحناء المخصوص ؛ لأنّه كذلك لغةً ، والأصل عدم النقل ، وإنّما يدّعي صرفه إلى السجود.

وقد تحقّق من ذلك أنّ القول بالبطلان هو الحقّ ، وأنّ القدر المبطل هو الانحناء على وجه تتحقّق معه صورة الركوع وإن لم يسبّح ، ومن ثَمَّ حكموا بأنّه لو نسي الذكر في الركوع أو الطمأنينة أو الرفع منه ، لم تبطل الصلاة ، بل قيل : لا يوجب شيئاً (١) ، بخلاف نسيان الركوع.

وهذا لا ينافي ما أسلفناه سابقاً من إجزاء واجبٍ منويّ سهواً عن واجبٍ آخر اقتضته نيّة

__________________

(١) القائل هو الشهيد في الألفيّة : ٦٩.

٤٧٠

الصلاة ؛ لأنّ الهويّ وإن صرفناه إلى السجود فالمبطل هو تكيّف المصلّي بكيفيّة الراكع بعد الهويّ ، وإنّما تخلّف عن ذلك حكمهم السابق بوجوب القيام إلى الركوع لناسيه ثمّ الإتيان به ، فإنّه ليس هناك أمر سوى الهويّ ، فعدم صرفه إلى هويّ الركوع مع كونهما واجبين متناسبين غير وجيه.

هذا كلّه إن شكّ في شي‌ء من الأفعال في موضعه (و) أمّا (إن شكّ) في شي‌ء منها (بعد انتقاله) عن موضعه (فلا التفات) كما لو شكّ في القراءة بعد الركوع ، أو فيه بعد السجود ، أو فيه أو في التشهّد بعد الركوع أو بعد القيام ؛ لاستلزام وجوب العود الحرج ؛ إذ الغالب عدم تذكّر الإنسان كثيراً من أحواله الماضية.

ولصحيحة زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : «يمضي» قلت : شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : «يمضي» قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : «يمضي» قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال : «يمضي على صلاته» ثمّ قال : «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١).

واعلم أنّ في تحقيق محلّ رجوع الشاكّ وعدمه التباساً على وجه لا يكاد ينضبط ، فإنّ مقتضى الحديث أنّه متى دخل في فعل ، لا يعود إلى ما قبله عند الشكّ فيه ، وهذا يتمّ في الشكّ في النيّة عند الشروع في التكبير إن لم نوجب استحضارها إلى آخره ، وفي التكبير إذا شرع في القراءة.

لكنّه يقتضي أنّه متى شكّ في القراءة وقد أخذ في الركوع وإن لم يصل إلى حدّه لا يلتفت ، بل لو شكّ فيها وهو قانت ، لم يعد ؛ لأنّ القنوت فعل مغاير للقراءة.

وكذا القول فيما لو شكّ في السجود وقد دخل في التشهّد ، أو في التشهّد وقد أخذ في القيام.

وهذا القول قد تقدّم أنّه لا يتمّ ؛ لمعارضة رواية (٢) عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه‌السلام لبعض موارده.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٢٨ ، الهامش (٤) وقد سبق أن قلنا : في المصدر : عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

٤٧١

وإن أُريد بالموضع المحلّ الذي يصحّ إيقاع ذلك الفعل فيه كما هو الظاهر منه أشكل في كثير من هذه الموارد أيضاً ؛ فإنّ التكبير حالته التي يقع فيها القيام ، فما لم يهو إلى الركوع هو قائم ، والقراءة حالتها القيام أيضاً ، فالأخذ في الهويّ يسيراً يفوّت حالته المجوّزة للقراءة ، فيلزم عدم العود إليها. وكذا القول في التشهّد بالنسبة إلى الأخذ في القيام.

