نعم ، لو فرض إرادة المواجهة بالكلام والمخاطبة به للمعدوم أو لغير الحاضرين توجّه النزاع في أنّه هل يمكن مخاطبة المعدوم أو لا؟
وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام المعالم في بحث الأخبار حيث قال : « إنّ أحكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة وقد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين » (١) إذ الأحكام المستفادة من الكتاب قد تكون مستفادة من نحو قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ) ولا نزاع في شموله لغير الحاضرين وإن اختصّ خطابه بهم على تقدير الامتناع.
وقد يذبّ عنه بأنّ الاختصاص بالحاضرين يستند إلى أنّ لفظ « الناس » حقيقة في الموجودين. وهو خبط وخلط ولا يخفى على أحد ، إذ الظاهر أنّه قياس اسم الجنس الواقع في تلو أداة النداء بغيره ، حيث إنّ المنادى على تقدير امتناع نداء المعدوم يجب أن يكون موجودا حال النداء ، وأمّا اسم الجنس الخالي عن النداء فعلى تقدير اعتبار الوجود فيه أيضا ـ على ما هو خلاف التحقيق ـ لا يقتضي ما زعمه من عدم الشمول ، فإنّ إطلاق « الناس » على غير الموجودين إنّما هو باعتبار حال وجودهم ، ولا إشكال أنّه حقيقة حينئذ على هذا القول.
الثالث : هل النزاع المذكور عقليّ أو لغويّ؟ يشهد للثاني ظاهر عنوان الحاجبي (٢) وصاحب المعالم (٣) وجماعة آخرين (٤) حيث إنّهم جعلوا النزاع في
__________________
(١) معالم الاصول : ١٩٣.
(٢) انظر المختصر وشرحه : ٢٤٥.
(٣) معالم الاصول : ١٠٨.
(٤) انظر القوانين ١ : ٢٢٩ ، والفصول : ١٧٩ ، والمناهج : ٨٧.