تنبيه وتنزيه
في الجبر والتفويض والامر بين الامرين
الجبري زعم : أن نفي الاختيار عن العباد واستناد الأفعال إليه ـ تعالى ـ نوع تمجيد وتعظيم له ؛ حيث لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله ، وإن عادة الله جرت على إيجاد ما يسمّى بالمسبّبات بعد ما يسمّى بالأسباب.
ولكنه غفل عن أنه ظلم عظيم في حق عادل حكيم ؛ لأنّ هذه الأفعال لا يعقل (١) استنادها بلا واسطة إلاّ إلى القوى الجسمانية المتجدّدة الذوات ، والطبائع المتصرّمة الإنّيات ، لا إلى الأرواح القدسيّة والشامخات العقلية ، فضلا عن واجب الوجود بالذات وللذات.
كما أن المفوّضة زعموا أن استناد الأفعال إلى العباد على وجه الاستقلال نوع تنزيه له ـ تعالى ـ عن استناد القبائح إليه ـ تعالى ـ ، ولم يتفطّنوا أنه شرك محض ؛ فإنّ الاستقلال في الإيجاد فرع الاستقلال في الوجود ، وهو مختصّ بواجب الوجود ـ تعالى ـ فهؤلاء أعظم شركا من الثنوية ، فإنهم قالوا بشريك واحد له ـ تعالى ـ وأسندوا إليه الشرور ، وهؤلاء قالوا بتعدّد الشركاء بعدد الفاعلين ، تعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
بل التعظيم العظيم والتنزيه الوجيه ما تضمنته هذه الكلمة الإلهية المأثورة في الأخبار المتكاثرة عن العترة الطاهرة ـ عليهم صلوات الله المتواترة ـ أعني
__________________
(١) قولنا : ( لأنّ هذه الأفعال ... إلخ ).
وجه الملازمة : أن هذه الحركات الأينية والوضعية حيث إنها منبعثة عن القوى العضلانية ، وهي متحركة بتحريك النفس ، فلو لم يكن محركية النفس بتأثير الإرادة ـ بل بإرادته تعالى ـ لزم أن يكون ـ تعالى ـ متحدا مع النفس ليكون محرّكا للقوى بإرادته ، وهو ـ تعالى ـ بصرافة وجوده يستحيل اتحاده مع الممكنات المتحيثة بحيثيات إمكانية أو ماهوية أو عدمية. ( منه عفي عنه ).