صرحوا بشدتها في شارب الخمر منه ، ولو كان تزويج الزاني محرما لاستثني من ذلك.
فالظاهر أن الآية خبر أريد به الإخبار دون النهي ، والمعنى أن الزاني أي الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته ، وإنما يميل إلى خبيثة من شكله أو مشركة تقرب منه في الخباثة ، والزانية أي الفاسقة المسافحة لا يرغب في نكاحها الصالحون من الرجال ، وإنما يميل إلى نكاحها من هو مثلها في الفسق أو مشرك يقرب منها في الخبث ، فإن المشاكلة علة النظام والألفة ، والمخالفة سبب الافتراق والنفرة ، ويصير المعنى في الآية نحو قوله تعالى ( الْخَبِيثاتُ ) إلى آخرها ، والمقصود بيان المناسبة والمشاكلة الداعيين ، إلى الألفة والمواصلة ، وانما قرن الزنا بالشرك تشديدا لأمر الزنا وتغليظا لحرمته ، حتى أنه لا يشبهه شيء من المعاصي سوى الشرك ، أو لأن الزاني يسلب عنه الايمان حين ما يزني ، لإطاعته الهوى وإشراكه في العبادة ، ولذا قال عليهالسلام (١) « لا يزني الزاني وهو مؤمن » أو لأن المشرك لا يمتنع من الزنا ولا يبالي منه ، إذ لا يعتقد تحريمه كالزاني ، فكأنه قيل : إن الزانية لا يميل إليها إلا من لم يعتقد حرمة الزنا كالمشرك ، أو يعتقد ولا يجري على مقتضي اعتقاده كالزاني ، وحيث كان المراد بما في صدرها ذلك لزم أن يكون المراد من التحريم في آخرها الإخبار عن حال المؤمنين بامتناعهم عما يرتكبه غيرهم من المشركين وفساق المسلمين من الميل إلى الزواني وعدم المبالاة من نكاحهن ، إلا لا مناسبة ظاهرة بين نهي المؤمنين والإخبار عن عدم امتناع الفساق عنها حتى يجمع بينهما بالوصف ، بخلاف الأخبار ، فإن المناسبة المحسنة للتعاطف بينهما ظاهرة لا تخفى.
على أن إرادة النهي انما يصح لو جعل ذلك إشارة إلى نكاح الزانية خاصة ، وهو وإن كان أقرب بحسب اللفظ إلا أن الأنسب جعله إشارة إليه وإلى إنكاح
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النكاح المحرم ـ الحديث ٢٤.