على الناس فقال : يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكىٰ !! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة ، وكان أبو جهل في ناحية المسجد ، فقال : كذبت والله لا تُشق . فقال زمعة بن الأسود لأبي جهل : والله أنت أكذب ، ما رضينا بها والله حين كُتبت ، فقال أبو البختري معه : صدق والله وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها ، وقال هشام بن عمرو مثل قولهم . فقال أبو جهل : هذا أمر قُضي بليل .
وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة وشقها فوجد الأرضة (١) قد أكلتها إلا ما كان من « باسمك اللهم » .
أما كاتبها منصور بن عكرمة فشلت يده (٢) . وبذلك فرّج الله سبحانه عن رسوله وعن الهاشميين فعادوا إلى ديارهم ومنازلهم لولا أن الأمور لم تقف عند هذا الحد كما سيأتي .
لقد كان هدف قريش من الحصار هو إخضاع محمدٍ ومن معه لمشيئتهم وإرادتهم ، والحد من نشاطهم وبالتالي تحجيمهم والقضاء عليهم ، وانتهى الحصار وانتهت معه تلك الأحلام اليائسة ، غير أن ذلك لم يمنعهم من مواصلة التفكير في إيجاد خطة تسمح لهم بالقضاء على محمدٍ دون ضجة ، وبالفعل فقد وجدوا الوسيلة لتحقيق ذلك لولا أن الله سبحانه أراد غير ما أرادوا .
فقد اجتمعوا فيما بينهم واستقر رأيهم على أن يختاروا من كل قبيلة فتىً من فتيانها الأشداء مزوداً بسلاحه الكامل يجتمعون ثم يقتحمون على النبي داره فيضربونه وهو على فراشه ضربة رجلٍ واحد ، وبذلك يضيع دمه بين القبائل وينتهي كل شيء وعندها يكون بنو هاشم أمام خيارين إما مقاتلة كل
__________________
(١) الأرضة : بإصطلاح العامة العِثْ .
(٢) شرح النهج : ٢ / ٣١٣ .