قلت : إنّ الأخذ بالشهرة مثلا في قبال الخبر الواحد إمّا بواسطة خروج الخبر عن موضوع الحجّة كما إذا ارتفع الوثوق به بواسطة المخالفة ، وإمّا بواسطة العلم الإجمالي بتخصيص الأمارة الخاصّة بمضامين الأمارات الظنّية ، وأين ذلك من اعتبار الظنّ في قبال قول المفضول المعلوم حجّيته بالفرض؟
ولا يقاس ذلك بالظنّ بالأعلميّة ، فإنّه ظنّ بالمرجّح وهذا ظنّ بالحجّة. نعم ، لو تساويا في ذلك تعيّن الأخذ بالفاضل ، لكونه القدر المتيقّن. ومنه يظهر الكلام في غير الأعلميّة من المرجّحات.
السابع : إذا رجع المقلّد إلى الأعلم ، فإن أفتاه بوجوب تقليده فلا إشكال. وإن أفتى بجواز تقليده فهل للمقلّد الرجوع إلى غيره أو لا؟
حكى الأستاذ المحقّق دام مجده عن بعض معاصريه عدم الجواز ، ولم يظهر لنا وجه. فإن كان بواسطة أنّ غير الأعلم ربما يفتي بوجوب تقليد الأعلم فيلزم من وجوده عدمه ، فقد عرفت أنّه لا يجب أن يقلّد في هذه المسألة. وإن كان بواسطة أنّ العقل إنّما هداه إلى الأعلم فلا وجه للحكم بخلاف ما هداه إليه العقل ، ففيه : أنّ ذلك ليس اجتهادا منه في هذه الواقعة ، بل الرجوع إلى الأعلم في هذه الواقعة إنّما هو حكم ظاهريّ من العقل ، وليس مدركا للحكم الواقعي ، وبعد الفتوى يستعلم حكمه الواقعي ، فلا مانع من الرجوع إلى غير الأعلم.
الثامن : لا دليل على وجوب تعيين المجتهدين في العمل بقولهم إذا كانوا متوافقين في الفتوى وإن كان بينهم تفاضل ، بعد كون كلّ واحد منهم حجّة شرعيّة مع انتفاء ما يوجب التعدية بالنسبة إلى قول الأعلم.
التاسع : المعتبر في الفحص هو الفحص عن حال العلماء الذين تيسّر للمقلّد الرجوع إليهم ، فلا يجب الفحص عن حال الموجودين في مشارق الأرض ومغاربها ، عملا بالسيرة ، واعتمادا على نفي العسر والحرج.