أما ما أورده من الآيات فإنّها صريحة في كونه عالما قادرا سميعا بصيرا حكيما ولا دلالة في شيء منها على ثبوت تلك الصّفات ووجودها قديمة في أنفسها هي غير الله تعالى عمّا يقول الضالّون علوّا كبيرا ، وعلى الجملة أنّ صدور العلم عنه تعالى يستدعي أن يكون عالما وذلك إنما يكون بعد كونه عالما فيكون الشّيء مشروطا بنفسه فيدور أو يتسلسل ، وإن شئت فقل : إنّ صدور العلم عنه موقوف على أن يكون عالما ، فلو توقف كونه عالما على صدور العلم منه لزم الدور وإن أحيل إلى غيره لزم التسلسل ، ولا يتوقف ثبوت الصّفة للموصوف على وجود الصّفة في نفسها وقيامها في الأزل بذاتها.
ولو كانت الصّفات زائدة على الذات في حقيقته تعالى لاحتاج في التكميل إلى الصّفة المغايرة له ، وكلّ ما هو مغاير له فلا شكّ في أنّه ممكن لاستحالة تعدد الواجب ، وعلى قول الخصوم يلزم ألاّ يكون مستكملا في حدّ ذاته بل محتاجا إلى الممكن في التكميل ، وقد ثبت باليقين أنه غنيّ عن العالمين ، ومعه يبطل ما زعموه من المغايرة ، فالواجب بذاته لا يفتقر في ذاته إطلاقا إلى غيره ، وليس في اتصافه بصفة كمال هي غيره من الكمال في شيء ، لأن الغيرية في الصّفة مستلزمة لافتقار الذات المستلزم للإمكان الموجب للنقص ثم الكمال بعروضه ، نعم إنّما يكون كما لا في الناقصين الجاهلين لو كانت لهم أهلية الاتصاف بالكمال دون الله الغنيّ المطلق ، فدونكها أدلة جادعة لأنوف المضلّين المزيلة لانتحال المبطلين والحمد لله رب العالمين.
قال الآلوسي ص : (٥٨) : « إنّه تعالى قادر على كلّ شيء ، خالف الشيخ أبو جعفر الطوسي ، والشّريف المرتضى وجمع كثير من الإمامية ، فإنهم قالوا : إنّ الله لا يقدر على عين مقدور العبد ، ويكذبهم قوله تعالى : ( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ البقرة : ٢٨٤ ] وهو كاف لتكذيبهم ».
المؤلف : أولا : قوله : ( خالف جمع كثير من الإمامية في ذلك ) يرشد إلى عدم مخالفة أكثر الإمامية في ذلك لخصومهم وهو من الجهل بمذهبهم ومن