بالجهل. ومن هنا يظهر : أنّ إخفاء الحكم الواقعي ليس خلافا للطف الواجب على الحكيم ، كيف! وهو واقع جزما ، ضرورة أنّ الأحكام الشرعيّة إنّما بيّنها الشارع الأقدس على وجه التدريج ، وكلّ من لاحظ الأحكام يعلم أنّ في بدء البعثة وابتداء التكليف لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوآله يبيّن جميع الأحكام الواقعيّة في الصلاة وغيرها من العبادات والمعاملات ، فيكون التكليف بالعمومات أحكاما ظاهريّة لمن لم يطّلع على المخصّص وأحكاما واقعيّة لمن اطّلع عليه ؛ ولذلك ترى أنّ العامّ إنّما ورد من النبيّ صلىاللهعليهوآله والخاصّ من العسكري عليهالسلام أو الهادي عليهالسلام.
لا يقال : لعلّ العامّ الصادر كان مقترنا بقرينة يكشف عنها الخاصّ الصادر بعده.
لأنّا نقول : ذلك ممّا يقطع بفساده في جميع العمومات ، كما هو ظاهر على المتأمّل المنصف ، فلا وجه للأخذ بأصالة عدم التخصيص ، فإذا علمنا بالعامّ يجب في مورده الفحص عن المخصّص حتى يظهر التكليف الواقعيّ.
فإن قلت : هب أنّ العامّ يحتمل أن يكون حكما ظاهريّا لهم ، إلاّ أنّ قاعدة الاشتراك في التكليف تفيد لنا وجوب الأخذ بالعامّ ولو كان تكليفا ظاهريّا.
قلت : لم يثبت الاشتراك إلاّ في الأحكام الواقعيّة ، فلا دليل على الاشتراك مطلقا حتّى في الأحكام الظاهريّة.
وبالجملة ، فمن الجائز. بل من الواقع : أن يريد الشارع تعبّدهم بالحكم الظاهريّ لمصلحة تدعو إليه ، وحينئذ لا وجه للأخذ بالأصل ، بل ولو مع العلم بعدم المخصّص هناك أيضا ما لم يثبت كون العام مفيدا للحكم الواقعي ، وهو موقوف بعد التعويل على الأصل اللفظيّ على أصل عمليّ ، وهو أصالة عدم جعل حكم آخر وعدم ورود خطاب غيره حتّى يكون العامّ مفيدا للحكم الواقعيّ. ولا شكّ في أنّ الاتّكال على الاصول العمليّة موقوف على الفحص إجماعا وقولا واحدا ؛ ولذلك لم يذهب وهم إلى الجواز هناك كما أشرنا إليه سابقا.