ويمكن تقرير النصّين بوجهٍ ثالث ، وهو : أن يقال : إنّ محلّ كلّ فعل يزول بالدخول في فعلٍ آخر حقيقيّ ذاتيّ ، وهو الفعل المعهود شرعاً ، المعدود عند الفقهاء فعلاً لها ، كالتكبير والقيام والقراءة والركوع والسجود والتشهّد ، وأمّا ما هو مقدّمة لها كالهويّ إلى الركوع وإلى السجود والنهوض إلى القيام فليس من الأفعال المعهودة شرعاً ، وإنّما هو من مقدّمات الواجب ، فلا يعدّ الدخول فيها دخولاً في فعل من أفعال الصلاة ، ولهذا لا يعدّها الفقهاء أفعالاً عند عدّ الأفعال ، فلا ينافي ذلك خبر زرارة «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره» (١) ولعلّ هذا هو السرّ في قوله عليه‌السلام : «ثمّ دخلت في غيره» بعد قوله : «خرجت من شي‌ء» إذ لو لم تكن هنا واسطة ، كان الخروج من الشي‌ء موجباً للدخول في الآخر ، فلا يحسن الجمع بينهما عاطفاً بـ «ثمّ» الموجبة للتعقيب المتراخي.

وحينئذٍ نقول : إذا شكّ في النيّة وقد كبّر أو في أثناء التكبير ، لم يلتفت ؛ لما قرّرناه في باب النيّة من عدم وجوب استحضارها فعلاً إلى آخره ، وهو فعل حقيقيّ. وكذا لو شكّ في التكبير وقد شرع في القراءة ، أمّا لو شكّ في القراءة وقد أخذ في الركوع ولم يصل إلى حدّه ، رجع ؛ لعدم الوصول إلى فعلٍ من أفعال الصلاة ، وإنّما هو مشتغل بمقدّمة الواجب الذي لا يتمّ إلا بها. وكذا لو شكّ في الركوع قبل وضع الجبهة على الأرض وما في حكمها ، أو في التشهّد في أثناء النهوض ، أو في السجود كذلك حيث لا تشهّد بعده ؛ لأنّ الواجب الذاتي هو القيام الذي لا يتحقّق إلا بكمال الانتصاب ، والنهوض إليه مقدّمة له.

والموجب للمصير إلى هذا التوجيه الجمع بين صحيحة (٢) زرارة ، المقتضية لعدم العود متى خرج من فعل ودخل في غيره ، ومثله صحيحة (٣) إسماعيل بن جابر وخبر (٤)

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٣١ ، الهامش (١).

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٣١ ، الهامش (١).

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٢٨ الهامش (٨).

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٩٢٨ ، الهامش (٤) وقد سبق أن قلنا : في المصدر : عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

٤٧٢

عبد الرحمن بن الحجّاج ، المقتضي للعود إلى السجود للشاكّ فيه متى لم يستو قائماً ، فإنّ النهوض ليس استواءً في القيام.

لكن بقي هنا مواضع أُخر يقع فيها الاشتباه :

أحدها : الشكّ في السجود وهو متشهّد ، فإنّ مقتضى الجمع والتقرير عدم الالتفات ؛ لأنّ التشهّد فعل محض ، وخبر عبد الرحمن مطلق في العود إلى السجود قبل تمام القيام ، فيشمل ما كان بعده تشهّد وما لم يكن.

وأيضاً فبعض الأصحاب مثل الشهيد (١) رحمه‌الله ساوى بين الأمرين في وجوب العود ؛ محتجّاً بخبر عبد الرحمن.

ويمكن إخراج هذا الفرد من خبره وتقييده بما لو لم يكن بعد السجود تشهّد بقرينة قوله فيه : رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أو لم يسجد ، فإنّ عطف الشكّ على النهوض بالفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة يدلّ على عدم تخلّل التشهّد ، بخلاف صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر ؛ فإنّهما دلّتا صريحاً على التعميم خصوصاً قوله عليه‌السلام في صحيحة إسماعيل : «كلّ شي‌ء [شكّ فيه] (٢) ممّا جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» وهذا بيان واضح.

