المسألة السابقة يكره ، وعلى ما قالوه فيها يحرم معللا ( لـ ) ـه بـ ( أنه قبضه عوضا عماله قبل أن يقبضه صاحبه ) في غير محله ، كالتعليل الذي من الواضح عدم اقتضائه كونه بيعا قبل قبضه ، إذ المعاوضة أعم من البيع ، ودعوى أن الحوالة قسم من البيع كما ترى ، بل هي قسم مستقل برأسه ، ومن هنا قال في المحكي عن الخلاف : « يجوز الإحالة ، سواء كان الطعامان قرضين ، أو أحدهما قرضا والآخر سلما بلا خلاف أو كانا سلمين عندنا ، لأن الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل ».
ومن ذلك يعلم أن ما حكاه في المسالك عن الخلاف في غير محله ، نعم حكى ذلك عن المبسوط والقاضي وظاهر المتن وبعض ، موافقته على بناء هذه المسألة ، على المسألة السابقة ، بل نفى الخلاف عنه في المبسوط ؛ قال : « وإن كانا سلمين لا يجوز بلا خلاف لأن بيع السلم لا يجوز قبل القبض إجماعا لا لعلة » لكن قد عرفت ما فيه ، على أنه قد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح (١) في بعض والموثق في آخر ، عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر ، فقال للرجل : انطلق فاستوف كرك ، قال : لا بأس به ».
وكيف كان فقد ظهر لك أن بناء هذه المسألة على ما تقدم لا وجه له. وما عن الشهيد في بعض تحقيقاته ـ وأنه من لطائف الفقه ، وربما كان التعليل في المتن وغيره موميا إليه ـ « من أن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة ، منطبقة على أفراد لا نهاية لها ، فأي فرد عينه المسلم إليه ، تشخص ذلك الفرد ، وانصب العقد عليه ، فكأنه لما قال له الغريم : اكتل من غريمي فلان ، قد جعل عقد السلم معه. واردا على ما في ذمة غريمه المستسلف منه ؛ ولما يقبضه بعد ، ولا ريب أنه مملوك له بالبيع ، فإذا جعل مورد السلم الذي هو بيع ، يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان ، ويلحق بالباب » ـ لو سلم فإنما هو في الفرد الذي يتشخص بالدفع والقبض ، أما الذي تشخص
__________________
(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.