زمن سعد بن أبي وقاص .
فبلغ ما قالاه إلى معاوية ، فبعث إلى جرير فزجره .
قال نصر في كتابه : وكتب إلى شرحبيل كتاب لا يعرف كاتبه ، فيه :
شرحبيل يا بن السَمطْ لا تتبع الهوىٰ |
|
فما لك في الدنيا من الدين من بدلْ |
وقل لابن حرب ما لك اليوم خلة |
|
تروم بها ما رمت واقطع له الأملْ |
شرحبيل ان الحق قد جدَّ جدُّه |
|
فكن فيه مأمون الأديم من النعل |
مقال ابن هندٍ في علي عضيهة |
|
وللهُ في صدر ابن أبي طالب أجلْ |
وما كان إلا لازماً قعرَ بيته |
|
إلى أن أتى عثمان في داره الأجل |
وصي رسول الله من دون أهله |
|
ومن باسمه في فضله يُضربُ المثل |
فلما قرأ شرحبيل الكتاب ، ذُعر وفكّر وقال : هذه نصيحة لي في ديني ، ولا والله لا أعجل في هذا الأمر بشيء وفي نفسي منه حاجة ، وكاد يحول عن نصر معاوية ويتوقف ، فلفّق له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به علياً ، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه (١) .
وسار شرحبيل فبدأ بأهل حمص ، فقام فيهم خطيباً ، وكان أهل الشام يرونه مأموناً ناسكاً متألهاً ، فقال :
أيها الناس ، إن علياً قتل عثمان . فغضب له قوم من أصحاب رسول الله ( ص ) فلقيهم فهزم الجمع وقتل صلحائهم وغلب على الأرض ، فلم يبق إلا الشام وهو واضع سيفه على عاتقه ، ثم خائض غمرات الموت حتى يأتيكم ، أو يحدث الله أمراً ، ولا نجد أحداً أقوى على قتاله من معاوية ، فجدّوا وانهضوا .
فأجابه الناس كلهم ! إلا نُسّاكاً من أهل حمص ، فانهم قالوا له : بيوتنا قبورُنا ومساجدُنا ، وأنت أعلم بما ترىٰ .
__________________
(١) نفس المصدر ٨٠ .