الاجتناب فيما نحن فيه ؛ لأنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر ولو في صورة الشكّ ممّا لا يعارضه شيء ، فأكل الفاكهة وشمّ الورد وإن اشتمل على أمارة المنفعة وخلا عن أمارة المفسدة ، إلاّ أنّه ليس عدم الضرر به في الدنيا مقطوعا به والعقل مستقلّ بوجوب الاجتناب ، وحيث إنّه لا شرع كما هو المأخوذ في العنوان ـ أي عنوان المسألة ـ فلا تعارض أيضا.
ثمّ إنّ المراد من قولهم : « قبل الشرع » ـ بعد ما عرفت من أنّ الكلام في حكم العقل ـ ظاهر ، يعنون به قبل ملاحظة الشرع ، فلا حاجة إلى بعض التطويلات الواقعة في كلام جملة منهم في المقام.
تذنيب
قد ذكر المحقّق القمّي في آخر المبحث كلاما طويلا (١) مرجعه إلى أنّ اعتبار أصالة الإباحة على القول بها في أمثال زماننا الذي قد كشف الشارع الحكيم عن حال جملة من الأشياء المشتملة على أمارة المنفعة الخالية عن أمارة المضرّة (٢) ـ كشرب الفقّاع واستماع الغناء وأمثال ذلك ـ ظنّي فالقول بحجّيّتها موقوف على اعتبار الظنّ واستقلال العقل بحجّيّته. وفرّع عليه الحكم بكونها من المستقلاّت العقليّة ، وعلى ذلك بنى الأمر في الردّ على الفاضل التوني والسيّد الشارح ـ رضوان الله عليهما ـ حيث حكم الأوّل : بأنّ النزاع في الملازمة قليل الجدوى بل عديمها ، إذ ما من مورد لحكم العقل إلاّ وقد ورد من الشارع فيه آثار كثيرة
__________________
(١) القوانين ٢ : ١٢.
(٢) في ( ط ) : « المفسدة ».