ولمثل هذا السبب ما يرى الشىء السريع الحركة إلى الجانبين كشيئين. لأنه قبل أن انمحى عن الحس المشترك صورته وهو فى جانب يراه البصر وهو فى جانب آخر فيتوافى (١) إدراكاه فى الجانبين معا. وكذلك إذا دارت نقطة ذات لون على شىء مستدير رؤيت خطا مستديرا ، وإذ امتدت بسرعة على الاستقامة رؤيت خطا مستقيما.
ونظير هذه الحركة الدوار ، فإنه إذا عرض سبب من الأسباب المكتوبة فى كتب الطب فحرك الروح الذى فى التجويف المقدم من الدماغ على الدور (٢) ، وكانت القوة الباصرة تؤدى إلى ما هناك صورة محسوسة ، فالجزء من الروح القابل لها لا يثبت مكانه ، بل ينتقل ويخلفه جزء آخر يقبل تلك الصورة بعد قبوله وقبل انمحائها عنه. وكذلك على الدور ، فيتخيل أن المرئيات تدور وتتبدل على الرائى ، وإنما الرائى هو الذى يدور ويتبدل على المرئى. وإذا كان القابل ثابتا وتحرّك الشىء المبصر بسرعة انتقل لامحالة شبحه الباطن من جزء من القابل إلى جزء آخر ، فإنه لو كان الشبح يثبت فى ذلك الجزء بعينه لكان نسبة القابل مع المقبول واحدة ثابتة. فإذن إذا عرض لحامل الشبح أن ينتقل عن مكانه انتقل الشبح لا محالة ، فتغيّرت نسبته إلى الجسم الذى من خارج ، فعرض ما يعرض لو كان الشىء الذى من خارج ينتقل.
وأيضا فإن الناظر فى ماء شديد الجرى يتخيل له أنه هوذا يميل عن جهة ويسقط إليها ، والسبب فى ذلك أنه يتخيل الأشياء كلها تميل إلى خلاف جهة ميل الماء ، فإن شدة الحركة الموجبة لسرعة المفارقة توهم أن
__________________
(١) فتوافى ، نسخة.
(٢) متعلق بقوله : « فحرك ».