لأن ذات هذه الآلة جوهر ونحن إنما نجد (١) ونعتبر صورة ذاته ، والجوهر فى ذاته غير مضاف ألبتة.
فهذا برهان واضح على أنه لا يجوز أن يدرك المدرك بالآلة آلته فى الإدراك. ولهذا فإن الحس إنما يحسّ شيئا خارجا ولا يحس ذاته ، ولا آلته ولا إحساسه. وكذلك الخيال لا يتخيل ذاته ولا فعله ألبتة (٢) ، بل إن تخيل آلته تخيلها لا على نحو يخصه وأنها لا محالة له دون غيره ، إلا أن يكون الحس يورد عليه صورة آلته لو أمكن ، فيكون حينئذ إنما يحكى خيالا مأخوذا من الحس غير مضاف عنده إلى شىء حتى لو لم يكن هو آلته لم يتخيله.
وأيضا مما يشهد لنا بهذا (٣) ويقنع فيه أن القوى الدرّاكة بالآلات يعرض لها من إدامة العمل أن تكلّ ، لأجل أن الآلات تكلّها إدامة الحركة وتفسد مزاجها الذى هو جوهرها وطبيعتها ، والأمور القوية الشاقة الإدراك توهنها ، وربما أفسدتها ولا تدرك عقيبها الأضعف منها لانغماسها فى الانفعال عن الشاق ، كالحال فى الحس فإن المحسوسات الشاقة والمتكررة تضعفه وربما أفسدته كالضوء للبصر والرعد الشديد للسمع ، ولا يقوى
__________________
(١) نأخذ ، نسخة.
(٢) قوله : « ولا فعله ألبتة » ، اقول : هكذا جائت العبارة فى عدة نسخ اخرى مخطوطة من الشفاء ايضا. ولكن العبارة حرّفت واصلها هكذا : « ولا فعله ولا آلته بل ان تخيّل الخ » كما فى النجاة ، على أنّ سياق العبارة ينادى بذلك ايضا.
(٣) اى يكون النفس غير جسمانية.