وفيه أوّلا : أنّ ذلك من قبيل الشبهة في مقابل الضرورة ، ضرورة استقرار السيرة على الأخذ بتلك الاصول. واحتمال كون المصلحة في الإخفاء ممّا لا وجه للاعتناء به ، إذ لا فرق في ذلك بين كلام الشارع وكلام غيره من العقلاء وأهل العرف ، فإنّ الإنصاف أعدل شاهد على أنّ المتداول عند أهل اللسان الأخذ بالعموم والبناء على أنّه الحكم الواقعي ما لم يظهر المخصّص. نعم بعد ظهور المخصّص يعلم أنّه كان حكما ظاهريّا ، لا أنّه قبل ظهوره يحكم بكونه من الأحكام الظاهريّة ، لعدم الاعتبار بذلك الاحتمال.
وثانيا : أنّ الفحص ممّا لا يثمر في المقام أيضا إلاّ بناء على أصالة حجّية الظنّ المطلق ، إلاّ أنّه موهون عند المحقّقين ، سيّما في الظنون اللفظيّة ، على ما نبّهنا عليه في محلّه بما لا مزيد عليه.
ورابعها ـ وهو العمدة ـ : أنّ العلم الإجمالي بورود معارضات كثيرة بين الأمارات الشرعيّة التي بأيدينا اليوم حاصل لمن لاحظ الكتب الفقهيّة واستشعر اختلاف الأخبار ، والمنكر إنّما ينكره باللسان وقلبه مطمئنّ بالإيمان بذلك ، ولا يمكن إجراء الاصول في أطراف العلم الإجمالي ـ كما قرّرنا في محلّه ـ فيسقط العمومات عن الحجّيّة ، للعلم بتخصيصها إجمالا عند عدم الفحص. وأمّا بعد الفحص فيستكشف الواقع ويعلم أطراف الشبهة تفصيلا بواسطة الفحص ، فلا يرد ما أوردناه على السابقين.
وتوضيحه : أنّ احتمال تخصيص العامّ تارة يكون بدئيّا غير مسبوق بالعلم الإجمالي ، واخرى يكون من حيث إنّه أحد أطراف المعلوم بالإجمال ، وقد يجتمع في عامّ واحد كلاهما ، كأن يكون محتمل التخصيص بدءا ومحتمله بواسطة سبق العلم الإجمالي. وارتفاع الاحتمال من جهة لا يلازم ارتفاعه من جهة اخرى ، كما أنّ إبقاءه من جهة لا يلازم إبقاء الاخرى ، كما هو ظاهر.