إلى جنة المأوى
لقد أجهد الإمام نفسه إجهادا كبيرا وحملها من أمره رهقا من كثرة عبادته وعظيم طاعته. أجمع المؤرخون أنه (ع) قد قضى معظم حياته صائما نهاره ، قائما ليله حتى وصل بعبادته وتهجده وتخضعه إلى درجة الفناء الكامل في الله ...
في الوقت نفسه كانت تلاحقه ذكريات كربلاء المؤلمة ، وما جرى لأبيه سيد الشهداء (ع) ولأهل البيت من النكبات الكبيرة والخطوب المريرة. وهل بإمكانه أن ينسى كلما نظر إلى عماته وأخواته فيتذكر فرارهن يوم الطف من خيمة إلى خيمة ، ومنادي القوم ينادي : أحرقوا البيوت. كل هذه الذكريات الأليمة تثير أشد الحزن في نفسه فيحزن ويذرف الدموع الحارة.
لقد بكى على أبيه عشرين سنة حتى قال له مولاه : إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. فقال (ع) : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة (١).
ومن الطبيعي أن لذلك كله أثرا مباشرا على صحته التي أذابتها هذه
__________________
(١) زين العابدين للمقرم ، ص ٣٦٣. عن الخصال ، ج ١ ، ص ١٣١.