الثاني : الشكّ في القراءة وهو قانت ، فإنّ مقتضى الصحيحتين عدم وجوب العود ، ومفهوم قوله في خبر زرارة قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : «يمضي» (٣) أنّه لو لم يكن ركع يعود ، فيدخل فيه ما لو كان قانتاً. وخبر عبد الرحمن يقتضيه أيضاً ؛ فإنّ العود إلى الفعل مع الشروع في واجبٍ وإن لم يكن مقصوداً بالذات قد يقتضي العود مع الشروع في المندوب بطريق أولى.

ويمكن أن يقال هنا : إنّ القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة ، فلا يدخل في الخبرين.

ولا يكاد يوجد في هذا المحلّ احتمال أو إشكال إلا وبمضمونه قائل من الأصحاب.

__________________

(١) الذكرى ٤ : ٦٢ ٦٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر ، وقد تقدّمت الصحيحة في ص ٩٢٨.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ٩٣١ ، الهامش (١).

٤٧٣

الثالث : الشكّ في الحمد وهو في السورة. والذي يقتضيه المبحث وجوب العود إليها ؛ لأنّ القراءة فعل واحد ، فلا بدّ في الحكم بعدم العود إليها من الانتقال إلى غيرها على الوجه المتقدّم.

وذهب بعض (١) الأصحاب إلى عدم وجوب العود بناءً على أنّهما واجبان وشيئان مستقِلان ، فيدخلان في العموم المتقدّم في الخبر.

وما أبعد ما بين هذا القول وبين ما ذهب إليه المصنّف من وجوب العود إلى السجود عند الشكّ فيه بعد القراءة ما لم يركع (٢).

الرابع : الشكّ في ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة فيهما أو السجود على بعض الأعضاء غير الجبهة بعد رفع الرأس منهما. وقد وقع الاتّفاق هنا على عدم العود إلى هذه الأشياء مع أنّه لم يدخل في فعلٍ آخر على الوصف الذي ذُكر.

ويمكن التخلّص منه بوجهين.

أحدهما : منع كون الرفع منهما ليس بفعلٍ مستقلّ ، بل هُما فعلان ذاتيّان قد عدّهما الفقهاء واجبين برأسهما ، فيذكرون في واجبات الركوع رَفْعَ الرأس منه ، فلو هوى من غير رفع ، بطل. ورَفْعَ الرأس من السجدة الأُولى والجلوس فيها (٣) مطمئنّاً ، فلو تركه ، بطل ، حتى قال الشهيد في الرسالة الألفيّة بعد ذلك : ولا يجب الرفع من السجدة الثانية (٤) على ما يوجد في بعض النسخ وهو نصّ في الباب أنّ الرفع من السجدة الثانية إلى التشهّد أو إلى القراءة لا يجب لذاته ، بل مقدّمة لواجبٍ آخر ، وكذا الهويّ إلى السجود بعد القيام من الركوع.

والثاني : أنّ هذه الأشياء تستلزم زيادة الركن إن كانت في الركوع ؛ إذ لا سبيل إلى فعلها إلا به ، وزيادة سجدة إن كانت في السجود ، وقد قيل (٥) في السجدة : إنّها ركن ، ومِن ثَمَّ لو تحقّق بعد الرفع ترك هذه الأشياء ، لم يعد إليها ، فإذا فات محلّها مع النسيان ،

__________________

(١) ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٤٨.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٥٣٩.

(٣) كذا ، وفي «ق ، م» : «بينهما» بدل «فيها».

(٤) لم نعثر عليه في نسخة الألفيّة ، الموجودة عندنا.

(٥) الظاهر أنّ القائل هو ابن أبي عقيل ، انظر : مختلف الشيعة ٢ : ٣٧٢ ، المسألة ٢٦٢.

