المعجزة من الانبياء
وصدورها عنهم إنما هو لمبدأ مؤثر موجود في نفوسهم الشريفة متوقف في تأثيره على
الاذن كما مر في الفصل السابق.
قال تعالى : ( واتبعوا
ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفرسليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس
السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا إنما
نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به
من احد إلا باذن الله )
البقرة ـ ١٠٢. ولآية كما انها تصدق صحة السحر في الجملة كذلك تدل على ان السحر
ايضا كالمعجزة في كونه عن مبدأ نفساني في الساحر لمكان الاذن.
وبالجملة جميع الامور الخارقة للعادة
سواء سميت معجزة أو سحرا أو غير ذلك ككرامات الاولياء وسائر الخصال المكتسبة
بالارتياضات والمجاهدات جميعها مستندة إلى مباد نفسانية ومقتضيات إرادية على ما
يشير إليه كلامه سبحانه الا ان كلامه ينص على ان المبدأ الموجود عند الانبياء
والرسل والمؤمنين هو الفائق الغالب على كل سبب وفي كل حال ، قال تعالى : ( ولقد سبقت
كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون ) الصافات ـ ١٧٣ ، وقال تعالى : ( كتب الله
لاغلبن أنا ورسلي )
المجادلة ـ ٢١ ، وقال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا
والذين آمنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ) المؤمن ـ ٥١. والآيات مطلقة غير مقيدة.
ومن هنا يمكن أن يستنتج أن هذا المبدأ
الموجود المنصور أمر وراء الطبيعة وفوق المادة.
فان الامور المادية مقدرة محدودة مغلوبة
لما هو فوقها قدرا وحدا عند التزاحم والمغالبة ، والامور المجردة أيضا وان كانت
كذلك إلا أنها لا تزاحم بينها ولا تمانع إلا ان تتعلق بالمادة بعض التعلق ، وهذا
المبدأ النفساني المجرد المنصور بإراده الله سبحانه إذا قابل مانعا ماديا إفاض
إمدادا على السبب بما لا يقاومه سبب مادي يمنعه فافهم.
٥ ـ القرآن كما يسند الخوارق إلى تأثير النفوس يسندها
إلى أمر الله تعالى
ثم ان الجملة الاخيرة من الاية السابقة
في الفصل السابق أعني قوله تعالى : ( فإذا