ما دامت المواد حاضرة موجودة ، والجسم الحاضر الموجود إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم ، وليس يكون حاضرا مرة وغائبا أخرى عند ما ليس بجسم ، فإنه لا نسبة له إلى قوة مفرّدة من جهة الحضور والغيبة. فإن الشىء الذى ليس فى مكان لا تكون للشىء المكانى إليه نسبة فى الحضور عنده والغيبة عنه ، بل الحضور لا يقع إلا على وضع او بعد للحاضر عند المحضور. وهذا لا يمكن إذا كان الحاضر جسما إلا أن يكون المحضور جسما أو فى جسم.
وأما المدرك للصور الجزئية على تجريد تام من المادة وعدم تجريد ألبتة من العلائق المادية كالخيال فيحتاج أيضا إلى آلة جسمانية ، فإن الخيال لا يمكنه أن يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية فيه ارتساما (١) مشتركا بينه وبين الجسم ؛ فإن الصورة المرتسمة فى الخيال من صورة شخص زيد على شكله وتخطيطه ووضع أعضائه بعضها عند بعض التى تتميز فى الخيال كالمنظور إليها لا يمكن أن تتخيل على ما هى عليه إلا أن تلك الأجزاء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم فى جسم وتختلف جهات تلك الصورة فى جهات ذلك الجسم وأجزاؤها فى أجزائه.
ولننقل صورة زيد إلى صورة مربع ا ب ج د المحدود المقدار والجهة والكيفية واختلاف الزوايا بالعدد ، وليكن متصلا بزاويتى ا ب منه مربعان كل واحد منهما مثل الآخر ، ولكل واحد جهة معينة ولكنهما متشابها الصورة ، فترتسم من الجملة صورة شكل مجنح جزئى واحد بالعدد مقرّر فى الخيال.
__________________
(١) الخيالية فيه فى جسم ارتساما ، نسخة.