كانت نظرته للخلافة نظرةً مستقلةً في ذاتها لأول وهلة ، حتى يخيل للقارىء أنه انطوى على سرٍّ دون أخوانه من الصحابة والسابقين ، ولكن حين نمعن النظر في كلماته وفي التطورات التي انتهت إليها الخلافة ندرك السر الذي ترك عماراً ينفرد مع فئةٍ قليلة من إخوانه في الصف المتخلف عن البيعة .
لقد كان موقف عمّار في هذا المجال متأثراً بخطوات علي ( ع ) حتى يكاد أن لا يبرم أمراً دون مشورته وأخذ النصيحة منه ، ومرد ذلك يرجع لأمرين أساسيين .
الأول : أنه يعلم مسبقاً بأن الوصي بعد رسول الله هو علي بن أبي طالب سماعاً من النبي ( ص ) صراحة في غدير خم حين حج آخر حجة حيث قال ( ص ) : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاده وانصر من نصره واخذل من خذله » (١) . حيث أعطاه الولاية على المؤمنين وهي أوسع من الوصاية . كما سمع منه ( ص ) حديث المنزلة حيث قال مخاطباً إياه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (٢) إلى غير ذلك من الأحاديث التي تصرّح أو تلمح إلى أحقيته بالخلافة .
الثاني : أن النبي ( ص ) خاطب عمّاراً ذات يوم بقوله :
يا عمّار ، إن علياً لا يردك عن هدى ، ولا يدلك على ردى !
يا عمّار ، طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله عزَّ وجلّ (٣) !
بعد أن يسمع هذا من النبي في حق علي ( ع ) فهل يعقل أن يبادر إلى أمر غاية في الخطورة والأهمية دون مشاورة علي فيه !؟ بالطبع لا ، وألف
__________________
(١) حديث متواتر .
(٢) حديث المنزلة أيضاً من الأحاديث المشهورة مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ .
(٣) فرائد السمطين ١ / ١٤٥ .