والمشغول بواحدة لا يقبل غيرها إلا بزوالها. فهؤلاء قوم يجعلون مخرج الألوان من الإشفاف وغير الإشفاف.
وبإزاء هولاء قوم آخرون لا يقولون بالإشفاف ألبتة ، ويرون أن الأجسام كلها ملوّنة ، وأنه لا يجوز أن يوجد جسم إلا وله لون. ولكن الثقب والمنافذ الخالية إذا كثرت فى الأجسام نفذ فيها الشعاع الخارج من المضىء إلى الجهة الأخرى ، ونفذ أيضا شعاع البصر فرؤى ماوراءها.
فأما المذهب الأول فإذا نقول : لعمرى إنه قد يظهر من دق المشف وخلطه بالهواء لون أبيض (١) ، ولكن إنما يكون ذلك لا فى جسم متصل
__________________
(١) قال صاحب الشوارق : قال الشيخ ما حاصله انه لا شك فى ان اختلاط الهواء بالمشف سبب لظهور البياض ولكنا ندعى ان البياض قد يحدث من غير هذا الوجه كما فى الجصّ فانه يبيضّ بالطبخ فى النار وقد يبيضّ بالسحق والدق مع ان تفرق الاجزاء ومداخلة الهواء فيه اكثر وكما فى البيض المسلوق فانه يصير اشد بياضا مع ان النار لم تحدث فيه تخلخلا وهوائية بل اخرجت الهوائية عنه ولو فرض ان هوائية داخلت رطوبته فبيّضته لكان خثورة لا انعقاد وكما فى الدواء الذى يتخذه اهل الحيلة ويسمونه لبن العذراء فانه يكون من خل طبخ فيه المرداسنج حتى انحل فيه ثم صفّى حتى بقى الخل فى غاية الاشفاف والبياض وخلط بماء طبخ فيه القليا وصفى غاية التصفية ويبالغ فيها ثم تخلط الماء ان فينعقد المنحل الشفاف من المرداسنج ويصير فى غاية البياض كاللبن الرائب ثم يجف وما ذلك لحدوث وتفرق فى شفاف ونفوذ هواء فيه فانه كان متفرقا منحلا فى الخل ولا لتقارب اجزاء متفرقة وانعكاس ضوء البعض الى البعض لان حدة ماء القليا بالتفريق اولى. واعلم ان كون الالوان ذوات حقائق فى الخارج امر ضرورى وليس الغرض من هذه الوجوه الا التنبيه عليه وازالة وهم من توهم غيره فلا يرد عليها ما اورده الامام فى المباحث المشرقية من ان لقائل ان يقول على هذه الوجوه جاز ان يكون لتخيل البياض سبب آخر لا نعلمه اذ المفروض انه لا اعتماد على الحس والا لوجب الحكم بكون الثلج ابيض حقيقة هذا ». شوارق الالهام ج ٢ ص ٤٠٣.
وقال الرازى فى المباحث ص ٤٠٧ ج ١ : واعلم ان الشيخ ذكر فى فصل توابع المزاج من