تأخذ في شعاب الجهل وتسلك أودية الضلال مع ما هم عليه من حبّ الأثرة والأطماع والظلم والجور ولا يرسل إليهم من يهديهم إلى سبيل الرشاد ويبيّن لهم طرق السّعادة والهلاك ، ولا يرى خصومنا أن هذا هو عين الفساد الّذي نفاه عن نفسه القدسية وتسامى عنه في كثير من آياته.
ثانيا : قوله : « نعم بعثة الأنبياء عليهمالسلام وتكليف العباد واقع حتما ».
فيقال فيه : إنه إذا كان لا واجب عليه فكيف يا ترى يكون ذلك حتما عليه؟ أم كيف يقع ذلك والشيء ما لم يجب لم يوجد؟ ومن أين علم الآلوسي أنه واقع وهو يعتقد أنه لا واجب عليه؟ فهذا الحتم المزعوم في قوله أيضا غير واجب ولا يحصل القطع به إطلاقا.
قال الآلوسي ص : (٧١) : « إن الإمامية لا بد عندهم ألاّ يخلو زمان من نبيّ أو وصي قائم مقامه ، وهم يعتبرون بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو نصب الوصيّ واجبا على الله ، وعقيدتهم هذه مخالفة للكتاب والعترة ».
المؤلف : قد عرفت مما تقدم ذكره أن إعتقاد الشيعة في بعثة الأنبياء وإرسال الرسل عليهمالسلام هو عين ما قاله الله تعالى في كتابه من إيجابه ذلك على نفسه المقدسة ، وقول هذا الخصم : ( وعندهم لا بد ألاّ يخلو زمان من نبيّ ) كذب وانتحال لا أصل له : ( قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) [ طه : ٧ ].
فالشيعة يعتقدون بوجوب الإمامة على الله تعالى في كلّ زمان لأنه من الرحمة وقد كتبها تعالى على نفسه ، ولأنه من الهدى وقد كتبه أيضا على ذاته المقدسة ، وخالف الآلوسي قول الله في القرآن وتمسّك بآراء أناس لم يتفقهوا في الدين ولم يعرفوا أصوله ولا فروعه فقلدهم في كافة مزاعمهم تقليدا أعمى ، وهذا التقليد لهم في اللّفظ والمعنى لا يليق بالباحث الّذي يريد الوقوف على الحقائق ، ولا يجوز له أن يلقي نفسه في أحضان هذا تارة وفي غيره أخرى ويلتحق بتلفيقاتهم.