وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها ، لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به . فبعث له النجاشي بن الحارث ـ وكان له صديقاً ـ بأبياتٍ ، منها :
شرحبيل ما للدين فارقت ديننا |
|
ولكن لبغض المالكي جريرِ |
وشحناء دبّت بين سعدٍ وبينه |
|
فأصبحت كالحادي بغير بعيرِ |
أتفعل أمراً غبت عنه بشبهةٍ |
|
وقد حار فيه عقل كلّ بصيرِ |
بقول رجالٍ لم يكونوا أئمةً |
|
ولا للتي لقّوْكَهَا بحضورِ |
وتترك أن الناس أعطوا عهودهم |
|
عليّاً على أنس به وسرورِ |
إذا قيل هاتوا واحداً يُقتدىٰ به |
|
نظيراً به لم يفصحوا بنظير |
لعلك أن تشقى الغداة بحربه |
|
فليس الذي قد جئته بصغير |
ثم أقبل شرحبيل حتى دخل على معاوية فقال له : أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ، ونحن المؤمنون ، فان كنت رجلاً تجاهد علياً وقتلةَ عثمان حتى ندرك ثأرنا أو تذهب أرواحنا استعملناك علينا ، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد ثم جاهدنا معه حتى ندرك ثأرنا بدم عثمان ، أو نهلِك .
فقال له جرير بن عبد الله : مهلاً يا شرحبيل ، فان الله قد حقن الدماء ، ولمّ الشعث وجمع أمر الأمة ، ودنا من هذه الأمة سكون ، فإياك أن تفسد بين الناس وأمسك عن هذا القول أن يشيع ويظهر عنك قولٌ لا تستطيعُ ردَّه .
فقال : لا والله لا أستره أبداً ! ثم قام فتكلم به ، فقال الناس : صدَقَ صدق ! القولُ ما قال ، والرأي ما رأى . فأيِسَ جريرٌ عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام (١) .
قال نصر بن مزاحم في كتابه « صفين » :
كان معاوية قد أتى جريراً قبل ذلك في منزله ، فقال له : يا جرير ، إني
__________________
(١) نفس المصدر ٨٣ ـ ٨٤ .