٤٧٤

فمع الشكّ أولى. وفي عدم العود إلى استدراكها في السجدة الواحدة مع النسيان تنبيه واضح على ركنيّة السجدة ، وقد تقدّم فيه جملة من الكلام في بابه ، وإلا فلو كانت فعلاً ، لم يمنع ، كما لا تمنع القراءة والقيام والتشهّد من العود إلى السجدة ، وهي واجبات متعدّدة يجوز رفضها لأجلها ، ولا ينافي ذلك عدم البطلان بزيادة السجدة ؛ لخروجه بالنصّ ، وقد اغتفر زيادة الركن في مواضع فليكن هذا منها.

فرع : لو عاد إلى فعل ما شكّ بعد الانتقال عن محلّه على الوجه المقرّر ، بطلت الصلاة مع العمد مطلقاً ؛ للإخلال بالنظم. ولأنّه ليس من الأفعال.

ويحتمل ضعيفاً الصحّة بناءً على أنّ عدم العود رخصة ، فيجوز تركها.

(ولو) حصّل المصلّي الركعتين الأُوليين من الرباعيّة وشكّ في الزائد ، فإن (شكّ هل صلّى في الرباعيّة اثنتين أو ثلاثاً ، أو هل صلّى ثلاثاً أو أربعاً ، بنى على الأكثر) على المشهور (وصلّى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس).

والمستند مع اتّفاق أكثر الأصحاب عليه قول الصادق عليه‌السلام : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (١).

وروى جميل عنه عليه‌السلام «هو بالخيار إن شاء صلّى ركعة قائماً أو ركعتين جالساً» (٢).

وليس في مسألة الشكّ بين الاثنتين والثلاث الآن نصّ خاصّ ، ولكنّ الأصحاب أجروه مجرى الشكّ بين الثلاث والأربع. وذكر ابن أبي عقيل أنّ الأخبار به متواترة (٣) ، فكأنّها في كتب لم تصل إلى المتأخّرين.

نعم ، يدخل في إطلاق رواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام «إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقُمْ فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت أتممت لم يكن عليك شي‌ء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٧ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ ٣٥٤ / ٩ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٤ ١٨٥ / ٧٣٤.

(٣) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٧٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨.

٤٧٥

واعلم أنّ الشكّ المتعلّق بالثانية وما بعدها في هذه الصورة وغيرها إنّما تصحّ معه الصلاة إذا وقع بعد إكمال الثانية ؛ لصحيحة الفضل «إذا لم تحفظ الركعتين الأُوليين فأعد صلاتك» (١) ويتحقّق إكمالها بتمام السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها على الظاهر ؛ لأنّ الرفع ليس جزءاً من السجود ، وإنّما هو واجب آخر.

هذا كلّه إذا لم يرجّح في نفسه أحد الطرفين ، وإلا بنى عليه من غير احتياط ، كما تقدّم في الرواية.

(ولو شكّ بين الاثنتين والأربع) بنى على الأربع ، وأكمل ما بقي و (سلّم وصلّى ركعتين من قيام) لصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام فيمن لا يدري أركعتان صلاته أو أربع ، قال : «يسلّم ويصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف» (٢) وفي معناها أخبار أُخرى ، وفي بعضها «فإن كان صلّى أربعاً فهي نافلة ، وإن كان صلّى ركعتين كانت (٣) تمام الأربع» (٤).

وذهب الصدوق (٥) إلى بطلان الصلاة هنا ، وهو في مقطوعة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرجل لا يدري أصلّي ركعتين أو أربعاً ، قال : «يعيد الصلاة» (٦).

ويمكن حملها على مَنْ شكّ قبل إكمال السجود أو على الشكّ في غير الرباعيّة.

(ولو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، سلّم وصلّى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس) على المشهور ؛ لمرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام في رجلٍ صلّى فلم يدر أثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً ، قال : «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعات نافلةً ، وإلا تمّت الأربع» (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٧٧ / ٧٠٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦٤ / ١٣٨٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٧ ؛ الإستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٤.

(٣) في الطبعة الحجريّة : «فهي» بدل «كانت».

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٣٩ ؛ الاستبصار ١ : ٣٧٢ ٣٧٣ / ١٤١٥.

