يكون الله تعالى موجبة تامة لإيجاد الحوادث وإلاّ لزم أن تكون قديمة بقدمه واللاّزم باطل فالملزوم مثله باطل ، فيحتاج إيجاده إلى حادث آخر وهكذا فيجب أن يكون كلّ حادث مسبوقا بمواد غير متناهية والاحتياج في فاعليته إليها لا يستلزم النقص فيه إطلاقا فلا يكون الاحتياج فيها إلى الأغراض مستلزما للنقص في شيء ، لأنه أيضا يحتاج في إيجاد العرض إلى وجود المحلّ وفي إيجاد الكلّ إلى وجود الجزء ، فوجود المحلّ له دخل في وجود العرض ووجود الجزء في وجود الكلّ وهو الخالق الموجد للكلّ.
ثم إن تعليل أفعاله تعالى بالأغراض إنّما يرجع إلى الصّفات الكمالية الفعلية كخالقية العوالم ورازقية العباد ، والخلوّ عن هذه في بعض الحالات ليس نقصا قطعا وإنّما النقص خلوّه عن صفات الذات كالعلم والقدرة والحياة التي هي عين ذاته.
على أنّه إذا لم يكن يفعل لغرض ولا مصلحة لزم بطلان حجيّة القياس المعتبر عند خصومنا ، لأن حجّيته فرع كون أفعاله تعالى معلّلة بالأغراض ، كما أن حكم العقل بعدم خلوّ فعل العاقل المختار عن الفائدة والغرض لا سيّما إذا كان حكيما كاف في ثبوته.
ثم يقال لهم : إذا كان الله تعالى لم يفعل لغرض لزم ألاّ يكون محسنا لعباده ولا راحما ولا منعما ولا كريما وهو مخالف لكتاب الله والسنّة المتواترة وإجماع الأمة ، فإنهم متفقون على وصف الله تعالى بتلك الصّفات على نحو الحقيقة دون المجاز ، وذلك لأنه إنما يصح أن يصدق الإحسان والإنعام والإكرام وغيرها من الصّفات لو فعل المحسن نفعا لغرض الإحسان إلى المنتفع ، أما إذا فعله لا لذلك لم يكن محسنا إطلاقا لذا ترى لا يصحّ أن يقال لمن أطعم الدابة ليسمّنها حتى يذبحها أنه محسن إليها ، كما يلزمهم أن يقولوا إن جميع المنافع التي جعلها الله تعالى منوطة بالأشياء غير مقصودة ولا معلّلة بالفائدة ، وإنما خلقها ووضعها في مواضعها عبثا باطلا فلا يكون خلق الأعين لأن يبصروا بها ولا الآذان ليسمعوا بها