مستحيل والمستحيل ممّا لا يستحقّ ...
فلا يصحّ إلاّ ما ذكرناه من أنّ الأقلّ يسقط بالأكثر. وهذا هو الّذي يقوله الشّيخان أبو عليّ وأبو هاشم ولا يختلفان فيه ، وإنّما الخلاف بينهما في كيفيّة ذلك » (١).
يلاحظ عليه : إنّه مبنيّ على أنّ استحقاق العقاب على وجه الدّوام ، وهو مبنيّ على أنّ مرتكب الكبيرة مُخلّد في النّار ، وبما أنّ الأساس باطل ، فيبطل ما بنى عليه ، فلا دليل على دوام استحقاق العقاب ، وعلى ذلك فالحصر غير حاصر ، وأنّ هنا شقّاً سادساً ترك في كلامه وهو أنّه يستحقّ الثّواب والعقاب معاً لكن لا دفعة واحدة ، بل يعاقب مدّة ثمّ يخرج من النّار فيثاب بالجنّة على ما عليه جمهور المسلمين.
وقد نقل القاضي عبدالجبّار وجهاً عقليّاً آخر للإِحباط عن الشّيخ أبي عليّ وأجاب عنه ، فلاحظ (٢).
تحليل لمسألة الإِحباط
وهيهنا تحليل آخر للمسألة وهو أَنّ في الثّواب والعقاب أقوال :
١ ـ الثّواب والعقاب في الآخرة من قبيل الأمور الوضعيّة الجعليّة ، كجعل الاُجرة للعامل ، والعقاب للمتخلّف في هذه النشأة.
٢ ـ الثّواب والعقاب في الآخرة مخلوقان لنفس الإنسان حسب الملكات الّتي اكتسبها في هذه الدّنيا ، بحيث لا يمكن لصاحب هذه الملكة ، السُّكون والهدوء إلاّ بفعل ما يناسبها.
٣ ـ الثّواب والعقاب في الآخرة عبارة عن تمثّل العمل في الآخرة وتجلّيه فيها
__________________
١ ـ شرح الاصول الخمسة : ص ٦٢٥. وترك تعليل الوجه الأول ( وهو أن يستحق الثواب فقط ) والثاني ( وهو أن يستحق العقاب فقط ) لوضوحه.
٢ ـ شرح الاصول الخمسة : ص ٦٣٠ ـ ٦٣١، وحاصل هذا الدليل أنّ المكلّف ، بارتكاب الكبيرة يخرج نفسه من صلاحيّة استحقاق الثواب. وهو كما ترى دعوى بلا دليل ، إذ لا دليل على أنّ كلّ معصية لها هذا الشأن ، وليست كلّ معصية كالكفر والارتداد والنفاق.