(٥) المقنع : ١٠٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٤١ ؛ الإستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٦ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٢ ، ووردت الرواية في «ق ، م» هكذا : في رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً ، قال : «يقوم فيصلّي ركعتين ويسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كانت الركعات (الركعتان الكافي والتهذيب) نافلة ..» وكذا في الذكرى ٤ : ٧٦ ٧٧.

٤٧٦

ومرسل ابن أبي عمير في قوّة المسند عند الأصحاب.

وظاهر الرواية وجوب الترتيب بين الركعات ، فيقدّم الركعتين قائماً ؛ لعطف ركعتي الجلوس بـ «ثمّ» المفيدة للتعقيب.

وأكثر الأصحاب (١) على التخيير.

وربما قيل (٢) بوجوب تقديم الركعتين من جلوس.

ولا ريب أنّ العمل بمضمون الرواية أحوط.

وهل يجوز أن يصلّي بدل الركعتين من جلوس ركعة قائماً؟ ظاهر الأكثر عدمه.

وأجازه المصنّف (٣) ، وربما قيل بتحتّمه (٤).

وقول المصنّف هنا أعدل ؛ لأنّ الركعة من قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل فواته ، فيكون مدلولاً عليه بمفهوم الموافقة.

وأوجب جماعة (٥) من المتقدّمين في هذا الشكّ صلاةَ ركعة من قيام وركعتين من جلوس.

قال في الذكرى : وهو قويّ من حيث الاعتبار ؛ لأنّهما تنضمّان حيث تكون الصلاة اثنتين ، ويجتزأ بإحداهما حيث تكون ثلاثاً ، إلا أنّ النقل والاشتهار يدفعه (٦).

وإنّما خصّ المصنّف وأكثر الجماعة من مسائل الشكّ هذه الأربع ؛ لأنّها مورد النصّ على ما مرّ. ولعموم البلوى بها للمكلّفين ، فمعرفة حكمها واجب عيناً ، كباقي واجبات الصلاة. ومثلها الشكّ بين الأربع والخمس ، وحكم الشكّ في الركعتين الأُوليين والثنائيّة والثلاثيّة ، بخلاف باقي مسائل الشكّ ، المتشعّبة ، فإنّها تقع نادراً ، ولا تكاد تنضبط لكثير من الفقهاء.

وهل العلم بحكم ما تجب معرفته منها شرط في صحّة الصلاة ، فتقع بدون معرفتها

__________________

(١) كما في الذكرى ٤ : ٧٨.

(٢) الظاهر أنّ القائل هو الشيخ المفيد في الرسالة العزّيّة ، كما في مختلف الشيعة ٢ : ٣٨٦ ذيل المسألة ٢٧٣ ، البحث الأوّل.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ٣٤٦ ، الفرع «ب».

(٤) انظر : المراسم : ٨٩ ، وحكاه عن الشيخ المفيد في الرسالة العزّية العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٣٨٦ ، ذيل المسألة ٢٧٣ ، البحث الأوّل.

(٥) منهم : ابنا بابويه وابن الجنيد كما في مختلف الشيعة ٢ : ٣٨٤ ، المسألة ٢٧٢ ؛ وانظر : الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٤.

(٦) الذكرى ٤ : ٧٧.

٤٧٧

باطلة وإن لم تعرض في تلك الصلاة؟ يحتمله ؛ تسويةً بينها وبين باقي الواجبات والشرائط التي لا تصحّ الصلاة بدون معرفتها وإن أتى بها على ذلك الوجه. وعدمه ؛ لأنّ الإتيان بالفعل على الوجه المأمور به يقتضي الإجزاء. ولأنّ أكثر الصحابة لم يكونوا في ابتداء الإسلام عارفين بأحكام السهو والشكّ مع مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند عروضه. ولأصالة عدم عروض الشكّ وإن كان عروضه أكثريّاً.

وفي هذه الأوجه نظر واضح ، وللتوقّف مجال.

