حال المؤمنين والكفار والمنافقين ، خمس صفات ، وهي الايمان بالغيب ، واقامة الصلوة ، والانفاق مما رزق الله سبحانه ، والايمان بما انزله على انبيائه ، والايقان بالآخرة ، وقد وصفهم بانهم على هدى من ربهم فدل ذلك على ان تلبسهم بهذه الصفات الكريمة بسبب تلبسهم بلباس الهداية من الله سبحانه ، فهم انما صاروا متقين اولي هذه الصفات بهداية منه تعالى ، ثم وصف الكتاب بانه هدى لهؤلاء المتقين بقوله تعالى : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) فعلمنا بذلك : ان الهداية غير الهداية ، وان هؤلاء وهم متقون محفوفون بهدايتين ، هداية اولى بها صاروا متقين ، وهداية ثانية اكرمهم الله سبحانه بها بعد التقوى وبذلك صحت المقابلة بين المتقين وبين الكفار والمنافقين ، فانه سبحانه يجعلهم في وصفهم بين ضلالين وعمائين ، ضلال اول هو الموجب لاوصافهم الخبيثة من الكفر والنفاق ، وضلال ثان يتأكد به ضلالهم الاول ، ويتصفون به بعد تحقق الكفر والنفاق كما يقوله تعالى في حق الكفار : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ) البقرة ـ ٧ ، فنسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إلى انفسهم ، وكما يقوله في حق المنافقين : ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ) البقرة ـ ١٠ فنسب المرض الاول إليهم والمرض الثاني إلى نفسه على حد ما يستفاد من قوله تعالى : ( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين ) البقرة ـ ٢٦ ، وقوله تعالى : ( فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ) الصف ـ ٥.
وبالجملة المتقون واقعون بين هدايتين ، كما ان الكفار والمنافقين واقعون بين ضلالين.
ثم ان الهداية الثانية لما كانت بالقرآن فالهداية الاولى قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة ، فان الفطرة إذا سلمت لم تنفك من ان تتنبه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى امر خارج عنها ، وكذا احتياج كل ما سواها مما يقع عليه حس أو وهم أو عقل إلى امر خارج يقف دونه سلسلة الحوائج ، فهي مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحس منه يبدء الجميع واليه ينتهي ويعود ، وانه كما لم يهمل دقيقة من دقائق ما يحتاج إليه الخلقة كذلك لا يهمل هداية الناس إلى ما ينجيهم من مهلكات الاعمال والاخلاق ، وهذا هو