تحتاج إليه أعضاء التوليد من الغذاء فضل يصلح لباب آخر ، فتصرفه تلك القوة بعينها إليه ، كما تفعل بفضول كثيرة من الأعضاء ، ثم تعجز هذه القوة فى آخر الحياة عن إيراد بدل ما يتحلّل مساويا لما يتحلّل ، فيكون ذبول. فلم تفرض قوة نامية ولا تفرض قوة مذبلة ، واختلاف الأفعال ليس يدل على اختلاف القوى ، فإن القوة الواحدة بعينها تفعل الأضداد ، بل القوة الواحدة تحرك بإرادات مختلفة حركات مختلفة ، بل القوة الواحدة قد تفعل فى مواد مختلفة أفاعيل مختلفة.
فهذه شكوك يجب أن يكون حلها مهيئا عندنا ، حتى يمكننا أن ننتقل ونثبت قوى النفس ؛ وأن نثبت أن عددها كذا (١) ، وأنّ بعضها مخالف للبعض ، فإن الحق عندنا هذا.
فنقول : أما أولا ، فإن القوة من حيث هى قوة بالذات وأوّلا ، هى قوة على أمر مّا ويستحيل أن تكون مبدأ لشىء آخر غيره ، فانّه من حيث هو قوة عليه مبدأ له ، فإن كان مبدأ لشىء آخر فليس هو من حيث هو مبدأ لذلك الأول فى ذاته. فالقوى من حيث هى قوى إنما تكون مبادئ لأفعال معينة بالقصد الأول.
لكنه قد يجوز أن تكون القوة مبدأ لأفعال كثيرة بالقصد الثانى ، بأن تكون تلك كالفروع ، فلا تكون مبدأ لها أوّلا ، مثل أن الإبصار أنّما هو قوة أولا على إدراك الكيفية التى بها يكون الجسم بحيث إذا توسّط بين جسم قابل للضوء وبين المضىء لم يفعل المضىء فيه الإضاءة ، وهذا هو اللون ، واللون يكون بياضا وسوادا.
__________________
(١) الاسفار ، ط ١ ، ج ٤ ـ ص ١٢ ؛ والمباحث المشرقية ، ط ١ ، ج ٢ ، ص ٢٣٩.