وقالت الشيعة : إنّ الله تعالى لم يفعل القبيح ، ولم يخلّ بالواجب ، وإن جميع أفعاله صواب وحكمة ليس فيها ظلم ولا عدوان ولا كفر ولا بهتان ، لأنه غنيّ عن القبيح مطلقا ، وعالم به فلا يفعله.
وقد خالف هذا الخصم فزعم أنّه تعالى يفعل القبيح ، وأنه تعالى خالق لجميع القبائح والمفاسد والشرور ، وليس ذلك من فعل الإنسان لأنه لا قبح من الله ولا واجب عليه ، بل فاعل كلّ شيء وخالق كلّ شيء ومريد كلّ شيء ، والقبائح هي الأخرى داخلة في ذلك الشيء ، كما ترشد إليه كلمات هذا الآلوسي ، ويقول القرآن : ( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) [ البقرة : ٢٠٥ ] ولا شك في أن نسبة حبّ الفساد وكونه مريدا له تكذيب لله تعالى عمّا يقول الكاذبون علوّا كبيرا.
وقالت الشيعة : إنّ الله تعالى يريد الطاعات سواء وقعت أو لا ، ويكره المعاصي سواء وقعت أو لا ، وخالف هذا الآلوسي فقال : إنّ إرادة الله عامّة لجميع الكائنات كالشرور والمعاصي ، وإنّ كلّ شيء يقع في الوجود من العبد هو مراد لله والله خالقه ، وليس العبد إلاّ آلة فيها ( كالمنشار بيد النجار ) هذا ما يقوله الآلوسي وغيره من خصوم الشيعة ، والقرآن يقول : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) [ غافر : ٣١ ] ويقول : ( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) [ الإسراء : ٣٨ ] ويقول : ( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ) [ الزمر : ٧ ] إلى كثير من أمثال هذه الآيات الدالّة على أنّه تعالى يريد الطّاعات ويكره المعاصي.
ومن جميع ذلك يتضح لك جليّا مخالفة الآلوسي لهذه الآيات ، وأنّه من الّذين هم عن الصراط ناكبون ، ( فأين تذهبون وأنّى تؤفكون والأعلام قائمة والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم بل كيف تعمهون ).
قال الآلوسي ص : (٦٣) : ( وأيضا يعتقدون أن اللّطف واجب على الله ، ومعناه ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية ، وهذا أيضا باطل لأن اللّطف لو كان واجبا لم يكن لعاص أن يتيسر له أسباب العصيان ، ثم أورد بعض الآيات التي تشهد على جهله بمعنى اللّطف ، وأنّها لا صلة بينها وبين ما جاء به من الهذر ).