(ولا يعيد) الصلاة (لو ذكر ما فعل) سواء كان بعد تمام الاحتياط أم في أثنائه (وإن كان) الذكر (في الوقت) لأنّه امتثل المأمور به على وجهه ، وهو يقتضي الإجزاء. فإن كان قد ذكر تمام الصلاة ، كان المأتيّ به احتياطاً نافلةً ، كما ورد به النقل (١). وإن ذكر النقصان ، كان مكمّلاً للصلاة.

والحكم في غير الصورة الأخيرة واضح ؛ لأنّ المأتيّ به إمّا مطابق لما يحتمل نقصه أو قائم مقامه.

وأمّا في الأخيرة : فإن طابق المأتيّ به أوّلاً للناقص ، كما لو تبيّن أنّها اثنتان وقد بدأ بالركعتين من قيام ، صحّ أيضاً ، واغتفرت الأفعال الزائدة. وكذا لو ذكر أنّها ثلاث وقد بدأ بالركعتين من جلوس أو بركعة من قيام بدلهما.

ولو لم يكن المبدوء به مطابقاً ، كما لو بدأ بالركعتين قائماً ثمّ ذكر أنّها كانت ثلاثاً ، أو بدأ بالركعة قائماً ثمّ ذكر أنّها كانت اثنتين ، أشكل الحكم بالصحّة ؛ لاختلال نظم الصلاة.

ووجه الصحّة : امتثال الأمر المقتضي للإجزاء. ولأنّه لو اعتبر المطابقة ، لم يسلم احتياط يذكر فاعله الحاجة إليه ؛ لحصول التكبير الزائد المنويّ به الافتتاح.

هذا إذا كان الذكر بعد الفراغ ، ولو كان قبله ، فإن كان قبل الشروع ، أتمّ ما لم يكن قد فَعَل المنافي عمداً وسهواً. ولو كان في أثناء الاحتياط وكان مطابقاً ، أجزأ ، كما لو تذكّر في أثناء الركعتين قائماً أنّها اثنتان ، مع احتمال البطلان مطلقاً ؛ لزيادة الركن.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٣٩ ؛ الاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٥.

٤٧٨

وكذا يصحّ لو لم يكن مطابقاً ولمّا يتجاوز القدر المطابق ، كما لو تذكّر قبل الركوع في الثانية من الركعتين قائماً أنّها ثلاث أو تجاوز وكان قد قعد عقيب الاولى بقدر التشهّد. ولو لم يكن جلس ، احتمل الصحّة ؛ للامتثال. والبطلان ؛ للزيادة. وعلى الصحّة يترك ما بقي من أجزاء الركعة حيث ذكر.

ولو تذكّر في أثناء الركعتين جالساً أنّها ثلاث ، فإن كان قبل ركوع الاولى ، لم يعتدّ بما فَعَله ، وقام فقرأ ثمّ أكمل الصلاة. ولو كان بعده ، ففي الصحّة الوجهان.

وأشكل من ذلك ما لو تذكّر بعد الركعتين جالساً أنّ الصلاة اثنتان ؛ لزيادة اختلال النظم.

وليس الاحتياط في هذه المواضع الحكم بالبطلان ؛ للنهي عن قطع العمل حيث يكون مشروعاً ؛ بل الإكمال والإعادة.

(ولو ذكر ترك ركن من إحدى الصلاتين ، أعادهما معاً مع الاختلاف) عدداً ، كالصبح والظهر ؛ لعدم تيقّن البراءة بدونه (وإلا) تكونا مختلفتين عدداً (فالعدد) كافٍ ، كالظهرين ، فيصلّي أربعاً ينوي بها ما في ذمّته.

(وتتعيّن الفاتحة في الاحتياط) لأنّها صلاة منفردة ، ومن ثَمَّ وجب فيها النيّة وتكبيرة الافتتاح ، ولا صلاة إلا بها. وللأمر بها فيها في كثير من الأحاديث (١) الصحيحة. والمطلق منها يُحمل على المقيّد.

