وأما قوله : « على أن طلب الملك لا ينافي التطليق ، ألا ترى أن عليّا عليهالسلام طلب الخلافة بعد ذلك وسعى لها سعيها ».
فيقال فيه : ليست الخلافة ملكا ـ كما يزعم ـ وإنما هي صنوّ النبوّة ، وقائمة مقامها ، وسادّة مسدّها ، في غير الوحي الإلهي ، وهي خلافة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في حفظ الشريعة وإقامتها ، ونشر أحكامها ، وإقامة الحدود ، ودرء المفاسد ، والانتصاف للمظلوم من الظالم على ضوء القانون الإلهي والقرآن السّماوي ، وما كان عليّ وهو أمير المؤمنين عليهالسلام وحده ليطلب الملك كما يزعم ، وإنما طلبه وسعى له سعيه أولئك الّذين دفعوه عن حقّه ، فسارعوا إلى إقامة السّقيفة ليبعدوه عن مقامه الّذي خصّه الله تعالى به حبّا لجاه الخلافة وطمعا بالإمارة ، وقد كشف عن ذلك قول طلحة عند ما كتب الخليفة أبو بكر (رض) وصيّته لعمر (رض) بالولاية ، فإنه قال مخاطبا عمر (رض) : ( ولّيته أمس وولاّك اليوم ) وقول الأمير عليهالسلام في إحتجاجه عليهم مخاطبا عمر (رض) : ( احلب حلبا لك شطره ، شدّ له اليوم يردّه عليك غدا ، أم والله لو لا أولئك الدافعون للخلافة عن أهلها ومحلّها ) (١) ما كان للآلوسي وغيره من أعداء الوصيّ عليهالسلام وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سلطان يعتمدون عليه ، ولولاهم ما عاث في الدين عائث ولا ظهرت في الإسلام بدعة ولا تمزق ثقلا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اللّذان أودعهما في الأمة ، وطالما كان يوصي بهما حتى أكّد ذلك عليهم في مرضه الّذي توفي فيه والحجرة مملوءة بهم ، بل ولو لا قول الخليفة عمر (رض) : إن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليهجر ، وردّه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( آتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا ) لما نزغ الآلوسي وغيره فألصقوا بأهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم الوصمات إلى غير ما هنالك ، مما يدعوننا هؤلاء إلى مكاشفتهم به وحينئذ نأتيهم بما لا قبل لهم به ، وكلّ آت قريب والعاقبة الحساب.
__________________
(١) هكذا سجله ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ( ص ١٠ ) من جزئه الأول وغيره من مؤرخي أهل السنّة ممن جاء على ذكره.