وأما قوله : « مع أن ترك الدنيا مطلقا ليس محمودا في الدين المحمّدي ».
فيقال فيه :
أولا : كان على الآلوسي أن يذكر لنا الدليل على أن ترك الدنيا مطلقا غير محمود في الدين المحمّدي ، ومن حيث أنه أهمل ذكره فقد علمنا أنه أراد بذلك أن يعيب عليّا عليهالسلام ويصحح ما فعله أولئك الّذين تربعوا على دست الإمارة في هذه الأمة للمال الكثير والجاه العريض والغلّ الثابت في قلوب الكثير منهم للوصيّ وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى إذا تقمصوها أخذوا يقضمون مال الله قضم الإبل نبتة الربيع ، ويجرفون بأموال الأمة إلى بيوتهم وبيوت أبي معيط ، على أنه لا دخل لكثرة المال وقلّته في أمر الخلافة وإنما الخير كلّ الخير في هداية الناس إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل ، وأن ترك الدنيا مطلقا مع إمكان الحصول عليها شيء محمود حسن عند عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين ، فهذا البخاري يقول ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : ( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) (١).
ثانيا : لا ينتقض ذلك بالرهبان وأمثالهم حتى يقال أنه لو كان التطليق على الإطلاق موجبا للتفضيل لزم أن يكون الرهبان أفضل من سليمان عليهالسلام وذلك لأنه إنما يكون تركها على الإطلاق موجبا للتفضيل ، إذا كان التارك لها قادرا على تحصيلها ومع ذلك تركها وزهد فيها ، أما تركها مع عدم القدرة عليها كما في الرهبان وأمثالهم فلا يلزم منه التفضيل في شيء لعدم صدق الترك لها والزهد فيها على أمثال أولئك الّذين ذكرهم ، هذا الّذي خلط هنا وهناك خلطا فاحشا ، فتراه يزعم تارة أن ترك الدنيا مطلقا غير محمود في الدين المحمّدي ، وأخرى ينتقل إلى قوله : ولو كان الترك مطلقا موجبا للتفضيل لزم تفضيل الرهبان وأمثالهم على سليمان عليهالسلام ويوسف عليهالسلام فأيّ صلة يا ترى بين الموضوعين ، إذ من الجائز ألاّ يكون الترك مطلقا في الشرائع السّابقة محمودا فكيف يقاس به إمام الأمة
__________________
(١) تجده في ( ص ١٩٧ ) من صحيح البخاري من جزئه الثاني في باب مناقب عليّ عليهالسلام.