وقيل (٢) : يتخيّر بينها وبين التسبيح ؛ لأنّها إنّما شُرّعت لتكون بدلاً عن الأخيرتين على تقدير النقصان ، فيتخيّر فيها ، كما يتخيّر فيهما.

والبدليّة مطلقاً ممنوعة ، بل من وجه دون وجه ، ومن ثَمَّ وجبت النيّة والتكبير.

ويتخيّر بين القيام والجلوس. ويعتبر فيها العدد والكيفيّة.

(ولا تبطل الصلاة بفعل المبطل) عمداً وسهواً (قبله) لأنّه صلاة منفردة وإن كانت جبراً لما عساه نقص من الفريضة ؛ إذ ليست جزءاً حقيقةً ، وإلا لما احتيج إلى استئناف النيّة. والبدليّة لا تقتضي المساواة من كلّ وجه. ولأصالة براءة الذمّة من التكليف بذلك.

__________________

(١) منها ما في الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ؛ والتهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٧ ، و ١٨٦ / ٧٣٩ ؛ والاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٤ و ١٤١٥.

(٢) القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة : ١٤٦ ؛ وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٥٤.

٤٧٩

وبالغ المصنّف في المختلف (١) والشهيد في الذكرى (٢) في إنكار ذلك بناءً على أنّ شرعيّته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة ، فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة ، فيكون الحدث واقعاً في الصلاة فيبطلها حتى ورد (٣) وجوب سجدتي السهو للكلام قبله.

ولصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو ركعتين فقُمْ واركع ركعتين» (٤) والفاء للتعقيب ، وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث.

وقد عرفت جواب البدليّة. والحديث إنّما دلّ على وجوب الفوريّة ، ولا نزاع فيها ، بل هي واجبة إجماعاً ، كما ادّعاه في الذكرى (٥) ، وإنّما النزاع في أنّه لمخالفتها هل يأثم خاصّة أو تبطل الصلاة مع فعل المنافي؟ وهذا أمر آخر.

فإن قيل : الأمر بالفوريّة يقتضي النهي عن ضدّه ، فتبطل المتأخّرة ؛ للنهي عنها.

قلنا : النهي ليس عن نفس الصلاة ، بل عن التأخير ، فلا يدلّ على فسادها ، كما لا يدلّ النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها على فساد القضاء ، ووجوب الفوريّة بالزلزلة عند الشهيد (٦) ومَنْ تبعه على فسادها مع التأخير ، بل الإثم حسب.

وأيضاً النزاع إنّما هو في تخلّل المنافي بينه وبين الصلاة ، وما ذكروه يدلّ على بطلان الصلاة مع الإخلال بالفوريّة مطلقاً ، وهُمْ لا يقولون به ، فعُلم من ذلك أنّ الخبر إنّما دلّ على وجوب المبادرة بالاحتياط ، ونحن نقول به.

وقد تعجّب المصنّف في المختلف (٧) من ابن إدريس حيث جوّز التسبيح في الاحتياط ولم يبطل الصلاة بالحدث المتخلّل ؛ فإنّهما حكمان متضادّان ؛ لأنّ جواز التسبيح يقتضي كونه جزءاً ، وعدم البطلان يقتضي كونه صلاةً منفردة.

وأُجيب (٨) بأنّ التسليم جَعَل للاحتياط حكماً مغايراً للجزء باعتبار الانفصال عن

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٤١٢ ، المسألة ٢٩٣.

(٢) الذكرى ٤ : ٨١ ٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٣٩ ؛ الاستبصار ١ : ٣٧٢ ٣٧٣ / ١٤١٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٨.

(٥) انظر : الذكرى ٤ : ٨١.

(٦) انظر : الذكرى ٤ : ٢٠٤.

(٧) مختلف الشيعة ٢ : ٤١٣ ؛ ذيل المسألة ٢٩٣ ؛ وانظر : السرائر ١ : ٢٥٤ و ٢٥٦.

(٨) المجيب هو الشهيد في الذكرى ٤ : ٨٢.

٤٨٠