الألم لضخامة العوض وإلاّ لزم الظلم من الله على عبده تعالى عن ذلك ، لأن إيلام الكائن الحيّ أو تعذيبه بغير ذنب ولا فائدة تصل إليه ولا لغيره ظلم واضح ، فلا يجوز نسبته إلى الله تعالى في حال.
ولكن الخصم يرى من الجائز على الله تعالى أن يؤلم عبده بأنواع الألم من غير ذنب ولا جريمة وبلا غرض ولا غاية ولا فائدة إطلاقا ولا عوض أبدا ، فهو يرى من الجائز عليه تعالى أن يعذب الأطفال والمجانين والأنبياء والمرسلين عليهمالسلام من غير فائدة ولا مصلحة ولا يعوضهم على ذلك بشيء مطلقا ، مع انّا نعلم بالضرورة أن من فعل هذا من النّاس كان عند العقلاء قاطبة ظالما جائرا سفيها سفّاكا للدماء ، فكيف يا ترى يجوز لهذا الظالم أن ينسب إلى الله الرحيم بعباده مثل هذه النقائص والعظائم التي تكاد السّماوات يتفطرن منها وتخرّ الجبال هدّا ولا يخشى عقابه وحسابه : ( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ) [ الزمر : ٦٠ ].
ومن ذلك كلّه يتضح جليا أنّا لا نريد من استحقاق العبد العوض على الألم هو الاستحقاق الحقيقي لكي يأتي عليه بأن ذلك باطل بعد دراية ما بين العبد وربّه من علاقة المالكية ـ على حدّ زعمه ـ الجاهل بمعنى العوض الّذي تقول الشيعة بوجوبه ، وإنّما تريد به بمعنى التفضّل من الله تعالى والمنّة منه والرحمة التي كتبها على نفسه ، ومن حيث أنّه تعالى كتبها على ذاته القدسية في كثير من آيات كتابه ـ كما ألمعنا ـ علمنا بوجوب العوض منه لينتفي الظلم والعبث من فعله.
أما خصوم الشيعة فقد خالفوا ذلك كلّه فزعموا أنّه لا يجوز أن يفعل الألم لغرض من الأغراض ولا لمصلحة من المصالح ، بل يؤلم العبد بغير فائدة ولا مصلحة إطلاقا ، ويجوز أن يخلق خلقا ويدخلهم النّار مخلّدين فيها أبدا من غير أن يكون قد عصوا أمرا أو خالفوا نهيا ، وهذا هو الظلم عينه الّذي أشار إليه تعالى في كثير من آيات كتابه ، قال تعالى : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) [ غافر : ٣١ ] وقال تعالى : ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) [ فصلت : ٤٦ ] وقال تعالى : ( وَما ظَلَمْناهُمْ ) [ هود : ١٠١ ]