ويمر رسول الله ( ص ) بتلك الكوكبة من طلائع المسلمين وهم يواجهون المحنة ويصوغون بها الفجر الجديد في تأريخ الإِنسانية ، فيمسح جراحهم ويلملم أحزانهم معزياً ومسلياً وينظر الكل إليه بعيونٍ أتعبها ظلام العابثين والحاقدين ، فيرون في عينيه بريق أملٍ ووميض رجاء ، وينظر إليهم ( ص ) ثم يصافحهم مقوياً من عزائمهم شاداً على أيديهم . . وفي تلك اللحظات يقول له خباب بن الأرت : يا رسول الله ، أدعُ لنا ، فيدعو لهم . ثم يلتفت إليهم ويقول : إنكم لتعجلون ! لقد كان الرجل ممن كان قبلكم يمشط بأمشاط الحديد ويشق بالمنشار فلا يرده ذلك عن دينه ! والله ليتممن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله ، والذئب على عنزه (١) .
إلا أنه صلوات الله عليه حينما يمر على عائلة ياسر ينظر إليهم برحمةٍ وشفقة . . ثم ما يلبث أن يقول : صبراً يا آل ياسر ، فان موعدكم الجنة (٢) ثم يقبل على عمّار فيعزيه ويسليه ، ويجهش عمّار باكياً وهو يبث إلى رسول الله همومه وأحزانه فيقول : يا رسول الله ، بلغ منا العذاب كل مبلغ فيقول ( ص ) : صبراً يا أبا اليقظان ، اللهم لا تعذب أحداً من آل ياسر بالنار (٣) .
وكاد عمّار أن يلتحق بأبويه لفرط ما واجه من ضغوط نفسية وجسدية تترك أقوى النفوس مضعضعةً مهزوزة ، وأقوى الأجساد مكلومةً ومعاقة لولا إن المشيئة الإِلهية إختارت البقاء لهذا الإِنسان كي يؤدي دوره التأريخي كاملاً أزاء الرسول محمد ( ص ) ورسالته الخالدة ، وأن يتوج حياته المباركة بأعظم المواقف التي يسجلها تأريخ أمةٍ لعظيم من عظمائها وقائدٍ من قادتها . بطلٌ من أبطال « بدر » وأمير على الكوفة ، وقائد من قوّاد علي . .
__________________
(١) اليعقوبي : ٢ / ٢٨ .
(٢) الإِصابة : ٢ / ٦٤٨ .
(٣) الإِصابة ٤ / ٣٣٤ .